كيف تتغلب على فكرة أنَّك "لست جيداً بما يكفي"؟

أتساءل كم مرةً قد سمعتُ عبارة "إذا كان أمر ما يستحق القيام به، فهو يستحق أن يتم عمله على أتم وجه"؟ كان والداي يحاولان تعليمي (إن لم أكن قد استوعبت ذلك من أفعالهم أصلاً) أهمية السعي إلى تحقيق التميز. لقد كانا يشجعان ما يسميه بعض علماء النفس "الكمال البنَّاء" أو "الكمال الصحي"، وهي سمة شخصية تتعلق بإيجاد المتعة وحتى تحقيق الرضى في الحياة من خلال القيام بالأعمال بمنتهى الجودة التي يمكنك تحقيقها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدونة "مارغريت راذرفورد" (Margaret Rutherford)، وتُحدِّثنا فيه عن التغلب على فكرة "لستُ جيداً بما يكفي".

في حالة الكمالية البنَّاءة أو الكمالية الإيجابية، يكون التركيز موجهاً نحو العملية؛ تتعلم من الأخطاء أو حتى من الفشل، فهي تُعَدُّ عموماً سمةً مفيدةً مرتبطةً بكونك واعي الضمير ومنضبط الذات بشكل أكبر من المعتاد.

ومع ذلك، يمكن أن يكون للكمالية جانب سلبي. عرَّفت الأكاديمية والمؤلفة الأمريكية "برينيه براون" (Brené Brown) هذا النوع من الكمالية في كتابها الأول "نعمة عدم الكمال" (The Gifts of Imperfection) في عام 2010، بأنَّه "نظام اعتقادٍ مدمر للذات وإدماني، ويغذي هذا الفكر فكرة: إذا بدوتُ كاملاً، وعشتُ بكمال، وقمتُ بأداء جميع الأعمال بكمال، يمكنني أن أتجنب أو أقلل من الشعور المؤلم بالعار والحكم واللوم".

هذا الشكل من الكمالية - الذي يغذيه العار الداخلي الذي يجب قمعه - ينطوي على محاولة تلبية التوقعات المستمرة حول ماهية "الكمال". هذا النوع من المثالية ليس مُرضياً وهو بعيد كل البعد عن أن يكون ممتعاً. ومع ذلك، يشعر الكثير من الناس أنَّه من الملزم عليهم أن يكونوا كما لو كان كل شيءٍ كاملاً وعلى أتم وجه. فهم يعتقدون أنَّ عدم القيام بذلك يعني النقص وعدم الكمال.

وهذا ما يعُرَف​ في أدب علم النفس الأوسع نطاقاً بـ "الكمال غير الصحي" أو "الكمال المدمِّر". في مثل هذه الحالة، لا توجد علاقة بين الغاية وبين سير العملية. فهي موجهة إلى هدف معين يضغطك بقوةٍ. وأؤمن أنَّها تساهم بازدياد في مشكلات الصحة العقلية.

يريد الكماليون البنَّاؤون - فلنقل إنَّهم سباحون مثلاً - التغلب على أنفسهم، وعلى أفضل ما لديهم؛ وذلك يجلب معه كل أنواع المشاعر الإيجابية. فالفوز في السباق شيء عظيم، إن تمكنوا من تحقيق ذلك، في حين أنَّ الكماليين المدمِّرين يريدون أن يصلوا إلى مرتبة السبَّاح المثالي. وهنا يكون الهدف هو الفوز في كل سباق؛ فإن لم يحققوا ذلك، فإنَّ العار يخاطبهم قائلاً إنَّهم عديمو القيمة.

سيجد العديد من الأشخاص الكماليين أنفسهم في مكانٍ ما على طيفٍ بين هذين القطبين، ولكن ضمن دراساتي السريرية لاحظت وجود مشكلةٍ أخرى. فمن المفارقات، لا يعتقد الكماليون المدمرون أنَّهم كماليون أصلاً؛ لأنَّهم لا يؤمنون مطلقاً أنَّ أفضل ما يبذلونه جيد بما فيه الكفاية. هناك دوماً إنجاز قادم يتطلعون إليه.

إذاً، أين تقبع جذور الكمالية المدمرة؟ أعتقد أنَّ الناس غالباً ما يطورون طريقة التفكير والحياة هذه عندما يكبرون دون أن ينمو معهم شعور الدعم والأمان والرعاية، أو يمكن أن يكون أيضاً ردة فعل على أذيات معينةٍ في الطفولة أو على تعرضهم لتوقعات قاسية في محيطهم الثقافي؛ إذ تصبح الكمالية استراتيجية حتمية للاستمرار عاطفياً، ويصبح الضعف شيئاً مُهاناً.

على مدار العقد الماضي، عالجتُ المزيد والمزيد من الأشخاص الذين لم يعرفوا تماماً سبب قدومهم إلى المعالج النفسي. فقد أقاموا حواجز ضخمة أمام الكشف عن أي نوع من الألم العاطفي؛ تساءلت عما إذا كان لديهم حتى القدرة على التعبير عن مثل هذه المشاعر. ظاهرياً، لم يبدوا مكتئبين على الإطلاق؛ فكانوا يصفون قضاياهم ومشكلاتهم وكأنَّها ناجمة عن العمل الزائد أو الإرهاق أو بعض القلق.

تفسيري هو أنَّهم كانوا كماليين مدمرين؛ ولكنَّ دافعهم بدأ بالنفاد، إلَّا أنَّهم غير واثقين مما هو خاطئ، أو إن كان هناك خطأ أصلاً. كان ألمهم العاطفي مخفياً ببراعة، وفي أغلب الأحيان دون أن يكونوا واعين لذلك.

عندما أسألهم عما إذا كانوا مكتئبين، أسمع منهم إنكاراً صارماً، ويقولون: "لدي الكثير من النعم في حياتي". إن سألتُهم فيما إذا قدمَت طفولتهم لهم الأمن والأمان، يضحكون وينكرون أو يستصغرون فكرة وجود أي مشكلة، أو أحياناً يصبحون هادئين للغاية وينظرون خارجاً عبر النافذة كما لو أنَّهم كانوا يتمنون وجودهم في أي مكانٍ عدا مكتبي.

لكن مع مزيد من الجلسات، كانوا يخاطرون ببطء بمشاركة أسرار بشيء من الخجل، وتنزلق عباءة صمتهم التي كانت تبدو غير قابلةٍ للاختراق، لتكشف عن شعورهم الهائل بالوحدة واليأس.

وفي كثير من الحالات، وجدتُ أنَّهم حينما يتخلون عن حذرهم يستطيعون أيضاً فهم أنَّ ما هو "خاطئ" أو غير صحي قد لا يتناسب مع التعريف التقليدي للاكتئاب؛ ولكنَّ الموضوع كان حقيقياً ومدمِّراً كما هو الاكتئاب.

بدأتُ البحث في الأدب الشعبي حول الكمال والعار والخوف من الضعف، وقد وجدتُ ثروةً من الأبحاث والكتابات حول أهمية الضعف والثمن الذي يكلفه العار من قِبل "براون" المذكورة آنفاً، والأفكار السابقة حول "الاكتئاب الخفي" للمؤلف والطبيب النفسي للأسرة "تيرينس ريل" (Terrence Real)، وكتاب "التعاطف مع الذات" (Self-Compassion) لعالمة النفس "كريستين نيف" (Kristin Neff​) من عام 2015.

ولكن لم أجد أي شيءٍ حاسمٍ لعامة الناس حول العلاقة بين الكمالية وبين وجود شكلٍ لاكتئابٍ خطير محتمل؛ لذلك، بالاعتماد على تجارب وقصص العديد من العملاء الذين رأيتهم في ممارستي لأكثر من 25 عاماً، قمت بصياغة أفكاري الخاصة حول هذه المشكلة المميزة وكيف يمكن معالجتها بشكل أكثر فاعليةً وتعاطفاً.

كتابي "الاكتئاب الخفي تماماً" (Perfectly Hidden Depression) من عام​ 2019، مبنيٌّ على كيفية تأثير نوع خطير من الاكتئاب - والذي يغذيه السعي إلى الكمال - في حياة شخصٍ ما، وكيف أنَّه حتى لو حصل شخص ما على درجات منخفضة على مقاييس الاكتئاب يمكنه أن يعيش مع صعوبات عاطفية عميقة الجذور وتجارب مؤلمة لم يتم حلها، التي قد تهدد في النهاية إرادته في الحياة؛ وهذه هي المتلازمة التي أسميها "الاكتئاب الخفي".

لقد حددتُ 10 سمات تظهر في عملية اتخاذ القرارات اليومية وفي سلوك الأشخاص الذين تظهر عليهم علامات هذه المتلازمة:

  1. أنت شخص مثاليٌّ للغاية، ومثاليتك هذه تتغذى من صوتٍ داخليٍّ ثابتٍ وملحٍّ من الخزي أو الخوف الشديد.
  2. تُظهِر إحساساً متزايداً أو مفرطاً بالمسؤولية وتبحث عن حلول.
  3. تجد صعوبةً في تقبل المشاعر المؤلمة والتعبير عنها؛ وهذا يبقيك أكثر تحليلاً أو يمكن القول "عالقاً داخل رأسك".
  4. تستبعد أو ترفض أو تنكر إساءةً أو صدمةً من الماضي أو في الحاضر.
  5. تقلق كثيراً (لكنَّك تخفي هذه العادة) وتتجنب المواقف التي لا تكون فيها مسيطراً.
  6. تركز بشدة على المهام وعلى توقعات الآخرين؛ وذلك باستعمال الإنجاز كوسيلةٍ للشعور بأهميتك. ومع ذلك، ما إن تنتهي من آخر إنجاز لك، يفرض ضغط جديد نفسه عليك، وتهمل أي نجاح.
  7. لديك اهتمام نشط وصادق بسلامة الآخرين، بينما تسمح للقليل - إن وجد - بالدخول إلى عالمك الداخلي.
  8. تعاني من صعوبةٍ عاطفيةٍ في العلاقة الحميمة الشخصية؛ ولكنَّك تُظهر نجاحاً مهنياً كبيراً.
  9. قد تعاني من مشكلات مرافقة في صحتك العقلية التي تنطوي على مشكلات في القلق والسيطرة، مثل اضطراب الوسواس القهري (OCD)، واضطراب القلق العام (GAD)، والذعر و/ أو اضطرابات الأكل.

إذا قرأت هذه السمات ووجدت أنَّك تتطابق مع العديد منها أو جميعها، فقد يكون هذا مطمئناً إلى حد ما - فقد يمنحك فكرةً عن سبب شعورك بالطريقة التي تشعر بها، وكيف أنَّك لم تعرف ما هو الخطأ وكيف كنت خجلاً حتى من التفكير في الأمر.

إذا كنت الآن قد استوعبت الموضوع فجأةً، فلا بد أنَّك تدرك أنَّه لا يمكنك أن تجبر نفسك على مشاركة أي نقطة ضعف، أو ربما قد تتعرف هذه السمات لدى شخص آخر. اعلم ما يأتي: لقد وجدتُ أنَّ هناك ترياقاً مضاداً للاكتئاب الخفي تماماً، ألا وهو قبول الذات.

شاهد: 12 صفة تجعلك صاحب شخصية مثالية

إذاً ما الذي يجب عليك فعله؟

إذا كنت تعتقد أنَّك تسعى إلى الكمال بشكل غير صحي، وأنَّ ذلك يمكن أن يخفي مشكلاتك العاطفية المتأصلة في الجذور، فأقترح خمس مراحلٍ يمكن أن تساعدك: الوعي، والالتزام، والمواجهة، والتواصل، والتغيير.

