قراءة كتاب كل أسبوع لن تجعلك ناجحاً

كان لقب "دودة الكتب" (bookworm) في ما مضى إهانةً، تماماً مثل كلمة "نيرد" (nerd) و"غيك" (geek) وغيرها، والتي كانت تُستخدَم في المدارس للاستهزاء بشخص مهووس بالعلم والمطالعة، لكنَّ النظرة إلى القراءة تغيَّرَت منذ ذلك الوقت، فهي الآن أشبه بالطعام الصحي، يجب أن نضيفها إلى روتيننا اليومي لمجرد أنَّها مفيدة لنا.



ملاحظة: هذا‌ ‌المقال‌ ‌مأخوذ‌ ‌عن‌ المدون "أيتيكين تانك" ‌(Aytekin Tank)‌ ‌والذي‌ ‌يُحدِّثنا‌ ‌فيه‌ ‌عمَّا تعني له المطالعة شخصياً.

يتحدث مؤسسو الشركات وقادة الفكر دون توقُّف عن الكتب التي قرؤوها ومتى فعلوا ذلك وكم قرؤوا، والفكرة التي يحاولون إيصالها واضحة: كلما قرأتَ أكثر، كان ذلك أفضل، حتى أنَّ بعضهم ينصح بقراءة كتاب كل يوم كي تنجح، ولكن لا أحد لديه متسع من الوقت لهذا، ومن هنا انطلقَت صيحة "القراءة السريعة" (speed reading)، وظهرَت المنشورات ومقاطع الفيديو والمقالات التي تحمل عناوين مثل: "تعلَّم كيف تقرأ أسرع بـ 300 مرَّة خلال 15 دقيقة"، والتي أظهرَت القراءة السريعة كرياضة تنافسية، فأصبح يجب علينا قياس عدد الكلمات التي نقرؤها في الدقيقة وقراءة جميع الكتب ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعاً وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية (New York Times).

القراءة بالنسبة إليَّ متعة لا توصَف، فالهدف منها استكشاف الأفكار الجديدة ووجهات النظر، حيث ساعدني التعلم من الآخرين خلال 13 عاماً الماضية على تنمية مشروعي "جوتفورم" (JotForm) إلى شركة تخدم اليوم 4.3 مليون مستخدم، لكن لا تهمني سرعة قراءتي أو إنهاء قراءة عدد معيَّن من الكتب التي وضعتُها كهدف لي أو تكديس الكتب مثل الجوائز.

سر القراءة السريعة:

في حين يُسلَّط الضوء على القراءة السريعة الآن، لكنَّها هدفٌ يسعى إليه الناس منذ عقود؛ إذ ادَّعى الرئيس الأمريكي السابق "جون كينيدي" (John F. Kennedy) في الستينيات أنَّ باستطاعته قراءة 1200 كلمة في الدقيقة الواحدة، لكن بعد القليل من البحث تبيَّن أنَّه اختلقَ ذلك الرقم، وزعم "هاورد بيرغ" (Howard Berg)، أسرع قارئ في العالم في نسخة عام 1990 من "موسوعة غينيس للأرقام القياسية" (The Guinness Book of World Records)، أنَّه يقرأ 80 صفحة خلال الدقيقة؛ أي ما يعادل 25000 كلمة كلَّ 60 ثانية، لكن يقول اختصاصي القراءة "مارك بينينغتون" (Mark Pennington) أنَّ ادعاءات "بيرغ" كانت ملفَّقةً أيضاً، وقالت بطلة العالم في القراءة "آن جونز" (Anne Jones) إنَّها قرأَت رواية "الجحيم" (Inferno) للكاتب "دان براون" (Dan Brown) المؤلفة من 624 صفحة خلال 41 دقيقة و48 ثانية.

يدحض الباحثون دوماً ادعاءات أشخاص مثل هؤلاء، حيث يشرح الباحث "كيث راينر" (Keith Rayner) المختص في تتبُّع حركة العين، أنَّ تقنيات مثل قراءة مقطعين كبيرين في الوقت نفسه غير ممكنة لا بيولوجياً ولا ذهنياً، لأنَّ الجزء الوحيد من العين القادر على إرسال صور دقيقة وواضحة إلى الدماغ هو النقرة المركزية (Fovea centralis)، وهي تجويف صغير في بقعة الشبكية للعين، وكل ما يقع خارجها هو ضمن مجال الرؤية المحيطية.

