كيف تؤثر فينا كثرة الخيارات التي يوفرها جوجل؟

ذات يوم، أُلغيَ أحد مواعيدي المسائية، ومن ثمَّ كانت لديَّ خمس ساعات حرة لأفعل ما أريد؛ لذا أحضرت حاسوبي المحمول على الفور، وبدأت البحث على "غوغل" (Google). لقد بحثت في كل شيء من شأنه أن يثير اهتمامي؛ شيء ما لأفعله وأملأ وقت فراغي به.



تقول "نانسي كولير":

بعد تصفُّح مواعيد الأفلام والمعارض، ظهر لي رابط لأصعب 10 تمرينات رياضية في "نيويورك" (New York)، ثم بعد ذلك تذكرتُ أنَّني بحاجة إلى زوج جديد من الأحذية الرياضية؛ لذلك انتقلت إلى موقع شركة "نايكي" (Nike) واكتشفتُ أنَّه توجد العديد من الموديلات الجديدة، وكلها كانت رائعةً جداً لدرجة أنَّني لم أستطع الاختيار.

في هذه المرحلة، عدت إلى الأفلام لأنَّني كنت أفكر في متابعة فيلم وثائقي، لكن اتضح لي أنَّ الفيلم سيُعرَض في صالات السينما الموجودة في وسط المدينة فحسب.

بعد ذلك، انتقلت إلى مشاهدة بعض تمرينات اليوغا، وجولات المشي الرائعة في المدينة، ومحلات بيع الكتب المستقلة، وأماكن شراء لوازم الطهي وغيرها.

بعدها، أغلقت جهاز الحاسوب الخاص بي وأخذت نفساً عميقاً جاذبة الهواء إلى جسدي، ثم أخبرت نفسي بأنَّه يجب أن أتوقف.

نظرت إلى ساعتي، لقد أضعت ساعتين من ساعاتي الخمس، حينها شعرت بالاضطراب والقلق وعدم القدرة على الحركة وبأنَّني غارقة في الاحتمالات، لكنَّني غير قادرة على المضي قدماً في أيٍّ منها. لقد كنتُ متعبةً ومتوترةً في الوقت نفسه.

تتمثل إحدى المشكلات التي تخلقها التكنولوجيا بالنسبة إلينا في الشعور بأنَّه يجب علينا الاستفادة باستمرار من كل فرصة متاحة، وإذا لم نستفد من ذلك، فإنَّنا سنفقد الكثير في الحياة.

وضعت يدي على قلبي وحاولت الاسترخاء، بعد ذلك، تخلصتُ من كل الأفكار بشأن ما يجب أن أفعله أو يمكنني فعله بوقتي، وحاولت الشعور بالمكان الذي أنا فيه، وأخذت بعض الأنفاس الواعية.

ما شعرت به بعد ذلك كان إحساساً فورياً بالراحة والسلام، وقد ساعدني ذلك على أن أكون حيث أنا ولا أفعل أيَّ شيء على الإطلاق، لا شيء سوى الانتباه لما كنت أختبره بالفعل. راودني شعور بالرغبة في الاتصال بصديق معيَّن، وشعرت أيضاً بالرغبة في المشي والوجود مع نفسي فحسب.

شاهد أيضاً: سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي.

مفارقة الاختيار:

نحن نعتقد أنَّه يوجد شيء ما في مكان في "غوغل"، من شأنه أن يجعل اللحظة التي نعيشها كاملة، أو أنَّ هناك مكاناً آخر أفضل من المكان الذي نحن فيه، أو شيئاً آخر يجب أن نفعله.

نحن لم نَعُد نسأل أنفسنا أو نحاول أن نكتشف ما الذي نريد القيام به، وبدلاً من ذلك نسأل "غوغل" عن كل ما هو ممكن، أو ما الذي يمكننا فعله، والفكرة هي أنَّ ما يمكننا فعله غالباً ما يكون مختلفاً تماماً عمَّا نريد القيام به؛ إذ كثيراً ما نجد أنَّ ما نريد فعله أسهل بكثير.