المرحلة الأولى: الوعي

تشير هذه المرحلة إلى أهمية أن تدرك أنَّ كماليتك تمثل مشكلةً في المقام الأول، على الرغم من أنَّ تمكُّن المرء من تحديد مشكلاته يُعَدُّ جزءاً من كل عملية شفاء عاطفي/ عقلي، إلَّا أنَّ هذه المرحلة قد تكون معقدةً بشكل خاص بالنسبة إليك لأنَّك أقنعت نفسك بأنَّ سمات الكمال لديك طبيعية أو أنَّها ليست بمشكلة.

قد تتساءل: (أليس هذا حال الجميع؟). الجواب عن سؤالك هو "لا"، ليس كذلك. ومع ذلك، من المرجَّح أن يكون التخلي عن استراتيجيةٍ ما أو تعديلها بغية تحقيق النجاح الخارجي أمراً صعباً للغاية. في الواقع، قد تصبح عملية تجنب أي مشاعر وذكريات مؤلمة شيئاً تفعله دون وعي.

هناك طرائق مختلفة لتطوير البصيرة فيما يتعلق بالدور الذي تؤديه المثالية المدمِّرة في حياتك، وتُعَدُّ اليقظة الذهنية إحدى التمرينات التي يمكنك تجربتها بنفسك.

يتمحور مفهوم اليقظة الذهنية بشكل كبير حول تغيير كيفية انتباهك لشيءٍ ما؛ إذ إنَّ اليقظة تعمِّق تجربتك للوقت الحاضر. إليك أحد أساليب اليقظة الذهنية السهلة: اجلس في مكان مريح، واضبط المؤقت لمدة ثلاث إلى خمس دقائق، وتنفس بعمق، وأغلق عينيك، وحافظ على تركيزك وعلى أنفاسك قدر الإمكان، وقم بالعد من 1 إلى 10، ثم ابدأ من جديد. إذا كان عقلك يشرد - وهو ما سيحدث - فاترك هذه الأفكار برفق وأعد التركيز على التنفس.

عندما يرن المؤقت، تحقق من عواطفك بينما ما تزال عيناك مغمضتين. يمكن أن يكون هناك تهيج، أو ارتياح، أو شعور بالسخف. بسهولة، لاحظ وشاهد تبددها ببطء.

يتطلب أن تصبح واعياً للأمر صبراً منك. كلما مارست اليقظة، ستبدأ بملاحظة المزيد عن كيفية تفاعلك مع كلٍّ من عالمك الخارجي والداخلي، بما في ذلك تطوير نظرة ثاقبة حول كيف أنَّ الحاجة إلى أن تبدو مثالياً قد تسربت إلى جميع جوانب حياتك تقريباً.

المرحلة الثانية: الالتزام

عندما تصبح أكثر وعياً بالمشكلات التي يسببها لك السعي نحو الكمال، فإنَّك ما تزال تجد صعوبةً في التغيير. ومن المفارقات (المدمِّرة) أنَّه من الممكن أن يتحول ذلك إلى هدفٍ آخر تريد الوصول إليه وتحقيقه بشكل مثالي.

لقد وجدت أنَّ هناك خمسة عوائق رئيسة لإدراك ذاك الكمال الذي يتحداك في عقلك وقلبك:

  1. اعتمادك لالتزامٍ صارمٍ للغاية الذي يقودك إلى ترك الأمر برمته، أو إلى رغبتك بالإقلاع عنه بمجرد أنَّك لم تقم به بالشكل المثالي أو أنَّك تعثرت قليلاً فحسب.
  2. البدء بهدف صعب أو ضخم جداً.
  3. الخوض في الأمر بمفردك وعدم طلب المساعدة.
  4. التعامل مع الخوف والعار الناجمين عن التخلي عن شخصيتك بما فيها من استراتيجيات مألوفةٍ للتأقلم، في حين أنَّ توترك يزداد هنا.
  5. قد تتفاقم الصعوبات العقلية الأخرى لديك نتيجة الضغط، كالوسواس القهري (OCD) أو اضطراب الأكل.

يُعَدُّ تغيير الهدف من "الالتزام" إلى "النية". أحد أفضل الاستراتيجيات للتغلب على أول عقبتين محتملتين تم ذكرهما؛ وذلك أقل استبداديةً، ويحمل المزيد من الرحمة والتسامح على الذات.

بتسليط الضوء على العقبة الثالثة، جرِّب تمرين الكتابة هذا: دوِّن الحالات التي يمكنك تذكُّرها حين لم تطلب المساعدة ولكن - وبعد فوات الأوان - أدركت أنَّه كان من المفيد لك القيام بذلك. عد بذاكرتك وأعد ما كان يمكنك أن تقوله أو تطلبه.

تدرب على تلك الجمل التي تخرج من فمك وأصغِ إلى نفسك بينما تقول تلك الكلمات. كيف يجعلك ذلك تشعر؟ فكر الآن في الحاضر، وفي موقفٍ يمكنك أن تطلب فيه المساعدة.

سيؤدي هذا إلى زيادة وعيك حول كيف أنَّ حاجتك إلى أن تبدو متحكماً تمنعك من طلب المساعدة. وعندما تبدأ بممارسة السؤال فعلياً، سيبدو لك الأمر كما لو كنت ممثلاً. يمكن أن تساعدك الممارسة نفسها على خلق إحساسٍ جديدٍ حول ذاتك؛ أنَّك شخص يمكنه أن يطلب المساعدة، فيطلبها بالفعل.

قد تجد أنَّ العقبة الرابعة في القائمة هي الأصعب. سيشعرك التخلي عن ميولك نحو الكمال كما لو أنَّك تتخلص من دروعك وسط معركةٍ ما؛ لقد كنت تستعملها كآلية للتكيف لفترة طويلة، حتى إن كان ذلك يؤدي إلى نتائج عكسية.

تُعَدُّ كتابة اليوميات واحدةً من أفضل الطرائق لبدء تدوين متى وأين وكيف تميل إلى إعادة إخفاء مشاعرك، ومن ثم يمكنك التنبؤ بشكل أفضل بالأوقات التي من المحتمل أن تتعثر فيها. إذا حدث ذلك، فتذكر الأسباب المعقدة القابعة وراء هذا السلوك المعتاد وحاول أن تعامل نفسك برفق.

إنَّ العقبة الخامسة في القائمة تذكير بأنَّ معالجة سعيك إلى الكمال لن يكون سهلاً، وقد تحتاج إلى التوقف عن هذا العمل قليلاً والانتباه إلى وجود أي أعراض سريرية متفاقمة كالقلق أو أي اضطراب آخر.

المرحلة الثالثة: المواجهة

فلنتحدث عن الفرق بين المعتقدات الشخصية والقواعد. فالقواعد التي تضعها لنفسك تحكم سلوكك، بينما معتقداتك هي شيء تقبل بأن يكون صحيحاً. ويتفاعل الاثنان مع بعضهما. من المحتمل أن تؤثر معتقداتك في القواعد التي تضعها بنفسك. وفي الوقت ذاته، يمكن للقواعد التي تتبعها أن تحد من معتقداتك أو توسعها.

على سبيل المثال: قد تكون لديك قاعدة تقول: "أنا أرسم الابتسامة دائماً على وجهي، بغض النظر عن أي شيء"، وهي مرتبطة بالاعتقاد الذي يقول: "لن يحبني الناس إن لم أبتسم".

تتضمن مرحلة المواجهة تحديد القواعد التي تعيش وفقاً لها، ربما حتى دون إدراكك لذلك: ما تَعُدُّ مسموحاً به أو غير مسموحٍ به، وما يُفضَّل أن تفعله، وما يتحتم عليك فعله، وما يجب عليك فعله دائماً، وما لا يجب عليك فعله أبداً. كلها في رأسك طوال الوقت، ولكن هل ما تزال تلك قواعد تريد اتباعها؟

يمكن أن تكون قواعد منطوقةً من قِبل عائلتك، أو الثقافة التي تعيش فيها، أو المخاطر المحدقة بك، أو الأشياء المتوقعة منك، أو قد تكون مفهومةً فقط دون أن تكون محكيةً أصلاً.

