كيف أجعل من إعاقتي تميّزاً؟

بفارقٍ من الفِكر وموازين التوقيت، يجاهدون لبلوغ التميّز، يبحثون عن طاقاتهم الكامنة بإصرار وإرادة هائلة في تجاوز إصاباتهم وإعاقتهم، يحققون إنجازاتٍ لا يستطيع الأشخاص العاديون تحقيقها، ويُبرهنون لأنفسهم وللعالم بأنَّ ما ينظر إليه الناس بعين افتراضاتهم الشخصية، ليس صحيحاً بالضرورة، وأنَّ إعاقتهم ليست مصدراً للشفقة.



يرغب كثيرٌ من ذوي الإعاقة بأن يكونوا رمزاً للبطولات، ومحطّ اهتمام الآخرين وانجذابِهِم من دون أن يُشفَقَ عليهم. إنَّ حصول ذلك ليس بالأمر المستحيل، فالحياة عبارةٌ عن فُرَص.

كثيرةٌ هي الصعوبات التي يواجهها ذوو الإعاقة على اختلاف أنواع إعاقاتهم، والتي لم تمنعهم من أن يتحدّوها ويتحايلوا عليها لينتصروا في نهاية المطاف ويحققوا ما يريدون ويثبتوا في الوقت نفسه، أنَّهم على قَدْرٍ عالٍ من الذكاء، ولديهم مساحةٌ كبيرةٌ من الابتكار.

من هم ذوي الإعاقة؟

عرَّفت منظمة الصحة العالمية الإعاقة على أنّها: "حالةٌ تَحِدُّ من قدرة الفرد على القيام بوظيفةٍ أساسيّةٍ واحدةٍ أو أكثر؛ كالعناية بالذات أو الخوض في علاقاتٍ اجتماعية ونشاطاتٍ المختلفة، وذلك ضمن الحدود التي تُعَدّ طبيعية".

أهم طرائق تحقيق التميز:

هل فكرت يوماً ما الذي قاد الناجحين إلى التميّز؟ وكيف حققوا النجاح؟ وهل التميز مقتصرٌ على الإنسان الطبيعي فقط دون غيره؟

إنَّ التميز هدفُ الكثير من الناس، ومطلبٌ تبحث عنه النفوس، وتسعى وراءه العقول، وتهواه الأفئدة. لا يكاد يوجد إنسانٌ على ظهر الأرض إلا ويبحث عن التميّز والتفرّد؛ فالتَّميّز ليس حِكراً على الإنسان الطبيعيّ وأصحاب المواهب دون غيرهم، فهناك من حققوا النجاح الباهر من ذوي الإعاقة، ولم يسمحوا لها بأن تقف في طريق طموحهم ورغباتهم. قد يختلف هؤلاء عنّا في أدائهم الحركي أو الذهني؛ لكننا سواءٌ في التحديات والفرص في هذه الحياة.

سنُسلط الضوء في هذه المقالة على سبع طرائق يتبعها أصحاب الإعاقات لتحقيق التميز والنجاح:

1. التسامح مع الذات وتَقَبُّل الإعاقة:

يقول بريان تريسي: "إنَّ الشخصية السليمة التي تتمتع بالصحة النفسية هي التي تُسامِح". يُضمر بعض الناس في أنفسهم حقداً لمدّةٍ طويلة، ولأمرٍ قد يكون تافهاً. إنَّ النفس لا تستطيع التحرّر من القيود والضيق إلا من خلال التسامح".

لذا يجب أن نتقبل ما يحدث معنا، فالتقبل سيد العلاجات النفسيّة والاجتماعية، فعندما ترفض ما يحدث معك؛ ينشأ مبدأ العنف في تعاملك مع نفسك، وتزداد المشاكل النفسية من مخاوف وقلق. فتَقَبَّلْ إعاقتك أولاً ثم انظر ما يحدث معك وما يتغيّر، ثم انظر ما الذي تستطيع فعله لتحسين وضعك.

لقد تقبّل نيك فيوتتش وضعه وتعايش مع إعاقتِه ولم يكتفِ بذلك، بل اتّخذ منها وسيلةً لا تَرَى إلا الجانب المشرق الذي أسقطه على جميع من حوله.

