كيف تؤثر القهوة على معدل الأيض؟

تحتوي القهوة على عدة مركبات نشطة حيوياً تؤثر في عملية الأيض الغذائي سواءً أكان تأثيراً مباشراً من خلال تقلص القولون وتعزيز حركة الأمعاء أم تأثيراً غير مباشر من خلال الاستجابات العصبية الهرمونية.



يحتسي 70% من الناس القهوة أسبوعياً، و62% منهم يومياً، والأسباب الأكثر شيوعاً التي تدفع الناس لشرب القهوة هي المذاق وتأثير الكافيين الذي توفره؛ أي لإيقاظهم وتحسين طاقتهم، لكن يوجد تأثير آخر للقهوة لا يتكلم عنه الناس كثيراً على الرَّغم من أنَّهم قد يُعِدُّونه مفيداً فهي تجعلك تتغوط.

في دراسة نُشِرَت في مجلة "غات" (Gut) الطبية زعم 29% من المتطوعين أنَّ القهوة تحفز لديهم الحاجة إلى التغوط، وكشف الباحثون عن تأثير واضح  للقهوة في وظيفة القولون، لا سيما في تحفيز الاستجابة الحركية بعد تناول القهوة السوداء غير المحلاة، سواء أكانت تحتوي على كافيين أم منزوعة الكافيين، ولم يزدد نشاط القولون بسرعة فحسب في غضون 4 دقائق بعد احتساء كوب من القهوة؛ بل استمر أيضاً مدة 30 دقيقة على الأقل.

نُشِرَت هذه الدراسة عام 1990 ولم تحظَ تفاصيل كيفية تأثير القهوة في الأيض الغذائي بكثير من الضجة منذ ذلك الحين، ربَّما لأنَّه لم يكن هناك كثير من الأسباب الطبية التي تستدعي ذلك؛ بعبارةٍ أخرى من المتعارف عليه أنَّ القهوة تعزز حركة الأمعاء؛ لكنَّ الأبحاث التي أُجريت تظهر أنَّ هذه التأثيرات لها أُسس فيزيولوجية حقيقية.

القهوة تُحفز تقلص القولون:

في عام 1998 أجرى باحثون من كلية الطب في جامعة أيوا (University of Iowa) دراسةً عما إذا كانت القهوة تعمل محفزاً للقولون، واستخدموا مجسات بستة مستشعرات؛ لتقصي القولون لدى 12 شخصاً سليماً، ثمَّ تعقبوا نشاط القولون الحركي في أثناء شرب هؤلاء الأشخاص للقهوة الكولومبية السوداء أو القهوة منزوعة الكافيين أو الماء أو تناول وجبة.

بالمقارنة مع الماء سببت كل من القهوة الحاوية على الكافيين ومنزوعة الكافيين عدداً أكبر من التقلصات في القولون؛ لكنَّ القهوة التي تحتوي على الكافيين كانت المُحفز الأكبر لنشاط القولون؛ فإنَّ شرب القهوة الحاوية على الكافيين له تأثيرات مشابهة لتأثير تناول وجبة؛ لكنَّه يؤدي إلى نشاط أقوى بنسبة 60% من شرب المياه وأقوى بنسبة 23% من شرب القهوة منزوعة الكافيين.

قد تلعب أيضاً المركبات المفيدة المعروفة باسم الميلانويدات (Melanoidins) التي تتشكل عند معالجة القهوة وتعطي القهوة المحمصة لونها البني دوراً في التأثيرات الأيضية للقهوة، في حين تلعب الميلانويدات دوراً في تأثير القهوة المضاد للأكسدة؛ فإنَّها تعمل كألياف غذائية فهي غير قابلة للهضم في الأمعاء.

نتيجةً لذلك تتخمر هذه المواد في القناة الهضمية بعد تناولها، ويُقدَّر أنَّها قد تمثل ما يصل إلى 20% من الاستهلاك اليومي الموصى به من الألياف الغذائية لدى البالغين، ممَّا يجعلها مساهماً هاماً في صحة القولون.

