كيف تتعامل مع طفلك العنيد؟

من الظواهر التي تكثر مشاهدتها في أثناء مرحلة الطفولة التي تشكِّل مشكلة بالنسبة إلى كل من الآباء والمربين هي ظاهرة (عناد الأطفال)، تلك الظاهرة التي يجد فيها الطفل وسيلة لإثبات ذاته ولفت انتباه الآخرين نحوه، كما يعتمد العناد بوصفه أسلوباً للتأثير في المحيطين به ونيل ما يرغب به من حاجات وما يطلب من أمنيات، كما يتخذ الطفل من العناد سبيلاً لرفض سيطرة الآخرين عليه في ذات الوقت.



يعد سلوك العناد في حدوده البسيطة سلوكاً طبيعياً، أما استمرار هذه الظاهرة فإنَّها تصبح سلوكاً مرضياً تسيء إلى الطفل وتمنعه من تحقيق التكيف الاجتماعي، فمشكلة العناد تختلف وتتطور بين مرحلة عمرية وأخرى، ويمكن أن يتخلص الطفل منها إذا ما تمت تربيته بشكل جيد وأُشبعت حاجاته وتم منحه العطف والحنان الذي يكون في أمس الحاجة إليهما خلال مرحلة الطفولة.

ما هو العناد؟

تظهر مشكلة العناد عند الأطفال بين سن الثالثة وسن الرابعة من مرحلة الطفولة ظهوراً واضحاً؛ إذ تعد مشكلة العناد خلال هذه الفترة شيئاً طبيعياً، فخلو مرحلة الطفولة من العناد تعد مشكلة تجعل من شخصية الطفل ضعيفة وفرداً تابعاً وخاضعاً لأفراد آخرين في المجتمع.

العناد هو اضطراب سلوكي عام وشائع الحدوث خلال فترة زمنية محددة من عمر الطفل، لكن إن لم يتم التعامل معه وتعديله بالشكل المناسب فقد يصبح صفة وسلوكاً دائماً لديه، وربما يدخل ضمن تصنيف السلوك العدواني أو ينبئ بأعراض المرض النفسي في المستقبل.

عادة يلجأ الطفل في حل المشكلات التي يواجهها بالبكاء والتغيرات المزاجية الأخرى، فهو عاجز عن حلها بطرائق عقلانية، فهو يقصد من خلال ذلك طلب المساعدة من الأشخاص المحيطين به لحل ما يعترضه من مشكلات.

مع تقدم الطفل في العمر وخلافاً لتوقعات الآباء الذين يعتقدون أنَّ ابنهم يملك الكفاءة اللازمة لحل مشكلاته وحده عندما يكبر في العمر ويصبح أكثر تفهماً لعادات الأسرة والمجتمع، فمن المفروض أن تقل حاجته إلى الآخرين، ولكنَّ الواقع يشير إلى عجز الطفل عن حل المشكلات والصعوبات التي تواجهه وحده؛ لذا يصبح حاد المزاج وسريع التقلب كلما وجد نفسه عاجزاً عن التصرف في موقف ما أو نيل ما يرغب.

يحدث العناد عموماً نتيجة لتعارض رغبات الصغار ورغبات الكبار، ويفسر عالم النفس "يونغ" العناد قائلاً: "العناد عبارة عن ردود الفعل التي يقوم بها الطفل تجاه موقف اجتماعي للحفاظ على شخصيته من الواقع المؤلم، ويمكن أن يكون العناد رد فعل لمواقف اجتماعية معينة".

كما يعرِّف العناد بأنَّه "نمط مستمر من الغضب الموجه نحو العصيان وسلوك التحدي المعادي تجاه أشكال السلطة التي تتجاوز سلوك الطفولة الطبيعي، والأطفال الذين يعانون من هذا السلوك يبدون عنيدين جداً وغاضبين في كثير من الأحيان".

كما أوضحت الجمعية الأمريكية للطب النفسي في الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للأمراض العقلية (DSM 5) أنَّ أعراض العناد مقسمة إلى ثلاث مجموعات سلوكية؛ الأولى مزاج غاضب وانفعالي (حساسية زائدة)، والثاني سلوكات الاحتجاج والتحدي (معارضة قواعد أو طلبات الكبار ورموز السلطة والإزعاج العمدي للآخرين وتحميل الآخر مسؤولية الأخطاء وسوء السلوك)، والثالث اتجاه انتقامي، وجميع تلك السلوكات في حقيقتها موجهة نحو الكبار ومختلف رموز السلطة سواء كانوا الآباء في المنزل أم المعلمين في المدرسة وسواهم.

