كيف تتقن العمل في الشركات؟

ما هي المهارات اللازمة لتحقيق نجاحات باهرة في حياتك المهنية؟ وما الذي يجعل المرء قادراً على تقديم أداءٍ ناجح تحت كم هائل من الضغط والتغييرات المستمرة، ومواصلة القيام بذلك مع مرور الوقت دون الوصول إلى حد الانهيار؟ تبيَّن أنَّ هناك الكثير من الإجابات عن هذا السؤال؛ حيث تركز معظمها على المكافآت اللازمة لتحقيق النجاح، وطبيعة الثقافة التنظيمية التي تولِّد التميز، ومجموعة المهارات الخاصة اللازمة لبلوغ ذروة الأداء.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "نانسي كوليير" (Nancy Colier)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها في إتقان فن العمل في الشركات.

لكن، أجرت "كلية هارفارد للأعمال" (Harvard Business School) دراسة من نوع مختلف، فحصت فيها استراتيجيات وعادات الرياضيين الناجحين، وما إذا كان يمكن الاستفادة منها في تحقيق التقدم في الأعمال التجارية، وما إذا كان في إمكاننا تدريب كبار المديرين التنفيذيين كـ "الرياضيين" في الشركات، ويبدو أنَّ الإجابة هي "نعم"؛ إذ يمكننا بالفعل تطبيق الحكمة التي ننهلها من مجال الرياضة لمساعدة أنفسنا على النجاح في كل ما يمثِّل تحدِّياً.

ولأنَّني شاركتُ في منافسة رفيعة المستوى من الفروسية لأكثر من عقدين، فقد اتضح لي منذ فترة طويلة أنَّ العقلية والمهارات التي تعلمتُها، كرياضية قادرة على التنافس هي التي تساعدني على تحقيق النجاح في كل مسعى آخر في حياتي، سواء على الصعيد المهني أم الشخصي.

إقرأ أيضاً: 6 طرق تساعد على تحقيق النجاح

يبدو أنَّ هناك دليلاً على هذا الكلام الآن؛ حيث تُظهر الأبحاث في مجال الرياضة أنَّ نجاح كبار الرياضيين يُعزى إلى حد كبير إلى قدرتهم على الأداء تحت الضغط، والأهم من ذلك، القدرة على التعافي بعد التعرض للإجهاد؛ فالتعافي هو عملية حاسمة، يستريح فيها الجسم والعقل، ويعيدان بناء نقاط قوة جديدة، ويعززان المرونة أيضاً، تماماً كما يحدث مع العضلات بين فترات التدريب.

ومع ذلك، عند مقارنة وظائف الرياضيين والمديرين التنفيذيين، ثمة اختلافات كبيرة في فرصهم الطبيعية للتعافي:

  • أولاً: يقضي الرياضي معظم وقته في التدريب والممارسة، مع قضاء نسبة صغيرة فقط في المنافسة الفعلية؛ وعلى الجانب الآخر، يتنافس المدير التنفيذي طوال الوقت.
  • ثانياً: عادةً ما تكون الفترة التي يتعرض فيها الرياضي للإجهاد العالي قصيرة إلى حد ما، ولديه الكثير من الوقت للتعافي بعد انتهاء هذه الفترة؛ بينما لا تحصل الشركات سوى على إجازة لبضعة أسابيع سنوياً، هذا وإن كانت محظوظة.
  • وأخيراً، تستمر مهنة رياضي رفيع المستوى في المتوسط ​​أقل من عقد من الزمن؛ بينما تمتد مسيرة المدير التنفيذي طوال الحياة، وفي هذا الصدد، إذا أراد أي مدير تنفيذي جني ثمار عملية التعافي، فعليه أن يجد طرائق بديلة للراحة وإعادة تعزيز طاقته.