عندما نصغي إلى ما نريده فعلاً من الجسد تكون الإجابة واضحة، إجابة من دون تناقض أو ارتباك، ومن ناحية أخرى، فإنَّ ما يمكن وما يجب فعله يؤدي إلى التشويش، ومن ثمَّ نفتقر إلى الوضوح الذي يترافق مع الحقيقة.

لقد وضعَت التكنولوجيا عدداً لا حصر له من الخيارات بين أيدينا؛ إذ يمكننا فعل أيِّ شيء في أيِّ وقت، ومع ذلك، على الرغم من أنَّنا قد نفرح بفكرة الاختيار، تُظهِر الأبحاث أنَّه عندما تكون لدينا الكثير من الخيارات، فإنَّ الأمر ينتهي بنا إلى الشعور بالتعاسة والإرهاق والعجز.

غالباً ما ينتهي بنا الأمر إلى عدم اختيار أيِّ خيار على الإطلاق مع وجود الكثير من الخيارات، وإذا كنَّا قادرين على اتخاذ قرار ما، فإنَّنا نشعر عموماً برضى أقل تجاه اختياراتنا، ونشعر بالقلق من أنَّ خياراً آخر كان سيفيدنا بصورة أفضل.

تؤدي الخيارات غير المحدودة أيضاً إلى توقف تفكيرنا الإبداعي؛ إذ عندما يتوفر لدينا عدد كبير جداً من الخيارات، فإنَّنا غالباً ما نختار الخيار الأسهل، أو نفكر في متغير واحد فقط، فكلما تطورت التكنولوجيا زادت الاحتمالات، ووجدنا أنفسنا أمام الكثير من الخيارات، وفي الوقت نفسه نجدها غير كافية.

المشكلة أيضاً، هي أنَّنا نبحث عن حقيقتنا بعيداً عن أنفسنا، على سبيل المثال: في فترة المساء، نفتح الإنترنت على أمل العثور على أمر يثير اهتمامنا، وعندما نجهز طعام العشاء، نذهب إلى "إنستغرام" (Instagram) ليخبرنا بما نريد أن نأكله، وعندما يحدث أمر ما في حياتنا، ننشر التجربة على الإنترنت لنكتشف من الآخرين ما الذي يجب أن يعنيه ذلك بالنسبة إلينا.

إقرأ أيضاً: جوجل ليس لإجراء عمليات البحث فقط: 27 حيلة للاستفادة منه بأفضل شكل

تغيير رأيك:

لقد نسينا أنَّه يمكننا معرفة الأمور من خلال تجربتنا الخاصة، وأنَّ عملية المعرفة يمكن أن تنبع من داخلنا.

في المرة القادمة التي تمتلك فيها وقت فراغ (سواءً خلال الوقوف في طابور، أم ركوب وسائل النقل العام)، عِش تلك اللحظة بطريقة جديدة وخلق عادة جديدة، وبدلاً من البحث على الفور في "غوغل" باستعمال هاتفك أو جهاز الحاسوب الخاص بك، حاول أن تجد شيئاً بنفسك، واشعر بجسمك، وبالأحاسيس المترتبة على ذلك، وكيف تشعر في تلك اللحظة بالتحديد.

ركِّز في داخلك ولاحظ فيما إذا كان لديك تطلع أو اهتمام لأمر ما؛ فإذا لم تجد شيئاً فلا بأس، ابقَ ساكناً فحسب واستمر في الحضور، وتدرب على عدم القيام بشيء، وعدم ملء وقتك، وإجبار نفسك على القيام بشيء بمجرد ظهوره؛ إذ إنَّك بفعل ذلك، تجعل من نفسك مكاناً تلجأ إليه وتسكن فيه بدلاً من البحث خارجها.

المصدر




مقالات مرتبطة