2. البحث عن الخير فيما وراء الإعاقة:

نحن لا نعلم الغيب ولا نقدر على تمييز الخير من الشّر فيما يحدث معنا، ولكنَّنا على ثقةٍ بأنَّ في باطن الابتلاء الخير الوفير؛ فحينما يأتي القَدَر، فإنَّه يأتي لصالحنا. حتى ولو لم نعلم خيره، فالوصفة السريّة هي أن تسأل نفسك:

  • ماذا الذي يكمن وراء هذا؟
  • ما هي الرسالة التي يجب أن أتعلمها؟
  • كيف لي أن أُحَوِّلَ هذه الإعاقة إلى قوةٍ تدفعني إلى الأمام؟

3. العمل باستراتيجية النجاح والتفوّق:

استعن بعجلة الحياة، وحوّل أحلامك إلى واقع، واجعل أهدافك واضحةً واقعيّة؛ لتتضح رؤيتك ويَسهُلَ عليك تحقيقها. اجلس مع نفسك وفكر فيما تريده من هذه الحياة، إذ تحدّد معرفتك بذلك النتائج التي ستتوصّل إليها بصورةٍ كبيرة.

هل حاولت من قبل أن تُرتِّبَ لعبة "الصورة التركيبية" دون أن ترى الصورة النهائية التي تمثلها اللعبة؟ هذا بالضبط ما يحدث عندما تحاول ترتيب حياتك دون معرفة النتائج؛ فالفوز يبدأ مع البداية.

كي تُحقق استراتيجية النجاح والتفوق، عليك أن تمارس أركانها الأربعة، وهي:

  • تحديد الهدف: أن تحدد بدقة ووضوح ما تريده.
  • الإيمان بقدرتك على تحقيق الهدف: سيكون هدفك كالمغناطيس، يجذبك نحوه ويعطيك قوّةً للوصول إليه.
  • جمع المعلومات: بقدر ما تمتلك من قوّة الملاحظة والانتباه، تكون كميّة المعلومات ونوعيتها عوناً لك على تحقيق أهدافك.
  • المرونة (الاستعداد للتغيير): قارن حالتك الراهنة مع الحالة المطلوبة؛ بُغيةَ معرفة الوسائل والسبل التي تحتاجها للوصول إلى الحالة التي تريد.
إقرأ أيضاً: الأهداف الذكية "SMART": اجعل أهدافك قابلة للتحقيق

4. استثمار الذات:

ركّز على نقاط قوتك واستثمر جميع مهاراتك وقدراتك الشخصية، واجعل تقديرك نابعاً من داخلك. أنت تمتلك كمّاً هائلاً من الإيجابيات، لذا ركز عليها ونمِّها وعزّزها.

5. التَّخيُّل:

الخيال هو الحافز الذي يجعلك تتطلّع دوماً إلى المستقبل لتتحدّى به الصعاب، كما أنَّه يساعدك على حلّ المشكلات وتفهّم مواقف الآخرين؛ حيث يساعدك الإبداع على الإتيان بأفكار جديدة والتفكير في البدائل والحلول، عوضاً عن التركيز في المشاكل.

فالتخيّل يُحسِّن صورتك عن ذاتك، ويجعلك شخصاً ناجحاً. إنَّه حجر الأساس الذي يُبنى عليه النجاح، فجميع علماء وعظماء التاريخ اكتشفوا إنجازاتهم العلمية من خلاله. لذا تخيَّل أنت أيضاً الابتكار الذي تريد أن تصنعه، وحاول أن تبحث في خيالك عن الوسائل التي ستساعدك في إنجازه.

6. مخالطة الناجحين:

حاول أن تتجنب معاشرة الفاشلين السلبيين، فأنت لا تحتاج إلى أن تصادقهم لأنَّهم سوف يؤثرون عليك. وبواقع الحال سوف تكتسب ولو القليل من طباعهم، مما ينعكس عليك سلباً، ذلك لأنَّهم مصدرٌ للطاقة السلبية.

لذا صادق واختلط مع أشخاصٍ إيجابيين، متفائلين وواثقين بقدراتهم؛ ذلك لأنَّهم سوف يساعدوك ويقفون في صفك ويمنحوك الثقة ويوصلونك إلى النجاح والتميز.