يجب على المديرين التنفيذيين التركيز على المهارات اللازمة في مجالهم المحدد، وعلى إنشاء حياة واعية وفاعلة أيضاً، تغذيهم جسدياً وعاطفياً وعقلياً وروحياً؛ وذلك لتحقيق أداء جيد في البيئات التي تتطلب العمل تحت الضغط العالي باستمرار، وأما لتحقيق التميز في العمل، فيجب على "الرياضيين" في الشركات أن يحققوا التميز في حياتهم في نهاية المطاف.

"الرياضيون المرنون" في الشركات:

مع أنَّ تركيز المديرين التنفيذيين يعتمد على عقولهم معظم الوقت، فإنَّه يجب عليهم أن يولوا اهتماماً كبيراً لسلامة أجسادهم أيضاً؛ حيث لا يقتصر الأمر على كيف يبدون فحسب؛ بل على كيفية الاعتناء بها؛ فلا يمكنهم التركيز والعمل على مستوى عالٍ من الأداء لفترة طويلة جداً بمعزل عن أجسادهم.

ينسى المديرون التنفيذيون أمر أجسادهم أحياناً، ولكنَّ ذلك سيؤدي حتماً مع مرور الوقت إلى الإرهاق؛ فلا يمكن إهمال الاهتمام بالنظام الغذائي، وممارسة التمرينات الرياضية، ونيل قسط كافٍ من النوم، واتباع برنامج لتعزيز الصحة البدنية عندما يكون التميز هو هدفك.

أما على المستوى العاطفي، فيجب على المديرين التنفيذيين الانتباه جيداً لحالتهم الشعورية؛ إذ لا ينبغي عليهم السماح لعاطفة قوية، كالغضب أو الإحباط بالسيطرة عليهم، ومن ثمَّ خفض مستواهم المهني؛ تماماً كما قد يتساءل المدير التنفيذي عما يشعر به على المستوى الجسدي، يجب أن يدرك ما الذي يشعر به على المستوى العاطفي أيضاً، وأن يكون قادراً على إدارة العواطف القوية عند ظهورها؛ لذا فاليقظة الذهنية ممارسة حاسمة في خلق التميز.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن للذكاء العاطفي أن يحسن أداءك في العمل؟

ومن منظور عقلي، فإنَّ القدرة على التحكم بانتباهنا هي أساس تعزيز قدرتنا على الأداء تحت الضغط والتعافي من الإجهاد؛ إذ يجب أن نكون قادرين على تركيز انتباهنا عندما يكون ذلك هاماً، وتحويله بعيداً عن الأفكار السلبية والمشتتة، والتأمل هو مراقبة أفكارنا والانفصال عنها، وهذا يحمينا من الوقوع في فخ الأفكار التي تدمِّر أداءنا؛ وبهذا يكون التأمل أكثر ممارسة ذهنية هامة؛ وذلك لتحقيق ذروة الأداء.

وعلى المستوى الروحي، يجب أن يكتشف المدير التنفيذي معنى في حياته، ويُدرك لماذا يفعل ما يفعله، وما الذي يهمه حقاً، وما هي القيم التي يخدمها، ومع أنَّ ذلك قد يبدو غير مرتبط بعقلية المديرين التنفيذيين، فإنَّه يجب على صاحب الأداء العالي في أي مجال أن يفكر بوعي في جوهر حياته؛ فالإحساس بعيش حياة هادفة هو - قبل كل شيء - أكبر ترياق للإرهاق.

كبار المديرين التنفيذيين هم كالرياضيين في الشركات؛ حيث لا يمكن تحقيق التميز من خلال التمتُّع بالمهارات الأساسية التي تتطلبها المهنة فحسب؛ بل من خلال رعاية إنسانية الفرد وعواطفه.

لتحقيق أداء عالي المستوى والحفاظ عليه في البيئات التي تتطلب العمل تحت الضغط، يجب أن ننتبه ونغذِّي جميع مجالات حياتنا؛ حيث تبيَّن أنَّ الرعاية الذاتية هي في الواقع سر العظمة.

المصدر




مقالات مرتبطة