كيف تتغلب على الشعور بالوحدة؟

في شهر ديسمبر عام 2003، توفيت "جويس فينسنت" (Joyce Vincent) بنوبة ربو في شقتها شمال لندن. كان التلفاز ما يزال قيد التشغيل، واستمرت رسائل البريد بالوصول، وكان إيجار شقتها يُستخلص تلقائياً من حسابها المصرفي؛ فمرَّت الأيام دون أن يلحظ أحد موتها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب الأمريكي "مارك مانسون" (Mark Manson)، والذي يُحدِّثنا فيه عن كيفية التغلُّب على الشعور بالوحدة.

وتحولت تلك الأيام إلى أسابيع، والأسابيع إلى أشهر، وحتى عندما تحلَّلت جثتها، ظنَّ الجيران أنَّ هذه الرائحة المنبعثة من شقتها تعود إلى صناديق النفايات التي تقع بجانب المبنى المجاور؛ ولم يشك أحد في موتها بسبب صوت التلفاز الذين كانوا يسمعونه باستمرار.

وبمرور الوقت فرِغ حساب "جويس" المصرفي؛ فأرسل لها مالك المنزل فواتير الإيجار، وكان مصير هذه الفواتير كمصير غيرها من الرسائل، فقد وُضِعت ببساطة في صندوق بريدها وسط أكوام الأوراق الأخرى.

وأخيراً، وبعد أكثر من ستة أشهر من تأخر دفع الإيجار، حصل المالك على أمر من المحكمة بإخراجها قسراً من المبنى، فكسر سعاة المحكمة الباب، وعندها فقط اكتُشفَت جثتها، وقد كان ذلك في يناير 2006، أي بعد مرور أكثر من عامين على وفاتها.

من الغريب أنَّ أحداً لم يأتِ للبحث عن "جويس فنسنت" (Joyce Vincent) طوال هذه المُدَّة؛ لا عائلة، ولا أصدقاء، ولا زملاء العمل، ولم يطرق أي جار الباب حتى ليرى ما إذا كانت بخير؛ لم يتصل بها أحد أو يسأل عنها، ولقد كانت تبلغ من العمر 38 عاماً فقط عندما توفيت.

هذه القصة مروِّعة إلى حدٍّ لا يوصف؛ فمن غير المفهوم أن تمرُّ سنوات كاملة دون أن يلحظ أحد أن شخصاً ما قد مات، ولكنَّها مع ذلك، تحدث بصورة متكررة؛ إذ يعيش الشخص أحياناً بمفرده، دون تواصل مع العائلة والأصدقاء أو الجيران، ويظل أمام التلفاز أو الكمبيوتر لسنوات؛ فيسير العالم وكأنَّه لم يعد موجوداً، إلى أن يصبح غير موجود بالفعل.

شاهد بالفيديو: 10 أشياء إيجابيَّة تحدث لك عندما تبقى وحيداً

ما هي مخاطر الشعور بالوحدة؟

إنَّ الشعور بالوحدة منتشر للغاية في العالم الغربي؛ فقد وجد علماء الاجتماع أنَّه من المرجح أن يموت 10-15٪ من الأمريكيين بمفردهم، وسيستمر هذا العدد في الازدياد خلال العقود القادمة؛ وفي العديد من استطلاعات الرأي في كلٍّ من الولايات المتحدة وأوروبا، وُجِد أنَّ 30% إلى 60% من السكان يشعرون بالوحدة أو لا يتمتَّعون بأي تفاعلات شخصية ذات مغزى بصورة يومية، والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنَّ الشباب غالباً ما يعانون من الشعور بالوحدة أكثر من كبار السن.

في الواقع، الوحدة سيئة للغاية بالنسبة للفرد؛ حتى أنَّ إحصائية شهيرة تُظهر أنَّ الوحدة تقصر من العمر الافتراضي بقدر تدخين 15 سيجارة يومياً؛ ونتيجة لذلك فالوحدة غير صحية جسدياً ونفسياً؛ فهي تزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق، كما تضرُّ بصحتك الجسدية بعدة طرائق، ولقد وجدت الدراسات أنَّ الأشخاص الذين يعانون من الوحدة يعانون من أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم وضعف جهاز المناعة أكثر من غيرهم.

