كيف تؤثر الكلمات والجمل التي تستخدمها على حياتك وحياة الآخرين حولك؟

"تبدين أكبر سناً"، "هذه التسريحة لا تليق بك"، "لون شعرك غير مناسب"؛ هذه العبارات عيِّنة من الرسائل التي وصلت إلى بريد الحساب الشخصي لواحدة من رائدات الأعمال والمؤثرات في إنستغرام بعد أن قام صالون التجميل بمشاركة صورة "newlook" أو المظهر الجديد الذي أجراه للسيدة.



لم يخلُ الأمر من رسائل إطراء وإعجاب، إلا أنَّ الرسائل السلبية كانت أكثر تأثيراً؛ الأمر الذي دفع الإعلامية التي تقدم محتوىً بعيداً عن الموضة والأزياء المعروف باسم "fashionista" إلى التوجه إلى الجمهور منبهة إياه إلى تأثير كلماته وضرورة قراءتها قبل إرسالها، ثمَّ طلبت من المتابعات كتابة عبارات وكلمات وُجِّهَت لهنَّ وتركت أثراً بالغاً لم يستطعن نسيانه، وهنا كانت الكارثة.

كلمات وجمل وعبارات قالها أشخاص مقرَّبون أو غرباء بدافع المزاح أو الجد؛ لكنَّها كانت مؤلمة أكثر من ضربة السيف، وعلى الرَّغم من مرور السنوات والأيام لم يستطع أي شيء محو أثرها، فهل أنت ممَّن يوجهون لأنفسهم أو للآخرين ضربات سيوف كلامية؟ وهل تدرك كيف تؤثر الكلمات والجمل التي تستخدمها في حياتك وحياة الآخرين حولك؟

تأثير الكلمة:

لا يمكن لأحد على الإطلاق أن يتكهَّن تأثير الكلمة في الشخص الذي يوجهها له، ولا نقصد هنا التأثير السلبي؛ بل نقصد التأثير الإيجابي أيضاً؛ فالإنسان بطبعه أولاً يتأثر بالكلمات الإيجابية وتكسبه معنويات عالية قد يدوم تأثيرها لساعات، أمَّا تأثر الإنسان بالكلمات والعبارات والجمل السلبية قد يمتد إلى سنوات، وقد يترك فعلاً علامات لا تُمحَى، وذكريات لا تُنسَى، وترنُّ في باله هذه الكلمات في كل موقف مشابه.

يتحدث واحد من الأشخاص عن كلمة قالتها له معلمته في المدرسة في موقف حدث في الصف، قالت له: "أنت غبي"، وحتى اليوم بعد أن جاوز الأربعين من عمره ما تزال كلمة "غبي" تتردد في مسامعه بالنبرة والصوت نفسه كلما فشل في أداء مهمة أو كلما خسر مشروعاً.

في ناحية أخرى تتحدث رائدة أعمال ناجحة واجهت في حياتها كثيراً من المطبات والتحديات وتقول: "كلما ضاقت بي الحياة كنت أتذكر عبارات أمي لي: "مروة أنت تستطيعين"، "مروة ذكية ولا يصعب عليها شيء"، "مروة محظوظة ومجتهدة ولا تيأس"؛ فكنت أنهض من تحت الركام وأنفض عن جناحيَّ غبار الإحباط والتعب، وأنطلق أحفر في الصخر حتى أصل إلى وجهتي المنشودة وأحقق الهدف الذي رسمته لنفسي".

لم تتجاهل الأديان السماوية دور الكلمات والجمل التي يستخدمها الإنسان في التأثير في حياته وحياة الآخرين؛ فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول عن المؤمن: "فليقل خيراً أو ليصمت"، وهذه إشارة إلى ضرورة أن يزن الإنسان كلامه قبل التفوُّه به؛ فإذا ما كان هذا الكلام خيراً وسيقدِّم أغراضاً إيجابية ودوافع معنوية أو مواساة لسامعه فليقله، أمَّا إذا ما كان سلبياً وسيزيد آلامه ويعمق جراحه فما هي الفائدة من قوله؟ وفي هذه الحالة يجب الصمت؛ فهو أفضل بكثير من قول السوء.

في رواية منقولة عن أحد الحكماء يقول: "ليت لي عنقاً كعنق الناقة"، وحين سأله من حوله عن سبب قوله هذا قال: "حتى أزن كلامي طويلاً قبل أن يخرج من فمي"، إنَّ قول هذا الحكيم يأتي في صميم الإجابة التي يتشدَّق بها بعضهم حين يُعاتَبون على قول كلام جارح بصورة عفوية وسريعة بحجة الطبع وطيبة القلب، إنَّها دعوة لهم للصمت دقائق عدة والتفكير في الكلام قبل قوله؛ علَّهم يتحسَّسون قسوته فيعدلون عن التفوه به.