إقرأ أيضاً: كيف تتواصل مع الناجحين دون أن تتطفل عليهم؟

7. الشكر والامتنان:

يقول "جيمس راي": "كان الامتنان تمريناً فعالاً لي؛ إذ أنهَضُ في كلّ صباح وأقول الحمد لله. وفي كلّ صباح حينما تلمس قدماي أرض الغرفة أقول الحمد لله. ثم أبدأ في التفكير في الأشياء التي تستحق الحمد؛ هذا بينما أغسل أسناني وأقوم بطقوس الصباح ولا أكتفي فقط بالتفكير بشأنها والقيام ببعض العادات الروتينية، بل إنَّني أصوغ الحمد وألهجُ به وأستشعر في نفسي مشاعر الامتنان".

أثبتت دراساتٌ في علم النفس، بأنَّ ممارسة الامتنان لعشر دقائق يومياً، تحثّ الجسم على إطلاق مادة كيميائيّة تسمى "غلوبيولين"، والتي هي خط الدفاع الأول ضد البكتيريا والفيروسات. وكلما زاد شعورك بالامتنان، زاد الخير الذي ستحصل عليه. والخير هنا لا يُقصد به الأشياء المادية فقط؛ بل يشمل كلّ شيءٍ من الأشخاص والأماكن والتجارب الجميلة والظروف السعيدة الجيدة والفرص.

قال الله تعالى في كتابه الكريم: "لأن شكرتم لأزيدنكم.."، فهنا لم يَخُصَّ اللهُ الزيادة بشيءٍ واحدٍ في الحياة، بل جاءت الآية شاملةً لكلّ شيءٍ تَشْكُرُ الله عليه.

نماذج عالمية لمُتحدّي الإعاقة:

توجد آلاف النماذج حول العالم التي تستطيع تأملها وتَعَلُّم المعنى الحقيقيّ لتحدّي المستحيل ومواجهته من خلال قصص انتصاراتها. فلنذكر لكم بعضها:

1. ستيفن هوكينج، عالم فيزياء تحدى الإعاقة وسابَقَ الزمن:

ستيفن هوكينج

عملاً بمقولة "انظروا إلى النجوم وليس أقدامكم"، تمكن ستيفن هوكينج قاهِر الصعاب ومتحدّي الزمن، من أن ينتصر على إعاقته ويحقق مزيداً من النجاحات. لقد أصيب ستيفن بمرضٍ عصبي وهو في الحادية والعشرين من عمره؛ وهو مرض التصلب الجانبي الضموري ALS، المرض المميت الذي لا علاج له، لكنَّه كان شغوفاً بمعرفة كيفية عمل الأشياء؛ حيث أطلقوا عليه في المدرسة لقب آينشتاين.

تنبأ الأطباء بأنَّه لن يعيش أكثر من سنتين؛ بيد أنَّه استطاع بالتحدي والإقبال على النجاح، قهر العجز وإبهار الأطباء، فتجاوز عمره الـ 72 عاماً، ما أتاح إليه فرصة العطاء في مجال علوم الفيزياء النظرية. وعلى الرغم من أنَّ هذا المرض جعله مُقْعَدَاً، إلا أنَّ عقله لم يقف بُرهة؛ حيث حصل على الدكتوراه في علم الكون من جامعة كامبريدج، وحصل على درجة الشرف الأولى في الفيزياء، تمكَّن من التفوق على أقرانه من علماء الفيزياء بطريقةٍ لا تُصَدَّق، حيث كان يُجري كلّ الحسابات في ذهنه. كما أنَّه قد شارك ابنته الروائية في كتابة كتب الأطفال لتقديم شرحٍ مبسَّط عن الكون بطريقة روائية عام 2007.

إقرأ أيضاً: قصة نجاح العالم الفيزيائي الشهير ستيفين هوكينج

2. نيك فيوتتش، من التفكير في الانتحار لنموذج يُحتذى به في الأمل والكفاح:

نيك فيوتتش

ولد "نيكولاس فيوتتش" وهو يعاني من متلازمة نقص الأطراف الأربعة، وهي متلازمة نادرة الوجود عانى فيها من فقدان الأذرع والأرجل بشكلٍ كامل؛ باستثناء قدم صغيرة في أسفل جذعه. كان في طفولته عُرْضَةً للسخرية، فتردَّت حالته النفسية لدرجة التفكير في الانتحار، ولكنَّه وجد أنَّ هذا التفكير السلبي ما هو إلا تدمير لحياته، فتعايش مع إعاقته ولم يكتف بذلك؛ بل اتخذ منها وسيلةً لا تَرَى إلّا الجانب المُشْرِقَ الذي عكسه على جميع من حولِه.

