كيف تتدرب على التغاضي؟

إذا كنت تقلق كثيراً بشأن ما قد يحصل، فسوف تتجاهل ما هو موجود، فالسعادة هي التغاضي عمَّا يُفترَض أن تكون عليه الحياة الآن، وتقديرها بصدق على كل ما هي عليه.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك تشيرنوف" (MARC CHERNOFF)، ويُحدِّثنا فيه عن كيفية التدرُّب على التغاضي.

طوال العقد الماضي، عملتُ أنا وزوجتي "إنجل" (Angel) تدريجياً مع المئات من طلاب الدورات التدريبية والعملاء ممَّن نقدِّم لهم الكوتشينغ والجماهير التي تحضر المناسبات الحية، وتوصَّلنا إلى فهم أنَّ السبب الجذري لمعظم التوتر البشري هو نزعتنا العنيدة إلى التمسُّك بالأشياء.

نحن نتمسَّك بشدَّة بالأمل في أن تسير الأمور كما نتخيَّل تماماً، ثمَّ نُعقِّد حياتنا عندما لا تسير الأمور كما نريد، فعلى سبيل المثال تتشبَّث عقولنا بمُثُل غير مفيدة، ونخاطب أنفسنا بعباراتٍ من قبيل:

  1. لا يفترض أن تكون الحياة على هذا النحو، فأنا أحتاج إلى أن أكون مختلفاً.
  2. يوجد شيء واحد فقط أريده، ولا يمكنني أن أكون سعيداً من دونه.
  3. أنا محقٌّ تماماً، والشخص الآخر مخطئٌ تماماً.
  4. هذا الشخص يجب أن يحبني ويريد أن يكون معي.
  5. لا ينبغي أن أكون وحدي، ولا ينبغي أن أعاني من زيادة الوزن، ولا ينبغي أن أكون كما أنا الآن، وما إلى ذلك.

ففي كل هذه الأمثلة الشائعة، يتمسَّك العقل بشدَّة بشيءٍ مثاليٍ غير حقيقي، وبعد فترة نعود إلى الواقع، ويترتَّب على ذلك كثير من التوتر والقلق والتعاسة وكره الذات والمشاعر السلبية؛ لذا كيف يمكننا التوقف عن التمسُّك بشدة؟ من خلال إدراك أنَّه لا يوجد شيء يمكن التمسُّك به في المقام الأول.

فمعظم الأمور التي نحاول بشدَّة التمسُّك بها كما لو كانت حقيقية ومؤكَّدة ودائمة في حياتنا، ليست موجودة بالفعل، أو إذا كانت موجودة في شكلٍ ما، فهي تتغيَّر، أو مرنة، أو غير دائمة، أو نحن اخترعناها في أذهاننا، ويصبح التعامل مع الحياة أسهل عندما نذكِّر أنفسنا بذلك ونعيش وفقاً له.

إليك فيما يأتي 5 نصائح للتدرُّب على التغاضي:

1. تدرَّب على ترك كل شيء يكون على طبيعته:

أنتَ تتنفَّس في حين تقرأ هذه الكلمات، فتوقف للحظة ولاحظ هذا التنفس، يمكنك التحكُّم به، وجعله أسرع أو أبطأ؛ أي يمكنك السيطرة عليه، إذ توجد راحة في مجرد السماح لرئتيك بالتنفس دون الحاجة إلى التحكُّم بالموقف أو القيام بأي شيء حيال ذلك، فتخيَّل الآن السماح لأجزاء أخرى من جسدك بالاسترخاء، مثل كتفيك المتشنجين دون الحاجة إلى السيطرة عليهما.

انظر الآن إلى الغرفة التي توجد فيها ولاحظ الأشياء من حولك، من المحتمل أن يكون هناك أشخاص في الغرفة معك أيضاً أو في نفس المنزل أو في المنازل أو المباني المجاورة، فتخيَّلهم في عقلك، واتركهم يتنفسون، فعندما تترك كل شيء وكل شخص يتنفس، فأنت تتركه كما هو تماماً، فلا داعي للسيطرة عليهم أو القلق بشأنهم أو تغييرهم، فأنت فقط تسمح لهم بالتنفس بسلام وأنت تقبلهم كما هم، وهذا ما يقتصر عليه التغاضي، ويمكن أن يكون تمريناً لتغيير الحياة.

إقرأ أيضاً: ماذا لو أمكنك التخلص من المشاعر السلبية بضغطة بسيطة؟

2. تدرَّب على قبول واقعك الحالي:

تخيَّل أنَّك معصوب العينين، وتسبح في حوض كبير، وتكافح بشدة للوصول إلى حافة المسبح التي تعتقد أنَّها قريبة، لكنَّها في الحقيقة ليست كذلك؛ إذ إنَّ محاولة الوصول إلى هذا السراب تضغط عليك وتجهدك، وأنت تتجوَّل بلا هدف وتحاول التمسُّك بشيء غير موجود.

تخيَّل الآن أنَّك تتوقف مؤقتاً وتأخذ نفساً عميقاً وتدرك أنَّه لا يوجد شيء في الجوار للوصول إليه، الماء فقط من حولك؛ فيمكنك الاستمرار في الكفاح للإمساك بشيء غير موجود، أو يمكنك قبول أنَّه لا يوجد سوى الماء من حولك والاسترخاء.

فقد يبدأ السلام الداخلي في اللحظة التي تأخذ فيها نفساً جديداً وتختار عدم السماح لحدث لا يمكن السيطرة عليه بالسيطرة عليك في الوقت الحاضر، فأنت لست ما حدث لك، بل أنت ما تختار أن تصبح في هذه اللحظة.

3. تدرَّب على تحدي القصص التي تقولها لنفسك باستمرار:

يمكن تجنُّب عديد من أكبر حالات سوء الفهم في الحياة إذا أخذنا الوقت الكافي للتساؤل: "ماذا يمكن أن يعني هذا أيضاً؟" إذ توجد طريقة رائعة للقيام بذلك، وهي استخدام أداة إعادة الصياغة التي أخذناها من الأستاذة "برين براون" (Brene Brown)، والتي استخدمناها بعد ذلك خلال عملنا في الكوتشينغ مع الطلاب وحضور الحدث المباشر؛ إذ نسمِّي الأداة "القصة التي أرويها لنفسي"، وإليك كيفية عملها: يمكن تطبيق أداة "القصة التي أرويها لنفسي" على أي موقف أو ظرف صعب في الحياة تتمكَّن فيه الأفكار المزعجة منك.

فعلى سبيل المثال، ربما لم يتَّصل بك شخص تحبه أو أرسل لك رسالة نصية عندما قال إنَّه سيفعل ذلك، والآن مرت ساعة وتشعر بالضيق لأنَّه من الواضح أنَّك لست أولوية بما فيه الكفاية بالنسبة إليه، فعندما تجد نفسك تشعر بهذه الطريقة، استخدم العبارة الآتية: "القصة التي أرويها لنفسي هي أنَّه لم يتصل بي لأنَّني لست من أولوياته، ثمَّ اسأل نفسك هذه الأسئلة:

  1. هل أنا متأكِّد تماماً من صحة هذه القصة؟
  2. كيف أشعر وأتصرَّف عندما أروي لنفسي هذه القصة؟
  3. ما هو الاحتمال الآخر الذي قد يجعل نهاية هذه القصة حقيقية؟

امنح نفسك مساحة للتفكير في كل شيء بعناية، وتحدَّ نفسك للتفكير بطريقة أفضل يومياً، لتحدي القصص التي تقولها لنفسك دون وعي، وإجراء فحص للواقع بعقلية أكثر موضوعية.

