كيف أعرف أنَّ طفلي ذكي؟

أن يكون أطفالنا أذكياء أحد الهواجس التي تنتابنا بصفتنا أهلاً، فنحن في كثير من الأحيان نبالغ في تقدير سلوكات وتصرفات أطفالنا ونصفها بالذكاء الخارق على الرغم من أنَّها قد تكون تصرفات عادية وظاهرة عند جميع الأطفال في هذا العمر وليست استثنائية، فكيف أعرف أنَّ طفلي ذكي؟ في هذا المقال ستجد إجابةً مفصلةً عن هذا السؤال.



أولاً: ما هو الذكاء؟

الذكاء من أكثر الموضوعات التي شغلت بال الناس منذ القدم، وهو أيضاً أكثر الموضوعات التي كتب عنها علماء النفس، وفي نفس الوقت أكثر الموضوعات التي اختلفوا بشأنها، وكثيرون من يَعُدُّون أنَّ شعبية علم النفس؛ إنَّما ترجع إلى اهتمامه بالتحليل النفسي وبحثه في سيكولوجيا الذكاء.

أول من استخدم كلمة الذكاء هو الفيلسوف والخطيب الروماني "شيشرون" في القرن الأول قبل الميلاد، وقد استخدم هذه الكلمة للدلالة على القدرات العقلية للإنسان، وعلى الرغم من ذلك لا يمكن عَدُّ "شيشرون" أول من تحدث عنه؛ بل إنَّ هذا المصطلح واستخدامه يرجع إلى "أرسطو" و"أفلاطون".

رجَّح "أفلاطون" الوراثة على عوامل البيئة بما يتعلق بالذكاء وقد ميز بين نوعين من الذكاء؛ الذكاء المعرفي المعني بحلِّ المشكلات والاستدلال وغيرها من القدرات، والذكاء الشعوري المتعلق بالمشاعر والعواطف والانفعالات.

ميَّز "أرسطو" بين السلوك الظاهري الذي يمكن ملاحظته وبين القدرات الكامنة الموجودة لدى الشخص والتي يستند إليها هذا السلوك، ولم يُعرَف بحث جدِّي في العصر الحديث عن موضوع الذكاء حتى النصف الثاني من القرن الماضي؛ إذ ظلَّت أفكار "أفلاطون" و"أرسطو" سائدة في القرون الوسطى وفي معظم العصر الحديث.

لقد كان الإسهام الأكبر في هذه البحوث لكلٍّ من العلماء "هربرت سبنسر" و"كارل بيرسون" و"فرانسيس غالتون"، وبفضل هؤلاء تمَّ إدخال أفكار قياس الذكاء والتطور وعلم الوراثة التجريبي.

في القرن العشرين تمَّ التركيز على الوظائف المعرفية للإنسان على خلاف ما كان سائداً في القرن التاسع عشر؛ إذ كان التركيز على تطور الذكاء في العالم الحيواني، وتُقسم تعاريف الذكاء إلى نوعين أحدهما يُطلق عليه التعريفات التكوينية أو البنائية، والآخر يُطلق عليه التعريفات الإجرائية، ومن بين التعريفات التكوينية اخترنا أحد أكثر التعريفات انتشاراً في كتب علم النفس.

يقدِّم "جورج ستودارد" وهو أحد أبرز الباحثين في سيكولوجية الذكاء التعريف الآتي للذكاء: "الذكاء هو القدرة على تعاطي فعاليات تتصف بالصعوبة، والتعقيد، والتجريد، والاقتصاد، والتكيف مع الهدف، والقيمة الاجتماعية، وانبثاق الأصالة، وعلى الاحتفاظ بهذه الفعاليات ضمن شروط تقتضي تركيز الطاقة ومقاومة القوى الانفعالية".

وقد عرَّفه "ألفريد بينيه" بأنَّه القدرة على المحاكمة، أما "تشارلس سبيرمان" صاحب نظرية العاملين في طبيعة الذكاء، فيرى أنَّ الذكاء هو القدرة على التفكير في العلاقات، وبذلك يتضمن تعريف "سبيرمان" للذكاء قدرتين؛ هما القدرة على اكتشاف العلاقات، والقدرة على استحضار المتوافقات، ويؤكد "سبيرمان" أنَّه كلما ارتفع مستوى الذكاء عند الشخص، زاد عدد العلاقات التي يمكنه تمييزها.

فجميع التعريفات السابقة وغيرها الكثير على الرغم من أنَّها قد أصابت جزءاً من حقيقة الذكاء، إلا أنَّها ليست تعريفات كاملة، ويمكن نقدها في كثير من النقاط، وبالنسبة إلى التعريف الإجرائي للذكاء فهو التعريف القائل: "الذكاء هو ما تقيسه روائز الذكاء".