تعلم "نيك" الكتابة بأصابع قدمه الصغيرة وتعلَّم استخدام الحاسوب والطباعة عليه. كما تعلم أيضاً رمي كرات التنس والعزف على الطبل والسباحة. وفي سن 17 عاماً، أسس منظمة غير ربحية أسماها: "الحياة بدون أطراف" لِبَثِّ الأملِ والتفاؤلِ وإخبارِ العالمِ أنَّ الحياةَ لا تتوقف عند التعرّض لإعاقة، فتحوّل من شخصٍ يائسٍ إلى نموذجٍ يُحتذى به في الأمل؛ وذلك من خلال خطاباته في أماكن مختلفة من العالم. ليثبت للناس أجمع أنَّه تمكّن من قهر المستحيل بالإرادة.

صار نيك متحدثاً ومؤثراً في الناس، وأصبح يتنقَّل في دول العالم ليتبنى قضايا المراهقين. وحظي باهتمامٍ كبيرٍ ونشر أعماله ومشروعاته من خلال برامج التلفاز والكتابة. كما سوَّق لفيلم مُوَجَّه للشباب باسم: "بدون أرجل بدون يدين بدون قلق"، وحصل على جائزة أفضل ممثل أفلام قصيرة. 

3. بيتهوفن، الموسيقار الأطرش:

بيتهوفن

أصبح بيتهوفن أشهر موسيقيّ في العالم ولُقِّبَ "بأبي السيمفونيات"، أصيب بالصَّمم في شبابه؛ لكنَّه ومع ذلك، أبدع في مجال التأليف الموسيقي، فألَّفَ أروع مقطوعاته بعد إصابته بالصمم. ثم أصيب بعد ذلك بِعِدَّةِ أمراض مزمنة، ولكنَّها لم تُعِقهُ عن مواصلة ما يطمح إليه.

4. فيليب كروازون، تحدّى إصابته بصعقةٍ كهربائية وتحوَّل إلى بطل سباحة:

فيليب كروازون

لم يولد "فيليب" بِعَيْبٍ خُلقيّ، وإنَّما عاش فترةً من عمره وهو منضم لصفوف الأصحاء، فتزوّج الرجل الفرنسي وأنجب طفلين، لكن لم تستمر الأمور هكذا؛ فبمجرد بلوغه سن 43 عاماً تعرّض إلى صعقةٍ كهربائيّةٍ أدَّت إلى بتر ذراعيه وساقيه.

شاهد فيليب في فترة نقاهته في المستشفى فيلماً يجسد حياة أشهر سبّاحٍ في العالم؛ ومن هنا جاءته فكرة ممارسة رياضة السباحة. وبالفعل تحدى إعاقته وخضع لتدريباتٍ قاسيةٍ فيها؛ فقطع مسافة 20 كيلومتراً في المحيط الهادي وسط منطقة الصيد بغينيا.

ولم ينته الأمر عند هذا الحدّ؛ وإنَّما كان بمثابة نقطة انطلاقٍ في تحدي "فليب"؛ فسبح فيما بعد مسافة 25 كيلومتراً من خليج العقبة بين مصر والأردن. وأنهى قصة كفاحه عندما عبر مضيق جبل طارق سابِحاً بدون قدم وبدون ذراع وهو يملؤه الأمل والثقة.

5. إبراهيم حمدتو، استبدل يده بفمه وتحوّل إلى بطل العالم في تنس طاولة:

إبراهيم حمدتو

لم يترك المصري الخمسيني إبراهيم حمدتو أيّ فرصةٍ لإعاقته المتمثّلة في يديه المبتورتين، بأن تكون حاجزاً بينه وبين تحقيق أحلامه؛ فانطلق نحو طريق النجاح بلا رجعة، وقرّر أن يحترف "تنس الطاولة" مستخدماً فمه في الإمساك بالمِضرب. وبالفعل فاز في مسابقات التنس؛ سواءً الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة أم بالأصحّاء، وسجل رقماً في موسوعة "جينيس" كأوّل رياضي يمارس اللعبة بلا يدين في العالم. ومن إنجازاته الفوز بالمركز الثاني ببطولة إفريقيا لتنس الطاولة، رغم أنَّ منافسيه لا يعانون من إعاقة باليد.

أنت تستطيع أن تكون متميزاً، وتستحق ذلك، والأزمة لا تجعل من الإنسان صنماً واقفاً في مكانه، بل من خلالها يستطيع أن يصنع المستحيل.




مقالات مرتبطة