كيف تتغلب على التسويف؟

إذا كنت ترغب في التغلُّب على التسويف، فأنت واحدٌ من بين كُثر، فالتسويف موجود منذ بداية الحضارة الحديثة، وقد تحدَّثَتْ شخصياتٌ تاريخيةٌ أمثال المؤرخ اليوناني "هيرودوتس" (Herodotus)، والفنان الإيطالي "ليوناردو دافنشي" (Leonardo Da Vinci)، والرسَّام والنحَّات الإسباني "بابلو بيكاسو" (Pablo Picasso)، والكاتب والفيلسوف السياسي الأمريكي "بنجامين فرانكلين" (Benjamin Franklin)، والزعيمة السياسية الأمريكية "إليانور روزفلت" (Eleanor Roosevelt)، إضافةً إلى مئات الأشخاص الآخرين كيف أنَّ التسويف عدو النتائج.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويشرح فيه تجربته في التغلُّب على التسويف.

أحد اقتباساتي المفضَّلة عن التسويف مأخوذٌ عن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية "أبراهام لنكولن" (Abraham Lincoln)؛ إذ قال: "لا يمكنك التنصُّل من مسؤولية الغد بالتملُّص منها اليوم".

الغريب بشأن التسويف هو أنَّنا جميعاً نُدرك مضاره، فمن يُفضِّل المماطلة بأيَّة حال؟ لا أحد يستمتع بها، ولا أنا حتى، ومع ذلك كان التسويف معضلة حياتي، فعندما كنت في الجامعة، تكرَّر نفس السيناريو في كل فصل دراسي، ففي بداية الفصل كنت أكثر شخصٍ لا مبالٍ على هذا الكوكب، أُمضي الفصل الدراسي في الاسترخاء والخروج برفقة أصدقائي والاستمتاع بوقتي، وكان وقتاً عظيماً.

فلم أختبر أي ضغوطات، لكن قبل أسبوع من امتحاناتي تقريباً كنت أُصاب بالذعر، وألوم نفسي لأنَّني لم أبدأ الدراسة في وقت أبكر، وكان يتبع هذه الحالة منظرٌ قبيح لي وأنا محاطٌ بعلب مشروبات الطاقة، حبيسٌ في غرفتي، ومذعورٌ وأنا أدرس.

تُظهر الأبحاث أنَّ المماطلة قد تُشعرك بتحسُّنٍ على الأمد القصير، لكنَّك ستعاني على الأمد الطويل؛ إذ إنَّ سبب التسويف لا يهم، فبعضهم يحب ضغوطات المواعيد النهائية، في حين يخشى بعضهم الآخر الفشل؛ لذا يؤجِّلونه حتى آخر لحظة، والحقيقة الوحيدة المشتركة بين جميع المسوِّفين هو أنَّ التسويف له عواقب.

تُناقِش هذه الدراسة التي استُشهد بها بقوة، ونُشرت في مجلة "الجمعية الأمريكية لعلم النفس" (American Psychological Society)، والتي أجرتها الأستاذة في علم النفس "ديان تايس" (Dianne Tice)، والعالم النفسي الاجتماعي "روي باومايستر" (Roy Baumeister)، عواقب التسويف، والتي تتضمَّن:

التسويف ليس سلوكاً بريئاً، بل دليلٌ على ضعف التنظيم الذاتي، حتى إنَّ الباحثين يقارنونه بتعاطي الكحول والمخدرات.

إنَّه أمر خطير، وقد اختبرت ذلك لسنوات عديدة، فقد شكَّلت السنوات التي أعقبت تخرُّجي من الجامعة أيضاً معاناةً بالنسبة إليَّ من ناحية بدء العمل وإنهائه، والتسويف عادةٌ تتسلَّل إلى نظامك، ولا يمكنك التخلص منها بسهولة، ففي كل مرة كانت تخطر لي فكرة مشروعٍ تجاري، أو أتحمَّس لتحقيق هدفٍ ما، كنت أبدأ بالتنفيذ، لكن كانت الأمور تسوء مع مرور الوقت، فأنتقل من نقطة البداية إلى حالة الفوضى العارمة.

مصادر تشتيت الانتباه، والأفكار والفرص الأخرى، والفشل، والحديث السلبي مع النفس، وما إلى ذلك، كلها أمورٌ تعوق طريقك، وستحصد نفس النتائج دائماً، فلن تنجز شيئاً على الإطلاق.

إقرأ أيضاً: أسباب التسويف

التغلُّب على التسويف:

إنَّ أهم نتيجةٍ خلُصت إليها الدراسة التي أجرتها "تايس وباومايستر" بالنسبة إليَّ كانت:

"تُشير الأدلة الحالية إلى أنَّ المسوِّفين يستمتعون بوقتهم بدلاً من العمل على المهام المُوكلة إليهم، إلى أن يجبرهم الضغط المتزايد الناجم عن اقتراب الموعد النهائي على الانصراف إلى العمل، ومن هذا المنظور قد ينجم التسويف عن الافتقار للتنظيم الذاتي، ومن ثمَّ الاعتماد على قوى مفروضة خارجياً لخلق حافزٍ للعمل".

