كيف تبدأ شخصية الطفل الاجتماعية بالتشكل خلال مرحلة الرضاعة؟

شخصية الفرد هي مجموعة الأفكار والمشاعر والأفعال والسلوكات التي تميزه عن غيره؛ إذ تبدأ شخصية الفرد الاجتماعية بالتشكل منذ مرحلة الرضاعة، وفي الحقيقة يغفل الكثيرون عن أهمية هذه المرحلة وأبعادها الاجتماعية معتقدين أنَّ الطفل في هذه المرحلة ما زال عاجزاً عن فهم ما يحيط به والتفاعل معه والتأثر به.



فإذا ما نظرنا قليلاً إلى الناس المحيطين بنا لوجدنا أنَّ القليل منهم يدرس أساليبه في التعاطي مع الطفل الرضيع، والقليل جداً منهم يتعاملون مع الطفل في هذه المرحلة على أنَّه كائن مستقل وفي مرحلة هامة من مراحل بناء شخصيته، فإذا أردت أن تعرف كيف تبدأ شخصية الطفل الاجتماعية بالتشكل خلال مرحلة الرضاعة فستجد الإجابة عن هذا التساؤل في هذا المقال.

ما هي سلوكات الطفل الرضيع؟ وكيف يمكنك توجيهها؟

توجد خمسة أنواع من السلوكات التي يستخدمها الطفل الرضيع للتعبير عن نفسه وحاجاته، وتؤدي هذه السلوكات دوراً كبيراً في وضع أساسات العلاقة الاجتماعية بين الطفل ووالديه، وهذه السلوكات هي:

1. الصراخ:

أول أسلوب يستخدمه الرضيع في محاولة التعبير عن حاجاته، ويبقى هذا الأسلوب مع الرضيع خلال الأشهر الأولى لولادته، وهو أحد الأساليب التي تدفع الأهل إلى البحث عن حاجة الطفل لإشباعها، وهذا ما يجعله يتوقف عن الصراخ، وقد تختلف الأسباب التي يبكي منها الأطفال فقد يبكون بسبب الجوع أو الألم أو حتى النعاس، ولا توجد طريقة محددة لمعرفة سبب بكاء الرضيع إلا من خلال إدراك الأم لحالة طفلها وتوقع حاجته.

يكون الصراخ حتى الأشهر الثلاثة الأولى من عمر الرضيع أكثر عندما يكون الطفل وحده، وابتداء من الشهر التاسع يصبح صراخ الطفل عندما يرى أمه ولا يستطيع لمسها أكثر من صراخه في حال كان وحده أو في حضن أمه، وهكذا يتحول الصراخ إلى الوظيفة الاجتماعية؛ إذ يصبح أسلوباً للاتصال مع أمه.

2. التحديق:

من السلوكات أيضاً التي يقوم بها الطفل بشكل كبير خلال فترة الرضاعة هي التحديق؛ إذ يتلقى الرضيع معلوماته عن البيئة المحيطة به عن طريق التحديق، ففي السابق كان الشائع أنَّ الطفل حديث الولادة لا يستطيع أن يرى العالم المحيط به جيداً؛ بل يراه مشوشاً ومبهماً، ولكنَّ الدراسات الحديثة أثبتت أنَّ الطفل يولد مع قدرات بصرية متطورة.

الطفل حديث الولادة إذاً يستطيع التركيز بالأشياء المحيطة به، كما أنَّه قادر على تمييز الفروق في الحجم والشكل، وبدءاً من الشهر الرابع يفضل الرضيع الوجوه على الأشياء ويقوم بتتبعها ويفضل طبعاً وجه أمه على كل الوجوه، وفي الحقيقة يؤدي التحديق دوراً كبيراً في إظهار المشاعر وتقوية الروابط الاجتماعية بينه وبين المحيطين به وخاصة أمه.

3. الابتسام:

تتفاجأ الأم أحياناً بقدرة وليدها على الابتسام وهو لم يتجاوز ثلاثة أيام فقط، وفي الحقيقة ينمو الابتسام وفق ثلاث مراحل هي الارتكاسية والعشوائية والاجتماعية، فابتسام الطفل حديث الولادة غالباً ما يكون استجابةً لأحداثه الداخلية، ويمكن جعل الطفل يبتسم في نهاية الشهر الأول من خلال إثارته بصوت مرتفع وهذه الابتسامة ارتكاسية وغالباً ما تكون استجابة لصوت الأنثى أكثر من الذكر، إلا أنَّ هذا الابتسام ما زال معدوم الصيغة ولا يمكن القول إنَّ له طابعاً اجتماعياً فما زالت حرارة المشاعر ناقصةً فيه.

