كيف تتواصل بهدوء مع شريك يتصرف بدفاعية؟

لعلَّك تعرف زوجَين يتصرف أحدهما بدفاعية، ثم ينكر الأمر؛ لا بل يلقي باللائمة على شريكه، ويتهمه بالتطلب والعدوانية والتحكم، وبأنَّه يستحيل إرضاءه، ولكن في الحقيقة، مجرد محاولة إخباره بأنَّه قال شيئاً آلم شريكه تحدٍّ هائل؛ فأول ما يفعله للدفاع عن نفسه هو إنكار ما قاله والادعاء بأنَّه شوَّه كلماته أو اختلقها، وأما إذا تمسَّك شريكه بموقفه، يردُّ عليه بقسوة بأن ينظر إلى سلوكه الذي دفعه لقول ما قاله.



وأحياناً أخرى، يوجِّه إلى شريكه نقداً قاسياً عما يتبادر منه، وكيف أنَّه يشكو بعدوانية، وإذا ما استمر شريكه في الشكوى، يشنُّ هجوماً عنيفاً عليه، فتراه يهز برأسه باشمئزاز، ويقول أشياء مثل: "انظر إلى وجهك، وأصغِ إلى نبرة صوتك، فأنت الغاضب، وليست لي أيَّة صلة بالأمر"، ثم يتهمه بمحاولة السيطرة عليه، مدعياً أنَّه إذا فعل أي شيء خلافاً لما يريده، فعليه وضعه عند حده والتحكم به.

في هذه المرحلة، شريكه هو مَن يشعر بأنّ الآخر يسيطر عليه، ويُسكته، فيزداد غضباً، ليفقد في النهاية أعصابه، ويبدأ بالصراخ، ثم يتحول النقاش بعدها - الذي لم يكن نقاشاً أصلاً - إلى شجار ينتهي عادةً بخروج الشريك من الغرفة، ليصرخ الآخر وراءه متهماً إياه بالتحكم بالنقاش أكثر مع خروجه.

للأسف، يحدث هذا النوع من الجدالات طوال الوقت بين الأزواج، ولم يتمكن الجميع من نساء ورجال يعايشون السيناريو هذا في علاقاتهم، من توضيح ما يؤلمهم قط؛ لذا لا يشعرون نهائياً بأنَّ صوتهم مسموع أو بالعطف والحب من شركائهم؛ وذلك لأنَّهم يرفضون الاعتراف بالأذى الذي تعرَّض شركاؤهم له - وبتجربتهم بأكملها - هذا يعني أنَّهم يرفضونهم أيضاً.

يبدأ الأمر بانزعاج الشريك من شيء محدد، الذي غالباً ما يكون تعليقاً أو أمراً صغيراً فعله؛ فلا يحتاج في المرحلة هذه سوى القليل من التفهم واللطف، إلا أنَّ ما يناله في المقابل هجوماً عنيفاً؛ لذا يتضاعف الألم الذي كان يشعر به بسبب كثرة الانتقادات التي عليه التعامل معها الآن، فقد زادت شعور الألم جملة من مشاعر الغضب والوحدة والإحباط وانعدام الحب، وحتى وإن حاول التعبير عن استيائه، فسيخسر بكل الأحوال.

بالإضافة إلى ذلك، يشعر بالضيق بسبب حدوث كل هذه الجدالات؛ فلن يتغير حال علاقتهما أو يتحسن أبداً ما لم يأخذ شريكه ما يؤلمه ويزعجه على محمل الجد ويتعامل معه؛ وهذا يُضيف إلى المشاعر السلبية - التي تراكمت أصلاً - الشعور بالعجز.

قد تقول: من الواضح أنَّه بحاجة إلى ترك شريكه، وأنَّ ما يعيشه يندرج تحت الإساءة العاطفية، ولكن إليك المشكلة: لا يرغب هذا الشخص في ترك شريكه؛ فما يزال يحبه، ويعتقد أنَّ هناك جوانب إيجابية كافية في العلاقة ليكمل حياته معه، إلى جانب تصرفاته الدفاعية، الشخص هذا ذكي للغاية ومضحك ومحب؛ إذ يُغرق شريكه بحبه، كما أنَّ شريكه مولع بعائلته، وهذا مجرد غيض من فيض الصفات الحميدة الأخرى التي يمتلكها.

المشكلة التي تؤثر في جميع الأمور الإيجابية هذه هي أنَّه عندما يفعل أمراً يزعج شريكه، لا توجد طريقة فعالة لمشاركته معه؛ إذ لا يقوى إلا على كبت جروحه وغضبه، أو إذا لم يستطع الكبت أكثر، فعليه مواجهة نيران غضبه.

ما يريده مثل هذا الشخص هو استراتيجيات تساعده على التكيف والتواصل مع شريكه بفاعلية، وتخفف من دفاعيته؛ فهو يود أن يكون أكثر سعادة في هذه العلاقة، وألا يأخذ مواقف شريكه الدفاعية على محمل شخصي، وأن يتمكن من الابتعاد عن موجة الغضب التي يوجهها له.

