قانون تناقص العائدات

قانون تناقص العائدات أو قانون الإنتاجية المتناقصة هو مفهوم تعلمته في علم الاقتصاد، وأجده قابلاً للتطبيق بشدة في مجال النمو الشخصي، هذا ما يقوله: ينص قانون الإنتاجية المتناقصة على أنَّه في العمليات الإنتاجية، إنَّ زيادة أحد عوامل الإنتاج بمقدار واحد، مع الحفاظ على العوامل الأخرى جميعها ثابتة، سيؤدي في مرحلة ما إلى إنتاجية أقل لكل وحدة أُضيفت.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "سيليستين تشوا" (Celestine Chua)، وتُعرفنا فيه على قانون تناقص العائدات.

لنفترض أنَّ لديك حقل ذرة وتحاول زيادة المحصول باستخدام الأسمدة، في حين أنَّ إضافة الأسمدة في البداية ستؤدي إلى زيادة حادة في المحصول، فإنَّ هذه الزيادة تتضاءل تدريجياً رغم إضافة الكمية المثلى من السماد.

تسمى النقطة التي يبدأ بها التناقص التدريجي نقطة تناقص العائدات؛ إذ إنَّ كل وحدة سماد تضاف بدءاً من هذه النقطة فصاعداً ستعطي زيادةً أقل في محصول الذرة، على الرَّغم من أنَّ السماد ما زال بالجودة نفسها تماماً، يُعرف هذا بالعائدات المتناقصة.

إذا واصلت إضافة مزيدٍ من الأسمدة بعد هذه النقطة، فستحصل في النهاية على عائدات سلبية؛ إذ ينخفض إجمالي محصولك لأنَّ الحقل فيه كميةٌ مفرطة من السماد.

قانون العائدات المتناقصة في حياتنا:

إذا راقبت مجالات مختلفة من حياتك، ستجد أمثلة عديدة على هذا القانون، على سبيل المثال:

1. العمل:

قد تبدو فكرة العمل بلا توقف من النهار إلى الليل، لمدة سبعة أيام في الأسبوع، فكرةً جيدة حتى تحقق تقدماً في عملك، إلا أنَّ الحقيقة هي أنَّ إنتاجيتك ستنخفض بعد ساعات طويلة من العمل.

2. وسائل التواصل الاجتماعي:

قد يكون استخدام موقع فيسبوك (Facebook) ممتعاً بوصفه وسيلة لمتابعة آخر الأخبار، إلا إنَّ المكاسب تتضاءل بعد استخدامه لوقتٍ طويل وبعد التحقق منه مراتٍ عديدة، عندها ستشعر بالاستنزاف بدلاً من ذلك، وعندما يستنزفك النشاط بدلاً من الترويح عنك، فإنَّ العوائد تعدُّ سلبية.

3. التعلُّم:

عادةً ما يكون الكتاب الأول الذي نقرؤه عن موضوع معين هو الأكثر فائدة لأنَّنا نتعلم المفاهيم الأساسية عن هذا الموضوع، وقد تكون قراءة 10 كتب عن هذا الموضوع بالذات أكثر فائدة، لكن عندما تقرأ 20 أو 30 أو 50 كتاباً عن الموضوع نفسه بالضبط، ستجد المكاسب ضئيلة؛ إذ يتحدث المؤلفون عن الأشياء نفسها بطرائق مختلفة.

إقرأ أيضاً: ضيق الوقت: هل له دور في انخفاض الإنتاجية؟

4. الاجتماعات:

عادةً ما تكون الساعة الأولى من اجتماع العمل هي الأكثر إنتاجية، في حين أنَّ الساعتين الثانية أو الثالثة التالية ليست كذلك، عندما يستمر الاجتماع إلى ما لا نهاية، يصبح مضيعةً لوقت الجميع، يمكن ملاحظة الشيء نفسه عندما تعقد عدداً كبيراً من الاجتماعات كل أسبوع.

بصفتي كاتبة، أشعر أحياناً في أثناء الكتابة أنَّني وصلت إلى طريق مسدود، وأنَّ قضاء مزيدٍ من الوقت في الكتابة لن يحقق لي مكاسب مثمرة، ويمكن أن يكون هذا بعد ساعة أو ثلاث أو خمس ساعات من الكتابة، اعتماداً على ما أكتبه، هذه هي نقطة الإنتاجية المتناقصة بالنسبة إلي.

