كيف تتعامل مع القلق المفرط؟

لقد فصل بين اليوم الذي قرَّرت فيه ترك آخر وظيفة عملت فيها، وبين اليوم الذي سلَّمت فيه استقالتي 90 يوماً تقريباً، وقد كنتُ قلقاً جداً خلال تلك الأشهر الثلاثة، لقد قرَّرت اتباع شغفي في أن أصبح كاتباً بدوام كامل، ولكنَّني كنت خائفاً حقاً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، يشرح فيه أسلوب مراقبة النفس الذي يتَّبعه للتعامل مع القلق الشديد.

راودتني أسئلةٌ كثيرة، فماذا لو لم أستطع دفع فواتيري؟ ماذا لو فشلت في تحقيق هدفي؟ لقد هلعتُ تماماً، لكن كما اتَّضح لاحقاً، كان حل مخاوفي المبالغ فيها أسهل ممَّا كنت أتوقع.

إذ تشغل أشياء عدَّة بال كثيرين منَّا، كالعمل، والعلاقات، والمال، والصحة، وبعض هذه المخاوف حقيقية، لكنَّ كثيراً منها ليس ضرورياً، وبصرف النظر عن سبب القلق الذي تشعر به، فإنَّ الاستجابة في جسمك هي نفسها دائماً، وهي ارتفاع مستويات هرمون "الكورتيزول" (Cortisol) لديك، وزيادة مستوى الكورتيزول هي أمر غير مرغوب أبداً؛ إذ يضرُّ بجهازك المناعي، ونتيجةً لذلك ستصبح أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض.

وجد الباحثون أيضاً علاقةً بين ارتفاع الكورتيزول، وزيادة خطر الإصابة بالداء السكري، وهشاشة العظام، وأمراض القلب، كما أنَّ التوتر والخوف قد يسبِّبان الاكتئاب، والاضطراب ثنائي القطب، واضطراب الهلع، والاحتراق الوظيفي؛ بمعنىً آخر؛ إذا لم تتوقف عن القلق، فسوف تموت لا محالة، فإنَّها حقيقةٌ لا ريب فيها.

في العام ونصف العام الماضيين، كنت قد درست القلق والتوتر والخوف كل يوم تقريباً، حتى إنَّني ألَّفتُ كتاباً عن كيفية عيش حياة خالية من التوتر، وتوصَّلت إلى الآتي: لا تحاول التخفيف من التوتر والقلق، وإنَّما حاول القضاء عليهما تماماً، واجههما مباشرة، فكما يقول الفيلسوف الأمريكي "رالف والدو إيمرسون" (Ralph Waldo Emerson): "يهزم الخوف الناس أكثر من أي شيء آخر في العالم".

لا فائدةَ من الهروب:

ما يفعله معظم الناس عندما يعانون من التوتر والقلق هو كالآتي:

  • يصبُّون غضبهم على الشريك أو الأسرة.
  • يشاهدون الأفلام والبرامج لساعاتٍ طويلة.
  • يلعبون ألعاب الفيديو.
  • يذهبون في عطلة.
  • يحتفلون طوال الليل.
إقرأ أيضاً: القلق: أنواعه، أسبابه، وطرق العلاج

كن صريحاً، لكم من الوقت تجعلك هذه الأشياء تنسى مخاوفك؟ ربما لـ 10 دقائق أو نصف ساعة أو حتى يوم كامل، لكنَّها لا تدوم، فبمجرد أن تعود إلى الحياة الواقعية، سيعود القلق والتوتر.

لا نفع من تشتيت انتباهك بعيداً عن حياتك، ومع ذلك يواصل كثير منَّا القيام بذلك، لقد قرأت عديداً من الكتب والأبحاث العلمية عن هذا السلوك؛ إذ يرى بعضنا أنَّ السبب هو أنَّنا لدينا الكثير من وقت الفراغ، وبعضهم يقول إنَّه بسبب ثقافتنا، وبعضهم الآخر يقول إنَّه متأصلٌ في طبيعتنا.

لا يهمُّ فهم السبب، بل علينا فقط أن ننظر إلى الحقائق، فإنَّ الناس قلقون جداً، ويمكن لذلك أن يدمِّر حياتك؛ لذا يجب أن تركِّز انتباهك على مواجهة هذا القلق، اعمل بقول الإمبراطور الروماني "ماركوس أوريليوس" (Marcus Aurelius)؛ إذ قال: "لا تدع المستقبل يزعجك أبداً، فإن واجهته مضطرَّاً تسلَّح بنفس أسلحة العقل التي تتسلَّح بها اليوم في مواجهة الحاضر".