لجميع أولئك الذين يعايشون تجربة مثل هذه مع شركائهم، نستعرض النصائح الآتية التي من شأنها المساعدة على تحقيق التواصل معهم والتعبير عن المشاعر:

1. التزم بالحقائق:

حدد بدقة ما حدث وأزعجك، واستعمل الكلمات المحددة التي قيلت وسلسلة الأحداث الدقيقة التي جرت في أثناء التعبير عن مشاعرك؛ فلا تتوسع في الحديث، ولا تعمم، ولا تفسِّر أي شيء؛ لأنَّ ذلك يشجعه على التصرف بدفاعية.

2. تكلَّم باستعمال صيغة المتكلم:

قل مثلاً: "لقد جرحتني"، أو "أشعر بأنَّك أسأت فهمي"، واحصر المحادثة بما لا جدال فيه؛ أي تجربتك التي تعايشها.

إقرأ أيضاً: 3 نقاط أساسيّة لتأسيس علاقة زوجيّة ناجحة

3. لا تواجه غضب الشريك الدفاعي بغضب:

حافظ على اعتدال نبرة صوتك وثباته، وعلى هدوء أعصابك؛ فقد تكون هذه أهم نصيحة نقدِّمها لك، ومع صعوبة المحافظة على الهدوء عندما نشعر بأنَّ شريكنا يهاجمنا دون وجه حق، فمن الهام ألا نواجه غضب الشخص الذي يتصرف بدفاعية بالمزيد من الغضب؛ إذ يؤدي غضبك إلى تأجيج نار غضبه، الأمر الذي لن يتسبب سوى في تعزيز موقفه الدفاعي ضدك؛ إذ سيدَّعي بأنَّك مسؤول عما يحدث، وهو البريء بينكما.

4. ارفع راحة يدك أمام وجه شريكك لتُعلِمه بأن يتوقف:

تبني هذه الحركة نوعاً من الحدود بينك وبين شريكك، ورسالة لا يمكنه مواجهتها كما يواجه كلماتك؛ وإذا شعرتَ بأنَّ لك الحق فيما تفعله، فأرفِق إيماءة التوقف هذه بكلمات هادئة، مثل: "من فضلك، لا تستعمل تلك النبرة معي"، أو "من فضلك، لا تتحدث معي بهذه الطريقة".

5. كرر كلامك:

عندما يغير الشخص الذي يتصرف بدفاعية الموضوع، ويتحدث في أمر مختلف - غالباً ما يكون مرتبطاً بك - كرر الكلمات نفسها التي بدأتَ بها بهدوء وبصوت منخفض وبطيء، كأن تقول: "شعرت بالضيق عندما قلت..."، ثم تكرر الجملة إذا غيَّر الموضوع.

لا تدافع عن نفسك ضد الاتهامات التي يوجهها لك، فلا يجب أن تسقط في هذا الفخ، ومهما بلغت صعوبة الأمر، وشعرت بأنَّه غير منطقي، تجاهل ما يوجهه إليك، وعُد إلى التجربة التي تحاول التعبير عنها.

6. غادِر الغرفة:

اخرج من الغرفة حينما يحتدم النقاش، دون الحاجة إلى تفسير أي شيء.

إقرأ أيضاً: فن الحوار الناجح والتواصل مع الآخرين

7. أخبر شريكك بما تقاسيه من تصرفاته الدفاعية في اللحظة التي تسير فيها الأمور على ما يرام بينكما وتتقربان من بعضكما:

لا تجعل الأمر يتعلق بسلوكه الدفاعي؛ بل في رغبتك في أن تتقرب منه أكثر، وعبِّر عن رغبتك في مشاركة ما ينجح في العلاقة وما لا ينجح بصدق؛ والأهم من ذلك، دع شريكك يعلم أنَّه حتى عندما تنزعج من شيء قاله، فلا تزال تحبه وتحترمه.

بالنسبة إلى أولئك الذين سيغضبون لأنَّنا نحاول مساعدة شخص ما على العيش بسلام في علاقة كهذه، وأنَّ ما ينبغي علينا فعله هو مساعدته على ترك شريكه، سنقول ما يأتي: هذه النصائح موجهة لأولئك الذين لا يرغبون في الانفصال عن شركائهم؛ بل لمَن يود العيش بسلام في علاقة يسودها جو سلبي، مثل أيَّة علاقة؛ إذ يختار العديد من النساء والرجال الاستمرار في علاقات قد نحكم عليها من الخارج، بأنَّها يجب أن تنتهي؛ فهكذا هو حال العلاقات الإنسانية.

إذا كنت على علاقة بشخص يتخذ موقفاً دفاعيَّاً، ويستعمل الغضب لإسكاتك والسيطرة عليك، فربما تساعدك بعض النصائح التي قدَّمناها؛ فالعلاقات صعبة بطبيعتها، وتلك التي يستحيل فيها مشاركة ما يؤلمك تُعَدُّ أكثر صعوبة ووحدة.

ومع ذلك، كما هو الحال دوماً في العلاقات، كلما استطعت إبعاد نفسك عن سلوك شريكك وردود أفعاله، تمكَّنتَ من تجنُّب الوقوع في شرك غضبه؛ وكلما كنت أكثر سعادة ورضى، ازدادت سيطرتك على مشاعرك وعواطفك؛ فغالباً ما يكون الطريق إلى بلوغ السلام في العلاقات محفوفاً بالظروف التي لا تعجبنا، ولا أحد ينصحنا بالسير فيها؛ فنحن أمام خيارين: إما انتظار علاقة مثالية، أو محاولة إصلاح علاقاتنا بعيوبها.

المصدر




مقالات مرتبطة