بالمثل، في أثناء تحرير المدونات الصوتية، عندما أقضي وقتاً طويلاً في الاستماع إلى المدونات، وتقسيم الملف الصوتي، وإزالة الأصوات غير المرغوبة، أصل إلى نقطةٍ أشعر فيها بأنَّ قضاء مزيد من الوقت بعدها لن يؤدي إلى مكاسب مثمرة للغاية، إنَّ إجراء عملية التحرير للمرة الأولى يساعد على تقديم تجربة استماع أفضل؛ لكنَّ القيام بذلك للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة ليس أمراً مثمراً جداً، وقد يؤدي ذلك إلى تناقص العائدات، وربما حتى إلى عائدات سلبية؛ لأنَّ التعديلات التي تُجرى على الملف تصبح مبالغاً فيها.

إنَّ فهم مفهوم تناقص العوائد أمر هام جداً؛ لأنَّه يساعدنا على معرفة ما إن كان علينا أن نتوقف أو نستمر في العمل.

5. فيما يتعلق بتحسين الإنتاجية الإجمالية في العمل:

بدلاً من العمل بلا كلل في مكتبنا عندما نحقق مكاسب ضئيلة أو سلبية، يجب أن نتوقف، ونأخذ استراحة، ونعود إلى العمل لاحقاً بعد أن نستعيد حيويتنا.

شاهد بالفيديو: 9 قواعد أساسية لزيادة الإنتاجية في العمل

6. فيما يتعلق بتنقيح مهمةٍ في العمل:

بدلاً من تعديل كل إجراء صغير وإعادة العمل عليه إلى ما لا نهاية، يجب أن نفكر فيما إذا كنا نقدم قيمةً حقيقيةً بهذه الطريقة، أو إذا كان بإمكاننا إضافة قيمةٍ أفضل في مكان آخر، مثل توجيه الوقت إلى مشاريع أو مهام جديدة أخرى.

7. فيما يتعلق بالصحة الشخصية:

بدلاً من العمل بلا توقف ودون راحة كل يوم وكل أسبوع، يجب أن نخصص بعض الوقت لعائلتنا وعلاقاتنا وصحتنا، خاصةً عندما نشعر بالتعب أو الإرهاق، عندما نقضي 100 ساعة في العمل، فإنَّ الساعة التالية لن تكون مجزيةً إذا قضيناها أيضاً في العمل، بدلاً من قضائها مع عائلتنا وأحبائنا.

أهمية السياق في تناقص العوائد:

في الوقت نفسه، فإنَّ السياق هام جداً عند تحديد ما إذا كانت العوائد تتناقص أو لا، وفيما يتعلق بتنقيح مهمة العمل، عليك أن تسعى في بعض الأحيان إلى تحقيق أقصى نتيجة وأفضلها في مهمة معينة، على الرَّغم من تناقص العوائد؛ وذلك تحديداً عندما تتغلب الفوائد على التكاليف.

على سبيل المثال، قد ينبغي للكاتب مراجعة كتابه مراراً وتكراراً كي يجعله مثالياً تماماً، حتى لو أدت المراجعة العشرون إلى تناقص في العوائد؛ وذلك لأنَّ هدفه هو كتابة أفضل كتاب عن موضوع ما والمكاسب النهائية، سواء من ناحية نمو المبيعات والشهرة وما إلى ذلك، تفوق العمل المطلوب للوصول إليها، كما يقول الكاتب المحترف "داني سترونج" (Danny Strong)، الحائز على جائزتي إيمي (Emmy) وجائزتي رابطة الكُتَّاب الأمريكية (Writers Guild of America Awards) عن كتاباته: "لم أنجز يوماً مشروعاً إلا وأعدتُ كتابته 20 مرةً على الأقل، إن لم يكن أكثر".

في هذا المثال، فإنَّ الناتج المطلوب هو جودة الكتاب، وقد يتطلب الأمر جهداً كبيراً لزيادة جودة الكتاب بنسبة 10%؛ لكنَّ هذه الزيادة الأخيرة في الجودة هي العامل الذي يميزك عن باقي المنافسين في هذا المجال، وتوجد مكاسب عديدة تتحقق عند بلوغ الناتج الأفضل، مثل تعزيز شهرتك، وتحسين سمعتك، وزيادة مبيعاتك، وتوسيع قاعدة جماهيرك التي لا يمكن بلوغها من خلال التركيز على مقياس جودة الكتاب فقط.

عليك أيضاً أن تفكر في هدفك من منظورٍ أوسع؛ لأنَّك بينما قد تحصل على مكاسب كبيرة في العمل، فإنَّ القيمة التي يضيفها العمل إلى حياتك قد تتناقص، لهذا السبب يتخلى بعض الممثلين عن عملهم لقضاء مزيد من الوقت مع الأسرة، حتى عندما يكونون في ذروة حياتهم المهنية؛ وذلك لأنَّ القيمة التي يضيفها العمل إلى حياتهم، رغم أنَّهم يتقاضون رواتب ضخمة للغاية، تتضاءل بالنسبة إليهم مقابل قضاء الوقت مع الأسرة، الأمر الذي يبدو مجزياً أكثر بكثير؛ أي إنَّ السياق الأهم هنا هو ما تريده لحياتك وهدفك النهائي.