عندما تلامس القهوة بطانة المعدة فإنَّها تحفز استجابةً عصبيةً أو هرمونية دافعةً بذلك القولون إلى التقلص، وتنقل تقلصات القولون البراز نحو المستقيم، ممَّا يحرض لديك الحاجة إلى التبرز.

القهوة قد تحفز استجابةً عصبية:

تحتوي القهوة المُحمَّصة على آلاف المركبات النشطة بيولوجياً، ومن المحتمل أن يؤثِّر بعضها في عملية الأيض الغذائي من خلال الاستجابات العصبية الهرمونية؛ ممَّا يعني أنَّها تنطوي على آليات عصبية وهرمونية، قد تشارك في هذه الاستجابات بعض الجزيئات، ومن ذلك الإكسورفينات (Exorphins) وهي مركبات شبيهة بالمواد الأفيونية موجودةٌ في القهوة والموتيلين (Motilin) وهرمون الجاسترين (Gastrin).

يُحفِّز الجاسترين إنتاج الحمض المعدي الذي يحفز بدوره عملية الهضم ويعزز نشاط القولون، في دراسة شملت 10 أشخاص بالغين شربوا محلول قهوة يهدف إلى محاكاة كوب واحد من القهوة العادية منزلية التحضير، وصلت مستويات الجاسترين إلى ذروتها بسرعة بعد 10 دقائق من شرب المحلول، وحتَّى استهلاك القهوة منزوعة الكافيين أدى إلى ارتفاع الجاسترين.

لاحظ الباحثون أنَّه "لا يمكن للانتفاخ أو الأسمولالية أو محتوى الكالسيوم أو الأحماض الأمينية في محلول القهوة تفسير هذه الخاصية التي يجب أن تُنسب إلى بعض المكونات الأخرى غير المحددة، مشيرين إلى أنَّ الآليات الكامنة وراء خصائص القهوة المطلقة للجاسترين ما تزال غير معروفة.

بالنسبة للطرائق الأخرى التي تؤثر بها القهوة في الجهاز الهضمي فقد ثبت أنَّ استهلاك القهوة يغير النبيت الجرثومي المعوي حتَّى عند تناول ما لا يزيد عن ثلاثة أكواب في اليوم، فقد أدى استهلاك القهوة إلى انخفاض تعداد الجراثيم الممرضة كالاشريكية القولونية (E. coli) والمطثيات (Clostridium) والعصوانيات (Bacteroides) في حين ازدادت الجراثيم النافعة كالعصيات اللبنية (Lactobacillus) والبيفيدوباكتريوم (Bifidobacterium).

شاهد بالفديو: 6 نصائح للتخلص من سيطرة الكافيين على جسدك

الكافيين يزيد الدهون البنية:

قد يكون الكافيين الموجود في القهوة مسؤولاً عن بعض التأثيرات الأيضية المفيدة للقهوة، ومن ذلك ما يتعلق بالدهون البنية، وهي شكل مفيد من الدهون التي قد تولد الحرارة وتحرق الجلوكوز والدهون من خلال تفاعل ميتاكوندري بواسطة بروتين الفصل (UCP1).

وُجد أنَّ إضافة الكافيين إلى مزارع الخلايا تزيد التعبير عن بروتين الفصل، وعندما قارن الباحثون التصوير الحراري الذي أُجري بعد 30 دقيقة من شرب متطوعين أصحاء للقهوة المحتوية على الكافيين أو الماء، وجدوا زيادة في درجة حرارة الدهون البنية في منطقة تحت الترقوة، وأوضح الباحثون أنَّ القهوة قد تسهم في إنقاص الوزن من خلال زيادة معدل الاستقلاب وتعزيز وظيفة الدهون البنية.

توفر هذه النتائج المخبرية والحيوية دليلاً مكملاً جديداً على أنَّ الكافيين ومشروب القهوة قد يعززان وظيفةً أفضل للنسيج الدهني البني بجرعات متوافقة مع الاستهلاك البشري.

مع ذلك فإنَّ الكافيين الموجود في القهوة ليس المادة الوحيدة التي تؤثر في عملية الأيض الغذائي؛ بل من المحتمل أن تتدخل العديد من العوامل الأخرى؛ على سبيل المثال في دراسة نُشرت في مجلة "جورنال أوف انترنال ميدسين" (Journal of Internal Medicine) اكتشف العلماء أنَّ القهوة تُغير تغيُّراً ملحوظاً من نواتج الأيض في الجسم أكثر ممَّا كان معروفاً؛ فبعد تناول الطعام أو الشراب ينتج جسمك مستقلبات أو مواد كيميائية، ويمكن تفسير التأثيرات المختلفة للقهوة في الجسم جزئياً بالعدد الهائل من المستقلبات الغذائية المتأثرة.

وجدت الدراسة أنَّ مستويات 115 مستقلباً غذائياً قد تأثرت بشرب القهوة، ومن المعروف أنَّ 82 منها تؤثر في 33 مساراً بيولوجياً، واكتشفوا أيضاً ثلاثة روابط جديدة للقهوة، ومن ذلك مستقلبات الستيرويد، واستقلاب الأحماض الدهنية، وتأثير القهوة في نظام الكانابينويد الداخلي.

بالإشارة إلى دراسة مجلة غات (Gut) التي وجدَت أنَّ القهوة تعزز النشاط الحركي في القولون، أشار باحثون من إسبانيا أيضاً إلى أنَّ بعض المركبات الموجودة في القهوة غير الكافيين مسؤولةٌ على الأرجح عن بعض آثارها الأيضية.

نظراً لأنَّ القهوة غير المحلاة لا تحتوي على سعرات حرارية، ولا يمكن تفسير تأثيرها في الجهاز الهضمي بالحجم أو الحموضة أو الأسمولالية، سرعان ما وُجِد أنَّه يجب أن يكون لها تأثيرات دوائية.

هكذا فُسِّرَت هذه التأثيرات بأنَّها متواسطةٌ على نحو غير مباشر بمكون آخر من القهوة غير الكافيين الذي من خلال العمل على المستقبلات الظهارية في المعدة أو الأمعاء الدقيقة من شأنه أن يؤدي إلى استجابة معوية قولونية، يُعتقد بوجود دور لهرمون الكوليسيستوكينين أو هرمون آخر.

إقرأ أيضاً: أهم 10 فوائد للكافيين

الفوائد الصحية المثبتة للقهوة:

ثمة إجماع متزايد على أنَّ القهوة في شكلها الطبيعي وغير المحلى تمتلك العديد من الخصائص الصحية، ففي عام 2019 أصدر معهد المعلومات العلمية عن القهوة (ISIC) تقريراً حدد القهوة على أنَّها مكون غذائي محتمل يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بحالات التحلل العصبي أو يخفف بعض الأعراض.

وجد الباحثون أنَّ الكافيين وشرب القهوة قد يكون لهما تأثير وقائي في الجهاز العصبي، ووجد مُعِدُّو العديد من الدراسات أنَّ شرب القهوة يقلل من خطر الإصابة بمرض ألزهايمر ويقلل التدهور المعرفي العام، وهناك أيضاً مؤشرات على أنَّ الكافيين الموجود في القهوة قد يزيد من حساسية الأنسولين أيضاً.

علاوةً على ذلك ارتبط استهلاك القهوة بانخفاض معدل الوفيات من عدد من الأمراض، ومن ذلك أمراض القلب والأمراض العصبية ومرض السكري من النوع الثاني وأنواع عديدة من السرطان ومن ذلك بطانة الرحم والكبد.

في مراجعة لـ 112 تحليلاً شاملاً عن القهوة وُجد أنَّ هذا المشروب الشائع يرتبط بانخفاض محتمل في خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم وبطانة الرحم والبروستات وأمراض القلب والأوعية الدموية والوفيات ومرض باركنسون؛ حيث أبلغ الباحثون: "بالنظر إلى مجموعة الحالات التي درسناها وموثوقية النتائج، فإنَّ هذه الاكتشافات تُشير إلى أنَّه يمكن عدُّ القهوة جزءاً من نظام غذائي صحي".

أظهرت دراسةٌ مدتها 10 سنوات قُدمت في مؤتمر الجمعية الأوروبية لأمراض القلب في برشلونة (European Society of Cardiology Congress) أنَّ الأشخاص الذين يشربون أربعة أكواب من القهوة يومياً انخفض لديهم خطر الوفاة من أي سبب بنسبة 64%، وليس من الغريب أن تتمتع القهوة بهذه الفوائد الهائلة؛ نظراً لأنَّ العديد من المركبات النشطة بيولوجياً في القهوة المحمصة لها تأثيرات مضادة للأكسدة ومضادة للالتهابات ومضادة للتليف ومضادة لتكاثر الخلايا.

بالمناسبة، لا تُسبب القهوة التجفاف حتَّى عند شرب كمية معتدلة منها كل يوم توفر القهوة نفس القدر من الإماهة الذي توفره المياه، ولا يعني ذلك أنَّ الماء ليس ضرورياً؛ فهو ما يزال الوسيلة الأفضل لمَد الجسم بالسوائل.

إقرأ أيضاً: إلى أيّ وقت متأخر يسمح بشرب القهوة يومياً؟

ما هو أفضل نوع من القهوة؟

القهوة

بالنظر إلى جميع الأدلة التي تُشير إلى أنَّ القهوة تحفز عملية الاستقلاب الغذائي ونشاط القولون، هل يجب أن تحتسي فنجاناً إذا كنت تعاني من الإمساك؟ من المحتمل جداً أن يساعد ذلك، لكن يجب أيضاً معالجة الأسباب الأساسية التي أدت إلى الإمساك، مثل النظام الغذائي.

لمنع الإمساك تأكد من شرب كمية كافية من الماء يومياً، وزِد كمية الألياف التي تتناولها إلى 25 - 50 جراماً لكل 1000 سعرة حرارية تستهلكها؛ بعبارة أخرى إذا لم تكن من عشاق القهوة فلا داعٍ للشعور بالحاجة إلى شربها؛ حيث توجد العديد من الأطعمة الأخرى التي يمكنك تناولها لتحسين الأيض الغذائي.

على سبيل المثال هناك أربعة أطعمة لها تأثير مفيد لعلاج الإمساك المزمن، وهي الخضروات المخمرة والخرشوف والكيوي واللبن، ومع ذلك إذا كنت تستمتع بالقهوة فهناك سبب وجيه لتحتسي فنجاناً أو نحو ذلك كل يوم، على الرَّغم من وجود بعض التحذيرات التي يجب مراعاتها؛ إذ يجب أن تكون القهوة التي تُرش بشدة بمبيدات الآفات عضويةً أو مزروعة زراعة حيويَّة، وكذلك مزروعة في الظل، فالقهوة نبات محب للظل، لكن غالباً ما يزيل المزارعون الغابات لجعل الزرع والحصاد أسهل.

سيدمر ذلك الموطن البيئي للعديد من الروادع الطبيعية لنمو الآفات الضارة مثل الطيور والسحالي، عندها ستتكاثر هذه الآفات، ممَّا سيفرض الحاجة لاستخدام مبيدات آفات إضافية في الأصناف غير المزروعة في الظل.

أيضاً اشرب قهوتك السوداء دون إضافة السكر والحليب والكريمة؛ فينخفض التأثير المضاد للأكسدة في القهوة انخفاضاً ملحوظاً عند إضافة الحليب، وإذا كنت ترغب في إضافة شيء ما إلى قهوتك، جرِّب زيت جوز الهند أو جليسريدات ثلاثية متوسطة الحلقات (MCT) التي قد تساعدك على حرق الدهون وتحسين وظيفة الميتوكوندريون، بالإضافة إلى ذلك اختر حبوب البن كاملة واطحن القهوة بنفسك للتأكد من أنَّها طازجة وليست فاسدة.

المصدر




مقالات مرتبطة