كيف أتقنت رائدة الأعمال نينا فاكا (Nina Vaca) المرونة في عملها؟

إنَّه لمن الجيد أنَّ سمعة رائدة الأعمال الأمريكية نينا فاكا (Nina Vaca) تسبقها، وإلَّا كانت ستواجه صعوبة في إدراج جميع خبراتها في سيرتها الذاتية؛ إذ عليها أن تبدأ بقسم خاص بالجوائز والتكريمات تناقش فيه تعيينها من قبل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما (Barack Obama) كسفيرة رئاسية لريادة الأعمال العالمية في عام 2014، حيث جالت العالم لتروي قصتها لرواد الأعمال المستقبليين.



ثم يمكنها بعدها أن تدرج الألقاب التي مُنِحَتها، كحصولها على لقب رابع أكثر الشخصيات اللاتينية نفوذاً في الولايات المتحدة الأمريكية، أو حصول شركة "مجموعة بيناكل" (Pinnacle) التي أسستها على لقب أسرع شركة تملكها امرأة نمواً في عامي 2015 و2016؛ لتصل بعد ذلك إلى القسم الخاص بالمهارات والإنجازات، حيث تصبح الأمور مثيرة للاهتمام للغاية.

يمكنها أن تتحدّث عن قدرتها على توظيف وإدارة فريق عمل منتشر في جميع أنحاء العالم، أو عن كبار العملاء الذين عملت معهم على مر السنين، أو عن قدراتها الخطابية المتقَنة أمام الجمهور؛ ومع كل ذلك، يمكن لدراسة استقصائية عن حياتها الشخصية والمهنية أن تبرز مهارةً واحدةً أكثر من غيرها، وهي مهارة إدارة الأزمات.

لقد ترأَّست فاكا (Vaca) "مجموعة بيناكل" (Pinnacle Group) للاستشارات المهنية، وهي الشركة الخاصة بتوفير الحلول للقوى العاملة الموجودة في مدينة دالاس (Dallas)، والتي أسستها في شقتها لأكثر من عقدين حتى الآن، واجهت خلالهما ما يكفي من التحديات؛ فبعد قيادة الشركة خلال العديد من الأزمات الكبرى وعدد كبير من الأزمات الصغيرة في أثناء التعامل مع مشكلات حياتها الشخصية والعائلية، أدركت الرئيسة والمديرة التنفيذية أنَّ الأزمة التالية قادمة لا محالة؛ وسواء كانت هذه الأزمة جائحة عالميةً، أم اقتصاداً ينهار بين عشية وضحاها، أم حالةً طبيةً طارئة، أم أي مأساة تتعلق بالعمل أو حياتها الشخصية؛ فقد تعلمت فاكا أنَّ أكثر ما يهم في أي موقف هو كيفية الاستجابة له.

تقول فاكا (Vaca): "إنَّ الأزمة هي الوقت الذي تتألق فيه شخصيتك الحقيقية؛ إذ من الهام جداً أن يستجيب القائد للأزمة بدلاً من إظهار ردات فعل فقط؛ مما يعني أخذ بعض الوقت لاكتساب منظور والتفكير ملياً، ثم تحديد مسار عملك".

الصعوبات المبكرة التي واجهتها فاكا:

ترتبط قدرة فاكا (Vaca) في التغلب على التحديات والقيادة خلال الأزمات بحياتها منذ سن مبكرة؛ فقد نشأت ابنة المهاجرَين الإكوادوريين في كاليفورنيا (California)، وتعلمت ريادة الأعمال من والدها، والقيادة من والدتها.

عملت فاكا في وكالة سفر خاصة بوالدها عندما كانت في سن المراهقة، ولكن عندما قُتِل والدها بطريقة مأساوية في أثناء عملية سطو على الشركة، كان على فاكا (Vaca) وأختها التدخل وتولي المسؤولية، وقد وضع ذلك عبئاً ثقيلاً على عاتقها عندما كانت تبلغ من العمر 17 عاماً في حينه، ولكنَّها تعلمت دروساً حياتيةً ومهنيةً لا تُقدَّر بثمن قادتها إلى الدراسة في جامعة ولاية تكساس (Texas State University).

لقد أنشأت شركتها الخاصة للتوظيف في مجال تكنولوجيا المعلومات عندما كان عمرها 25 عاماً، وحققت هذه الشركة منذ تأسيسها في عام 1996 حتى عام 2001 نمواً مذهلاً، وكانت رائدة أعمال لاتينية شابة لها شركة مزدهرة وزوج وطفلان.

