كيف تؤسس لعلاقات مهنيّة أقوى؟

لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حين حوّلت زميلتي نسرين اجتماعاً عاديّاً إلى حدثٍ لا ينسى، والذي ساهم بدوره في التّأسيس لعلاقاتٍ طويلة الأمد في العمل. وباعتبار نسرين المديرة الرّائدة للعلامة التّجارية والتّواصل في قسمنا، عقدت اجتماعاً لعرض النّصوص وقصص المنتج التي من المفترض بها أن تُستَخدم في التّرويج لعملنا.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن تجربة شخصية لخبيرة الأعمال كاري بيكنر.

ذهبنا إلى غرفة الاجتماع معتقدين أنَّه سيكون اجتماعاً مملاً كالعادة، لكن كان لنسرين رأيٌ آخر: فقد قامت بتشغيل عروض فيديو من شرائح عرض بحجم ملصقات زُوّدت بعناوينٍ فرعيّة على جميع جدران الغرفة، وعلى الطاّولة كانت هنالك نسخٌ من مطبوعات مخصصة لهذا الغرض. وفجأة، انخرط جميع المشاركون في حواراتٍ تفاعليّة، مستشعرين العرض التّقديمي بدلاً من الاطّلاع عليه من البريد الإلكترونيّ فحسب، فكنَا في منتهى الحماس.

بعد ذلك، طلبت منا نسرين تقديم تغذيةٍ راجعة، وكنّا على أتمّ الاستعداد لتقديمها من شدّة حماسنا.

بالتّأكيد، كانت نسرين قادرةً على إنجاز هذا الاجتماع بشكلٍ أسهل؛ فهي لم تكن مُجبرةً على جعل فريق الاجتماع يعيش تجربةً مثيرةً كهذه، لكنّها تعلم جيّداً أنّنا كبشرٍ نقدّس التّجارب التي تنمّي إدراكنا وذكرياتنا والرّوابط التي تجمعنا.

لم يكن الهدف من هذا الحدث انتقاد مشروع العلامة التّجاريّة والتّواصل مع القائمين عليه؛ وإنّما تركُ أثرٍ عميقٍ لدى المشاركين وخلق ذكرياتٍ لا تنسى فيما بينهم؛ فالقدرة على تكوين تواصلٍ صادقٍ وتفاعلي مع زملاء العمل -كما فعلت نسرين في عرضها التّقديمي- قد أصبح من أساسيّات مهارات العمل في الشّركات.

كيف تؤسس لعلاقات مهنيّة أقوى؟

1. خلق لحظاتٍ لا تنسى من تفاعلاتٍ اعتياديّة:

تكمن الخطوة الأولى في أن تسير على خطى نسرين، وأن توجد ما استطعت من تجارب تتفاعل معها الحواس؛ فعندما تنغمس حواسنا الخمس في التّجربة، نصبح قادرين على الاحتفاظ بالمعلومات فترةً أطول. وفي الحقيقة، وكما أظهر بحثٌ في جامعة ريغنسبورغ، أنّ وجودَ شيءٍ ملموس في حدثٍ ما يحافظ على ذاكرتك متّقدة إلى وقتٍ طويلٍ.

وهذا لا يعني أنَّه يجب أن يكون الحديث مطوّلاً ومسهباً كلّما أتيحت لنا فرصة التّواصل مع زملائنا؛ بيد أنَّنا إن نظّمنا تواصلنا وتفاعلنا مُسبقاً سوف نساهم -بلا شك- في إثراء أيّ تجربة.

فمثلاً، عليك أن تكون حذراً عند نقل الأخبار السّيئة إلى زملائك في العمل؛ لأنّ ذلك قد يؤدّي إلى نتائج سلبيّة إن قمت به دونَ تفكيرٍ مسبق. لذا يجب أن تضع في عين الاعتبار كلاًّ من أسلوب كلامك وشخصيّة زميلك، وليس الخبر الذي تقوله فحسب.

يمكننا أن نستمدّ الإلهام من مخرجي الأفلام المفضّلين لدينا؛ فهم يصوّرون جميع المشاهد واللّحظات أحسن تصوير، سواءٌ أَكانَ ذلك بهدف التّوعية، أم التّسلية، أم خلق تجاربَ تفاعليّة. فهم ينظرون بعنايةٍ تامّةٍ إلى مشاعر الحضور، وبعد مراعاة هذه الخطوات جميعها يلتفتون إلى إيصال رؤيتهم الفنيّة.

2. تهيئة الأجواء المناسبة لتمتين التواصل بين زملاء العمل:

ليست الأحداث والفعاليات الكبيرة واجتماعات الشّركات الفرصَ الوحيدة لإيجاد تواصلٍ مستدام بين زملاء العمل؛ حيث يمكنك أن تغتنم أيَّ فرصةٍ لتمكين العلاقات. وفي مجال الاستشارات، على سبيل المثال لا الحصر؛ غالباً ما يكون لدينا "عمليّة إطلاق" لبعضٍ من عروض خدماتنا التّقنيّة. والتّجهيز لهذا النّوع من الاجتماعات مضنٍ ويستغرق وقتاً طويلاً -قد يمتدّ إلى شهورٍ أو سنين- إلى أن تُعقد. وكلّما اقترب موعد "عمليّة الإطلاق"، تصاعد القلق في نفوس المعنيّين بالمشروع.

ورغمَ أنّنا نتشارك الفترة الزّمنيّة ومقاييس المشروع ذاتها، إلا أنّ خبراتنا تتفاوت كما هو الحال بالنّسبة إلى شخصيّاتنا؛ فمثلاً، قد أكون في أعلى درجات توتّري، بينما زميلي في المكتب المجاور ينعمُ بهدوءٍ تامّ. لكن إن نظرنا إلى هذه التّجربة "كواقعة صغيرة" فحسب، نستطيع أن ندفع الجميع إلى التفكير بطريقةٍ إيجابيّةٍ أكثر.

وللقيام بذلك، نحاول خلق بيئةٍ جديدةٍ تتقاطع مع هذه المناسبة وتُبرز أهميّة هذا الحدث وبهجته؛ كأن نقوم بتعليق ملصقاتٍ تحمل عباراتٍ داعمةٍ في جميع أرجاء المكاتب، وذلك في الأيام التي تسبق الفعاليّة. وأن نتلقّى بريداً إلكترونيّاّ مشتركاً يتعلّق بهذه المناسبة من المدير التّنفيذيّ. وفي يوم العطلة، يحتفل فريقنا بتناول الطعام والحلوى وإطلاق البالونات، وجميع المظاهر الاحتفالية التي من الممكن القيام بها.

وبخلقنا بيئةً احتفاليّةً ومبهجةً من هذه التّجربة، يستفيد فريق عملنا من جميع مكاسب العمل، ونعمل بجدّ أكثر في مشاريع الإطلاق اللّاحقة، تحدونا الثقة في أن تنتج عن التّجارب القادمة علاقات عملٍ أكثر إيجابيّةً.

إقرأ أيضاً: 8 خطوات لترتيب غرفة مكتبك بشكل أنيق

3. تحويل أيّ اجتماع إلى تجربة مثيرة لا يمكن نسيانها:

إذا كنت حريصاً على إبعاد الحياة المكتبية عن الأجواء الرتيبة المملة للصّفقات والمعاملات التجارية، والحفاظ على التّواصل الطّويل الأمد بين زملاء العمل؛ فمن المفيد أن تسأل أعضاء الفريق بعض الأسئلة قبل أن توجدَ فرصاً اجتماعيّةً وتفاعلات فيما بينهم؛ فمن شأن إجاباتهم أن تساعدك على التّخطيط لتجارب إيجابيّة ونوعيّة.

لذا قم باستخدام أجوبتهم تلك كدليلٍ في إدارة اجتماعاتٍ وحواراتٍ فعّالةٍ:

3. 1. هل أستخدم ذكائيَ العاطفيّ؟

يُظهرُ بحثٌ أجرته جامعة كاليفورنيا أنّه عندما نشعر بالتّردّد والتّوتّر، تتناقص قدرتنا على إظهار مشاعر التعاطف. لذا يساعد تضمين مشاعر المشاركين في تجارب التخطيط في جعلهم أكثر تعاطفاً وأقلّ توتراً، وهو ما يعني أنَّهم سيجدون التواصل مع زملاء العمل أسهل بكثير.

ومع وضعك لذلك في عين الاعتبار، استخدم ذكائك العاطفيّ وفكّر كيف تريد أن يشعر زملاء العمل قبل، وفي أثناء، وبعد التّواصل أو التّفاعل: هل تريدهم أن يكونون في قمّة الحماس كلاعبي كرة القدم في يوم المباراة؟ أم تريدهم أن يكونوا هادئين ومتيقّظين كأخصائيّي الطّوارئ الطّبيّة؟

احرص على أن يكون كلّ إجراءٍ تتّخذه ينعكس على المشاعر الّتي تريد إحداثها.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن للذّكاء العاطفي أن يُحَسِّن من أدائك في العمل؟

3. 2. هل أعطي الأشخاص المناسبين الاهتمام المناسب؟

لنفترض أنّ موضوع تجربتك المكتبيّة التّالية يتمحور حول تسليط الضّوء على بعض أعضاء القسم كأبطالٍ لمشروعٍ ما. إذاً يتوجّب عليك أن تُصرّح بأسماء هؤلاء الأبطال ومساهماتهم؛ وبهذه الطّريقة، تعطي كلّ ذي حقّ حقّه.

ثم خذ في عين الاعتبار كيفيّة جعلهم يشعرون بأنّهم قد قاموا بعملٍ رائعٍ. ربّما قد تقوم فعليّاً بتقليدهم ميداليّةً وتسلّط الضّوء عليهم. أو قم -بالاستناد إلى تقاليد الشّركة وما يفضّله بطلك- باستبدال كلّ ذلك بإرسالك تحيّةً خاصّةً إلى كلّ منهم.

3. 3. هل أستفيد من البيئة المحيطة إلى أقصى درجة؟

يمكن وبكلّ تأكيد، تقييم التّجربة التّفاعليّة من خلال الحيّز الذي تشغله تلك التجربة. لذا استعلم عن كلّ ما يجول في ذهنك بدءاً من تجهيز الغرفة، إلى ترتيب أماكن الجّلوس. واعلم أنَّه ليس من الضّروري أن يحتضن المكان الذي ستُعقد الفعاليّة فيه جميع المشاركين، وذلك إن أمكن للبعض منهم العمل عن بعد. وبالنّظر إلى كلّ ما سبق، لعلّ جُلّ ما تريده هو أن يَصُبَّ كلّ شيءٍ في خدمة أهدافك، وليس العكس؛ فأنت تريد أن يكون كلّ شيءٍ في مكانه المناسب، بحيث تتمكن من القيام بما تُريد القيام به.

3. 4. هل أسعى فعليّاً إلى الحصول على تغذية راجعة؟

يمكنك في بعض الأحيان أن تقوم بالتّخطيط للتّجربة بمفردك. وفي أحيان أخرى، قد يتوجّب عليك تشكيل حلقةٍ لتلقي تغذيةٍ راجعة قبل الحدث وبعده، لتضمن بذلك الحصولَ على أفضل النّتائج الممكنة.

لنفترض أنّك كبير موظّفي الشّؤون الماليّة، وتسعى إلى الحصول على فريقٍ قادرٍ على إنشاء مشروعٍ يتّنبّؤ بالميزانيّة؛ فإن سألك أحدهم ما الشّعور الّذي تريد أن تتركه في نهاية المشروع، فيجدر بك القول: "أن يشعروا وكأنّهم نجوم ذلك اليوم".

لا تدع هدفك يتناقض مع ما يريده زملائك في الفريق، خاصةً إن أرادوا أن تُعرَف مساهمتهم في المشروع دون أن تُذكرَ أسمائهم. إذ يضمن تلقّي الملاحظات الشّاملة من المشاركين الأساسيّين لك تحقيق هدفك، وإن جرى ذلك قبل، أو في أثناء، أو بعد الفعاليّة. كما يمكنك الاستفادة لاحقاً من تلك التّقييمات في الفعاليّات والمناسبات المستقبليّة.

لا شكَّ أنَّ تأسيس علاقاتٍ متينةٍ في العمل يتطلّب وقتاً وجهداً كبيرين، لكنّ الأمر يستأهل ذلك؛ فعندما تحول طرح الأسئلة المناسبة إلى سلوكٍ تعتاد عليه، تجد أنّ كلّ شيءٍ يسير بالشّكل المطلوب.

 

المصدر




مقالات مرتبطة