كيف تتخلص من العادات التي تدمر النجاح باستخدام الإنياجرام (Enneagram)

لا بدَّ وأنَّ جميعنا قد ألقى أو سمع خطاباً حماسياً في مرحلةٍ ما من حياتنا؛ ومع ذلك، يمكننا جميعاً تذكر بعض المواقف التي تفاقمت بسبب استجابتنا التلقائية لها في تلك اللحظة؛ ولسوء الحظ، قد تؤدي ردود أفعالنا السريعة تجاه المشكلات أحياناً إلى حدوث فوضى أكبر.



إذاً، كيف نحافظ على طبيعتنا الحقيقية بينما نكشف عن أنماطٍ مدمرة مارسناها لعقودٍ من الزمن؟

تصبح الحلول أكثر وضوحاً عندما نلجأ إلى أداة شخصية فريدة تُسمَّى الإنياجرام (Enneagram) -واحد من أهم وأشهر علوم الشخصيات، والذي يمكن للفرد من خلاله أن يحدد نمط شخصيته بسهولة- لمساعدتنا على فهم سبب تصرفنا بالطريقة التي نتصرف بها، وتحديد نقاط القوة والمهارات الناعمة الشائعة؛ وبينما نضيء العالم بمجموعات المهارات هذه، يعلمنا الإنياجرام أن نكون على دراية أيضاً بالظلال التي يمكن أن تلقيها هذه المهارات عندما نتبنى العادات الناجمة عن نقاط القوة الفريدة هذه.

يشرح "سيث أبرام" (Seth Abram) -مُقدِّم برنامج فاثمز (Fathoms) الذي يتناول الإنياجرام- كيف نأتي جميعاً إلى العالم بحساسية أو موهبة محددة تتمثل بكل نوع من أنواعه، وأنَّنا نشكل شخصياتنا بالاعتماد على هذه الموهبة من أجل إبراز نقاط قوتنا.

يقول أبرام: "الشخصية في أي نوع من أنواع الإنياجرام هي ما يفصلنا عن طبيعتنا الحقيقية؛ إذ إنَّها قناع نرتديه كي يساعدنا في تلبية احتياجاتنا؛ حيث يبدو هذا الاستخدام الاستراتيجي لمهاراتنا للحصول على ما نريده من العالم حكيماً"، ولكن ينصح أبرام بأنَّ التركيز على جانب محدد من هويتنا قد يجعلنا نرفض الجزء الآخر من حقيقتنا؛ لذلك كلما برز تحدٍ، ينتهي بنا الأمر بفرض "موهبتنا" على العالم من خلال مجموعة من أنماط السلوكات غير الصحية، حتى لو لم تكن موهبتنا هي الاستجابة الصحيحة أو الحل الصحيح للمشكلة.

يقول أبرام: "كما هو حال القول المأثور، إذا كان كل ما لديك هو المطرقة، فلن ترى سوى المسامير؛ إذ تصبح شخصياتنا إشكالية عندما تكون وجهة نظرنا صارمة للغاية بحيث لا يمكننا التعامل مع الأمور بطريقة مختلفة عما اعتدنا عليه".

إن أدركنا ميولنا إلى تكرار الأنماط المعيبة نفسها التي درَّبنا أنفسنا على الرجوع إليها مراراً وتكراراً عندما نكون تحت الضغط، يمكننا تحديد الطرائق التي نستخدم بها نقاط قوتنا لعرقلة أنفسنا؛ وعلاوة على ذلك، سنكون قادرين على الوصول إلى الموارد التي نمتلكها بالفعل، لكنَّنا نتنصل من أنفسنا من أجل الحفاظ على شخصيتنا غير الحقيقية.

اكتشف الأنماط التي تخرب نجاحك من خلال قراءة المقتطفات أدناه من بعض المقابلات مع أشخاص تندرج شخصياتهم تحت كل نوع من أنواع الإنياجرام، واكتشف خطورة التداعيات التي قد تظهر عندما تسمح لنقاط قوتك بأن تطغى وتخفي شخصيتك الحقيقية.

1. النوع الأول "منشد الكمال":

  • نقاط القوة: النزاهة والخير.
  • نمط تخريب النجاح: المثالية.

"عندما أعمل بجد، لا أثق عادةً بأي شخص لإنجاز المهمات بطريقة جيدة كما أفعل أنا، لا أحد يستطيع مساعدتي بالطريقة التي أريدها، لذا أضطلع بمسؤوليات تفوق طاقتي، ويجعلني كل هذا أشعر بالوحدة؛ ولكنَّني أشعر أيضاً أنَّني الأفضل؛ فأنا الوحيد القادر على فعل ذلك، ويجب أن أوضح لهم أنَّني أستطيع تحقيقه".

غالباً ما يشعر هؤلاء الأشخاص بأنَّهم ملزمون شخصياً بأن يكونوا "المصلح" الذي يتدخل لتصحيح أخطاء الآخرين، ولكن إذا تخلوا عن استيائهم، سيجدون أنَّهم غير مضطرين إلى تصويب كل ما هو خطأ، وإنَّما يفعلون ذلك بملء إرادتهم، وأنَّهم ومن حولهم يمكنهم الاكتفاء بما هو جيد فقط.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن للسعي إلى الكمال أن يعيق طريقك؟ وكيف تتخلص منه؟

2. النوع الثاني "المساعد":

  • نقاط القوة: التعاطف واستشعار احتياجات الآخرين.
  • نمط تخريب النجاح: محاولة شراء علاقة مقابل الخدمة.

"عندما ألاحظ أنَّني أغير احتياجاتي من أجل تهدئة أو تغيير مشاعر شخص آخر، فهذه علامة على أنَّني بحاجة إلى جلسة مصارحة مع غروري، حيث أسأل نفسي: "هل التقليل من قيمة نفسك يجعلك أنت أو أي شخص آخر تشعرون بتحسن تجاهك؟". يساعدني هذا ىوىى البقاء وفياً لنفسي".

إذا كان الناس لا يحبونهم، فغالباً ما يعتقد هؤلاء الأشخاص أنَّهم غير محبوبين؛ ولكن من خلال التوقف عن إرضاء الآخرين، يمكنهم أن يكتشفوا أنَّ قيمتهم لا تتعلق بتقديم أي خدمة -كالربح أو المتعة أو الاستقرار العاطفي- لشخص آخر.

3. النوع الثالث "المنجِز":

  • نقاط القوة: دافع الفوز والطموح.
  • نمط تخريب النجاح: الخلط بين النجاح والكرامة.

"واحدة من أقوى نقاط قوتي الخارقة هي القدرة على العمل وفق تعدد المهمات بكفاءة؛ أما الجانب السيئ من ذلك، فهو أنَّني أتوقع الشيء نفسه من الآخرين؛ أي الرغبة في إنجاز 10 مهمات دفعة واحدة وتسليمها في وقتها، وإلَّا عددت الأمر غير منجز، وقد أفقد الصبر بسرعة أيضاً".

يحب هؤلاء الأشخاص النجاح والشهرة والأضواء، ولكن عندما يعترفون بأنَّهم حققوا نجاحاتهم على حساب علاقاتهم الشخصية أو المهنية، يمكنهم حينئذ رؤية تفوقهم على حقيقته وإدراك قيمتهم الحقيقية (وقيمة من حولهم)، سواء وصلوا إلى قمة النجاح أم لم يبدؤوا بعد.

إقرأ أيضاً: هل يُساعدنا تعدّد المهام في إنجاز المزيد من الأعمال؟

4. النوع الرابع "المتفرد":

  • نقاط القوة: تناغم شديد مع الأصالة والحقيقة.
  • نمط تخريب النجاح: تفضيل العاطفة أكثر من المنطق.