يوجد مثل عربي يقول: "ضع إصبعك في عينك؛ فكما تؤلمك تؤلم غيرك" ويُقصد به أنَّ الكلام الذي يزعج قائله يزعج سامعه، فإذا ما كنت تكره أن يسخر أحد من شكلك فلا تسخر إذاً من أشكال الآخرين، وفكِّر في كل شيء يزعجك وتذكر أنَّه يزعج من حولك أيضاً فلا تفعله.

يوجد مثل آخر يقول: "من يملك بيتاً زجاجياً لا يجب أن يرمي بيوت الناس بالحجارة"؛ وهذا يعني أنَّ الشخص الذي ينزعج من انتقادات الآخرين وسخريتهم لا يجب أن يمطر على الآخرين وابل انتقاده وسخريته، وعليه أن يستعدَّ لاستقبال ما يمنحه من أفعال وأقوال؛ فمن يزرع الورد واللطف لا بد أن يحصدهما، ومن يزرع الكلمات القاسية والشوك سيحصد سوء زرعه بالتأكيد.

شاهد بالفيديو: مهارات التواصل مع الآخرين

كيف تؤثر الكلمات والجمل التي تستخدمها في حياتك؟

"الكلمة رصاصة" لعل هذا الوصف هو أبلغ تعبير عن مدى التأثير السلبي للكلمات، فكيف إذا ما كان مُطلق الرصاصة هو متلقيها؟ إنَّ أكثر ما يحبط الإنسان ويحدُّ من عزيمته هو الكلمات والصفات السلبية التي يطلقها على نفسه، وعلى العكس تماماً فإنَّ أكثر الكلمات قدرة على رفع مستوى الإنسان والمساهمة في ارتقائه وتطوُّره هي تلك التي يحضُّ بها نفسه ويشجعها، فإن كنت لا تعلم كيف تؤثر الكلمات والجمل التي تستخدمها في حياتك، ففكر مليَّاً في هذه الأمثلة:

  • هل تستطيع أي قوة على وجه الأرض أن تقنعك بأنَّ حظك سيئ إن لم تكن أنت نفسك تؤمن بذلك؟ كثر من الذين يشترون أوراق اليانصيب يوقنون بأنَّهم محظوظون، وإنَّ قسماً منهم يربح بالتأكيد، أمَّا من الذين يعتقدون بأنَّهم أصحاب حظ تعيس لا يقومون بشراء اليانصيب أساساً أليس كذلك؟
  • إذا ما كان العدَّاء يركض في سباق الجري، والمنافسون حوله كثر والطريق ما يزال طويلاً هل يستطيع الفوز إن لم يقل لنفسه أستطيع أن أفعلها؟ وإذا كان قد قال لنفسه لن أستطيع الفوز كلهم أفضل مني هل سيفوز؟

قد لا تعي كيف تؤثر الكلمات والجمل التي تستخدمها في حياتك؛ لكنَّنا نؤكد لك أنَّ هذه الكلمات تصنع حياتك تماماً، وأنَّ الآخرين يرونك تماماً كما ترى نفسك، وهذا يفسر طلب متخصصي التنمية البشرية والمتخصصين النفسيين من كل شخص يعاني خللاً في ناحية ما في شخصيته أن يقف أمام المرآة ويردد على مسامع نفسه وأمام صورته العبارات والجمل والتوكيدات التي يرغب بإقناع نفسه بها، والتي يرغب بالتأكيد أن يكوِّنوا الصورة والانطباع اللذين يأخذهما الآخرون عنه.

إقرأ أيضاً: ما مدى تأثير أفكارنا وكلماتنا على حياتنا

كيف تؤثر الكلمات والجمل في حياة الآخرين؟

في سياق الحديث عن تأثير الكلمات والجمل في حياة الآخرين لا نستطيع إلا أن نستحضر سيرة العالم والمخترع توماس إديسون، هذا العبقري الذي غيرت صناعاته وأفكاره البشريةَ، قال له معلمه في المدرسة ذات يوم إنَّه غبي ولا يصلح للدراسة، فجلس الطفل منزوياً في بيته بقلب محطَّم وطموح منكسر، ولولا تدخُّل والدته لكانت البشرية قد حُرِمَت النور والكهرباء.

لقد قامت تلك العظيمة برتق الشقوق التي خلَّفتها كلمات المعلم في شخصية إديسون، ولملمت حطام نفسه وفعلت بكلماتها فعلاً إيجابياً معاكساً للفعل السلبي الذي قام به المعلم، وأعادت للصبي ثقته بذاته وآمنت به، وأمطرت عليه عبارات التحفيز والتشجيع التي قطفنا ثمارها جميعاً.