ثانياً: كيف يتم قياس الذكاء في علم النفس؟

تُعَدُّ الروائز أداة القياس النفسي الرئيسة للذكاء؛ فالروائز النفسية هي عبارة عن عينات من السلوك الواقعي وتوفر بفضل تقنينها وقابليتها للتكرار طرائق مختصرةً لفهم وتمييز الفروق الفردية سواء بين الأطفال أم الكبار، وتتراوح الروائز بين المواقف التي لها نهايات مفتوحة وتستخدم مجموعة مقننة من المثيرات والتي تفتح باباً للعديد من الاستجابات الفردية، وبين المواقف التي لا تحتمل إلا نوعين من الاستجابة إما صحيحة أو خاطئة.

حتى تكون الروائز أكثر قيمة، يجب أن تتصف بالموضوعية وقابلية المقارنة ومراعية للفروق الفردية وقابلة للتفسير ومقننة، وتستطيع الروائز النفسية قياس الإنجاز أو ما تعلمه الطفل، ويوجد روائز إنجاز مقننة لمختلف المواد الدراسية ولمختلف الأعمار والمستويات الدراسية، فالروائز تقيس القدرات؛ أي ما يستطيع الطفل إنجازه، وأخيراً تقيس روائز الشخصية الاتجاهات والاهتمامات والسمات.

روائز الذكاء عادة هي عبارة عن مجموعة من الاختبارات المصممة لقياس القدرات الخاصة التي تؤدي دوراً كبيراً في القدرة العقلية عموماً، ومن أشهر روائز الذكاء الرائز الذي وضعه "بينيه" العالم الفرنسي؛ إذ تميَّز هذا الرائز عن غيره من محاولات وضع روائز الذكاء التي سبقته بقدرته على قياس الذكاء في الوقت الذي لم تتمكن من ذلك روائز "فرانسيس غالتون" أو "ماك كين كاتل" الذي اعترف أنَّ نتائجه لم يكن لها أي علاقة بنتائج العينة الدراسية.

لقد تمكن "بينيه" من وضع مقاييس لإحدى عشرة عملية عقلية؛ كالفهم والتخيل والحكم وغيرها، وبذلك كان أول من وضع رائز فعلي للذكاء، وفي السابق كان الاعتقاد السائد أنَّ تحصيل الطفل دراسياً هو الدليل على مقدار ذكائه، وهذا بالضبط ما دفع وزارة المعارف الفرنسية لتكليف "بينيه" بوضع وسيلة موضوعية للتأكد وقياس ذكاء واصطفاء التلاميذ الذين رسبوا في المدرسة الابتدائية لاقتناع السلطات التربوية من ذلك الوقت بأنَّ المعلم لا يستطيع إعطاء حكم نهائي بشأن ذلك؛ ومنذ ذلك الوقت ونتيجة الحاجة العملية لقياس الذكاء، بدأ وضع المئات من الروائز المصممة لقياس الذكاء والتي يمكنك الرجوع إليها لأخذ الحكم النهائي بشأن ذكاء طفلك.

شاهد: 10 طرق لتنمية الذكاء والقدرات العقلية عند الأطفال

ثالثاً: كيف أعرف أنَّ طفلي ذكي؟

بعد أن تعرفنا إلى الذكاء وكيفية قياسه في علم النفس، سنتعرف الآن إلى أكثر العلامات التي تشير إلى ذكاء طفلك، ودون قياسات أو روائز؛ وإنَّما من خلال ملاحظة ومراقبة تصرفاته؛ إذ إنَّ الكثير من الأهالي يعتقدون بوجود قدرات استثنائية لدى أطفالهم، في حين أنَّه بمقارنة بسيطة مع سلوكات أقرانهم بنفس العمر ستكتشف أنَّها سلوكات طبيعية وبديهية للأطفال بنفس العمر.

تبدأ علامات الذكاء بالظهور لدى طفلك في عمر مبكر جداً؛ أي عندما يكون رضيعاً، ويمكن ملاحظة اختلافه كما ذكرنا منذ قليل من خلال مقارنة سلوكه وتصرفاته بسلوك وتصرفات أقرانه، وبالطبع طبيب الأطفال أيضاً سيكون قادراً على ملاحظة ذكاء الطفل والإشارة إلى الأهل بذلك.

من أهم العلامات التي تكون واضحة على الرضيع هي تيقُّظه وقدرته على التركيز بالنسبة إلى طفل بعمره، كما يلاحَظ عليه تنامي المهارات اللغوية والحركية بشكل واضح وأسرع من غيره، ولديه خيال واسع فغالباً ما يكون لديه أصدقاء وهميون يتحدث معهم أكثر الوقت، كما تلاحظ عليه البدء بإطلاق النكات بعمر مبكر مع القدرة على فهمها.