ثم حلَّت أزمة أخرى، وجاءت هجمات 11 سبتمبر الإرهابية ليضرب الانهيار الاقتصادي الناتج عن هذه الأزمة شركة بيناكل (Pinnacle) بشدة، وقد ساء الوضع كثيراً لدرجة أنَّ فاكا (Vaca) أعدَّت خطةً لتصفية الشركة بناءً على اقتراح مستشارين خارجيين، ولكنَّها لم تكن تنوي الاستسلام بعد؛ وبدلاً من إغلاق الشركة والمضي قدماً، توقفت عن الحصول على راتب، وبدأت تبحث عن حلول؛ فإن لم يكن عملاؤها بحاجة إلى الخدمات التي تقدمها الشركة، فماذا يحتاجون؟ وكيف يمكنها تلبية هذه الاحتياجات؟

تمكَّنت الشركة في نهاية الأمر من تقديم ما يرغب فيه عملاؤها والعملاء المحتملون، وبدأ العمل يزدهر مرةً أخرى، وتنسب فاكا (Vaca) الفضل إلى رغبتها في أن تكون صادقةً ومصرةً على الحصول على إجابات ولقدرتها على القيادة في الأوقات العصيبة، حيث تقول: "إنَّ الشفافية أمر في غاية الأهمية خلال الأزمات، حيث إنَّني أتمتع بعقلية المتعلِّم بدلاً من عقلية العارِف؛ إذ يُعدُّ الشخص الذي يمتلك عقلية المتعلِّم أكثر ضعفاً، ويتقبَّل حقيقة أنَّه قد لا يعرف الحلول لجميع الأزمات التي تواجهه".

إقرأ أيضاً: القيادة في الأزمات وكيفية التصدي للتحديات

التأرجح بين الإخفاق والنجاح:

لقد حققت "مجموعة بيناكل" (Pinnacle Group) نمواً لافتاً بعد نجاح فاكا (Vaca) في تجاوز الانهيار الاقتصادي الذي تلا أحداث 11 سبتمبر، وتلقت هي وشركتها العديد من الجوائز؛ وبالإضافة إلى ذلك، رُزِقت من زوجها جيم (Jim) بطفلين آخرَين، وكانت الأمور في تحسن مستمر، حيث ناضلت لتتجاوز التحديات التي واجهتها الشركة بعد الركود الاقتصادي.

لم تؤثر الأزمة التالية في العالم أو البلد، بل أثَّرت فيها فقط؛ ففاكا (Vaca) لاعبة سباقات ثلاثية متخصصة، وتنافست في سباقات التحمل؛ لذا، كانت الأزمات الصحية آخر ما قد يقلقها؛ لكن ذات يوم في عام 2014، انفجرت زائدتها الدودية، وأُصيبت بوهن شديد، واضطرت إلى تلقي العلاج لمدة شهر.

بالنسبة إلى شخص معتاد على الجري والسباحة وركوب الدراجات وقيادة شركة تنمو بصورة كبيرة، كان الابتعاد عن هذه الأمور بهذه الطريقة أمراً لم يكن في الحسبان، حيث أمضت عامين بعدها في استعادة لياقتها الجسدية لتتمكن من العودة إلى ممارسة الألعاب من خلال المشاركة في سباق "الهروب من الكاتراز" الثلاثي (Escape from Alcatraz) في ولاية سان فرانسيسكو (San Francisco)، حيث يبدأ المشاركون السباق بالقفز في مياه شديدة البرودة ومليئة بأسماك القرش في خليج سان فرانسيسكو (San Francisco Bay)، لذا فمن الواضح أنَّ الخوف ليس جزءاً من طريقة تفكير فاكا (Vaca).

مشاركة خبراتها مع الناس:

إنَّه لمن السهل رؤية نجاحات فاكا (Vaca) في عالم الأعمال، ولكنَّ ذلك لا يشكل سوى نصف ما تود أن يعرفه الناس عنها.

لقد كان والدها رائد أعمال، ولكنَّ والدتها كانت منخرطة في القيادة المدنية؛ لذا تولت زمام الأمور، واستخدمت قصتها لتشجيع رواد الأعمال اليافعين على متابعة أحلامهم، وعدم السماح للتأثيرات المجتمعية بمنعهم من محاولة تحقيق ما يصبون إليه مهما كان كبيراً.

