أمَّا "جيسامين ويست" (Jessamyn West) تقول: "الموهبة مفيدة في الكتابة، لكن الشجاعة هي الأساس".
وأمَّا الممثِّل والكاتب الأمريكي "شاز بالمينتيري" (Chazz Palminteri) يقول: "التقييمات الإيجابية هي الأسوأ، فهي تضلِّلُك أكثر من التقييمات السيئة، وذلك لأنَّها تعزِّز الغرور، وتجعلك تطلب منها المزيد، فإنَّها تشبه في ضررها الوجبات السريعة، لذيذة وتجعلك تطلب المزيد، ولكنَّها ضارة، لذلك أنا شخصياً أفضِّل الرفض أكثر منها".
من الضروري أن تكون لا مبالياً إلى حدٍّ ما بآراء الآخرين في هذه الحياة؛ إذ إنَّ النجاح يقتضي تجاهل كثير من الانتقادات، والإجحاف الذي قد تتعرَّض له، والسلبية من الأشخاص الآخرين، ونحن لا نعني أن تنفصل عن الواقع تماماً لتتجاهل التعليقات السلبية، ولكن في نفس الوقت ألَّا تسمح لهذه التعليقات بجعلك تنحرف عن هدفك.
هنا تكمن الصعوبة في امتلاك مهارة اللامبالاة، فالأمر لا يتعلَّق فقط بتجاهل التعليقات السلبية، وإلَّا لكان التدريب كفيلاً بامتلاك هذه المهارة، بل أنت تحتاج للنقد فهو يساعدك على تطوير نفسك، وهنا تكمن الصعوبة، لأنَّك تحتاج إلى أن تتعامل مع النقد السلبي المبالغ فيه أحياناً، واستيعابه والتصرُّف بناءً عليه دون أن يجعلك تفقد حماستك، فالأشخاص غير المباليين ليسوا أغبياء، بل هم قادرون على استيعاب التعليقات السلبية واستخدامها لتحسين أنفسهم دون أن تسلبهم هذه التعليقات حماستهم أو حافزهم.
ما هي فائدة اللامبالاة تجاه النقد والتعليقات السلبية؟
نسمع أحياناً بعض الناس يدافعون عن الحساسية المُفرطة، وإذا كنت حسَّاساً جداً فلا داعي للخجل، فهناك كثير من الأشخاص مُفرطي الحساسية تجاه الانتقادات السلبية، يستطيعون القيام بأشياء عظيمة، ومع ذلك كلما قلَّلت من حساسيتك، زادت قدرتك على المثابرة في الأوقات العصيبة.
هناك استراتيجية ناجحة مع الأشخاص الحسَّاسين، وهي عدم الإفصاح عن مقدار التقدُّم الذي تحقِّقه في طريقك إلى هدفك، ومع أنَّ أحد أسباب هذا التكتُّم قد يكون التواضع، فإنَّك بذلك تُقلِّل من الانتقادات التي قد تتعرَّض لها والتي يمكن أن تثبِّط من عزيمتك.
لقد طبقَّها الكوتش والكاتب "تيم فيريس" (Tim Ferriss)؛ إذ قال لمساعديه إنَّه لا يريد سماع سوى المراجعات الإيجابية لكتابه، فليس هناك من وقت يضيِّعه للتعامل مع التعليقات السلبية.
كثير من الناس يمكن أن يطبِّقوا هذه الاستراتيجية، ومع ذلك فإنَّ لها جانباً سلبياً خفياً، فكلما حاولت تجنُّب التعليقات السلبية، ازددت ابتعاداً عن الواقع؛ لذلك ما يجب أن تفعله هو التقليل من فرط الحساسية، ورفع درجة اللامبالاة لديك، لتقبُّل التعليقات السلبية التي تساعدك على تقييم الواقع دون تزييف.
فكلما قلَّت حساسيتك، أصبح تصورك عن الواقع أكثر موضوعية، حتى عندما تُقدَّم لك الحقائق من خلال إهانة أو انتقاد لاذع أو إساءة، فستكون قادراً على التجرُّد من مشاعر الإحباط، واستخدام هذه المعلومات لتكوين صورة أفضل عن الواقع.