لا نستطيع مهما حاولنا أن نقرأ صفحةً كاملةً بلمحة واحدة، لأنَّ العين لن تتمكن من التنقل بين الكلمات واستيعاب المحتوى بالسرعة الكافية لذلك، وقد تكون التطبيقات التي تدَّعي أنَّها تزيد سرعة القراءة عبر عرض كلمة تلو كلمة مضللة، لأنَّها تقوم على مبدأ تقليل الوقت الذي تقضيه العين في الانتقال بين الكلمات، لكنَّنا في الحقيقة لا نتوقف عن التفكير في أثناء تحرُّك العين؛ إذ إنَّ دماغنا يعالج المحتوى الذي يصله طوال الوقت، لكنَّ أعيننا تتحرك 10% من الوقت فقط.

علاوة على ذلك، تقول "باتريشا غرينفيلد" (Patricia Greenfield)، عالمة النفس من "جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس" (UCLA) إنَّنا نخصِّص وقتاً وانتباهاً أقل للتحليل النقدي والتداخل (interference) والتعاطف حين نتصفح النص بسرعة؛ مما يعني أنَّ الأشخاص الذين يتبعون هذه التقنية لا يستوعبون ما يقرؤونه تماماً، كما لا يتمكَّنون من فهم الأفكار المعقدة أو تكوين آراء حول المحتوى؛ فالحقيقة البسيطة هي أنَّ القراءة بسرعة أكبر ينتج عنها فهم أقل، ولا مشكلة في هذا إن كنتَ تقرأ قائمة تبضُّع أو تبحث عن رقم مقعدك في حفل، وفي بعض الأحيان لا داعٍ لاستيعاب كلِّ كلمة، ولكن حين تقرأ لاكتساب المعرفة والحِكمة ولتتحدى تفكيرك، فالسرعة مضرة أكثر مما هي مفيدة.

قال المخرج الأمريكي "وودي آلان" (Woody Allen): "تلقيتُ دورةً تدريبية في القراءة السريعة حيث تُمرِّر إصبعك على منتصف الصفحة من أعلاها إلى أدناها، وفي النهاية تمكنتُ من قراءة رواية الحرب والسلم خلال 20 دقيقة... إنَّها تتحدث عن روسيا".

شاهد بالفيديو: كيف يقرأ الأذكياء؟ 5 نصائح تساعدك على القراءة بذكاء

متعة القراءة هي المكسب بحدِّ ذاتها:

أعطى العلماء ورجال الأعمال وحتى الرؤساء رأيهم في موضوع القراءة السريعة، ولكن هنالك سؤال أهم لم نناقشه، ألا وهو الدافع خلف رغبتنا بالقراءة بسرعة؛ فإذا كان الشخص يقرأ بطبيعته كتاباً كل يوم أو كل أسبوع ويستمتع بذلك، فهذا رائع، طالما أنَّه يستمتع حين يقرأ بهذا المعدل.

تختلف سرعة قراءة ومستوى استيعاب كل فرد ضمن مجال القدرات الإنسانية؛ لذا لستَ بحاجة إلى تحقيق معدل اعتباطي مثل قراءة 100 كتاب في العام، إضافة إلى ذلك ليست جميع الكتب متشابهة، فمقابل كل كتاب رائع ومفيد هناك عشرات الكتب عديمة المعنى التي لا تستحق القراءة، كما تختلف الأذواق، فكتابٌ يغيِّر حياة شخص قد يُشعر آخر بالملل، وكلٌّ منا يقرأ لسبب مختلف، فبعض الناس يبحث عن مهرب من الواقع، وغيره لاكتساب المعرفة، وآخر يستمتع بجمال الصياغة المتقنة للكلمات والعبارات.

على ذكرِ الجَمال، تستحق العديد من المؤلفات القراءة بتريُّث والتلذذ بها، فإلقاء نظرة خاطفة على كتابات "غابرييل غارسيا ماركيز" (Gabriel Garcia Marquez) أو "آليس مونرو" (Alice Munro) هو أشبه بتحديد "مؤشر أداء" (KPI) أو "عائد استثمار" (ROI) لأعظم متع الحياة.

لا نستوعب إلَّا القليل حين نقرأ لتحقيق هدف، ونفوِّت فرصة نادرة للتفكير والتأمل، وبالطبع يقرأ معظم الأشخاص الناجحين بنَهَم، لكنَّ السبب هو أنَّهم فضوليون ويحبون التعلم؛ لذا يجب عليك أن تركز على نوعية القراءة وليس كميتها.