تظهر الابتسامة الاجتماعية المعبرة عن المشاعر الحارة والدافئة عندما يصبح الطفل قادراً على تمييز الوجوه، وفي الحقيقة وعلى الرغم من أنَّ هذا الكلام سيكون مخيباً لآمال بعض الأمهات إلا أنَّ ابتسامة الأطفال المنتقاة والموجهة لهن تحديداً لا تحدث قبل الشهر الخامس؛ إذ يبدأ في هذا العمر الابتسام للوجه المألوف الذي يراه دائماً ويبدأ الحذر من الوجوه الغريبة.

4. المناغاة:

هي صوت يشبه الغرغرة يبدأ الطفل بإطلاقه بدءاً من الشهر الرابع، وتتطور المناغاة من خلال مجموعة من المراحل في طريقها نحو النمو اللغوي، ففي الشهر الرابع مثلاً تظهر على شكل مقاطع صوتية صافية، وفي الشهر السادس يبدأ الرضيع بإصدار أصوات عفوية، حتى يبدأ بتكرار الأصوات التي يسمعها منذ دخوله الشهر التاسع.

إقرأ أيضاً: اضطرابات الكلام لدى الأطفال مظاهرها وأساليب علاجها

5. التقليد:

يساعد التقليد الطفل في مراحل نموه المختلفة على اكتساب المهارات الاجتماعية المتعددة؛ إذ يبدأ التقليد مع المناغاة، وبعدها يتطور حتى يشمل أيضاً تقليد الحركات، وطبعاً تُعَدُّ بداية إطلاق الطفل للأصوات بداية لمرحلة التواصل بين الطفل ووالديه، وتُعَدُّ هذه المرحلة من أكثر المراحل التي تغني تجربة الطفل الاجتماعية؛ وذلك لأنَّ هذا التقليد يقود إلى العديد من أنماط التفاعل باللعب التي تحدث بين الطفل ووالديه، كأن يرفع مثلاً الأب يديه إلى السماء ويطلق ضحكة قوية ليقلده الطفل أيضاً ويرفع يديه ويطلق نفس الضحكة.

من الجدير بالذكر أنَّ التقليد ليس مثل الابتسام فلا يمر بأيَّة مراحل، فالتقليد انتقائي منذ البداية ويكون تقليداً لأشخاص يختارهم الطفل بنفسه نتيجة التعلق الذي ينشأ نحوهم، لذلك نرى الطفل يميل إلى تقليد أحد الوالدين وليس الغرباء.

شاهد بالفيديو: كيف يتم العناية بالطفل حديث الولادة؟

الشخصية والنمو الاجتماعي في مرحلة الرضاعة:

كما أسلفنا فإنَّ الشخصية والنمو الاجتماعي في مرحلة الرضاعة من أهم الجوانب التي يجب مراعاتها من قِبل المربين وأخذها في الحسبان، ولقد تعرفنا منذ قليل إلى أهم السلوكات التي يبدأ من خلالها الطفل تجربته الاجتماعية، ويذهب الكثير من الباحثين إلى الاعتقاد بفطرية هذه السلوكات ودورها التأثيري والتوجيهي الكبير في الإبقاء على حياة الرضيع خلال سنوات حياته الأولى والحفاظ على النوع؛ إذ يجذب الطفل انتباه الوالدين إليه من خلال تلك التصرفات، وهذا يجبرهم على تلبية حاجاته من إمساك إلى إطعام وتنظيف وما إلى ذلك.

بعيداً عن الجدل في فطرية هذه السلوكات من ابتسام إلى مناغاة وتقليد فإنَّ شمولية هذه السلوكات - إذ إنَّها مشتركة بين كل أفراد النوع - تجعل لها مكانة وظيفية هامة في الحفاظ على النوع، وهنا لا بد من التأكيد على أنَّ طريقة إشباع الوالدين لهذه الحاجات هامة جداً لتحديد نمط شخصيته في المستقبل.