ما لا نعرفه عن الوحدة:

قد يبدو لك الأمر سيئاً للغاية حتى الآن، ولكن هناك ما هو أسوأ فيما لا نعرفه عن الوحدة:

لمَ يحدث هذا؟

تصيب الوحدة العالم الغربي بطريقة لا يبدو أنَّها تحدث في الثقافات الأخرى، في الواقع، هناك العديد من النظريات التي تفسِّر سبب ذلك، ولكن ما زلنا لا نملك أي إجابات دقيقة.

يشير البعض إلى أنَّ الثقافة الغربية أقل تركيزاً على الأسرة أو المجتمع، ويلقي البعض باللوم على التحضُّر والمعايير الثقافية التي تحضُّ على امتلاك منزلك الخاص، والعيش بمفردك، والعمل مستقلاً، وما إلى ذلك.

ويشير البعض إلى التغيرات الديموغرافية؛ إذ ينجب الناس عدداً قليلاً من الأطفال، وكثيراً ما ينتقلون من مدينة إلى أخرى، ويقضون وقتاً أقل مع كبار السن، ويشير البعض إلى عدم التديُّن، قائلين أنَّ الدين كان جوهر المجتمع البشري وروح الإخوَّة عبر التاريخ، وقد يعود السبب إلى أيٍّ من هذه النظريات، أو جميعها.

كيف نصلح الأمر؟

كما قلت، يوجد الكثير من النظريات، ولكنَّنا لا نعرف أيُّها صحيح على وجه اليقين؛ ولكن يبدو أنَّ التواصل عبر الإنترنت والأجهزة الإلكترونية هي بدائل ضعيفة للدعم العاطفي والنفسي الذي نحصل عليه من التواجد حول الآخرين؛ إذ تشبه وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو "النظام الغذائي" لسلاماتنا العاطفية، حيث يشبه "مذاقها" التواجد مع الآخرين؛ ولكنَّها لا تحوي أي قيمة عاطفية حقيقية؛ وهذا يجعلنا نشعر بالوحدة، ولتجنُّب هذا الشعور، لا نحتاج إلى رؤية الأشخاص الذين نعرفهم كثيراً فحسب، ولكنَّنا نحتاج أيضاً إلى الشعور بدرجة من الثقة والألفة مع من نعرفهم.

وبناءً عليه، تبذل بعض الدول جهوداً في هذا المجال؛ ففي عام 2018، عيَّنت المملكة المتحدة "وزيراً للتعامُل مع الوحدة"، كما تُحقق الدول الاسكندنافية مثل الدنمارك نجاحاً في "سياسات الإسكان المشترك"؛ إذ يقرِنون مزيجاً من كبار السن والمتقاعدين، والأُسَر الشابة التي تحتاج إلى رعاية الأطفال في وحدات سكنية ليتشاركوا أماكن المعيشة، ويدعموا بعضهم بعضاً.

ولكن يبدو أنَّ هذه مشكلة كبيرة عموماً، لدرجة أنَّ المجتمع الطبي قد اهتم بها، وأصبحت شركات الأدوية تتساءل عمَّا إذا كان بوسعها تطوير دواء لعلاج الشعور بالوحدة على نفس النحو التي توجد به أقراص لعلاج الاكتئاب.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح مهمة لبناء علاقات إيجابيّة مع الآخرين

طريق الوحدة المُظلِم:

إنَّ الوحدة -في اعتقادي- هي السبب الأساسي للعديد من المشكلات الاجتماعية والثقافية هذه الأيام؛ فمن الناحية البيولوجية، نحن مخلوقات اجتماعية، خُلِقنا لنعيش في جماعات ونعتمد على بعضنا بعضاً اعتماداً جسدياً؛ كما خُلِقنا لنعتمد على بعضنا اعتماداً عاطفياً أيضاً.