يشير "مجدي الدسوقي" إلى أنَّ اضطراب العناد هو "نمط من السلوك السلبي والمنحرف العدواني تجاه الأشخاص الممثلين للسلطة يتضح في العديد من الأنماط السلوكية مثل تعمد مضايقة الآخرين وإزعاجهم، الولع بالجدل، تقلب الحالة المزاجية، تدمير الممتلكات، العدوان تجاه الآخرين".

شاهد بالفيديو: كيف تتعاملين مع الطفل العنيد؟

من بين الأسباب التي تدفع الطفل للعناد:

  1. الأوامر التي يفرضها الأبوان على الطفل والتي تعمل على الحد من حركته ونشاطه، مثل إجباره على القيام بما لا يريده أو يعوق حركته.
  2. التساهل المفرط في معاملة الطفل وتلبية كل ما يرغب به.
  3. فقدان الطفل للحب والعطف، ومن ثم فقدانه للشعور بالأمان.
  4. رغبة الطفل في إثبات ذاته ولفت الأنظار إليه والاستقلال عن الآخرين.
  5. ظهور العناد بوصفه رد فعل طبيعي لمواجهة العجز.
  6. المعاملة الوالدية التي تنطوي على التفريق بين الأبناء.
  7. تقليد الطفل لسلوك الكبار.
إقرأ أيضاً: 7 نصائح تحد من مشكلة العند عند الأطفال

صفات الطفل العنيد:

  1. اللجوء إلى العدوان مثل ضرب الأطفال الآخرين أو التلفظ بألفاظ مسيئة لهم أو لأهلهم أو التنمر عليهم ومناداتهم بصفات محددة بقصد توجيه الإهانة إليهم فقط.
  2. اللجوء إلى النميمة الخبيثة وتهديد الأطفال الآخرين بالابتعاد عنهم.
  3. القيام بانتهاك قواعد المجتمع، فالغياب عن المدرسة يمثل خرقاً لقاعدة التعليم في المجتمع.
  4. اللجوء إلى الكذب وتحريف الحقائق.
  5. مقاومة التعليمات وطلبات الكبار، فنجدهم غير مطيعين لأوامر الوالدين أو المعلمين.
  6. القيام بالسلوكات التخريبية عن قصد مثل الرسم على ممتلكات الآخرين أو استهلاك الأشياء بطريقة مدمرة.
  7. إسقاط أخطائه عن نفسه وتحميلها للآخرين.
  8. الحساسية بدرجة كبيرة والانزعاج عند أقل معارضة لرغباته.
  9. الحقد على الآخرين.
  10. الحسد للأطفال الآخرين الذين يحصلون على أشياء لا يستطيع هو الحصول عليها.
  11. قد يلجأ في الكثير من الأحيان إلى القتال المادي وقد يكون قاسياً على الحيوانات.
  12. قد يعمد إلى السرقة في بعض الأحيان.
  13. قد يلجأ إلى الكذب من أجل الحصول على سلع وخدمات محددة.
  14. الغضب والبكاء الشديد.
إقرأ أيضاً: 6 أخطاء قد ترتكبها خلال تربية طفلك – قم بتجنبها