شاهد بالفيديو: 4 خطوات خاصة تقودك إلى تحقيق النجاح
كيف تقلِّل من حساسيتك؟
قد لا تتخلَّص من حساسيتك المفرطة لدرجة كبيرة سريعاً، ولكن على الأقل يمكنك تحقيق تقدُّم، على سبيل المثال، قد يتعرَّض الكُتَّاب كثيراً للانتقادات بحكم مجال عملهم، وهم يتلقَّون على الدوام تعليقات سلبية على بريدهم الإلكتروني ومدوناتهم على الإنترنت، وسيكون الكاتب محظوظاً إذا كانت التعليقات الإيجابية تفوق السلبية.
أفضل نصيحة يقدِّمها الكتَّاب للتخلُّص من الحساسية المفرطة هي فرز التغذية الراجعة؛ أي تجزئتها إلى المكونات التي تتألف منها حتى تتمكَّن من التعامل معها، لأنَّك إذا تعاملت مع الانتقاد البنَّاء كما تتعامل مع الإهانات فمن المُرجَّح أن تُصاب بالإحباط، وفي نفس الوقت لا ينبغي تجاهل كل التعليقات السلبية، لأنَّك بذلك تفوِّت على نفسك فرصة التعلُّم والنمو.
يمكن القول إنَّ النقد يأتي في أشكال رئيسة عدة كالآتي:
1. الإهانات:
وهذه هي الانتقادات الشخصية التي تعتمد على المشاعر وليس المنطق؛ إذ يتم خلالها انتقادك أو انتقاد شخصيتك دون التعرُّض لما تفعله، ونحن ننصح بتجاهل هذا النوع من النقد ما لم تمس موضوعاً خاصاً، وفي هذه الحالة الأخيرة يجب القيام ببعض المراجعة الذاتية لمعرفة ما إذا كانت هذه الانتقادات قائمة على أي أساس منطقي.
2. الانتقادات:
هذا النوع من الانتقادات يكون قاسياً أحياناً، وغالباً ما يتضمَّن اقتراحات للتحسين، وأفضل طريقة للتعامل مع هذا النوع، هو تجريده من الكلمات المسيئة، والتركيز على ما تحمله من معلومات، فتعامل معها بصفتك مراقباً وتجاهل الإساءات.
3. الغضب:
أحياناً يكون هناك ما يبرِّر الإساءة، فإذا كنت تتصرَّف بطريقة تثير غضب الآخرين، فلا يجب أن تتفاجأ عندما يغضبون؛ بل يجب عليك الاستفادة من هذه التعليقات للتحقُّق من سلوكك، ومعرفة ما إذا كان هناك شيء يجب تغييره.
4. عدم الاهتمام:
هي الانتقادات المُضمنة، مثل: الرفض بعد طلب خدمة، أو عدم الرد على محاولاتك للتواصل مع الآخرين، وأفضل طريقة للتعامل معها، هي تعديل طريقة الطلب أو التواصل والمحاولة مرة أخرى.
مع كل هذه الأشكال من الانتقادات، فإنَّ التخفيف من حساسيتك يعني أن تكون أكثر موضوعية من خلال التأمُّل في هذه الانتقادات وتوظيفها في تحقيق أهدافك، أمَّا إذا كان إجراء التغيير سيؤدي إلى انحرافك عن مسارك تماماً، ففي هذه الحالة من الأفضل تجاهل التعليقات.
إليك نصيحتان للتقليل من حساسيتك تجاه النقد:
1. توقَّع تلقي الانتقادات دائماً:
بعد أن تقوم بتصنيف المعلومات التي تحتويها الانتقادات، سيكون عليك أن تتعامل معها على الصعيد العاطفي، طبعاً، لا نقول إنَّه من السهل أن تتعرَّض لإهانة أو للرفض وتتجاهل ذلك، والطريقة الوحيدة لتقليل حساسيتك على الصعيد العاطفي، هي الاعتياد على النقد وتلقِّي الكثير منه.
يشبه الأمل الآلية الشفائية للجسم، فعندما تنكسر في جسمك عظمة فإنَّ المقاومة التي تبديها أنسجة العظام يجعل العظمة المكسورة أقوى ممَّا سبق، لذلك نقول أنَّ أفضل طريقة لاستيعاب النقد والتعامل معه هي تلقي الكثير من الانتقادات.
2. ركِّز على أهدافك وليس على انتقادات الآخرين:
الاعتياد على تلقِّي الانتقادات ليس هو كل شيء، فإذا كنت تتلقَّى الانتقادات باستمرار، فربما لن تصبح أقل حساسية، وإنَّما ستصاب بالإحباط؛ لذلك، يجب أن تتذكَّر أهدافك باستمرار، وتركِّز على الحياة التي تريد الوصول إليها، لأنَّك عندما تمتلك تصوُّراً واضحاً عن هدفك وما تريد تحقيقه في الحياة، فإنَّك ستصبح أكثر صلابة في وجه التعليقات السلبية والانتقادات.
لذا يجب أن تكون استراتيجيتك على النحو الآتي، كلما تلقيت انتقادات أكثر، أصبح من الضروري أن تركِّز على أهدافك، فدون هذه الاستراتيجية قد يجعلك النقد تُضِلُّ طريقك، وبدل أن تركِّز جهودك نحو تحقيق الهدف، قد تركِّز جهودك لإرضاء الآخرين.
إحدى أفضل الروايات التي تتحدث عن أهمية امتلاك رؤية واضحة للهدف في الحياة، هي رواية "المنبع" (The Fountainhead)؛ إذ تمتلك الشخصية الرئيسة في الرواية، وهي المهندس المعماري "هاورد رورك" (Howard Roark) تصوراً واضحاً جداً للمباني التي سيقوم بتصميمها، وهو متحمِّس ومثابر على الرَّغم من كل الانتقادات والأشخاص الذين يتمنَّون له الإخفاق، لذلك نقول إنَّه من السهولة أن ينحرف مسارك بفعل انتقادات الآخرين إذا لم تكن تعرف بالضبط ماذا تريد.
غالباً ما تحمل الانتقادات القاسية بعض الحقيقة في طياتها:
النقد غير المبني على أي أساس لا يسبِّب عادةً الإزعاج لأي أحد، فمثلاً إذا أخبرت رجلاً طويل القامة بأنَّه قصير، فهو سيتعامل مع كلامك على أنَّه مزاح لا أكثر، ولهذا من السهل تجاهل هذا النوع من الانتقادات، وهذا بخلاف الانتقادات المبنية على بعض الحقائق، فهذا هو النوع من الانتقادات التي يصعب علينا تقبُّلها، لأنَّها تمسُّ جوانب من حياتنا نحاول تجاهلها، أو لا يمكننا تقبُّلها.
في هذه الحالات يكون النقد مفيداً، حتى إن كان مؤلماً فهو يجعلنا نعيد التفكير جدياً في إصلاح الخلل وتحسين الأمور؛ فإذا وصفك أحدهم بالسمين، وكنت فعلاً تعاني من السمنة المفرطة، فليس مستبعداً أن تشعر بالانزعاج، ولكن في نفس الوقت يمنحك هذا النقد فرصة لإجراء تغيير والتخلُّص من الوزن الزائد، أو قد يدفعك هذا الانتقاد إلى التصالح مع نفسك وتقبُّل عيوبك.
يعتمد المسار الذي تسلكه أيضاً على قدرتك على إجراء التغييرات وإلى أي مدى تجعلك الصعوبات تتخلَّى عن أهدافك، فالعمل في وظيفة لا تُحبها حتى تتفادى انتقادات أصدقائك الأثرياء هو حتماً صفقة خاسرة، ومن الأفضل أن تبحث عن وظيفة تحبها مع دخل أقل، بدلاً من التخلِّي عن أهدافك.
في الختام:
ففي النهاية نريد أن نخلص إلى نتيجة مفادها، أنَّ مستوىً معيناً من اللامبالاة، وانخفاض حساسيتك تجاه الانتقادات يعني أنَّك أكثر استقلالية؛ فعندما لا تنتظر إطراء الآخرين وتأييدهم على الدوام، فهذا يعني أنَّك قادر على المضي قدماً وتحمُّل مسؤولية قراراتك، وقد يكون من الصعب التعامل مع النقد دون الشعور بإهانة شخصية، ولكن تذكَّر أنَّ عيش حياة لا تسبِّب أي نوع من الانتقاد، يعني غالباً أنَّك تقلِّل من قيمة نفسك لإرضاء الآخرين.
أضف تعليقاً