طرائق القراءة المختلفة:

هناك ثلاثة أنواع للقراءة:

  • القراءة السلبية: هي ما تفعله حين تتصفح موقع "إنستغرام" (Instagram) أو تُقلِّب صفحات مجلة في أثناء انتظار دورك في عيادة الطبيب، ونمارسها جميعنا.
  • القراءة العملية: وتتضمن قراءة نص من كتاب علمي أو النشرة المرفقة بالدواء مثلاً؛ فالهدف منها الحصول على المعلومات بالتحديد.
  • القراءة الممتعة: هي أمر شخصي تماماً، فسواء نقرأ مجلة "فوغ" (Vogue) في أثناء الاسترخاء في حوض الاستحمام، أم غارقون في السيرة الذاتية للوزير البريطاني "ونستون تشرشل" (Winston Churchill)؛ نحن نقرأ بهذه الطريقة لنتفاعل مع الكلمات والموضوع المطروح وليس لتحقيق هدف ما، وحين نقرأ لنستمتع يمر الوقت دون أن نشعر، فنحلِّق بعيداً إلى عالم آخر، ويعلق المحتوى في أذهاننا حين تكون القراءة ممتعةً، فلا ننسى القصص، كما نضيف إلى مفرداتنا، ونتلقى أفكاراً جديدة، ويزيد احتمال استخدامنا هذه المعلومات في حياتنا اليومية.

أنواع القراءة ثلاثتها مفيدة وسليمة، لكنَّ لكلٍّ منها استخداماته؛ لذا إن كنتَ ترغب في تحسين حياتك الشخصية والمهنية، فستجد قراءة 100 كتاب مفيدةً بقدر ما تتعلمه منها لا أكثر، ولن تُغيِّر أفضل الكتب من شيء في حياتك إذا لم تفهمها وتستوعبها بصورة صحيحة.

كتب الفيلسوف الأمريكي "مورتيمر أدلر" (Mortimer J. Adler): "عند الحديث عن الكتب الجيدة، الفكرة ليست كم تقرأ منها؛ بل كم تستوعب منها".

إقرأ أيضاً: طريقة (PSQ5R) في القراءة السريعة من أجل الحفظ

6 نصائح ستساعدك في العثور على كتبٍ مفيدةٍ لك شخصياً:

1. أعِد قراءة الكتب الكلاسيكية:

معظم الكتب اليوم هي محتوى كتب قديمة بحلة جديدة؛ لذا عُد إلى المصدر الأصلي واستكشِف الحكمة منها، أو ضَع الأفكار التي طرَحَتها موضع التساؤل؛ كما اختر أفضل الكتب في أي مجال يثير اهتمامك.

نُشِر كتاب "الهدف" (The Goal) للمؤلف "إلياهو جولدرات" (Eliyahu M. Goldratt) لأول مرة في عام 1984، لكن تطرح رواية الأعمال هذه "نظرية القيود" (Theory of Constraints) التي لا تزال ذات صلة في عالم التكنولوجيا اليوم.

2. لا تحكم على الكتاب من عنوانه:

"ما هو الأمر الذي يُشعِرك الاستمتاع به بالإحراج؟" هو سؤال مناسب في الحفلات وأوقات المرح، لكنَّ الفكرة خلفه أنَّه يجب علينا أن نخجل من استمتاعنا ببعض أنواع الكتب، مثل القراءات الخفيفة المناسبة لأوقات الاستراحة، وهذا المفهوم خاطئ تماماً؛ إذ لا داعي أن يكون الكتاب مضجِراً كي تكون ذا قيمة.

على سبيل المثال: كتاب "كيف تفشل في كل شيء وتُحقِّق انتصاراً ساحقاً على الرغم من ذلك" (How to Fail at Almost Everything and Still Win Big) للمؤلف "سكوت آدامز" (Scott Adams)، مؤلف المجموعة القصصية المصورة الشهيرة "دلبرت" (Dilbert)، هو كتاب ممتع للغاية يدفعك إلى الضحك في كل صفحة، وفي الوقت نفسه هو مليء بالنصائح المهنية مثل استخدام الأنظمة عوضاً عن الأهداف لإحداث تغيير دائم. 

3. اختر الكتاب بنفسك:

ستجد أنَّ القراءة لإثارة إعجاب الآخرين غير مُرضِية لك شخصياً؛ فالحياة قصيرة وليس هناك وقت كافٍ لتُضيِّعه على كتب تضجرك؛ لذا اقرأ أموراً تحبها وتستمتع بها في كلِّ لحظة، فالانغماس في مؤلفات تستهويك وتجذب اهتمامك سيعود عليك بفوائد أكثر من المعاناة في أثناء قراءة قائمة كتب يعتقد شخص آخر أنَّها هامة.

يتحدث كتاب "دليل الحياة الرغيدة" (A Guide to the Good Life) من تأليف "ويليام أرفين" (William B. Irvine) عن الفلسفة الرواقية (Stoicism) وكيف يمكِن لها أن تساعدنا في تجنُّب عدم الرضا المزمن، وقد لا يعجب هذا الكتاب الجميع لكنَّني وجدتُه ممتعاً جداً.

4. أعِد قراءة الكتب التي تحبها:

الكتب المفضلة مثل سترتك المحببة دافئة ومألوفة وتبعث فيك الراحة حين ترتديها دائماً، فكثيراً ما أُعيد قراءة كتبي المفضلة فأكتشفُ أموراً جديدة كل مرة، حيث إنَّ إعادة قراءة كتاب ألهمك أو حفَّزك أو غيَّرك بطريقة أو بأخرى، لها أثر أكبر من قراءة كتاب جديد لا يحرك تفكيرك.

أنا أملك نسخةً من كتاب "حرب الفن" (The War of Art) للمؤلف "ستيفن باسفيلد" (Steven Pressfield) إضافة إلى الكتاب الصوتي والنسخة الإلكترونية منه، وحين أواجه صعوباتٍ في العمل، أختار فصلاً عشوائياً منه وأستمع إليه، وخلال دقائق أستعيد حماسي، وأعود إلى العمل بنشاط.

إقرأ أيضاً: كيف تتقن القراءة السريعة؟

5. دوِّن الملاحظات:

نحن نحتفظ بقدر أكبر من المعلومات حين ندون الملاحظات؛ لذا يمكِنك تمييز المقاطع التي أثارَت اهتمامك في أثناء القراءة بلون مختلف أو تدوين الملاحظات أو الأفكار التي تخطر في بالك على الهوامش في الكتب التي تملكها أو في دفتر صغير مخصَّص لهذا الغرض؛ إذ يساعدك التفاعل مع الكتب بهذه الطريقة على استيعاب وفهم المحتوى على نحو أفضل.

قرأتُ لأول مرة عن نموذج "التصنيع الرشيق" (lean manufacturing) في كتاب "مبادئ عملية تطوير المنتج" (The Principles of Product Development Flow) من تأليف "دونالد راينرتسين" (Donald G. Reinertsen)، وبعد تدوين العديد من الملاحظات، ألهمني الكاتب لإعادة تأهيل عملية التطوير في شركتي "جوتفورم" (JotForm)، ومازلنا نعتمد على مبادئه حتى الآن.

6. انضم إلى نادٍ للكتب:

القراءة نشاط فردي، لكنَّ الانضمام إلى نادي كتاب يضفي عليها روح التعاونية؛ فسماع آراء الآخرين أمر مثير للاهتمام، وتُوضِّح النقاشات وجهات النظر المختلفة، وغالباً ستحثك على قراءة كتب ما كنتَ لتنتقيها بنفسك، فلستَ مجبَراً على الإعجاب بها، لكنَّها طريقة جيدة لتنويع قراءاتك.

أنا لم أقرأ كتاب "عام دون سروال" (The Year Without Pants) من تأليف "سكوت بيركن" (Scott Berkun) مع نادي كتاب، لكنَّه خيار ممتاز من فئة الكتب اللاخيالية لمناقشته مع مجموعة؛ حيث يتحدث فيه الكاتب عن تجربته في العمل عن بُعْد، لكنَّه علَّمني أيضاً كيف أُحسِّن أداء الفريق دون زيادة عدد أفراده، وهو مبدأ هام سواء كان فريقك يعمل من المكتب أم منتشراً في أكثر من قارة.

في الختام:

لا يجب أن يقيِّم أحد نفسه بناءً على عدد الكتب التي قرأها أو العناوين التي تستعرضها مكتبته الشخصية، وللقراءة فوائد عديدة، فهي تُثقِّف وتُعزِّز التعاطف وتُوسِّع الإدراك، كما أنَّها ممتعة؛ لذا فلنتوقف عن القراءة بهدف تنمية عملنا أو زيادة حساباتنا المصرفية، ولنُركِّز على البهجة البسيطة التي تمنحنا إياها قراءة كتاب ممتع صفحة تلو الأخرى.

 

 المصدر




مقالات مرتبطة