كما أنَّ الاستجابة العضوية والاجتماعية والعاطفية تشجع الرضيع على المبادرة الاجتماعية وتسهم في رسم خطوط الشخصية التي سيكون عليها مستقبلاً.

إقرأ أيضاً: حالات تأخر النمو لدى الأطفال (3-5 سنوات): أنواعها، وأسبابها، وعلاجها

بعض التجارب والسلوكات التي تؤدي دوراً كبيراً في تشكل شخصية الطفل ونموه الاجتماعي:

1. تعلُّق الرضيع بالناس:

كما ذكرنا فإنَّ تعلق الطفل الرضيع بالناس ليس عشوائياً؛ بل هو سلوك انتقائي يوجهه الطفل نحو الناس المألوفين، ويشمل التعلق بالناس أيضاً مشاعر الحب والاتكالية والسعي إلى استمالة المحيطين للتقرب منهم والحصول على انتباههم، ويصبح هذا التعلق غضباً أيضاً في حال لم ينل الطفل الاهتمام الذي يريده، وقد أثبتت الدراسات أنَّ تعلُّق الطفل الرضيع بمن حوله يصبح انتقائياً ابتداءً من الشهر السادس.

عادة ما يركز الطفل تعلقه تجاه شخص واحد وغالباً ما يكون الأم، وبعدها ينتقل التعلق ليشمل الجد والجدة والأب، وهنا لا بد من التأكيد على الدور الهام الذي يؤديه الشخص الذي يتعلق فيه الطفل برسم شخصيته الاجتماعية ونموه؛ إذ تتعدى وظيفة التعلق تأمين الحاجات الأساسية للطفل لتصبح بعد الشهر الثامن تأخذ صفة وجدانية وعاطفية، وهذا ما يتمثل بظاهرتين سلوكيتين منتشرتين انتشاراً كبيراً بين الرضع وهما القلق من الغريب وقلق الفصم.

طبعاً وعلى خلاف المتعارف عليه فليس الهام الفترة التي تقضيها مع طفلك بقدر أهمية نوع هذه الفترة، وحتى الآن لا يوجد دليل على تعرُّض الطفل للشذوذ النفسي أو معاناته من المشكلات النفسية نتيجة غياب أحد الوالدين؛ إذ يمكن لأي عضو من الأسرة أن يشارك في الرعاية دون أن يتأثر سلوك التعلق، لكن يبقى من الهام أن يعوض الطرف الغائب عن غيابه من خلال تفاعل اجتماعي حقيقي مع طفله، فمثلاً إذا كان الأب غائباً في العمل معظم النهار من الهام عند عودته قضاء وقت مع طفله.

2. خوف وقلق الرضيع من الغرباء:

يتصاحب سلوك التعلق مع القلق من الغرباء؛ إذ يعبر الطفل الرضيع عن قلقه نتيجة وجود الغرباء من خلال سلوكات مختلفة مثل الصراخ والعبوس والابتعاد، وهذا ما نستطيع ملاحظته بأنفسنا وعلينا مراعاته، فنجد كثيراً من الأهالي يحاولون إجبار أطفالهم قبل السنتين على تقديم التحية أو حتى الابتسام للغرباء، والصحيح ترك الطفل على راحته؛ وذلك لأنَّ الخوف من الغرباء سيبدأ وحده بالاضمحلال بعد عمر السنة، لذلك لا يوجد أي داعٍ للخوف إذا كان طفلك يخاف الغرباء.

من الهام أن تتعرف إلى أبعاد هذا الخوف وتدرب طفلك على تخطيه وخاصة في حال تجاوز عمر السنتين وما زال يعبر عن خوفه ذاته، ولا بد من التذكير مراراً وتكراراً على أنَّ تصرفاتك مع طفلك خلال هذه المرحلة العمرية تساهم مساهمة كبيرة في رسم شخصيته في المستقبل، لذلك كن حذراً دائماً عند القيام بأيَّة خطوة معه، فتصرف خاطئ واحد قد يجعل ابنك خائفاً كل حياته.