واليوم، 2% فقط من أعضاء مجلس إدارة الشركة المتداولة علناً هم من اللاتينيين، ولكنَّ اللاتينيات تشكِّلن الفئة الأسرع نمواً في سوق ريادة الأعمال، وتتمنى فاكا (Vaca) أن تستخدم اللاتينيات الشابات خبراتهن الحياتية لتحقيق أمور عظيمة، وترغب في أن تكون الشخص الذي يوجههن في الاتجاه الصحيح.

تشرف "مجموعة بيناكل" (Pinnacle Group) على الطلاب في برنامج في مدرسة ثانوية محلية للتكنولوجيا في دالاس تضم 99 بالمئة من الأقليات، منهم 78 بالمئة من المحرومين اقتصادياً؛ ويتخرج الطلاب بحصولهم على دبلوم المدرسة الثانوية ودرجة الزمالة في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

تقول فاكا (Vaca): "لكل منَّا رسالته الخاصة التي يدعو إليها، والطريقة التي قررتُ أن أوضِّح أفكاري من خلالها هي مشاركة تجاربي الشخصية، خاصةً لأولئك الذين يشبهونني".

شاهد بالفيديو: السمات الثمانية للقيادة الرشيدة عند الأزمات

تعلُّم كيفية الاستجابة:

عندما بدأت جائحة فيروس كورونا في بداية هذا العام، أدركت فاكا (Vaca) أنَّها ستكون أزمةً مختلفةً عن سابقاتها، ولكنَّها كانت جاهزةً لمواجهتها.

لقد بَنَت فاكا (Vaca) شركتها من خلال اتباع حدسها في ريادة الأعمال؛ كما أنَّها تتقن تقييم حجم المخاطر، واتخاذ القرارات السريعة؛ ولكن قد يكون لاتباع الحدس سلبياته في الأزمات التي تتطلب التأني والهدوء.

تقول فاكا (Vaca): "إنَّني دائماً ما أميل إلى الاستجابة بسرعة، واتخاذ إجراءات فورية؛ ولكن بصفتي قائدة، أُدرك أنَّه يمكنني أن أكون أكثر فاعلية حينما أخصِّص وقتاً للتفكير فبما يحدث ملياً قبل اتخاذ أي إجراء. حينما تتوفر معلومات جديدة أو يتغير الوضع، يمكنني التفكير ملياً في الطريقة التي يجب أن أستجيب بها، بدلاً من مجرد السماح لرد الفعل غير المحسوب بتوجيه خطواتي؛ إذ توجد الكثير من  الحرية والخيارات في الفترة الزمنية التي تفصل استجابتك عما يحدث؛ فلدينا خيار وحرية معينة في كيفية الاستجابة".

زادت أهمية هذا الأمر في ظل المستقبل المجهول لأزمة مثل أزمة انتشار فيروس كورونا، ولكنَّ فاكا (Vaca) قادت بصدق، فقد شعرت بالحاجة إلى أن تتواصل مع جميع فريق العمل برسالة تطمئنهم بعيداً عن أي كلام مبتذل.
تقول فاكا (Vaca): "كان من الهام جداً بالنسبة إلي إجراء مكالمة عبر تطبيق "زووم" (Zoom) مع فريق العمل، وأن أتحلى بالشفافية التامة؛ فقد لعبت الشفافية دوراً هاماً في تمكُّننا من تجاوز أزمة كورونا؛ ولم أكن أمتلك جميع الإجابات والحلول في بعض الأحيان، ولكن كان يجب أن أكون صادقة بشأن ذلك".

لقد كانت عقلية المتعلِّم التي تتمتع بها فاكا (Vaca) في غاية الأهمية خلال هذه الأزمة، كما أعدَّتها خبرتها في مجال العمل التي تعود جذورها إلى وكالة السفر التي كانت مسؤولة عنها عندما كانت في السابعة عشر من عمرها لهذه اللحظة.

تقول فاكا (Vaca): "منحتني خلفيتي وظروفي والأمور التي حدثت لي في حياتي والظروف التي نشأت فيها هبةً لا تُقدَّر بثمن، وهي الخبرة؛ وبالنسبة إلي، كانت طريقة تفكيري دائماً في مقدمة أولوياتي، حتى عندما كنت مراهقة، وقد ساعدني التحلي بالمسؤولية الشخصية والتمتع بطريقة تفكير إيجابية في التطلع إلى المستقبل في حياتي الشخصية ومسيرتي المهنية على حد سواء".

 

المصدر




مقالات مرتبطة