إذا قررت أنَّ إحدى قواعدك لا تخدمك جيداً، فاكتب قاعدةً أخرى يمكن أن تحل محل سابقتها. يمكن أن تتحرر نوعاً ما عند إدراكك بأنَّك قادر على استبدال قاعدةٍ بأخرى. فأنت تبدأ بتخيل حياة يمكن أن تعيش فيها بحريةٍ أكبر، ويمكن أن يكون ذلك نقطة تحول في الحياة.

المرحلة الرابعة: التواصل

إذا كنت تتابع هذه المراحل وبدأت بهذه الرحلة، فقد تكون قد أصبحت أكثر وعياً حول مدى ضعفك الشخصي.

قد تكون مسألة التواصل مع المشاعر التي لطالما قمعتها مرعبةً إلى حدٍّ ما. عند النظر في أمورٍ كالتحكم وإرضاء الآخرين والضغط المستمر على نفسك، قد تشعر أنَّ كل هذه الخيارات قد أمنت لك الحماية. بينما ولمواجهة الخزي والتواصل مع شعور الغضب والاعتراف بالإرهاق، فيمكن أن تخشى أن تشعر بأنَّك مكشوف للغاية.

انظر إلى السلحفاة مثلاً. عند ظهور أي علامةٍ على وجود خطر، تسحب السلحفاة رأسها للخلف وتنتظر. وبالمثل، إذا كنتَ عرضةً للكمال المدمِّر الذي وُلِد من ماضٍ صعب، فمن المحتمل أنَّك تميل أيضاً إلى الانسحاب إلى أي قوقعةٍ تجدها في طريقك عندما تبدأ المشاعر المؤلمة بالظهور.

إنَّ كتاب "لا أريد التحدث عن الأمر" (I (Don’t Want to Talk About It من عام 1998 للكاتب "تيرينس ريل" الذي ذُكِر آنفاً يحتوي على الاقتباس الأنسب؛ فهو يتحدث إلى مريضه حول الضعف العاطفي، والرجل الذي كان يبذل قصارى جهده لفهم سبب أهمية التعامل مع المشاعر الصعبة يقول أخيراً: "إما أن تشعر بالألم أو أن تتعايش معه، أليس كذلك؟ أليس ذلك ما تحاول أن تخبرني به؟".

لقد توصل إلى حقيقة الأمر. النقطة الهامة هي أنَّه إذا لم تتواصل مع جرحك العاطفي أو غضبك أو حزنك ولم تعالجها، فسوف تحكم حياتك بطرائق لا يمكنك رؤيتها أو تصورها، وسينتهي بك الأمر إلى العيش معها بشكلٍ أعمى.

إذا كنت تشعر بالأمن والأمان، ولديك دعم في متناول اليد عندما تحتاج إليه، فإليك هذا التمرين لمساعدتك على التواصل بشكل أفضل مع مشاعرك الصعبة.

(من فضلك، لا تفعل ذلك بمفردك إذا كنت تعاني من صدمةٍ شديدةٍ في الماضي. ستحتاج إلى إرشادات ودعم من قِبل شخصٍ خبير حتى تتمكن من التواصل بأمان مع هذا الألم).

أنشئ بعناية جدولاً زمنياً، وقسم الجدول بخط أفقي حسب سنوات العمر: اكتب مثلا: "2، 4، 8، 12، 20" وهكذا؛ إذ ستعود بذاكرتك إلى تلك السنوات وتدون الأشياء الجيدة والمؤذية التي حدثت لك.