4. تدرَّب على التخلص من ثقل أفكارك:

عندما كنت أنا وإنجل طالبَين في الجامعة، علمتنا أستاذة علم النفس لدينا درساً لم ننسَه أبداً، وفي اليوم الأخير من الفصل قبل التخرج، صعدتْ على المنصة لتشرح لنا درساً أخيراً، والذي وصفته بأنَّه "درس حيوي في قوة المنظور والعقلية"، وعندما رفعت كوباً من الماء فوق رأسها، توقع جميع الطلاب منها أن تذكر الاستعارة النموذجية "نصف كوب فارغ أو نصف كوب ممتلئ".

لكن بدلاً من ذلك، سألت أستاذتنا بابتسامة على وجهها: "ما هو مقدار ثقل كوب الماء هذا الذي أحمله؟" فصاح الطلاب بإجابات تتراوح بين بضع أونصات إلى بضعة أرطال، وبعد لحظات قليلة من الرد على الإجابات والإيماء برأسها، أجابت: "من وجهة نظري، وزن هذا الكوب ليس هامَّاً، بل يتوقف الأمر على المدة التي أحمله خلالها، فإذا احتفظت به لمدة دقيقة أو دقيقتين، فهو خفيف إلى حدٍّ ما، أمَّا إذا أمسكتُ به لمدة ساعة متواصلة، فقد يؤدي وزنه إلى الشعور بألم في ذراعي، وإذا أمسكت به لمدة يوم كامل، فمن المحتمل أن تتشنَّج ذراعي وأشعر بالخدر والشلل التام، وهذا يجبرني على إسقاط الكوب على الأرض.

في كل حالة، لا يتغيَّر الوزن المطلق للكأس، لكن كلما احتفظت به لفترة أطول، زاد شعوري بثقله"، ونظراً لأنَّ معظم الطلاب وافقوها الرأي أكملت شرحها: "مخاوفك وإحباطاتك وخيبات أملك وأفكارك المجهدة تشبه إلى حدٍّ كبير كوب الماء هذا، فإذا فكَّرت فيها لبعض الوقت، لن يحدث أي أمر سيِّئ، لكن إذا فكَّرت فيها لفترة أطول، ستبدأ في الشعور بألم ملحوظ، وأمَّا إذا فكَّرت فيها طوال اليوم، فستشعر بالخدر والشلل التام، ولن تكون قادراً على فعل أي شيء آخر حتى تتخلص منها"؛ لذا فكر في كيفية ارتباط هذا بحياتك الآن، فإذا كنت تكافح من أجل التعامل مع ثقل ما يدور في ذهنك اليوم، فهذه علامة قوية على أنَّ الوقت قد حان للتخلُّص منه.

شاهد بالفديو: 9 نصائح مؤثرة لتعزيز الثقة بالنفس

5. جدِّد إيمانك بنفسك:

جزء كبير من ممارسة التغاضي، هو تجديد إيمانك بنفسك تدريجياً، فهذا الإيمان المتجدِّد يعني الاستعداد للعيش مع عدم اليقين والشعور بكل تفصيل خلال كل يوم، لتدع حدسك يرشدك مثلما يرشدك مصباح في الظلام؛ إذ يتعلَّق الأمر بالوقوف بثبات على ساقيك دون استخدام العكازات التي كنت تمسك بها.

ماذا لو اخترت اليوم أن تؤمن بأنَّ لديك ما يكفي وأنت كافٍ؟ وماذا لو اخترت اليوم أن تؤمن بأنَّك قوي وحكيم ولطيف ومحبوب بما يكفي لاتخاذ خطوة إيجابية إلى الأمام؟ وماذا لو قبلت اليوم الناس كما هم بالضبط، والحياة كما هي بالضبط؟ وماذا لو اخترت، مع غروب الشمس اليوم، أن تصدِّق أنَّ الأجزاء الصغيرة من التقدُّم الذي أحرزته كانت أكثر من كافية ليوم واحد؟ وماذا لو قررت غداً أن تصدقها من جديد؟ فتدرَّب على اتخاذ تلك الخيارات، وعلى التغاضي عن الماضي، وتجديد إيمانك بنفسك.

المصدر




مقالات مرتبطة