ينبع جزء كبير من المغزى والهدف الذَين نستمدهما في الحياة من خلال علاقاتنا مع الأفراد الآخرين أو من دورنا داخل المجتمع عموماً؛ ونتيجة لذلك يبدو أنَّ حاجتنا إلى التواصل البشري قوية جداً إلى الحدِّ الذي يجعل جزءاً كبيراً من قدراتنا على تكوين معتقدات فعَّالة عن أنفسنا والعالم مرتبطاً بعلاقاتنا؛ ولذا يجب أن ننتبه إلى أنَّ علاقتنا بالآخرين تفقد التعاطف إذا لم نعزِّزها باستمرار.

لقد أمضت "هانا أرندت" (Hannah Arendt)، الفيلسوفة والكاتبة الألمانية التي سنوات بعد الحرب في دراسة الشمولية، وصعود وسقوط الفاشية، والثورات الشيوعية، وفظائع ستالين وهتلر وموسوليني وماو، والأهم من ذلك: لماذا يتمتَّع هؤلاء القادة بشعبية كبيرة بين أتباعهم على الرغم من الأعمال الإجرامية التي قاموا بها؟

ثم أصدرت كتاباً بعنوان "أصول الشمولية" (The Origins of Totalitarianism). يبلغ هذا الكتاب ما يقرب 500 صفحة، وفي نهايته توصلت إلى نتيجة مذهلة: لقد زعمت أنَّ الوحدة تجعل الناس عرضة للازدراء والتشتُّت اللذين يتسببان في انهيار المجتمعات والتطرُّف والعنف.

إذ تقول في كتابها:

"يرتبط جوهر الحكومة الشمولية وإعداد منفِّذيها وضحاياها ارتباطاً وثيقاً بالتشرُّد و"انعدام المغزى" اللذَين كانا لعنة الجماهير الحديثة منذ بداية الثورة الصناعية، والتي أصبحت حادة مع صعود الإمبريالية في نهاية القرن الماضي، وانهيار المؤسسات السياسية والتقاليد الاجتماعية في عصرنا الحالي.

إنَّ ما يهيئ الرجال للهيمنة الشمولية في هذا العالم غير الشمولي هو أنَّ الوحدة التي كانت تجربة محدودة؛ يعاني البعض منها في ظل ظروف اجتماعية هامشية عادةً، مثل الشيخوخة، أصبحت تجربة يومية متزايدة باستمرار للجماهير في قرننا هذا؛ ولذا فإنَّ السُبُل غير الرحيمة التي تتبنَّاها الشمولية وتؤيدها الجماهير تبدو وكأنَّها هروب انتحاري من هذا الواقع.

يبدو "التفكير العميق" بمنزلة دعم أخير في عالم لا يمكن فيه الوثوق في أحد أو في أي شيء، بل إنَّ القهر الداخلي الذي يتلخص محتواه الوحيد في تجنُّب التناقض الصارم هو الذي يبدو وكأنَّه يؤكد هوية الإنسان خارج العلاقات مع الآخرين".

باختصار، عندما يخلو التواصل مع بعضنا بعضاً من التعاطف، تصبح الطريقة الوحيدة التي نفهم بها العالم مدعومة بأفكارٍ متطرفة، ومن ضمن هذه الأفكار، إيمان الناس بالحاجة إلى الإطاحة بالوضع الراهن من خلال هذه الأفكار، فيبدؤون في رؤية أنفسهم إمَّا ضحايا تماماً، إمَّا منقذين مُقدَّرين للمجتمع.

وربما يكون هذا هو التهديد الحقيقي الذي تشكله وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهي لا تجعلنا بالضرورة أكثر وحدة أو غضباً أو أنانية أو حقداً، ولكنَّها تمكِّن ببساطة الأشخاص الحاقدين الذي يشعرون بالوحدة والغضب والأنانية من تنظيم أنفسهم، وإعلاء صوتهم بصورة لم يسبق حدوثها.

فقد كان من المعتاد أن يصمت أي ماركسي متطرف يتمنى ثورة عنيفة أو أي دجال يعتقد أنَّ بيل جيتس يزرع شرائح في أدمغة ملايين الأطفال الأفارقة، وأن يحتفظ بهذا الهراء لنفسه؛ إذ كان سيتعرض إلى الكثير من الإحراج والنظرات الجانبية المُبهمة، حتى يدرك أنَّه لن يُدعى إلى الحفلات والمجالس بعد الآن، وبمرور الوقت، سيبدأ في إدراك أنَّ معظم الناس على حق، وأنَّ أحداً لن يستمع إليه بعد الآن.

لكن الآن، هناك منصات في كل مكان مليئة بالأشخاص الذين يتفوهون بالهراء نفسه، تُرى ماذا سيفعل كل البشر الذين يؤمنون بمعتقدات غريبة ومتشابهة عندما يجتمعون؟ سيقنعون أنفسهم بأنَّهم سينقذون العالم بمعرفتهم، أي أنَّهم سيقودون حملات عنيفة لتخليص العالم من الشرور، ويجب علنا جميعاً أن نشجعهم ونصغي إليهم وهم يشرحون لنا أنَّ فيلم "ارمجدون" (Armageddon) كان بالفعل رسالة مشفرة من "كيو أنون" (QAnon).

وبالعودة إلى الشعور بالوحدة، لعلَّ هناك طريقة أخرى للنظر إلى حجة "هانا"، وهي أنَّنا نخاطر بمنح المتطرفين السُلطة عندما يصبح من السهل على أولئك ذوي المعتقدات المتطرفة الحشد والتنظيم أكثر من الأغلبية المعتدلة، فتاريخياً؛ كان هذا الحشد ممكناً بسبب الكساد الاقتصادي والمجاعات والأوبئة وغيرها؛ أمَّا اليوم، فقد جعلت وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية هذا الحشد ممكناً عن غير قصد لكن في كل حين.

إقرأ أيضاً: كيف تتفادى التحول إلى شخصية سامة؟

كيف تصبح أقل وحدة؟

بينما يكافح واضعو السياسات لمعالجة الوحدة بوصفها قضية اجتماعية، هناك أشياء يمكننا القيام بها كأفراد لمساعدة أنفسنا على الحدِّ من الشعور بالوحدة؛ لذا سنقدم إليك بعض النصائح المستندة إلى الأدلة لتساعدك على تقليل الشعور بالوحدة في هذا العالم القاسي:

1. انضم إلى مجموعات:

تُظهر الأبحاث أنَّه من المفيد للغاية معالجة مشاعر الوحدة من خلال التواجد في مجموعات اجتماعية بدلاً من التفاعلات الفردية، على سبيل المثال: وجد الباحثون أنَّ الزيارات الفردية لكبار السن الوحيدين لا تعالج الوحدة بصورة كافية، بينما تكون المناقشات الجماعية جيدة للغاية.

وهذا أمر هام؛ إذ يحاول معظمنا عادةً التغلُّب على الشعور بالوحدة من خلال التواصل مع الأفراد، على اعتقاد أنَّ المشكلة تكمن في عدم وجود المزيد من التفاعلات الفردية في حياتنا، في حين أنَّ التعامُل مع الوحدة يكون أكثر فاعلية من خلال الانضمام إلى مجموعات.

وتُعدُّ أسهل طريقة للانضمام إلى مجموعةٍ ما؛ هي البحث عن نشاط اجتماعي معين، فكلما كانت المجموعة أكثر تشاركية ونشاطاً، كان ذلك أفضل؛ على سبيل المثال: لقد وجدت الأبحاث أنَّ الفصول الدراسية التي تتضمن نشاطات مثل الرقص والسباحة والجمباز وما إلى ذلك قد خففت من الشعور بالوحدة أكثر من الصفوف حيث كان الجميع يجلسون ويتحدثون عن أمورٍ ما؛ لذا ابحث عن مجموعة تقوم بنشاطٍ تشاركي ما.

2. حسِّن مهاراتك الاجتماعية:

الآن وبعد أن وجدتَ مجموعة من الناس لتستمتع معهم ببعض الوقت، ماذا بعد؟ لقد تبيَّن أنَّ وجودك مع الآخرين فحسب لا يكفي، فيجب أيضاً أن تتواصل مع الناس من حولك.

إذا كان التغلُّب على الوحدة يتمثَّل في كلٍّ من جودة ومدى تفاعلاتنا الاجتماعية، فقد تهتم الأنشطة الجماعية بكم التفاعلات، ولكنَّ مهاراتنا الاجتماعية ضرورية لتعزيز جودة التفاعل.