"لديَّ شعور دائم بأنَّ هناك خطأ ما في العالم، وإذا كنت صادقاً مع نفسي، فأنا أسعى إلى ملء الفراغ من خلال تأكيد الآخرين على تفردي، حيث قد يدفعني الشعور بعدم الإنجاز إلى الإبداع على أمل التعبير عن نفسي؛ ولكن قد يجعلني محتاجاً إلى العاطفة، حيث أواجه صعوبة في الحفاظ على الحدود العاطفية".

يفضل هؤلاء الأشخاص العاطفة والمشاعر على الأرقام والحقائق، وينجذبون غريزياً نحو أي شيء يثير مشاعرهم وإحساسهم بالتفرد؛ لذا يجعلهم اعترافهم بأنَّ تميزهم لا يعتمد على تفردهم يشعرون بالرضا حتى عندما يكون التجانس مطلوباً، ويدفعهم إلى إظهار الود للطرف الآخر بدلاً من احتياجهم للإيماءات الكبيرة والدرامية.

5. النوع الخامس "المفكِّر":

  • نقاط القوة: جمع المعلومات وربطها ببعضها بعضاً.
  • نمط تخريب النجاح: إنكار المشاعر والعلاقات.

"تدفعني رغبتي بالشعور بأنَّني خبير في كل ما أفعله أو أتحدث عنه إلى تجنب تجربة أمور جديدة أو مواقف معينة؛ ممَّا يؤدي إلى إضاعة الكثير من الفرص".

عندما يخرج هؤلاء من دائرة المنطق أو الخبرة التي يتمتعون بها، يدخلون في حالة من الفوضى الذهنية التي تتطلب منهم الانسحاب المؤقت إلى أن يشعروا بأنهَّم مستعدون؛ وعندما يبدؤون بالتواصل، يدركون أنَّ التعامل مع العالم والأشخاص الموجودين فيه غالباً ما يكون أفضل معلم.

6. النوع السادس "المخلص":

  • نقاط القوة: التمييز لمن أو ما يمكن الوثوق به.
  • نمط تخريب النجاح: طلب الأمان والطمأنينة من الآخرين.

"أميل إلى أن أكون مخلصاً للغاية، ولذا فأنا الصديق الموجود دائماً والعميل الذي يتمسك بعلامات تجارية معينة لأنَّها "نالت ثقتي"؛ وقد يؤدي ذلك أحياناً إلى صداقات من جانب واحد، أو عدم الثقة بأشياء جديدة، أو التشكيك في صوتي الداخلي، حيث أجد صعوبة في اتخاذ القرارات دون تأثير الآخرين لأنَّني مهتم حقاً بما يفكرون فيه، وأريد أن أبقى مخلصاً لهم للحفاظ على شعوري بالأمان".

يضع هؤلاء الأشخاص الشعور بالأمن والأمان على رأس أولوياتهم، ما قد يدفعهم إلى اللجوء إلى علاقات أو كيانات ضارة إن ظنوا أنَّها ستوفر الحماية لهم؛ ولكن إذا تمكنوا من إيقاف أفكارهم المتزاحمة وفكروا بتأنٍ، سيدركون أنَّ صوتهم الداخلي هو الدليل الأكثر موثوقية والمرجعية التي يمكنهم الرجوع إليها.

إقرأ أيضاً: كيف تميّز الصديق الحقيقي المخلص من الصديق المزيف؟

7. النوع السابع "المتحمِّس":

  • نقاط القوة: تفاؤل متسارع.
  • نمط تخريب النجاح: عدم التمهل عند الشعور بالألم أو الحزن

"عندما أواجه مشاعر أو مواقف صعبة، أبحثُ عن طرائق للهرب من الألم من خلال محاولة النظر إلى الجانب المشرق أو التخطيط لمستقبل لا ألم فيه، ويحدث هذا لأنَّني لا أميز بين السعادة الحقيقية والمتعة الزائفة؛ لذلك، لا أحرم نفسي عيش الحياة بمرها وحلوها فحسب، بل أسلب الآخرين حاجتهم إلى الحزن أيضاً".

يؤدي انتقال هؤلاء الأشخاص المستمر من شيء إلى آخر إلى عدم إضاعتهم المتعة، لكنَّه في الوقت نفسه يحبسهم في عالم مقيد يمنعهم من التواصل حقاً مع الأشخاص والأشياء التي يرغبون بشدة في تجربتها؛ ولكن لا يمكن التهرب من الحزن، وأحياناً تكون معالجة الفشل جزءاً لا يتجزأ من النجاح.

8. النوع الثامن "المتسلِّط":

  • نقاط القوة: الثقة في مواجهة التحديات.
  • نمط تخريب النجاح: استخدام السلطة لتجنب الضعف.

"إحدى نقاط قوتي الخارقة هي السهولة التي يمكنني بها تسخير طاقتي وحافزي لإنجاز الأمور، لذا أعمل بجد وبسرعة كبيرة إذا لزم الأمر لدرجة أنَّني أفشل في الإصغاء إلى الآخرين؛ ورغم أنَّ هدفي قد يتحقق، إلَّا أنَّ العلاقة مع الآخرين قد تتضرر بشكلٍ لا يمكن إصلاحه، ويجب أن أسأل نفسي كل يوم: "من وما الذي لا أستمع إليه؟".

يعدُّ التسرع في تولي زمام الأمور أمراً طبيعياً بالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص لدرجة أنَّ تضرر علاقتهم مع الآخرين أمر لا مفر منه إن لم يلحظوا ذلك؛ إذ يعني تسخير طاقتهم القوية لتحقيق نجاح مستدام تعلم كيفية تهدئتها بالصبر والشعور بالضعف، حيث تُعطَى السلطة الحقيقية ولا تُؤخَذ بالقوة.

إقرأ أيضاً: اختبار الإنياجرام (Enneagram) لتحسين صحتك وطريقة تفاعلك مع العالم

9. النوع التاسع "صانع السلام":

  • نقاط القوة: يوحد الآخرين ويرضي الجميع.
  • نمط تخريب النجاح: خنق الآراء الشخصية لتجنب الصدام.

"أشعر بالقلق عندما أدرك أنَّني أقوم بمهمات وضيعة ليس لها أهمية على الأمد المنظور، ولكنَّني ألتزم بهذه النشاطات لدرجة الألم الجسدي فقط لتجنب محادثة أنا متأكد من أنَّها ستؤدي إلى نزاع؛ ولو أنَّني أشارك في تلك المحادثة، ستتحسن العلاقة بدلاً من التدهور".

هؤلاء الأشخاص ليسوا مسالمين فحسب، بل هم أسياد الخداع، حيث يتظاهرون بموافقتهم بينما يخفون معارضتهم الشديدة؛ وللبقاء صادقين مع أنفسهم، عليهم أن يدركوا متى تكون "الإنتاجية" مجرد قناع للسلبية.

شاهد بالفيديو: صفات الشخصية المتفردة وطرق التعامل معها

كيف نصلح هذه الأنماط التخريبية للنجاح؟

إنَّ معرفة ما الذي تبحث عنه هو الخطوة الأولى، ويوصي "أبرام" انطلاقاً من هذه النقطة بخلق عادة استبدال جسدية كالتنفس أو الضغط على يدك، والتي تعيد اتصالك باللحظة الحالية وتمنعك من الانزلاق إلى التفكير التلقائي.

يقول: "عندما ألاحظ نمطاً في نفسي، آخذ أنفاساً عميقة قليلة جداً حتى أتمكن من تثبيت نفسي في اللحظة الحالية، حيث يظهر نوع الإنياجرام خاصتنا عندما نغيب نحن؛ فكلما لاحظت أنماطك وعدت إلى الحاضر، استطعت تنمية قدرتك على الاستجابة أكثر بدلاً من الاعتماد على أنماط ردود فعلك المعتادة".

المصدر




مقالات مرتبطة