عليك أن تسأل نفسك ما إذا كانت المكاسب التي ستحققها عندما تُحول تركيزك إلى أمورٍ معينة (مثل الصحة والأسرة والعلاقات) ستكون مجزية أكثر من التركيز على الشيء نفسه الذي تركز عليه دائماً، وهو العمل في هذا المثال.

كيف تُحدد تناقص العوائد؟

كيف تعرف متى بدأت العوائد تتناقص أو أصبحت سلبيةً؟ الطريقة الأولى هي التتبع والقياس، لنفترض أنَّك تريد زيادة معدل الزيارات إلى مدونتك من خلال نشر مقالاتٍ في مواقع أخرى، وقد قررت أن أنشر مقالاتي بصفتي ضيفاً على موقعٍ معين، في حين أنَّ كلاً من المنشور الأول والثاني والثالث قد جلب نحو 300 إلى 400 زائر جديد، فإنَّ المنشور الرابع لم يجلب سوى 100 زائراً جديداً.

إذاً بافتراض أنَّ العوامل الأخرى ثابتة، فقد أدى المنشور الرابع إلى تناقص العائدات، وإذا حقق المنشور الخامس في الموقع نفسه نتائج مماثلة لنتائج المنشور الرابع أو أقل منها، فربما حان الوقت لاختيار موقع مختلف، أو استكشاف استراتيجية مختلفةٍ تماماً لزيادة زيارات المستخدمين.

الطريقة الثانية هي ببساطةٍ اتباع حدسك، يصبح هذا فاعلاً للغاية عندما تكتسب مزيداً من الخبرة المهنية والحياتية، عندها يمكنك أن تقيم ما إذا كان من المفيد الاستمرار في مهمة ما، أو تبديل المهام أو حتى تحويل تركيزك إلى مجال مختلف تماماً.

شاهد بالفيديو: 4 مواقع وتطبيقات رائعة تساعدك على زيادة الإنتاجية

اسأل نفسك:

  • ما هي الفائدة الطفيفة التي سأحصل عليها من قضاء ساعة أخرى في العمل على هذه المهمة؟ ما هي التغييرات التي يمكنني إجراؤها؟
  • هل تستحق هذه الفائدة الطفيفة التكلفة الإضافية (الوقت الإضافي والجهد) لتحقيقها؟ إذ إنَّ كل إجراء له تكلفة محتملة، مع أخذ الأشياء الأخرى جميعها التي يمكنك القيام بها في هذا الوقت وبهذا الجهد في الحسبان، هل من المجدي السعي إلى تحقيق هذه الفائدة الطفيفة، أو استثمار وقتك وجهدك في مشاريع أو أهداف أخرى؟
  • هل توجد أية مهمة أو مجال آخر يمكنك استثمار وقتك فيه استثماراً أفضل؟

إذا كانت الفائدة الإضافية تفوق التكلفة الإضافية، فعندئذ تابع العمل على المهمة، أما إن لم يكن الأمر كذلك، فقد حان الوقت لإجراء تغيير والتركيز على شيءٍ آخر.

على سبيل المثال:

  • لنفترض أنَّك تكتب مقالاً ولم تحقق أي تقدمٍ في الساعة الأخيرة، في هذه المرحلة، من المحتمل أنَّ الفائدة التي ستحصل عليها من كتابة ساعة أخرى ستتضاءل؛ لذا عليك تحويل تركيزك إلى شيء آخر أكثر حماسة أو إلحاحاً بالنسبة إليك، ثم العودة إلى المقال لاحقاً عندما تشعر بأنَّك في مزاجٍ مناسب.
  • أو لنفترض أنَّك كنت تعمل لساعات طويلة لتحقيق هدف كبير في شركة البرمجيات التي تعمل فيها، لقد قضيت 60 ساعة في العمل هذا الأسبوع، على حساب الوقت الذي تقضيه مع عائلتك، بينما يمكنك قضاء ساعةٍ أخرى في العمل، فإنَّ الواقع هو أنَّ الفائدة الطفيفة التي ستجنيها من العمل لمدة 3 ساعات أخرى ستتضاءل، سيؤدي العمل لمدة 3 ساعات إضافية إلى تناقص العائدات، بينما تحويل تركيزك إلى عائلتك والتنزه معاً أو حتى قضاء بعض الوقت معاً، سيكون أكثر فائدة.

عندما يتعلق الأمر بمهمة عمل معينة، راقب ما يفعله الأشخاص الناجحون كي تستمد بعض الأفكار، ففي بعض الأحيان قد تكون لدينا رؤية محددة في أذهاننا نسعى إليها بلا هوادة، لكن قد يكون هذا مجرد هدف بسيط بالنسبة إلى بعض الناس؛ إذ يفعل ذلك عادةً الأشخاص المهووسون ببلوغ الكمال.