التنظيم الذاتي، وضبط النفس، وقوة الإرادة، كلها أمورٌ نُبالغ في تقديرها، فنعتقدُ مثلاً وبكل ثقة أنَّ باستطاعتنا كتابة رواية في غضون 3 أسابيع؛ إذ نتصوَّر في أذهاننا أنَّنا جميعاً عباقرة وأقوياء فكرياً، لكن عندما يحين وقت العمل، نتهرَّب، فإذا كُنت من المُسوِّفين فلا تملك إلا تأجيل العمل، والأمر ينطبق على المهام الصغيرة والكبيرة.

يخشى جميع الأشخاص الخروج من منطقة الراحة الخاصة بهم؛ لذا نطلق عليها تسمية منطقة الراحة، واتخاذ خطوة جريئة يتطلَّب شجاعة، لكنَّ إنجاز المهام الصغيرة، كتسديد الفواتير، وطباعة تقريرٍ ما لرئيسك في العمل، ودفع الضرائب وما إلى ذلك، لا يتطلَّب شجاعةً بالتأكيد.

فالتسويف لا علاقة له بما تحاول فعله، فقد تؤجله إلى وقتٍ لاحق صغيراً كان أم كبيراً، فلا حاجة إلى التسرُّع، أليس كذلك؟ كان إنجاز المهام بالنسبة إليَّ يتمُّ على النحو الآتي:

تأتي لحظة بين بداية المهمة ونهايتها - أُسمِّيها منحدر التسويف - عندما تستجيب لمصدرٍ واحد من مصادر تشتيت الانتباه، وهذه هي اللحظة التي تتخلَّى فيها عن كونك مُنتجاً.

إذ تبدأ العمل على مهمةٍ ما بكامل حماستك وتركيزك، فيخطر لك بعد بُرهة أن تقرأ الأخبار للحظات فقط، ودائماً ما يبدأ الأمر بتصرُّف واحدٍ فقط، ثمَّ يخطر لك أن تشاهد أيضاً حلقةً واحدةً من مسلسل "صراع العروش" (Game Of Thrones)، ثمَّ مقطع فيديو على موقع "يوتيوب" (YouTube)، يليه مقطعٌ آخر، وبعد ذلك تتصفح منصة "إنستغرام" (Instagram) قليلاً، وهكذا.

وينتهي الأمر دائماً بكلام تحذيري توجهه لنفسك قائلاً: "هذه آخر مرةٍ أُضيِّع فيها وقتي"، لكن غالباً ما سيتكرَّر ذلك.

قوة الإرادة لا تُجدي نفعاً، وإنَّما التنظيم:

إذا كنت تريد التغلب على التسويف، تحتاج إلى نظام لإنجاز العمل؛ إذ يتجنَّب معظم الناس الروتين والأنظمة والأُطر؛ لأنَّهم يُفضِّلون الحرية، وسيخيب ظنك عندما تعلم أنَّ الحرية عدوك، فإذا كنت تريد إنجاز الأمور، ستحتاج إلى قواعد.

شاهد بالفديو: 9 استراتيجيات فعّالة لتحفيز ذاتك عندما تفتقد إلى الحماس

فيما يأتي بعض الأمور التي أثبتَ البحث فاعليتها:

  • المواعيد النهائية المفروضة ذاتياً.
  • نُظم المساءلة (الالتزام مع الأصدقاء أو مع كوتش).
  • العمل أو الدراسة على فترات منتظمة.
  • ممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة يومياً.
  • اتباع نظام غذائي صحي.
  • الحدُّ من المشتتات.
  • امتلاك الدافع الداخلي، وهو العامل الأهم.

إذا دمجت أساليب الإنتاجية الصحيحة، فستحظى بنظام إنتاجية؛ إذ ستُولِّد المواعيد النهائية شعوراً بالإلحاح، وستثير المساءلة إحساساً بالمسؤولية، وسيُحسِّن العمل على فترات من تركيزك، وستمنحك ممارسة التمارين الرياضية مزيداً من الطاقة، وكذلك النظام الغذائي الصحي والتخلص من الإلهاءات سيُبعد عنك المغريات، وسيصبح التسويف أمراً من الماضي.

لكن، لا يوجد نظام يمكنه مساعدتك ما لم يكن لديك دافع داخلي؛ إذ يُبالغ الناس في تعقيد هذا المفهوم على الرَّغم من بساطته، فعليك فقط أن تُحدِّد السبب الذي يدفعك لتقوم بهذا الأمر، وإذا كنت تجهل دوافعك، ضع دوافع لنفسك، وإذا كنت تُدرك جيداً سبب قيامك بأمرٍ ما، يمكنك تحمُّل أكثر المهام صعوبةً، وسيُصبح هذا جزءاً من صورة أوسع.

في الختام:

بدلاً من الانغماس في العمل، تراجع خطوةً إلى الوراء، وفكِّر في دوافعك، ثمَّ اعتمد نظاماً يدعمك لتحقيق ذلك، فالأمر ليس صعباً كما تتخيَّل، إنَّه بسيطٌ جداً.

How To Beat Procrastination (backed by science)




مقالات مرتبطة