إذا لم تكن قادراً على التواصل بسهولة مع الآخرين، أو إذا كنت تجد صعوبة في إجراء محادثات، والتعرُّف إلى الأشخاص، أو الكشف عن تفاصيلك الخاصَّة، فلا يهم عدد الأشخاص الذين تتحدث معهم، ولكن يجب أن تحسِّن مهاراتك الاجتماعية وتتحدث على الأقل مع أناسٍ تثق بهم.

إقرأ أيضاً: 12 طريقة تجعل منك شخصاً اجتماعياً في كل الأوقات

3. ادعم الآخرين:

يتعامل العديد من الأشخاص مع تفاعلاتهم الاجتماعية بناءً على ما يحصلون عليه، فيقولون على سبيل المثال: "ماذا سيفعل هذا الشخص من أجلي؟" أو "كيف يمكنني أن أشعر بتحسُّن من هذا التفاعل الاجتماعي؟"، وقد يؤدي هذا إلى نتائج عكسية؛ إذ تظهر نواياك الأنانية في أقوالك وأفعالك، فيشعر الناس أنَّك شخص متعجرف بعض الشيء؛ لذا تعامَل مع التفاعلات الاجتماعية بعقلية: "ما الذي يمكنني تقديمه لهذا الشخص؟" أو "كيف يمكنني أن أجعله يشعر بتحسُّن؟".

ففي نهاية المطاف، يحب الناس الوجود حول أشخاص يجعلونهم يشعرون بشعورٍ جيد؛ وبالتالي إذا ركزت على جعل الشخص الآخر يشعر بالرضا بدلاً من التركيز على نفسك فحسب، ستمتلك فرصة أفضل لإقامة علاقة قوية مع هذا الشخص.

إنَّ الأمر المدهش في هذه العقلية القائمة على العطاء، هو أنَّنا نميل إلى إيجاد المزيد من القيمة والسعادة في تفاعلاتنا مع الآخرين عن طريق تقديم المزيد لهم، وكما يقول المثل القديم: "ما تزرعه، ستحصده"، فكلما قدمنا ​​للآخرين أكثر، شعرنا بمزيدٍ من الرضا والحب.

4. ابحث عن السعادة في الوحدة:

لقد ذكرت سلفاً استطلاع رأي أظهر أنَّ الشباب يعانون من الوحدة أكثر من كبار السن، في الواقع، لقد فاجأني هذا في البداية، ولكن أوضح الباحثون السبب بعد ذلك:

"لقد أفاد حوالي 50٪ من الأشخاص الذين يعانون من الوحدة بأنَّها قد تكون إيجابية، ذاكرين أسباب تشمل فرص التقدُّم الشخصي، والاستمتاع بالهدوء أثناء الوحدة، ومعرفة أنَّ هذا الشعور سوف يمر".

ولقد اتضح أنَّ كبار السن لم يكونوا أقل شعوراً بالوحدة من الشباب؛ بل كانوا يشعرون براحة أكبر من خلال التعايُش مع الوحدة.

قد يبدو هذا مخالفاً للمنطق، ولكن قد تكون أهم نقطة على الإطلاق، هي أنَّ الوحدة ليست مجرد دلالة على وجود تفاعلات اجتماعية، ولكنَّها أيضاً دلالة على موقفك تجاه تفاعلاتك الاجتماعية؛ فقد تشعر بالوحدة الشديدة رغم قضاء أيامك كلها مع أشخاصٍ آخرين، وقد تشعر بالرضا التام رغم قضاء أشهر بمفردك.

فالوحدة والعزلة ليسا الشيء نفسه، وقد تحدث إحداهما دون الأخرى؛ وبالتالي ينبع الكثير من إحساسك بالوحدة من عقليتك ونظرتك تجاه وحدتك، فقد تكون العزلة رائعة، أو مفيدة، أو محرِّرة؛ ولذا لا يكمن دورنا بوصفنا مجتمع في مكافحة الوحدة عن طريق الحدِّ منها؛ ولكن في فهمها والتعلُّم منها.

وفي النهاية، يصبح التواصل مع الآخرين أمراً يسيراً عندما تشعر بأنَّك أكثر ارتباطاً بذاتك.

المصدر




مقالات مرتبطة