ما الذي يدفع اللاعب المغربي ليركض بعد فوزه بمباراة كرة القدم في كأس العالم قطر 2022 إلى التوجه مباشرةً نحو أمه ليحتفل معها؟ إنَّها كلماتها الطيبة والمشجعة التي كانت تغذي عزيمته بها في التدريبات وخلال المونديال، ومنذ اللحظة التي اختار بها الصبي مسار كرة القدم بعيداً على الطموح الدراسي التقليدي.

الدين الإسلامي يرفع من شأن الكلمة الطيبة ويجعلها صدقة، كناية عن تأثيرها الإيجابي الكبير في نفس من تسقط في أذنه، والله سبحانه تعالى عندما خاطب نبيَّه قال: "وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران، الآية: 159)، إنَّها دعوة إلى الناس جميعاً لأن يكونوا لطفاء في كلامهم مع الآخرين، كما يرغبون بأن يكون الآخرون لطفاء في كلامهم معهم.

إقرأ أيضاً: كيف يحسن اللطف مع الآخرين وظائف الدماغ؟

كيف نوظِّف الكلمة توظيفاً صحيحاً؟

إنَّ الكلمات كما قلنا سلاح ذو حدين، إمَّا أن ترفع الإنسان إلى السماء أو ترميه في الحضيض؛ لذا علينا أن نحسن استخدام مفرداتنا ونوظِّف كلماتنا على نحو صحيح من خلال اتباع النصائح الآتية:

1. فكِّر بكلماتك قبل قولها:

إذا كنت من الأشخاص الذين تتفوه ألسنتهم بالإجابات قبل التفكير فيما يقولون، فعليك أن تتدرب على وضع حدٍّ لهذا التصرف والسيطرة عليه؛ إذ ليس من اللائق أبداً أن تفتحي الباب لجارتك وهي ترتدي زياً غير ملائم وتبادرينها بعبارة: "تبدين بدينة جداً بهذا الثوب" قبل أن تردي تحية الصباح، حتى إن كنتِ تقصدين النصيحة أو لست ممَّن يبرعون في المجاملة عليك أن تضعي نفسك مكانها وتعكسي الأدوار، تخيلي حجم انزعاجك وحزنك، هذا ما يشعر الآخر به، ضعي نفسك مكانه دوماً.

2. فلنقل خيراً أو لنصمت:

إذا لم نستطع أن نجد عبارة جيدة، أو لم نرغب بقول شيء يعاكس قناعاتنا لنصمت؛ فالصمت خير ألف مرة من قول كلمة تزعج الآخر وتسبب له الحزن والألم، فإذا كنت معلماً وفي صفك طفل ليس ذكياً، فلا تقل له ذلك؛ بل شجِّعه وادعمه فربما نكون على مشارف اكتشاف إديسون جديد.

3. انتقِ كلماتك بعناية:

تقتضي بعض المواقف الصلابة والصرامة، لا سيَّما في مجال تربية الأبناء، وفي مثل هذه الحالات يجب الحذر مرات مضاعفة؛ لأنَّ الأطفال والمراهقين شديدو الحساسية والتأثر، وقد تكون كلمات الآباء سبباً في تشوُّه شخصياتهم؛ لذا يجب اختيار الكلمات بعناية؛ فبدل من أن نقول للمراهق: "أنت أحمق وطائش"، يجب أن نفكر ونقول: "لقد كان تصرفك طائشاً وغير مدروس".

4. ابنِ الحصانة النفسية تجاه الكلمات السلبية:

قد لا يدرك بعض الناس فن استخدام الكلمات، وقد لا يعلم كبار السن مثلاً أصول المجاملة للصغار، أما منصات التواصل الاجتماعي فهي ذاخرة بالحسابات الوهمية التي تتفنن في أشكال التنمر؛ من أجل مواجهة مثل هذه الحالات لا بد من تقبل طبائع كبار السن إذا ما كانوا من المقربين، والحد من الوجود في الاجتماعات التي تحتوي الأشخاص الفظِّين، والتحصن نفسياً ضد المتنمرين من خلال تعزيز الثقة بالنفس، فلا تكن بيتاً من قش في مواجهة عواصف الكلام.

شاهد بالفيديو: كيف تواجه الانتقادات السلبية؟

في الختام:

إنَّ الإنسان كائن عاطفي يتأثر بالكلام الإيجابي والسلبي؛ لذا من الضروري أن نعي أهمية الكلمات والجمل والعبارات في حياتنا فنحسن انتقاءها وتوظيفها في مساعدة الآخرين وترك آثار إيجابية وبصمات جميلة في حياتهم وأيامهم.




مقالات مرتبطة