كيف تتأقلم مع تقلبات الحياة؟

قضيت وقتي عندما كنت طالباً في المدرسة الثانوية مع أصدقائي في أغلب الأحيان؛ إذ كنا نتغيَّب عن الحصص، ونذهب لنلعبَ البلياردو ونحتسي المشروبات، وكان التمرد يمنحني شعوراً بالسعادة في ذلك العمر، فقد كنا صاخبين ومزعجين عندما نجتمع معاً، وظنَّنا أنَّ ذلك كان أمراً رائعاً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته في التعامل مع تقلبات الحياة.

تحدَّثت مع صديقي المقرَّب كوينسي (Quincy) الأسبوع الماضي عن أنَّ معظم هؤلاء الشباب "الرائعين" فشلوا في الحياة، وقد نشأ صديقي في مدينة مختلفة، لكن كان لديه أيضاً النوع نفسه من الأصدقاء.

اتخذت حياة هؤلاء الشباب منذ بدايتها منحىً خاطئاً؛ فلم يدرسوا في الجامعة، وعملوا في وظائف منخفضة الأجر، وارتادوا النوادي كلَّ أسبوع، وعاشوا علاقاتٍ غير مستقرة، وتراكمت عليهم الديون، وما إلى ذلك.

تسير الأمور في الحياة عادةً وفق منحىً محدداً؛ فإمَّا أن تتجه صعوداً، وتتحسن الأمور تدريجياً أو هبوطاً فتزداد سوءاً، حتى عندما تسير على نحوٍ مستقر، فغالباً ما تبدو الأمور وكأنَّها في تدهور مستمر؛ لأنَّ كلَّ ما حولك يبدو وكأنَّه يتقدم.

علَّمني والداي في الوقت نفسه تقريباً عندما كنت في المدرسة الثانوية، درساً هاماً، فقد كانوا يقولون إنَّني أبلي بلاءً حسناً في المدرسة، لكنَّهم كانوا يُدركون أنَّ إمكاناتي تفوق ذلك، فلم يرغبوا في أن أتبع التوجه السائد حولي؛ لذا لطالما دعموني ليكون التعليم من أولوياتي؛ فقد أدركوا أهمية ذلك جيداً، كانت الحياة صعبةً بالنسبة إلى والديَّ، وشهِدا كيف تدهور حال أفراد الأسرة الأكبر سناً عاماً بعد عام.

انتهى الأمر بالأشخاص الذين بدؤوا حياتهم على نحوٍ خاطئ بالإصابة بالأمراض والإدمان والاكتئاب في معظم الحالات، وقد نرى الناس قادرين على تغيير حياتهم في أفلام هوليوود، إلا أنَّ هذا نادراً ما يحدث في الواقع، فلا يغير الناس حياتهم بين عشية وضحاها، ومن الجيد أن ترى أشخاصاً يتغيرون للأفضل ويحافظون على هذا التغيير، إلا أنَّ الأمر ليس شائعاً كما نتمنى.

شاهد بالفيديو: 6 طرق في التعامل مع الضغط النفسي

التقلبات شائعة في كلِّ المجالات:

غالباً ما تجد في سوق الأسهم شركاتٍ في حالة تدهور، ربما قد حققت نمواً كبيراً لسنوات، لكن إذا توقفت عن التقدُّم، ستنسى بورصة وول ستريت (Wall Street) أمرها بكلِّ سهولة.

عندما يأخذ سعر السهم في الانخفاض، فلا حدَّ لأسعار الأسهم يلوح في الأفق، فقد يصل السهم الذي يُتداوَل بسعر 200 دولار إلى 100 دولار، وقد يتفاجأ الناس، فهذا نصف السعر، لكن يعتقدون أنَّها صفقة جيدة.

لكنَّ الأمر يستمر، وعندما يصل إلى 50 دولاراً، قد تتساءل إذا كان سينخفض أكثر من ذلك، فيتابع هبوطاً حتى يصل إلى 10 دولارات، وقد يتأرجح السعر ما بين 8 دولارات إلى 12 دولاراً لسنوات؛ لذا لا عجب أن يخشى الناس الإقدام على الاستثمار.

من الأمثلة الحديثة على ذلك شركة ليندينغ كلوب للإقراض (Lending Club)؛ إذ يُتداول أسهم الشركة نحو 130 دولاراً في عام 2014، وتراجعت ببطء لتصل إلى ما يقارب 4 دولارات في عام 2020، إلا أنَّ الشركة عادت إلى النمو مرةً أخرى نتيجة تغيير استراتيجيتها والنمو في سوق الإقراض، ويبدو أنَّها تتخذ منحىً تصاعدياً في الوقت الحالي؛ لذا إذا أرادت شركة ما أن تستعيد مكانتها بقوة، فإنَّها بحاجة إلى إحداث تغيير جاد في الاستراتيجية، وتحقيق أرقام نمو هائلة مرةً أخرى.

يحصل في حياتنا الشخصية الأمر نفسه، فعندما تتدهور الأمور، ستزداد سوءاً ما لم نقم بتغيير كبير، فلا يمكنك أن تفعل الأمر نفسه وتتوقع نتيجةً مختلفةً كما يقال، وهذا ما أجبرني والدايَّ على فعله؛ إذ كان يجب أن أتوقف عن هدر وقتي، وأُركز على تعليمي، وكنت بحاجة إلى استراتيجية ناجحة، ولطالما كان التعليم استراتيجيةً ناجحةً أكثر من الخمول والكسل.

إقرأ أيضاً: التكيف مع التغيير: ما أهميته؟ وكيف نطبقه؟

النجاح والإخفاق أمران طبيعيان:

كانت كاثي وود (Cathie Wood) مديرة شركة إي آر كي إنفست (ARK Invest) من أشهر المستثمرين في عام 2020؛ إذ ارتفعت عائدات صندوقها الرئيسي بنسبة  152% في عام 2020، ما جعله أحد أنجح الصناديق في عصر جائحة كورونا.

حققت جميع إيراداتها نمواً تصاعدياً مستمراً منذ عام 2018، واستقطبت نتيجةً لذلك مليارات الدولارات، وأراد الجميع فجأة حصةً من تلك العائدات الضخمة، لكن في عام 2021، انخفضت عائدات صندوق المؤشرات المتداولة بنسبة 14%، بعد أن شهدت هبوطاً حاداً طوال العام، ما جعل الناس أقل حماسة لاستثمار أموالهم فيها بطبيعة الحال.

من المُتوقع أن تستمر الشركة في التراجع في عام 2022، لكنَّ المفاجأة إذا تفوقت كاثي وود في السوق خلال السنوات الخمس المقبلة؛ لأنَّها تستثمر في الغالب في مجال التقنيات المُبتكَرة والصناعات الجديدة، وقبل أن تؤتي هذه الأنواع من الاستثمارات ثِمارها، فإنَّها تشهد كثيراً من التقلبات في السوق، وفي رحلتها نحو النجاح كذلك.

إقرأ أيضاً: الاخفاق سرّ النجاح... كيف تحول فشلك إلى نجاح؟

في الختام:

الحياة لا تسير في اتجاه واحد، ولا يتمتع الناس دائماً بحالة ذهنية مثالية، على الرَّغم من رغبة معظمهم بالوصول إلى حالة توازن، فهذه ليست طبيعة الحياة؛ لذا استمرَّ في التركيز على مسؤولياتك والأمور التي تقدِّرها بصرف النظر عن الاتجاه السائد في حياتك، وركِّز على ما تستطيع التحكم به وواصل المُضي قُدماً، وستدفعك حماستك إلى الأعلى مرة أخرى.




مقالات مرتبطة