بالنسبة إلي، أبالغ كثيراً في بعض الأحيان خلال تحرير المدونات الصوتية وتعديل مقاطع الصوت، لكن بعد الاطلاع على بعض المدونات الصوتية الأعلى تقييماً، أدركت أنَّ هؤلاء الأشخاص لا يهتمون حتى بإزالة الأصوات غير المرغوبة، وهو أمرٌ وجدتُ أنَّه لا يؤثر فيَّ بصفتي مستمعة، عندما فكرت في الأمر، أدركت أنَّ هذه الأصوات العفوية والتعليقات العشوائية هي أنماط كلام طبيعية لا تؤثر سلباً في جودة الحلقة، إن لم تكن كثيرةً جداً.

من خلال طرح الأسئلة أعلاه، يمكنك أن تتراجع خطوةً إلى الوراء وتقيم الفوائد التي يمكن أن تجنيها مقابل التكاليف المطلوبة لتحقيق هذه الفوائد، وهذا هام خاصةً للأشخاص المهووسين بالكمال، الذين اعتادوا المبالغة إلى أقصى الحدود في كل متغيرٍ ممكن، بعد الجواب عن هذه الأسئلة، اختر الخيارات التي تتيح لك تعزيز إنتاجيتك وتحسين صحتك وسعادتك.

إذا شعرت بأنَّ قانون تناقص العائدات يذكِّرك بقاعدة 80/20 (مبدأ باريتو)، فهما مرتبطان بالتأكيد؛ إذ تنص قاعدة 80/20 على أنَّ 80% من النتائج ناتجةٌ عن 20% من العوامل الرئيسة، وعادةً ما يتطلب تحقيق النتائج الـ 20% النهائية ليصبح العمل مثالياً، قدراً هائلاً (80%) من الجهد، وهنا تبدأ العائدات بالتناقص، وهنا عليك أن تقرر ما إذا كانت النتيجة المثالية تستحق هذا المقدار الهائل من الجهد، أو يجب عليك المضي قدماً والتركيز على مشاريع أكثر أهمية أو مجالاتٍ أخرى في حياتك.

إقرأ أيضاً: التحكم في الوقت: 3 طرق لتحقيق الإنتاجية بعيداً عن التوتر

في الختام:

هل توجد أي مجالات في حياتك أخذت فيها العائدات بالتناقص؟ على سبيل المثال:

العمل:

  • هل تقضي وقتاً كبيراً في مهمةٍ عمل محددة؟ هل بدأت العائدات بالتناقص؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل حان الوقت للانتقال إلى مهمةٍ جديدة؟
  • هل تقضي وقتاً كبيراً في العمل؟ هل أخذت إنتاجيتك تتناقص؟

حياتك عامةً:

  • هل تقضي وقتاً كبيراً في مجال معين من مجالات الحياة (مهنتك مثلاً) لدرجة أنَّك تهمل مجالات الحياة الأخرى (مثل الصحة والعلاقات)؟
  • هل المكاسب التي تجنيها في هذا المجال من حياتك تستحق العناء، أم أنَّها تتضاءل؟
  • هل يمكنك التركيز على مجال آخر في حياتك للحصول على مكاسب ملموسة؟ هل توجد أي عادة جديدة (مثل التأمل أو القراءة) أو نشاط (مثل قضاء الوقت مع العائلة) يمكنك التركيز عليه بدلاً من قضاء مزيدٍ من الوقت في الشيء نفسه؟

العلاقات:

  • هل تحاول أن تبقى على تواصلٍ مع كثير من الأصدقاء لدرجة أنَّ حياتك تتأثر سلباً؟
  • هل تقضي وقتاً طويلاً مع شخصٍ واحد (شريكتك أو صديقك المفضل)، مما يؤدي إلى تناقص المكاسب لكليكما؟ (على سبيل المثال، إهمال أولويات الحياة أو العلاقات الأخرى).

الحياة اليومية:

  • هل تنام أكثر من اللازم لتحصل على قسط كافٍ من الراحة؟
  • هل تمارس نشاطاتٍ مسلية أو تشاهد التلفاز أو تلعب الألعاب حتى تتجاوز حاجتك إلى بعض المتعة؟
  • هل تقضي وقتاً أطول من اللازم على وسائل التواصل الاجتماعي؟

اتبع حدسك وكن واعياً بتناقص العوائد في حياتك، إنَّه ليس ضرورياً فقط لتحسين إنتاجيتك؛ بل للشعور بمزيدٍ من الرضى في حياتك أيضاً.




مقالات مرتبطة