كيف يتم التعامل مع الطفل العنيد؟

  1. قيام الوالدين بمعاملة الطفل باعتدال بحيث لا يمارسون الضغط على الطفل وإجباره على القيام بما لا يستطيع فعله أو يرهقه؛ بل يجب أن تكون الطلبات معقولة وغير مجهدة، إضافة إلى إتاحة الفرصة للطفل لإبداء رأيه عند طلب أي شيء منه للقيام به، فذلك يجعل من الطفل فرداً أكثر طاعة وبعيداً عن التمرد.
  2. استخدام الوالدين لعبارات معينة لتنبيه الطفل عند ظهور سلوك العناد دون أن يتم تجريحه.
  3. تجنب الإفراط بالقسوة، فلا يجب استخدام الضرب بصفته عقاباً، فذلك سبب رئيس في ظهور سلوك العناد والتحدي للأوامر.
  4. عدم التذبذب في المعاملة، بحيث يتشدد الأهل مرة في فرض القواعد والحرص على تطبيقها ومرة أخرى يتهاونون في فرضها وتطبيقها، إذاً يجب أن يعتاد الطفل على سلوك الالتزام بالقواعد التي تُفرض بصرف النظر عن المناسبات التي تُفرض ضمنها وعدم السماح للطفل بخرقها خلال نوبات غضبه، كما يجب دفعه نحو تنفيذها دون استخدام القسوة أو التطرف في المعاملة، إضافة إلى أنَّه يجب التزام كلا الوالدين بنمط سلوك محدد، فلا يجب أن يكون الأول صارماً والآخر شخصاً متراخياً أو بخلاف ذلك.
  5. تشجيع الطفل باستمرار، فاستخدم العبارات التشجيعية والكلمات الإيجابية في تحفيزه وإقناعه بتنفيذ ما يُطلب منه، فيمكن مثلاً إبعاده عن العناد وجعله طفلاً مطيعاً عبر سرد القصص المختلفة التي تخدم الهدف المحدد.
  6. تأمين جو أسري ملائم للطفل يسوده الحب والمودة والحنان، ويقوم على احترام شخصية الطفل ويدعم نموه وتطوره واتجاهه نحو الاستقلال، وعدم مقارنته بأطفال آخرين أو اللجوء إلى إهانته بوجود أطفال زملاء له أو أناس غرباء، فكلما زاد حب الطفل وشعوره بالأمان داخل أسرته أصبح شخصاً متقبلاً للتوجيهات بشكل أكبر.
  7. يجب على الوالدين أن يكونا قدوة حسنة للطفل، فعندما يجد الطفل أنَّ والديه يحترمان قواعد المجتمع سوف يفعل هو ذلك أيضاً، وعندما تقوم الأم مثلاً بالحديث بشكل جيد عن الأفراد الآخرين سوف يقوم هو بذلك أيضاً.
  8. الاعتدال في الثواب والعقاب، فلا يجب المبالغة في منح المكافآت ولا المبالغة في فرض العقوبات، كما يجب الاعتدال في نوع كل منهما، فمثلاً عند إظهار الطفل سلوك الطاعة لا يجب منحه مكافآت مادية باستمرار؛ بل يمكن السماح له بمشاهدة التلفاز لبعض الوقت أو اللعب مع الأصدقاء، والطفل الذي يغيب عن المنزل لمدة طويلة ساعة أو ساعتين أو يتأخر يمكن عقابه بعدم السماح له بالخروج من المنزل لأيام عدة قادمة.
  9. تجاهل سلوك العناد، فعندما يكون سلوك العناد بسيطاً وغير مزعج يجب تجاهله وعدم الدخول في مجادلة مع الطفل، فمجادلته يمكن لها أن تتطور وتؤدي إلى تعزيز سلوك العناد.
  10. ابتعاد الآباء عن العصبية وثورات الغضب أمام أطفالهم، فالطفل صفحة بيضاء يتعلم كل شيء من الكبار.
  11. تشجيع الطفل على احترام ممتلكات الآخرين من خلال إظهار الاحترام لممتلكاته.
  12. شغل أوقات الطفل بأشياء مفيدة ودفعه باتجاه ممارسة هوايات تساعده على تنمية شخصيته.
  13. مساعدة الأطفال وتشجيعهم على حل المشكلات والصعوبات التي يواجهونها بأنفسهم.
  14. استخدام الحوار الهادئ مع الطفل بشكل دائم وجعل باب الخيارات مفتوحاً أمامهم.

شاهد بالفيديو: 10 خطوات ليتعلم الأطفال من أخطائهم

في الختام:

العناد واحد من الاضطرابات السلوكية التي تظهر عند الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة؛ إذ تظهر لديهم نوبات من الغضب ويقومون بإعلاء الصوت ومجادلة الكبار ورفض تنفيذ الأوامر أو الانصياع لإرادة الكبار، كما توجد صعوبة في السيطرة على أعصابهم؛ إذ يطغى عليهم سلوك التمرد، وهذا السلوك يضر بالعلاقات الشخصية للطفل ويمنعه من تحقيق الاندماج مع الأطفال الآخرين؛ لذا عند الشعور بمعاناة الطفل من العناد يجب توجيه الاهتمام اللازم له والعمل على تعديل سلوكه بحيث يتخلص من مشكلة العناد ويحقق التوافق الاجتماعي السليم مع محيطه، وذلك كله يصب في مصلحته ومصلحة مستقبله.




مقالات مرتبطة