كيف تتحدث مع طفلك عن جائحة الكورونا؟

لم يكن قد مضى وقتٌ طويلٌ منذ أغلقت جميع المدارس أبوابها حذراً من تفشِّي وباء الكورونا، عندما اتَّصلت بي زميلةٌ تخبرني عن محادثةٍ رهيبةٍ سَمِعَتْهَا في الطريق، حيث طلب ولدٌ في الثامنة من عمره من والدته أن تأذن له بالذهاب واللعب مع أصدقائه في وقتٍ ما، فأجابته: "حسناً، سأفكِّر في ذلك؛ فكما تعلم، العالم يقترب من نهايته".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن أخصائية علم النفس مادلين ليفين، والذي تخبرنا فيه بعض النصائح للتعامل مع الفئة العمرية الصغيرة بشأن فيروس كورونا.

وباعتبارنا أخصائيين في علم نفس الطفل، نعلم أنَّ الأمَّ لم تكن تنوي أن تُرعِب ابنها بذلك الجواب، لكن ما اعتبرته الأمّ مزحة، قد يترك أثراً مرعباً في نفس ابنها.

لربَّما اختيارها لكلمات السخرية تلك كان نابعاً من خوفها، تماماً كقلق واستنفار العالم لمكافحة الوباء؛ فعندما يهدِّد شيءٌ ما حياتنا، تهيمن نزعات عقلنا وعواطفه على وظائفنا التنفيذية، بما فيها من قراراتٍ وأفكارٍ وأحكامٍ وتصرُّفاتٍ وتحكُّمٍ بالنفس. وهو ما يفسر الموقف الذي حصل، والانتقال من فكرة "وقت لعبٍ ممتع" إلى "كما تعلم، العالم يقترب من نهايته".

يجب على الوالدين أن يفكِّروا في كلِّ كلمةٍ قبل الشروع بنطقها، كي لا يؤثِّر خوفهم وقلقهم في طريقة إخبارهم لأولادهم بما يحدث وبحالة الطوارئ التي غيَّرت حياتنا. وذلك يبدأ من إدراكهم ووعيهم بتطوِّر أبنائهم، وإيصال ما يسمعونه من أخبارٍ إليهم، وقدرتهم على إيجاد إجاباتٍ عن جميع استفساراتهم، بحيث يعمُّها الصدق وتتناسب مع أعمار أبنائهم.

الأطفال تحت سن الخامسة:

قلَّة المعرفة هي الأفضل في هذه المرحلة. في هذا العمر، يؤمن الأطفال بوجود شخصياتٍ خياليةٍ مثل: بابا نويل والوحوش؛ وفيروس الكورونا أمرٌ مبهمٌ بالنسبة إليهم، لكنَّه يشكِّل رعباً لا يقدرون على فهمه، وجلُّ ما يحتاجون إليه في هذه المرحلة هو يقينهم وثقتهم بمن حولهم واعتمادهم عليهم، لتطمئن قلوبهم ويشعرون بالأمان والسلام؛ فإن كان الأهل بخير، فهم بخير.

إن جالت في أذهانهم بعض الأسئلة وقاموا بطرحها عليك، فجاوبهم بإمعانٍ وهدوء، حيث سيكون لتعابير وجهك ونبرة صوتك ولغة جسدك وقعاً أكبر بكثيرٍ من كلامك.

على سبيل المثال: إن كان السؤال كما يلي: "لمَ يقوم الناس بشراء حاجياتهم بكمياتٍ هائلةٍ من المخازن؟" يجب أن يكون ردُّك: "لربَّما يعتقدون أنَّ ليس لديهم ما يكفي في المنزل، لكن لا تقلق نحن لا ينقصنا أيُّ شيء".

تذكَّر أن تكون منتبهاً ومركِّزاً كلَّ التركيز، وتفادى استخدام كلماتٍ مثل: مرعبٍ أو مثيرٍ للخوف أو ما يتماشى مع هذا السياق، وأجب عن التساؤلات بوضوح، وانصحهم باتباع الإرشادات الصحية العامة مثل: غسل اليدين، والتباعد الاجتماعي؛ بلغةٍ واقعية، على نحو: "من الهامِّ أن تغسلوا أيديكم الآن"، أو "إنَّنا نقوم بذلك بغية الحفاظ على صحتنا". أعتقد أنَّ هذه الطريقة تكون ناجعةً مع معظم الصغار.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة لوقاية الأبناء من الأمراض النفسيّة

الأطفال من سن 5 إلى 10 سنوات:

على مدار الأسبوعين الماضيين، أرسل إليَّ أصدقائي وزملائي كثيراً من الأمثلة التي تشابه تلك الحادثة في أوّل المقال، يتعلَّق جميعها بأطفال المدارس الابتدائية؛ ربَّما لأنَّ لديهم في هذا العمر مهارات تفكيرٍ متقدمة ومنطقية، بخلاف من يصغروهم سنَّاً، حتَّى أن تفكيرهم يبدأ بملامسة الواقع، ولا يستطيعون بَعدُ فهم مضمون السخرية والأفكار المجرَّدة.

من المحتمل أن يتكرَّر على مسامع طفلٍ في هذه المرحلة العمرية بعضٌ من لغو الكلام عن وباء الكورونا، فيهرع إلى والديه قائلاً: "أنا خائف؛ سنموت جميعنا"، يُفترَض أن يكون الجواب الشافي والصحيح: "لا، لن نموت. قل لي من أخبرك بذلك". إنَّه لأمرٌ بالغ الأهمية ألَّا نقصَّ عليهم أقاصيص تُنذِرُ بالموت.

يتحلَّى الأطفال في هذا السن بالإيثار، على عكس من هم أصغر منهم؛ لذلك يخافون من تأثير الفيروس على من حولهم قبل أن يفكِّروا بأنفسهم. نعم، عليك تلقينهم وإرشادهم، لكن لا تنسَ أنَّك يجب في الوقت نفسه أن تعرف ما يلتقطون من أخبارٍ وشائعات، وكيف يقومون بتفسيرها. احرص على طرح الأسئلة عليهم دوماً.

إقرأ أيضاً: إيجابيات وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي وكيف نحمي الأطفال منها

الأطفال من 11 إلى 15 سنة:

في هذه المرحلة، يتطوَّر تفكير الكثير من الأطفال ليصبح أكثر منطقيةً وعمقاً، حتّى أنَّ قدرتهم على فهم السخرية والتهكّم تنمو، وليس بأمرٍ سليمٍ التكلُّم عن أحاديث الموت باستهتارٍ، لكن من المرجَّح أن يلتمس الطفل الكبير حسَّ الفكاهة والسخرية أكثر ممَّن هم أصغر منه. ضع في عين الاعتبار أنَّ سنَّ المراهقة سنٌّ مرهقٌ للغاية، حتَّى في الأيام العادية؛ فالأطفال في هذا العمر لديهم تفكيرٌ واهتماماتٌ مختلفَين عن "عدد الناس الذين أصابهم الفيروس" مثلاً، أو "كميات المناديل الورقية المكدَّسة في المنزل". لذا لا تستغرب أن يقولوا لك: "هذا هراء، سوف أخرج مع أصدقائي هذه الليلة، فلا أحد مريض"، ولعلَّ أفضل ما تردُّ به على ذلك: "أَعْلَمُ أنَّك ترغب بالذهاب معهم، لكن نحن جزءٌ من المجتمع، ويتوجَّب علينا حماية الآخرين، وليس أنفسنا فحسب".

التمس ما إن كان ولدك يفكِّر بالآخرين قبل نفسه ويراعي وجودهم، فالمراهقون أنانيون بطبعهم غالباً، لكن لديهم وعيٌ مجتمعي؛ وذكِّرهم دوماً أنَّ من حولهم من أقربائهم بحاجةٍ مساعدتهم؛ تعاطف مع وضعهم بعدم قدرتهم على رؤية أصدقائهم، فهذا أمرٌ في غاية الصعوبة بالنسبة إليهم.

في الختام، وكآباءٍ فإنَّ أوّل خطوةٍ علينا أن نُقدِم عليها هي تهدئة روعنا. لا يعني هذا الهروب، لكن أن تُعدِّل وتحدَّ من متابعة الأخبار المحمومة والمخيفة؛ علينا أن نسخِّر بعض السلوكات لصالحنا مثل: التّأمل، والاعتناء بالحدائق، وممارسة التمرينات الرياضية، واللجوء إلى الطبيعة. فبذلك نُعلّم أطفالنا كيفية تحمُّل الأيام العصيبة والمشاعر المريبة، فهذه ليست آخر مرّةٍ قد نواجه نحن وإيَّاهم فيها خطراً عالمياً.

هذه ليست نهاية العالم، إنَّ الأزمة الراهنة سوف تمضي. وفي هذه الأثناء، ينبغي علينا أن نُعلِّمهم كيف يتعاملون مع هذا اللَّبس والبلبلة، ولا يستلزم ذلك أن تحبَّ ما تفعل؛ قم بادعاء ذلك فحسب.

 

المصدر




مقالات مرتبطة