كيف أجعل الحماس رفيق دربي في أثناء رحلتي إلى رسالتي؟

يعيش أغلب البشر في فوضى داخلية، تائهين في مسارات الحياة، ودائمي البحث عن شيء ما غير محدد، ودائمي التعلق بأشياء مادية، وعاشقين لحالة الانتظار القاتلة، ومحترفين في سياسة التأجيل على أمل أن تصبح الظروف أفضل؛ ورغم استماتتهم في الحصول على الأشياء المتعلقين بها، إلَّا أنَّهم يشعرون بالكآبة وعدم الرضا بمجرد بلوغهم إياها، وكأنَّها غير مستحقة لذاك العناء كله؛ ذلك لأنَّهم يسعون إلى الأشياء من مبدأ الحاجة والفقر، وليس من مبدأ الغنى والوفرة؛ حيث يصبحون طماعين ومفتقدين لحالة الإشباع النفسي بسبب تبنيهم عقلية الفقير.



من جهة ثانية، أدى تركيزهم على المادة إلى نسيان الجوانب الأخرى اللازمة لتوازن الحياة، الأمر الذي أدى إلى كآبتهم، وعدم إدراكهم لقيمهم العليا ونوعية الأشياء التي تسعدهم، وعدم تخصيص الوقت الكافي للغوص في دواخلهم وطرح أسئلة غير تقليدية ومصيرية.

لقد أدى الكسل وعدم الوعي بأهمية الحوار الصادق مع الذات إلى رضاهم بمستوى حياة أقل من المفروض، حتى أصبح أقصى طموحاتهم الحصول على وظيفة ذات راتب ثابت، حتَّى لو كان لا يتناسب مع احتياجاتهم.

لم يؤمن هؤلاء بإمكانياتهم وقدراتهم، ولم يأخذوا خطوات جدية في سبيل تحسين جودة حياتهم، ولم يبحثوا عن شغفهم، وعبدوا الروتين، وجعلوا من القدر شماعة يعلقون عليها سبب كسلهم وقلة حيلتهم.

لكن ألا يتطلب الأمر انتفاضة على كل مفهوم يعيق تقدُّم الإنسان نحو الأفضل، وتمرد على كل عادة سلبية تجعلنا ضعفاء وغير متحكمين بمصيرنا، وتهشيم أي ظرف يجعلنا لا نؤمن بانتصارنا وقوتنا؟ أما آن الأوان لممارسة حريتنا بكامل النضج والوعي؟ أليس من الجدير بنا أن ننسف تلك الفوضى القابعة في نفوسنا ونحولها إلى تنظيم ووضوح من خلال بناء أهداف تليق بنا، وبقيمنا ورسالتنا في الحياة؟ هل وُجِدنا على هذه الأرض لنفكر في أنفسنا وفي تعظيم ثروتنا وعقاراتنا، أم أنَّ القضية أعمق من هذا بكثير؟ وماذا عن العطاء؛ هل يعني لك شيئاً؟ هل تشعر أنَّه يضيف قيمة عليا إلى كل شيء؟ أم أنَّك تميل إلى سياسة الأخذ، معتقداً أنَّ البشر لا يستحقون العطاء؟

ألا تعتقد أنَّك تستحق أن تعمل في مجال تعشقه؟ ألا تجد أنَّه من حقك الاستيقاظ يومياً من أجل الالتحاق بعمل يشبه قيمك ويضيف إليك، بحيث تحقق من خلاله النفع للبشرية؟ هل ستكون قادراً على رسم هدف كبير إن لم تعي أين يكمن شغفك وحبك؟

ربَّما تتساءل الآن بعد هذا كله: كيف أجعل الحماس رفيق دربي في أثناء رحلتي إلى تحقيق رسالتي؟ وهذا ما سنستعرضه من خلال هذا المقال، لذا تابع معنا.

هل يحقق هدفك التوازن؟ وماذا عن الرسالة؟

يضع الكثير من الأشخاص أهدافاً كثيرة في بداية كل عام، ومن ثمَّ يمضي العام وتبقى أهدافهم حبراً على الورق، دون أن تحظى بفرصة التحول إلى واقع ملموس، أو قد يحقق بعضهم جزءاً من أهدافهم، إلَّا أنَّهم يبقون في حالة من الضيق النفسي وعدم الاستقرار، دون أن يبلغوا ما توقعوا أن يصلوا إليه من سعادة وبهجة؛ لكن ما السبب في ذلك؟

قد يكون السبب الأول في ذلك هو عدم رسم الهدف بطريقة صحيحة، حيث إنَّ معرفة الفارق بين الهدف والرسالة من أساسيات التعامل مع الحياة؛ فلكي يكون الهدف صحيحاً، يجب أن يحقق التوازن بين ثلاثة مناحٍ في الحياة، والتي هي: النفس والروح والجسد؛ حيث يؤدي اختلال التوازن فيما بينها إلى اضطراب الإنسان وعدم شعوره بالإشباع والأمان.