3. قلق الفصم:

من أكثر الأمور التي يخافها الأطفال في هذا العمر الصغير الابتعاد عن الوالدين، فالوالدان هما مصدر الأمان بالنسبة إليه، فترى الطفل يعبر عن قلقه عند مغادرة أحد الوالدين أو عند تركه عند أحد أفراد العائلة بالصراخ والعبوس والبكاء، وقد أثبتت دراسات "بل واينزوورث" أنَّ الطفل في عمر السنة لا يستطيع تحمل غياب أمه أكثر من دقائق عدة.

لقد أُجريت الكثير من الدراسات التي أثبتت شعور الطفل باليأس والحزن عند غياب أمه، لذلك كان من الهام جداً في حال اضطرت الأم لترك طفلها أو الابتعاد عنه أن يبقى مع أناس قادرين على الاهتمام به ورعايته؛ لأنَّ ذلك يساعد على التقليل من مشاعر الإحباط والحزن التي يشعر بها.

أثر العناية الوالدية بتكوين شخصيَّة الطفل في مرحلة الرضاعة:

في الحقيقة ما تزرعه في شخصية طفلك سيبدأ بالظهور بعد عمر الثانية؛ إذ تبدأ اتجاهات الطفل نحو العالم بالظهور، فالطفل الذي نشأ ضمن ظروف طبيعية وعائلة مُحبة وتم تأمين احتياجاته بشكل طبيعي مفعم بالحب والعواطف، أول ما سيشعر به تجاه العالم وأول اتجاه سيكونه هو الثقة وسيرى الناس طيبين والعالم غير مخيف وسيُقبِل على اكتشافه بنفسه، حتى إنَّ خوفه من غياب والديه سيتلاشى في حال لم يطل بشكل مبالغ فيه.

هنا لا بد من الإشارة إلى نقطة هامة وهي أنَّ طبيعة الطفل تؤدي دوراً كبيراً في طريقة معاملة والديه له، ففي حال كان الطفل مرحاً سريع الاستجابة تعامل معه الوالدان بكثير من الحب والعطف، وفي حال كان مشاكساً يتعامل معه والداه كأنَّ رعايته واجبة، وهذا ما يؤثر كثيراً في اتجاه الطفل نحو العالم من حوله.

بعض النقاط لتربية الأطفال:

في الحقيقة لا توجد طريقة تربية محددة وواضحة ومناسبة لجميع الشخصيات، فحتى ضمن الأسرة الواحدة الطريقة التي تتبعها مع طفلك ليست بالضرورة أن تكون ناجحة مع أخيه، وهذا يرجع إلى الاختلافات في سمات كل شخصية، لذلك كان من الهام الاهتمام بالنقاط الآتية عند تربية الأطفال:

  1. دراسة الطفل وتحديد سماته الشخصية في كل مرحلة نمائية وتحديد معدلات نضجه، ولا ضير أبداً في قيام كلا الوالدين أيضاً باكتشاف سماتهما الخاصة؛ وذلك نظراً لأهمية شخصية الوالدين وأثرها الهام في شخصية الطفل.
  2. لا توجد طريقة محددة ومثالية لتربية الأطفال ضع هذا في بالك، فكل طفل يحتاج إلى أساليب وطرائق مختلفة، فالظروف التي مر بها ابنك الأول ليس بالضرورة أن يمر بها ابنك الثاني.
  3. لا يجب إهمال الفروق في الطبع في أثناء التربية، فعلى الرغم من تأكيد الكثير من التربويين أنَّ الأطفال يتشابهون في الجوهر، إلا أنَّ الواقع يثبت أنَّ التربية الوالدية لا تترك الأثر ذاته في شخصية الطفل.

شاهد بالفيديو: 18 طريقة تجعل تربية الأطفال سهلة

في الختام:

يظهر بوضوح من خلال المقال السابق أنَّ شخصية الطفل الاجتماعية تبدأ بالتشكل منذ ولادته، وأنَّ مرحلة الرضاعة مرحلة هامة في هذا السياق، فعلى الرغم من كون بعض سلوكات الطفل ما زالت عشوائية وغير محددة الهدف تماماً إلا أنَّ لها بالغ الأثر في تطوره ونموه بالشكل المطلوب، وإضافة إلى هذا فإنَّ شخصية المربي وأسلوب تعامله مع الطفل الرضيع وطريقة تلبيته لحاجاته لها بالغ الأثر في تكوين شخصية الطفل وصقلها، لذلك كان من الهام إعطاء الطفل الرضيع العناية التي يحتاجها.




مقالات مرتبطة