من الجدير بالذكر أنَّ أكثر التغيرات في ذكاء طفلك تحدث بين عمري الثانية والخامسة، وقد أكد الكثير من علماء النفس أنَّ للذكاء ذروة يتوقف بعدها عن النمو، لكن لم يتم الاتفاق على هذا العمر، على الرغم من أنَّ كافة الترجيحات تشير إلى توقفه في عمر الخامسة عشر، وإذا ما كنت تعتقد أنَّ طفلك ذكي جداً، يمكنك البحث عن الإشارات الآتية التي ستكون قادرة على قطع شكك باليقين، هذه الإشارات هي:

  1. تعلُّم القراءة في عمر مبكر، فهؤلاء الأطفال قادرون على تعلُّم القراءة منذ سن الثالثة سواء تلقوا التدريب اللازم أم لا، وترجع قدرة الأطفال هذه إلى الذاكرة القوية التي يمتلكونها والتي تمكِّنهم من حفظ العديد من الكلمات التي سبق ورأوها في الكتب، أو حتى رأوك وأنت تقرؤها، فتعلُّم القراءة في هذا العمر المبكر دليل قوي على أنَّ طفلك ذكي، وعبقري أيضاً. أي ملكة يمتلكها الطفل يجب أن تحظى بالعناية والاهتمام من قِبل الأهل حتى تتطور وتتوجه بالشكل الصحيح وتصبح أكثر نفعاً، وفي سبيل ذلك يستطيع الأهل انتقاء بعض الكتب وتقديمها للطفل لتكون مصدراً غنياً له لمزيد من الكلمات الجديدة.
  2. الخيال الواسع عند اللعب؛ إذ يظهر بشكل واضح على الطفل الذكي قدرته على الابتكار والإبداع في أثناء اللعب وحده، فهو ينشئ عالماً خاصاً به وحده.
  3. الفضول بشأن كل ما يجري حولهم، إضافةً إلى عدم التسليم بأي إجابة تقدمها لهم؛ بل تراهم كثيري ودائمي التشكيك، فهم لا يريدون أي إجابة؛ بل هم يبحثون عن الإجابة المقنعة، ويمكن استغلال هذا الفضول لديهم لتنمية مهارة التعلم الذاتي لديهم وتشجيعهم على البحث عن إجابات الأسئلة التي تخطر في بالهم وحدهم، سواء عن طريق الكتب أم من خلال الإنترنت.
  4. العزيمة، فهم غير ملولين ويسعون دائماً إلى معرفة كل شيء عن الموضوع الذي يشغل بالهم، كما أنَّه من النادر لديهم ترك سؤال دون إجابة، فهم يمتلكون طاقة كبيرة يوظفونها في البحث والتفاني.
  5. الإبداع، الطفل الذكي قادر على الإبداع بشكل استثنائي وقادر أيضاً على ابتكار طرائق جديدة لحلِّ المشكلات، فهو غير تقليدي ولا يتبع السائد والمعروف.
  6. يمتلك الأطفال الأذكياء ذاكرة قوية، فهم يحفظون الأرقام والكلمات وحتى المعادلات الرياضية دون الحاجة إلى تكرارها بشكل كبير.
  7. الحساسية الشديدة لمشاعرهم ومشاعر الآخرين.
  8. الحساسية تجاه اللمس، فهم يكرهون الملابس الثقيلة والجوارب الخشنة، ومثل هذه السمة تُعَدُّ تحدياً بالنسبة إلى الأهل.
  9. الطفل الذكي يعرف أكثر من أقرانه ولديه فضول أكبر وثروته اللغوية أقوى، كما أنَّه لا يقبل الإجابات دون نقاش؛ لذلك قد يبدو لمن لا يعرفه وقحاً أو غير مهذب، في حين أنَّ الطفل الذكي في الحقيقة فقط يريد إجابات مقنعة ومُرضية لفضوله وبحثه.
إقرأ أيضاً: هل تزيد الرِّضاعة الطَّبيعية من مُعدَّل ذكاء طفلك؟

من أذكى الذكر أم الأنثى؟

يميل الكثير من الناس إلى الاعتقاد بأنَّ الذكر أذكى من الأنثى، وهذا بالطبع اعتقاد خاطئ كما أكد الكثير من العلماء، فمن حيث مكونات الذكاء لا يوجد أي فرق. وتعود الفروق الظاهرة أحياناً إلى نمط التربية المختلف الذي يتلقاه كل من الجنسين، فالذكاء الذي تكشفه الروائز التي تحدثنا عنها آنفاً لا تُظهر أي فرق بالذكاء بين الجنسين، لكن تبقى بعض الفروق الضئيلة الظاهرة بينهم التي يستطيع الوالدان تمييزها، فالفتيات مثلاً أفضل ويُبدين تفوقاً من ناحية السلوك اللفظي، في حين يكون الذكور أفضل في المهمات العددية والميكانيكية.

إقرأ أيضاً: 6 خطوات تُساعد الأم على تنمية ذكاء طفلها

في الختام:

تعرَّفنا في هذا المقال إلى معنى الذكاء وكيفية قياسه، وأشرنا إلى العلامات التي تساعد الأهل على معرفة حقيقة ذكاء طفلهم واختلافه عن بقية الأطفال في عمره.

المصادر:1

  • كتاب اختبارات الذكاء والشخصية
  • كتاب علم النفس



مقالات مرتبطة