على سبيل المثال: نلاحظ أنَّ مَن يركز على تضخيم ثروته وممتلكاته فحسب، ويجد أنَّ المال هو الهدف الحقيقي للحياة، ويهتم بصحته وجسده وطعامه؛ قد أشبع جانب النفس والجسد من خلال أهدافه، ولم يكترث مطلقاً بجانب الروح؛ الأمر الذي يعرض هذا الشخص إلى الكثير من الآلام النفسية.

ربَّما هذا ما يفسر إقدام الكثير من الأثرياء والأصحاء على قرار كالانتحار؛ ذلك لأنَّهم لم يُشبِعوا الجانب الروحي في أهدافهم.

لا يكفي وجود أهداف متوازنة في حياتك كي تنعم بالسعادة والهناء؛ ذلك لأنَّ الأهداف تنتهي دوماً، فعلى سبيل المثال: قد يكون هدفك الحصول على مجموع عالٍ في الثانوية العامة، ولكنَّك لا تملك رؤية واضحة يندرج تحتها هذا الهدف، ممَّا يؤدي إلى ضبابية الحياة بعد وصولك إلى هدفك؛ ذلك لأنَّك لا تعلم ما وجهتك بعد ذلك، فأنت لا تملك البوصلة.

للرسالة أهمية مطلقة في حياة الإنسان، حيث يندرج تحتها جميع الأهداف التي نحلم في تحقيقها، وما يميزها أنَّها لا تنتهي، وتبقى مولدة للأفكار والإبداع؛ إذ سيبقى من يعيش بلا رسالة مضطرباً وفوضوياً ومشوشاً، ولن يصل مطلقاً إلى الرضا والسلام.

إقرأ أيضاً: كيف تحصل على السعادة والسلام الداخلي

لكي ترسم رسالتك الخاصة، عليك بداية أن تكون صادقاً مع ذاتك، وأن تتحرر من كل أفكارك المعيقة ومخاوفك، وأن تسمح لنفسك بأن تكون كما هي نقية وواضحة وصريحة، وتسأل نفسك عن قيمك العليا؛ فلكي تصنع رسالتك الخاصة بحرفية، يجب أن تتماهى مع قيمك العليا؛ فعلى سبيل المثال: إن كانت قيمك العليا تتمثل في الحب والصحة والمتعة والتأثير والشهرة والمعرفة، فلتكن رسالتك منسجمة مع هذه القيم.

اسعَ إلى اكتشاف رسالتك، حيث يخلق الله في داخل كلٍّ منَّا تفرداً وتميزاً في مجال ما، ويكمن هنا شغفك والغاية من وجودك.

يبقى الكثير من الأشخاص في أعمال لا تنسجم مطلقاً مع قيمهم، لكنَّهم يستمرون فيها لمجرد خوفهم من التغيير وعشقهم للروتين وعدم إيمانهم بحلمهم، الأمر الذي يجعلهم قنابل موقوتة، ودائمي الغضب والتذمر، ولا يجدون ما يسعدهم.

تتولد الكثير من الأهداف في اللحظة التي يعي فيها الإنسان قيمه العليا ويخلق رسالته المتوائمة معها؛ فعلى سبيل المثال: يملك شخص ما قيماً عليا متمثلة بالحب والصحة والصدق والتأثير والشهرة والمساعدة والعلم، وصنع رسالته الخاصة المنسجمة مع قيمه، والتي تتمثل في "السعي إلى تقريب الناس من ذواتهم الحقيقية، وتبيان طرائق السعادة لهم في جميع نواحي الحياة"؛ ثمَّ يسأل نفسه بعد ذلك عن كيفية تحقيقه لهذه الرسالة، وتبدأ هنا الأفكار بالتدفق إلى حياته وصناعة أهدافه التي تخدم رسالته، على أن تكون أهدافه عظيمة وتتناسب مع رسالته الرائعة، ومن ثمَّ يعمل على تجزئة الهدف الكبير إلى أهداف صغيرة قادر على تنفيذها يومياً؛ كأن يكون هدفه الأول هو أن يكون مدرباً ناجحاً في مجال تطوير الذات على مستوى الوطن العربي، ومن ثمَّ يسأل نفسه "ماذا عليه أن يفعل الآن للوصول إلى هذا الهدف؟"، فيخلق أهدافه الصغيرة مثل: السعي إلى الاستثمار في ذاته أولاً، وتطوير قدراته في المجال الذي يحب من خلال الكتب والدورات التدريبية.

إقرأ أيضاً: الصياغة المُلهمة لرسالة الحياة

كيف أبقى متحمساً لتحقيق هدفي؟

  1. عليك أن تحدد ما تريد بدقة؛ ذلك لأنَّ ما تركز عليه تحصل عليه؛ فإن بقي تركيزك موجهاً نحو المشكلات، فإنَّك ستحصد مزيداً منها؛ لذا عليك عوضاً عن ذلك أن تتبع سياسة "التفكير نحو الهدف وليس بعيداً عن المشكلة"؛ فإن كنت تختبر مشاعر سلبية، عليك أن تسأل ذاتك: ما الذي أريد الوصول إليه؟ بدلاً من سؤالها: "ماذا أفعل لكي أتخلص من المشاعر السلبية؟".
  2. الوعي بأنَّك من تصنع الهدف، وليس هو من يصنعك؛ إذ من شأن ذلك أن يعزز من ثقتك بنفسك، ويزيد من احتمالية الوصول إلى أهدافك.
  3. كن حيادياً مع أهدافك، واسعَ إلى تحقيقها بحب ومتعة دون أن تكون متعلقاً بها بشدة؛ حيث تجسد مشاعر الاحتياج أحداثاً في الواقع تتناسب مع سوية هذه المشاعر، وتعرقل وصولك إلى هدفك.
  4. استخدم قوة خيالك، واصنع تصورك الذهني عن أهدافك، وتخيل ذاتك وأنت تحقق هدفك، وكرر هذه الصورة في خيالك؛ إذ من شأن ذلك أن يسرع ويقوي تجلي هدفك في الواقع؛ فلا يفرِّق العقل الباطن بين الحقيقة والخيال، وسيأخذ تصوراتك الذهنية على أنَّها حقيقة واقعة.
  5. اكسر مخاوفك والعراقيل التي تحول بينك وبين هدفك، واكتب نقاط الضعف التي حالت دون بلوغك إياه طوال السنوات السابقة، واستخدم خيالك في بناء نقاط قوة جديدة في حياتك؛ فقد يكون لديك عادة سلبية أعاقت وصولك إلى الهدف، وعليك أن تنسفها من خلال بناء 19 موقفاً مختلفاً في خيالك تنتصر فيه على تلك العادة، ومن ثمَّ تكرر التمرين 7 مرات واقعياً، بحيث تنتصر عليها في حياتك اليومية وممارساتك مع الناس، لتختفي بعد ذلك من حياتك إلى الأبد.
  6. ابحث واجمع المعلومات، فقد يكون ما يعيقك عن هدفك هو نقص معلوماتك أو وجود معلومات مغلوطة لديك؛ لذلك اسعَ إلى البحث المستمر في المجال الذي ترغب في النجاح فيه.
  7. ابدأ الآن بصدق، وانسف سياسة التأجيل، واجعل الصورة كبيرة وواضحة في ذهنك، وستصل لا محالة.
  8. كن مرناً وغيِّر عقليتك؛ فإن كنت تتبع الطرائق السابقة نفسها في التعامل مع تحديات الحياة، وكانت لا تجدي نفعاً معك؛ فاعلم أنَّ عليك تغيير منهجيتك في التعامل معها.
  9. الحياة لعبة، فاستمتع بكل تفاصيلها وتحدياتها، حيث يخفي كل تحدٍّ وراءه درساً إيجابياً نتطور من خلاله أكثر، حتى نصل إلى النسخة الأفضل من أنفسنا.
  10. كن واعياً بالفارق ما بين الهدف والرسالة، وابذل قصارى جهدك لصياغة رسالتك الخاصة المتوافقة مع قيمك العليا، واعلم أنَّ الله خلقك متفرداً ومميزاً ولك رسالتك الخاصة التي تعبر عن داخلك؛ لذلك ابذل جهدك لاكتشاف شغفك، وتمسك به بكل ما أوتيت من قوة، فهو من سيصنع سعادتك.
  11. لا تنتظر مساعدة أحد، ولا تحسُّن الظروف، ولا أي أمر؛ فأنت قوي وغني ومكتمل، وسيكون طعم النجاح مختلفاً إن كان بنكهة "العصامية"؛ فأنت لا تحتاج إلى تغيير الأرض حيث تعيش، بل ما تحتاجه هو تغيير أفكارك وتفسيرك للأمور.

شاهد بالفيديو: 9 استراتيجيات فعّالة لتحفيز ذاتك عندما تفتقد إلى الحماس.

الخلاصة:

كن صاحب نية حسنة، واجعل أهدافك مليئة بالتوازن الخلَّاق، واركض وراء شغفك، وقدِّم النفع للآخرين، وثق بالله وبذاتك، وخذ الحياة على أنَّها لعبة، واعلم أنَّك عندما تتقدم خطوة لمصافحة الحياة، فإنَّها ستستقبلك بحضن دافئ صادق وجميل، وتهبك الأشياء التي تتوقعها منها.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة