قوة الفكرة البسيطة والنهوض بعد السقوط، ودروس عظمى من خزائن الرياضة

هل كان أولئك الأولاد الذين ركضوا خلف كرة من القماش والثياب البالية، يعرفون أنَّهم بذلك يؤسسون للعبة ستحمل الرقم واحد من حيث الشعبية والجماهيرية، وتصبح واحدة من أكثر الموارد التي تدعم الاقتصاد بملايين الدولارات؟



أصبحت كرة القدم أكثر من رياضة وقوة اقتصادية؛ فأصبحت هذه الساحرة المستديرة، منبعاً للإلهام والتحفيز، وتعطي دروساً في الكفاح والنضال ومواصلة التعب من أجل الوصول إلى الهدف، إنَّها أكبر مما كان يعتقد أي أحد.

هل يمكن لفكرة سهلة أن تحقق النجاح المطلوب؟

يقول رجل الأعمال الأمريكي "تشارلز منغر" إنَّ سرَّ النجاح من وجهة نظره، يكمن في أن يبدأ الشخص بفكرة سهلة، ثم يأخذها على محمل الجد، ويلتزم بالتقيد بكل مخرجات وضوابط هذه الفكرة، وهذا ما يفهمه تماماً أي إنسان ناجح في حياته وعمله، فالتعقيد يجعل العقل كسولاً، والإرادة أكثر هشاشة.

إذ يرسل إلى الدماغ رسالة واضحة بأنَّ المهمة صعبة، ولن يكون من السهل إنجازها، أو أنَّ فرصة النجاح هي فرصة ضعيفة، وعندما يتلقى الدماغ هذه الرسائل السلبية التي تنشأ عن التعقيد، سيتمكن الكسل من الإرادة، وتنطفئ نار الحماسة بماء التعقيد البارد؛ لذلك اتبع دائماً أسلوب التسهيل، فهو أسلوب تحبه عقولنا، سواء أردنا ذلك أم لا.

"كارلو أنشيلوتي" تغيير صغير في الخطة يكفي للفوز:

عندما قرر المدرب المشهور "كارلو أنشيلوتي" تدوين سيرته الذاتية، ونشرها في كتاب خاص، طلب من النجم البرتغالي "كريستيانو رونالدو" أن يشارك في كتابة بعض الأسطر عن "كارلو أنشيلوتي"؛ فكتب "رونالدو" أنَّ الموسمين اللذين قضاهما رفقة "أنشيلوتي" كانا مميزين بلا شك.

ولكنَّ أهم ما يميز "أنشيلوتي" عن باقي المدربين في العالم، أنَّه قادر على تغيير شكل الفريق وأسلوب لعبه؛ وذلك من خلال تبديل واحد فقط، دون الحاجة إلى إجراء خمسة تبديلات، وهو أيضاً لا يحتاج إلى كثيرٍ من التعليمات ليغيِّر مجرى المباراة؛ بل يكتفي بالقليل منها فقط.

شاهد بالفيديو: 15 درس يجب أن نتعلمها من الحياة

"محمد صلاح" خطوة واحدة صغرى ومن بعدها الكثير من الأهداف والألقاب والملايين:

عندما جاء النجم المصري "محمد صلاح" إلى نادي "ليفربول" مقابل اثنين وأربعين مليون يورو، تفاجأ الجميع بهذا المبلغ الكبير نسبياً، وقال الكثيرون إنَّ هذا المبلغ يمكن أن يستخدمه النادي لاستقدام حارس ومدافع إلى الفريق، وهذا أدى إلى ارتباك "صلاح" في الملعب.

وتوالت الانتقادات بأنَّ "صلاح" لا يستحق ما دفعه "ليفربول" من أجله، ولكن بعد مدة قصيرة أصبح "صلاح" يسجل الأهداف بالجملة، وتحسَّن مستواه تحسناً ملحوظاً، وأصبح هدَّاف الفريق وهدَّاف الدوري الإنجليزي لكرة القدم، وعندما سأله الصحفيون عن سر هذا التحول، قال إنَّ الأمر كان سهلاً جداً؛ إذ طلب منه مدرب الفريق أن يتقدم بضع خطوات الأمام في العمق، وهذا أتاح له تسجيل عدد أكبر من الأهداف، وحصد الجوائز والبطولات.

نلاحظ أنَّ نصيحة صغرى، أو على وجه التحديد خطوة واحدة فقط إلى الأمام، غيَّرت مستوى اللاعب؛ من مشكوك في أدائه ومستواه، إلى نجم وهدَّاف وأحد أفضل اللاعبين حول العالم، ورفعت قيمته التسويقية من اثنين وأربعين مليون يورو إلى مئة وخمسين مليون يورو في سوق الانتقالات؛ لذا، لا يجب أن نستهين بالخطوات أو الأفكار السهلة، فقد تكون الحلول موجودة فيها، وربما تكون بعيدة كل البعد عن الخطط المعقدة والصعبة.

إقرأ أيضاً: أهم الدروس التي يجب أن نتعلّمها من الحياة

"كيكي سيتين" اقبل بكل شيء:

في بداية عام 2020 أعلن نادي "برشلونة" الإسباني تعاقده مع المدرب "كيكي سيتين"، الذي كان يصفه الإعلام الإسباني بأنَّه صاحب الأسلوب الأنسب لنادي "برشلونة"، ومع أنَّ مسيرة "سيتين" القصيرة لم تكن موفقة؛ إذ إنَّها انتهت بخسارة أشبه بالفضيحة مع "بايرن ميونيخ" بثمانية أهداف لهدفين، إلَّا أنَّنا نستطيع أن نتعلم شيئاً هاماً من تجربة المدرب "سيتين".

لقد وجد "كيكي سيتين" نفسه بلا عمل في صيف عام 2006، ثم تلقَّى عقداً لتدريب منتخب "غينيا" الاستوائية، وقَبِل بذلك وكانت تجربته قصيرة جداً، ثم انسحب منها، وبعد ذلك أشرف على تدريب أندية عدة مغمورة وغير معروفة في الدوري الإسباني مثل "لوغو"، و"بولي"، و"لاس بالماس"، وآخرها كان "ريال بيتيس"؛ إذ إنَّ هذه التجارب وعلى تواضعها منحته شهرة كبرى في الصحف الإسبانية، وساهمت فيما بعد باختياره لتدريب نادي "برشلونة".

ما هو الدرس المستفاد من تجربة "كيكي سيتين"؟

من مسار "كيكي سيتين" هذا، يمكن أن نتعلم درساً هامَّاً في الحياة العملية أو المهنية، وهي قاعدة سهلة ولكن مفيدة وهامة جداً، وهي: على الإنسان أن يقبل بكل شيء، فقد لا يكون "كيكي سيتين" صاحب تجربة ناجحة مع "برشلونة"، ولكن مجرد تدريبه لنادٍ عريق مثل "برشلونة" هو إنجاز بالنسبة إلى مدربٍ عملَ فقط مع أندية مغمورة، وهو حلم لكل مدرب حول العالم.

كيف يمكن لقبولك بأي شيء أن يوصلك إلى النجاح؟

في حال لم يكن لك مكان، اقبل بأي عرض يمكنك الحصول عليه، واعمل بجد، واعرض أفكارك ومهاراتك وقدراتك من خلاله، ولو كان هذا المكان صغيراً أو بعيداً، فالنجوم في غاية البعد ومع ذلك، نستطيع أن نراها؛ وذلك لأنَّها تعكس الضوء بقوة، فلا بدَّ أن يراك شخصٌ ما يؤمن بقدراتك، ويفتح لك باباً يفضي إلى مساحة أكبر تتمكَّن من خلالها أن تعرض قدراتك عرضاً أوسع؛ فيراها أشخاص آخرون، هكذا حتى تصل إلى ما تستحق.

وفي الحقيقة، لو أردت أن تسأل أي شخص ناجح، ستكون أجوبته كلها تدل على أنَّه تدرَّج في نجاحه، ويقول لك إنَّه قبِل بالكثير من الأشياء العادية التي قد لا يقبل بها الآخرون، وهذا هو النجاح الحقيقي والطبيعي؛ إذ إنَّ النجاح من خلال قفزة واحدة فقط أو خلال فترة قصيرة، هو أمر نادر الحدوث.

وهناك مَن لا يَعُدُّه نجاحاً؛ بل يرونه طفرة أو صدفة، أو استثناء، والاستثناء هو مكان الروايات والأفلام والسينما وليس الواقع والحياة؛ لذا، كن على ثقة بأنَّ هذه الدراما لا مكان لها إلا في الإعلام، فالنجاح لا يعترف سوى بالعمل الدؤوب والمستمر.

إقرأ أيضاً: مقولات رائعة تساعدك على تخطي أصعب ظروف الحياة

تأثير الشعار والنشيد في النفس والخصم:

لم تعد خافية على أحد، أهازيج جماهير نادي "النصر" السعودي لكرة القدم، وهي تردح بصوتها وتقول: "العالمية صعبة قوية"، وهو هتاف بقدر ما كان يبهج جماهير ولاعبي "النصر"، فهو يزعج عشاق غريمه التقليدي نادي "الهلال"، وجميع الإدارات التي تتالت عليه؛ لذلك سعى "الهلال" بجهد كبير ليصل إلى كأس العالم للأندية - التي وصل إليها نادي "النصر" - وذلك ليلغي تأثير هذا الهتاف في لاعبيه وعشاقه.

وبعد أن أصبح "النصر" نادياً عالمياً بوصوله إلى كأس العالم للأندية في عام 2000، الذي أُقيم في "البرازيل"، حقق "الهلال" لقب الدوري السعودي للمحترفين سبع مرات، مقابل ثلاث بطولات لنادي "النصر"، وأصبح "الهلال" أكثر الأندية حضوراً وقوةً في الأدوار المتقدمة من دوري أبطال آسيا، ووصل إلى نهائيَين وخسر الأول من جراء أخطاء تحكيمية قاتلة، وخسر الثاني لأنَّ الحظ عانده معاندة رهيبة، وربما كان أسوأ حظ يواجه نادياً في نهائي كرة قدم في العصر الحديث.

شاهد بالفيديو: 9 دروس عظيمة تعلمها الأشخاص الناجحون من الفشل

نادي "الهلال" وكيف ننهض بعد كل سقوط؟

كل ذلك لم يثنِ "الهلال" عن تحقيق هدفه؛ فقد تغير اللاعبون وتغيرت الأجيال، جاء نجوم ورحل آخرون، وبقي الحلم ذاته، ولم يقبل النادي لنفسه أن يمثل دور الضحية، أو دور المظلوم تارةً من التحكيم وتارةً من الحظ، ولم يقبل أن يظهر الموضوع كأنَّه لعنة؛ بل حافظ "الهلال" مع اختلاف إدارته وكوادره على الاستراتيجية نفسها؛ وهي الوصول إلى العالمية، وكان كل فشل يشحن الجمهور واللاعبين والإدارة للمحاولة مرة أخرى.

وكان نادي "الهلال" دائم التعلم من أخطائه وهفواته، فيصلحها ويشذبها ثم ينطلق من جديد، حتى جاءت الفرصة في نهائي عام 2019، ليواجه نادي "أوراوا" الياباني، النادي الذي هزم "الهلال" في نهائي الحظ آنف الذكر، لينتقم "الهلال" شر انتقام؛ إذ لعب "الهلال" على أرض "أوراوا" كأنَّه يلعب في "الرياض"، حتى خرج اليابانيون من اللقاء وهم يقولون: "لقد قتلونا ولم يكن باستطاعتنا إيقافهم".

كيف أثَّر ما فعله نادي "الهلال" فيه نفسياً؟

في حقيقة الأمر، ما فعله نادي "الهلال" صعب جداً من الناحية النفسية؛ فليس من السهل بأي شكل من الأشكال أن تواصل مسيرة الكفاح والنضال بعد سلسلة من الإخفاقات، وبعد كل إخفاق يصبح من الصعب أكثر أن تنهض من جديد، ومع ذلك، فإنَّ نادي "الهلال" وظَّف كل طاقاته من أجل النهوض من جديد، وعمل على هذا الهدف فقط، ولم يسمح لليأس أن يدق بابه، والأهم من ذلك أنَّه لم يسمح لنفسه أن يتقمص دور الضحية؛ بل نظر إلى الأمام دائماً، ولم ينظر إلى الخلف إلَّا من باب المراجعة والاستفادة من الخطأ، وضمان عدم تكراره.

إقرأ أيضاً: 8 دروس ستحتاجها في رحلة حياتك

في الختام:

لا يوجد شيء يأتي بالمجان؛ بل كلما زاد الثمن وزاد الفشل في الطريق، زادت قيمة ما سنحصل عليه في نهاية الطريق، وفي سبيل النجاح، يجب على الإنسان أن يقبل بأي عمل في بداية طريقه، وألا يتكبر على عمل أو مكان أو مهنة؛ وذلك لأنَّها قد تكون الباب السحري الذي ينقله إلى الأضواء، وتحقيق الهدف الذي يصبو إليه.

المصدر: كتاب أكبر مما يعتقدون الجزء الثالث، محمد عواد.




مقالات مرتبطة