شاهد بالفديو: 9 خطوات تساعدك على السيطرة على القلق

تحويل القلق إلى عملية بنَّاءة:

نحن نقلق غالباً حيال المستقبل، وهو يتجلى عادةً بافتراضاتٍ من قبيل: "ماذا لو:

  • "لم تَعُد تحبني بعد الآن؟".
  • "فقدت وظيفتي؟".
  • "لم أستطع دفع فواتيري؟".
  • "رسبت في هذا الاختبار؟".
  • "لم أحصل على تلك الترقية؟".
  • "لم تنجح شركتي الجديدة؟".

ثمَّ نتخيَّل العواقب بعباراتٍ من قبيل: "سيتعيَّن عليَّ أن":

  • "أكون وحيداً".
  • "أعثر على وظيفةٍ جديدة".
  • "أقترض المال من والدي".
  • "أترك الدراسة لأنَّني فشلت".
  • "أبقى في هذه الوظيفة لسنةٍ أخرى".
  • "أشعر بالخزي لأنَّ الجميع يعتقد أنَّني فاشل".

ثمَّ نستسلم، ونعلن أنَّنا لا نستطيع تحمُّل الأمر، ونعتقد في النهاية أنَّ العالم سينتهي، فإذا كنت تفكِّر بالطريقة الموضَّحة أعلاه، فإنَّ القلق يسيطر عليك، لكن ثمَّة حل بسيط، وهو مراقبة النفس التي يحوِّل القلق إلى عمليةٍ بناءة.

طُلِبَ من الطلاب في دراسةٍ أجراها الباحثان "ماريانا زابو" (Marianna Szabo)، و"بيتر ف. لوفيبوند" (Peter F. Lovibond) عام 2002، تسجيل مخاوفهم، وأظهرت نتائج تلك الدراسة أنَّك تستطيع تحويل القلق إلى عملية بنَّاءة من خلال التركيز على إيجاد حل لمخاوفك، وهذا ما ذكره عالم الفيزياء الألماني "ألبرت آينشتاين" (Albert Einstein) بقوله: "عندما تتعلم قواعد اللعبة، يمكن أن تلعبها أفضل من أي شخص آخر".

كيف أستخدم مراقبة النفس للتعامل مع القلق؟

إنَّني شخص عملي، أعتقد أنَّ بعض النشاطات، مثل التأمُّل، وتمارين اليقظة، تساعد على تخفيف القلق، ولكنَّها ليست خياري المفضَّل؛ إذ إنَّها أفكارٌ نظريةٌ جداً، فبدلاً من ذلك، أنا أُفضِّل اتباع نهج عملي، مثل مراقبة النفس، وإليك كيف أفعل ذلك:

إقرأ أيضاً: اضطراب القلق العام: تعريفه، أعراضه، أسبابه، علاجه، ومقياس تايلور للقلق

1. أستخدم تطبيق تدوين الملاحظات وأُنشئ ملاحظاتٍ جديدة:

أُسمِّي ملاحظتي "الأشياء التي تسبِّب لي القلق".

2. أكتب قائمةً بكل ما أقلق بشأنه وأضيف الأشياء إلى القائمة باستمرار:

كل ما أقلق بشأنه موجود في هذه القائمة، مهما كان صغيراً.

3. أفكِّر في حلول لجميع مشكلاتي:

على سبيل المثال، إذا كنت قلقاً بشأن وضعي المالي، أضع خطةً لكسب المزيد أو الإنفاق أقل.

4. أبدأ التنفيذ:

أُنفِّذ خطوةً واحدةً كل يوم تُقربني من حل مشكلتي.

5. أتجنَّب القلق بشأن الأشياء التي لا أمتلك سيطرةً كاملة عليها، فتلك الأشياء يجب عليَّ قبولها:

تُركز هذه الاستراتيجية على الإجراءات العملية، وتجبرك على تعلم المهارات التي تحتاج إليها للتغلب على مشكلاتك؛ لأنَّ المشكلات لا تختفي من تلقاء نفسها، وفي الوقت الحاضر، لم أعد أشعر بالقلق؛ لأنَّني أثق في قدرتي على التعامل مع كل ما أواجهه.

في الختام:

إنَّ المعرفة والمهارات والسِمات الشخصية هي الأشياء الوحيدة التي لا يمكن لأحد أن يسلبها منك؛ لذا فكل دقيقةٍ تقضيها في تعلم شيء جديد هي دقيقةٌ أحسنت قضاءها، فابدأ الآن، وبصرف النظر عمَّا يحدث، ثق في قدرتك على التعامل معه.




مقالات مرتبطة