سيتطلب ذلك الشجاعة وأنت تواجه الإنكار الذي ما يزال راغباً في الظهور ومن ثم تقول: "لم يكن الأمر بهذا السوء". لن تنتحب؛ بل ستبدأ برؤية الأنماط والصلات بين الأحداث. على أمل أن تصل إلى التعاطف مع ذاتك.

يمكن لهذا التمرين أن يكون قوياً، عندما تعود وتعترف بالأشياء التي جعلتك على ما أنت عليه اليوم؛ كل تلك الهدايا الإيجابية التي تلقيتها وكيف قادتك مواهبك ومهاراتك إلى النجاح.

لكنَّك أيضاً تمجد الألم من ماضيك الذي قللت من شأنه أو رفضته أو نسيته أو تجنبته. أنت تسمح لنفسك بأن تدرك أنَّك حصيلة مجموعة تجاربك. والتعاطف مع الذات - أي إدراك تأثير أي ألم كان موجوداً وإظهار التعاطف نفسه الذي تمنحه للآخر بكل حرية - يمنحك القوة والتمكين. ليس هناك ما يدفعك للاختباء؛ حيث تستطيع أن تتقبل ما يختبئ داخلك برمته، وأن تتقبل نفسك بكل ما فيك.

مرحلة المواجهة السابقة ومرحلة التواصل هذه هي المكان الذي ستكتشف فيه سبب بدئك بالحاجة إلى أن تبدو مثالياً. حتى تبني على التمرينات التي أكملتها بالفعل، اسأل نفسك عن الرسائل التي تلقيتها في الماضي حول قيمتك وأمانك في علاقاتك. وأدرك أنَّه ليس عليك أن تعيش بهذه القواعد أو أن تتجنب الألم بعد الآن.

يعلمك التواصل مع الألم أنَّه قابل للتحمل وأنَّ نقاط ضعفك لا تحدد هويتك أكثر مما تحدد نجاحاتك.

المرحلة الخامسة: التغيير

في السنوات التي أمضيتها بصفتي طبيبة، تعلمت فوائد البصيرة (وآمل أن تزداد من خلال العمل عبر مرحلة التواصل وقراءة هذا الدليل). وتوفر البصيرة السياق والفهم المناسبين. ولكنَّ تغيير سلوكك هو مصدر تدفق الأمل لديك؛ أي رؤية النتائج الإيجابية من الجهود التي تبذلها. وهذه هي المرحلة الأخيرة؛ إذ تجد الأمل.

لذلك، كتمرين أخير: راجع السمات العشر التي أدرجتُها آنفاً والمرتبطة بالاكتئاب الذي يغذيه السعي إلى الكمال، وفكر مع الأصدقاء الجديرين بالثقة أو مع شريكك أو مع أحد الوالدين أو مع المعالج النفسي حول طرائق محددة يمكنك من خلالها البدء بوضع بصيرتك موضع البدء والتنفيذ وأن تخاطر بجديةٍ بتغيير سلوكك؛ بكلماتٍ أخرى: العيش كل يوم بشكل مختلف، واتخاذ قرارات مختلفة، ومعاملة نفسك بلطف أكبر.

اختر الأسهل وجربه، فهذا ليس بشيءٍ يجب عليك القيام به على أكمل وجه. وتذكر، أنت في خضم رحلة.

في كثيرٍ من الأحيان، يأتي شخص ما إلى جلسة علاج ويبدأ قائلاً: "لقد جربت شيئاً جديداً؛ لكنَّه لم يكن بتلك المشكلة الكبيرة". فأرد عليهم بأنَّ كل تغييرٍ في اتجاهٍ مطلوب ومرحب به يُعَدُّ موضوعاً على قدر عالٍ من الأهمية.

تسمح لك هذه المرحلة باختيار كل خطوةٍ صغيرة تكون على استعدادٍ لاتخاذها - سواء أكان ذلك بالرفض، أم السماح لشخص آخر بالقيادة، أم أن تخاطر بالوثوق في صديق - وتحمِّسك على الاحتفال بهذه التغييرات.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة