كيف تتأكد من أن موظفيك يزدهرون في عملهم؟

منذ عام 2015، أصبحتُ الرئيس والمدير التنفيذي لشركة "باي بال" (PayPal)، وهي شركة تُركِّز في تحويل العملات الرقمية والتجارة الإلكترونية؛ إذ إنَّ نموذج عملنا التجاري يرتكز على هدفنا، فنحن نريد لجميع - الأفراد والعائلات والشركات الصغيرة وتجار التجزئة من جميع الأحجام - الحصول على خدمات مالية ميسورة التكلفة ومريحة وآمنة، وكوننا نعمل في شركة، بذلتُ أنا وموظفو الشركة جهدنا لتحقيق هذا الهدف للعملاء والمجتمعات في جميع أنحاء العالم، وشعرنا بضرورة أكبر الآن في أثناء جائحة COVID-19.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المُدوِّن "دان شولمان" (Dan Schulman) الرئيس والمدير التنفيذي لشركة "باي بال" (PayPal)، والذي يُحدِّثُنا فيه عن كيفية جعل الموظفين يزدهرون في عملهم.

لكن بينما كنا نركز في تحقيق هدفنا على مستوى العالم الأكبر، إلَّا أنَّنا نسينا شيئاً كان يحدث داخل شركتنا؛ حيث كنا نسعى في شركة "باي بال" إلى دفع رواتب أعلى من السوق للموظفين وتقديم امتيازات جيدة، وافترضنا أنَّ هذا كان أمراً كافياً، ولكن عندما اطلعنا على الأمر بصورة أدق، رأينا أنَّه في بعض الأماكن وبالنسبة إلى بعض الأشخاص لم يكن ذلك كافياً.

على سبيل المثال: أفاد 65% من موظفي خدمة العملاء والموظفين المبتدئين في شركتنا، أنَّهم كانوا ينفقون أموالهم بشكل متكرر بين أيام دفع رواتبهم؛ ونتيجة لذلك، كان عليهم إجراء تنازلات صعبة فيما يخص تعليم أطفالهم، ودفع تكاليف الرعاية الصحية، والتخطيط على الأمد الطويل

في بعض الأحيان، واجهوا المزيد من المواقف المؤلمة، ففي عام 2017، أنشأنا صندوق إغاثة للموظفين لمساعدة الأشخاص في حالة التعرُّض إلى ضائقة مالية كبيرة أو غير متوقعة، وإحدى الدلائل على وجود متاعب قرأناها في الطلبات المُقدَّمة إلى هذا الصندوق؛ وجدنا أنَّ طلبات المساعدة الطارئة كانت بشكل متزايد نتيجة لمتطلبات الحياة اليومية، مثل دفع فاتورة بشكل مفاجئ مقابل استشارة طبية باهظة، أو تسديد قرض لطالب، أو تصليح عطل في السيارة.

إنَّ معرفة أنَّ موظفينا كانوا يعانون بهذه الطريقة، أمرٌ غير مقبول بكل بساطة؛ لذلك قررنا أن نتخذ بعض الخطوات الهامة لتعزيز أمنهم المالي وصحتهم، فكان هناك أربعة عناصر رئيسة لمبادرة الرفاه المالي للموظفين (Employee Financial Wellness Initiative) التي أعلنَّا عنها في نهاية عام 2019:

  1. خفضنا تكلفة الرعاية الصحية.
  2. قمنا بمراجعة ورفع الأجور عند الحاجة.
  3. جعلنا الجميع مساهماً ومستفيداً على الأمد الطويل من نجاحنا الجماعي كشركة.
  4. حصرنا كل شيء ببرنامج تعليمي وتخطيط مالي طويل الأمد.
إقرأ أيضاً: تحقيق الاستدامة من خلال تطوير الموظفين

في صميم هذا البرنامج كان هناك حساب يُسمى صافي الدخل القابل للإنفاق أو "إن دي آي" (NDI)؛ وهو مقدار المبلغ الذي بقي للشخص بعد دفع الضرائب ونفقات المعيشة الضرورية، مثل الضرائب والطعام والسكن والمواصلات.

بدأنا مراجعة الأجور الأولية الحالية التي نصرفها لموظفينا الذين يزيد عددهم عن 23000 موظف عالمي حسب الموقع، مع مراعاة تكاليف المعيشة والضرائب التي قُدِّرَت، لكنَّنا أردنا أيضاً أن نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وأن نفهم التأثير المترتب على عوامل رئيسة أخرى كانت تحت سيطرتنا.

نظرنا إلى مؤشر التنمية غير اليومي في كل من المواقع الجغرافية المختلفة التي يوجد فيها موظفون، ووجدنا أنَّ العديد من موظفينا المبتدئين والموظفين بالساعة - الموظفون الذين يتقاضون رواتبهم حسب عدد الساعات التي يعملون بها - لديهم مؤشر التنمية غير اليومي بنسبة 4-6%؛ وبعبارة أخرى، في نهاية كل شهر كان لديهم هذه النسبة الصغيرة فقط من رواتبهم التي لم تُصرَف بشكل تلقائي على أساسيات حياتهم.

إذا أردنا أن يقوم الموظفون بأداء مهمة شركتنا وأن يبتكروا ويقدموا الخدمات بفاعلية، فلا يمكننا ببساطة أن نجعلهم قلقين بشأن كيفية تغطية نفقاتهم كل شهر أو كيفية تغطية الاحتياجات طويلة الأمد لأسرهم.

في النهاية، قررنا تحقيق مؤشر التنمية غير اليومي بنسبة 20% على الأقل؛ ولدفع هذه الزيادة الكبيرة، كنا بحاجة إلى التفكير بشكل أكثر شمولية والنظر في كل من دخلهم المادي ونفقاتهم؛ حيث إنَّه إلى حد بعيد، كانت الرعاية الصحية هي السبب الرئيس للتكلفة الباهظة بالنسبة إلى القوى العاملة لدينا.

إقرأ أيضاً: 6 خطوات لتحسين أداء الموظفين باستخدام الكوتشينغ

وعلى الرغم من أنَّنا قدمنا ​​خطة صحية جيدة، إلَّا أنَّ تكاليف هذه الرعاية كانت عموماً بالسعر نفسه للجميع في الشركة، ولكنَّ هذا يعني أنَّه كلَّما كان دخل الفرد أقل، كانت التكلفة والنسبة أعلى بالنسبة إلى دخله؛ لذلك قمنا بتخفيض تكلفة فوائد الرعاية الصحية في الولايات المتحدة للعاملين بأجر بالساعة بمعدل 60% تقريباً للموظفين الذين كانت تكلفة الرعاية الصحية بالنسبة إليهم عالية جداً.

بعد معالجة الأجور وتكاليف الرعاية الصحية، كانت الخطوة الثالثة هي مساعدة الموظفين على توفير المزيد من المال والاستعداد بشكل أفضل للمستقبل، فلقد اخترنا أن نجعل الجميع مساهمين ومالكين لشركة "باي بال"، بغض النظر عن المستوى المنهي أو المنصب، ولقد قدمنا لمرة واحدة فرصة لمنح أسهم "باي بال" لأي شخص لم يحصل على سهم واحد من قبل، وجعلنا الجميع مؤهلين للفوز بجوائز أسهم "باي بال" سنوياً، وأعتقد بشكل أساسي أنَّ ملكية الموظفين لشركتنا من خلال الأسهم أمرٌ أساسي لنجاحنا؛ لأنَّ ذلك يمنح كل موظف الفرصة للاستفادة من أدائنا ويوجههم جميعاً نحو توفير المدخرات طويلة الأمد.

أخيراً، أطلقنا مجموعة كاملة من برامج التعلُّم المالي والاستشارات، وكما نعلم جميعاً، بناء الصحة المالية والحفاظ عليها يتطلب التعلُّم المستمر، وهي ليست رحلة أفقية؛ إذ إنَّ الأمور المالية معقدة، ونحن جميعاً بحاجة إلى الدعم خلال مسيرتنا، ونحن نقدم الآن خدمات التدريب والاستشارات الشخصية والموارد الأخرى لموظفينا جميعهم، ونعمل باستمرار على استكشاف وتقييم وتقديم أدوات جديدة.

أخيراً وليس آخراً، نواصل الحفاظ على صندوق إعانة الموظفين للحالات الطارئة، وبالطبع، سوف يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن نتعلم التأثير الحقيقي لهذه التغييرات وما إذا كانت كافية لتلبية احتياجات الناس، فنحن أعلنَّا عن هذا البرنامج في نهاية عام 2019، ونحن نراقب تقدمه.

لكنَّنا بدأنا بالفعل رؤية نتائج واعدة، مثل:

  • انخفاض في عدد الموظفين الذين يبلغون عن نفاد الأموال قبل ميعاد قبض رواتبهم الجديدة.
  • زيادة التسجيل في برامج الرعاية الصحية وتحسين الموظفين لخططهم.
  • زيادة معدل التسجيل في خطة شراء الموظفين للأسهم.

لقد كان هذا بمنزلة مهمة كبيرة، ولكنَّه شيء سنقوم به بالتأكيد مرة أخرى وسوف نشجع الشركات الأخرى على القيام به أيضاً؛ حيث إنَّنا عندما بدأنا هذا الجهد، لم أكن أتوقع بالتأكيد اكتشاف مثل هذه الفجوة الكبيرة بين ما نقدمه لموظفينا وما يحتاجون إليه؛ إذ تطلَّب سد هذه الفجوة استثماراً مالياً كبيراً، لكنَّني أعتقد أنَّ الأمر يستحق قيمته كل دولار وكل مورد، وأنَّه ضروري لجعل القوى العاملة لدينا أكثر مرونة في مواجهة COVID-19.

إنَّ الرأسمالية تحتاج إلى ترقية نظامها، وعلى الرغم من أنَّني ما زلتُ أعتقد أنَّها أفضل نظام لتحفيز الابتكار والتجارة، إلَّا أنَّها لا تعمل لصالح الكثير من الناس؛ إذ يجب على الجيل القادم من قادة الأعمال الالتزام باتخاذ الإجراءات وبذل المزيد من الجهد، كما أنَّ تحديد أولويات موظفينا والاستثمار في قدراتهم أمرٌ ملموس وقابل للتنفيذ، وإذا كان بوسع عدد كافٍ من القادة والشركات إحداث هذا الاختلاف لصالح موظفيهم، فيمكننا البدء بحل المشكلات.

المصدر




مقالات مرتبطة