فوائد استشارة الآخرين وأهمية الشورى في الإسلام

تعترض حياتنا الكثير من المشكلات التي نجد أنفسنا عاجزين عن اتِّخاذ قرار بشأنها دون الرجوع إلى أحد المقربين منَّا، حقيقةً هذا ما يسمى استشارة الآخرين.



أعددنا لكم هذا المقال عن فوائد استشارة الآخرين وأهمية الشورى في الإسلام؛ وذلك حرصاً منا على تذكيركم بأهمية الابتعاد عن التفرُّد بالرأي والتعنُّد والتعصُّب دون دراية أو دون استشارة المحيطين بنا وخاصةً في القرارات الهامة والمصيرية، وما علينا إلَّا أن نتذكر أنَّه حتى الملوك والرؤساء لديهم مستشارون خاصون بكل شأن من الشؤون العامة يرجعون إليهم قبل اتِّخاذ أي قرار.

إذا كنتَ مهتماً بمعرفة المزيد عن أهمية استشارة الآخرين وفوائدها، فتابِع القراءة.

ماذا تعني استشارة الآخرين؟

الإنسان بطبعه كائن اجتماعي وغير قادر على الحياة وحده؛ ونتيجة لهذه الطبيعة فإنَّ معظم قراراته وحتى الشخصية منها لها أبعاد اجتماعية ومؤثرة في المحيط الذي يعيش فيه؛ وبذلك فمن الطبيعي أن يأخذ في الحسبان هذا المحيط عند اتِّخاذه لأي قرار، ومن الطبيعي أيضاً أن يلجأ إلى هذا المحيط عندما يواجه مشكلة أو تعترضه قضية ما، وهذا ما يؤكد الطبيعة التكاملية للحياة على سطح الأرض.

بهذا يمكننا تعريف الاستشارة بأنَّها أحد مظاهر التعاون بين الناس، وتنطوي على أخذ الآراء للمساعدة على الوصول إلى القرار الصحيح، ولا تكون هذه الاستشارة بالأمور العامة فقط؛ بل أيضاً تشمل الأمور الخاصة والحياة الشخصية، ويمكن اللجوء في الاستشارة إلى أشخاص مقرَّبين أو أصدقاء قد يكونون أكثر خبرة منَّا، أو إلى أناس متخصصين ولديهم خلفية أكاديمية بهذا الشأن.

ما هي فوائد استشارة الآخرين؟

شجَّعت الحركات الإصلاحية والاجتماعية على الاستشارة نظراً للفائدة الكبيرة التي تحققها هذه الاستشارة على صعيد الفرد والمجتمع معاً، وفضَّلت أن تكون الاستشارة موجَّهة إلى ذوي الاختصاص والخبرة والعقول الراجحة.

سنقدم فيما يأتي عدداً من أهم فوائد استشارة الآخرين:

1. مساعدة الفرد على توسيع مداركه وأُفقه وفتح أبواب جديدة له قد يكون غفل عنها لسبب ما:

فمثلاً عندما يقع الطفل في مشكلة ما في المدرسة، تغلُب عاطفة الأم على عقلها عند محاولتها التفكير في القرار المناسب، وهنا يظهر واضحاً الدور الكبير والأهمية التي تؤديها استشارة الآخرين في إرجاع الأم إلى طريق العقل، وطبعاً يُفضَّل في هذه الحالة استشارة المتخصصين كالمرشد المدرسي في المدرسة الذي سيكون حيادياً وقادراً على النظر إلى المشكلة بعين خارجية بعيدة عن القلب والعواطف؛ وبذلك سيكون قادراً على إعطاء الرأي الصحيح والمفيد.

2. تصويب الخطأ:

فكما ذكرنا آنفاً الإنسان بطبعه كائن عاطفي وقد يذهب نتيجة هذه العواطف إلى قرارات خاطئة رغم أنَّها قد تكون مصيرية، وتأثيرها سيظهر في حياته كلها؛ لذلك من الهام جداً الاستماع إلى عدَّة آراء قبل الإقدام على اتِّخاذ قرار هام، فقد يكون قرارنا خاطئاً؛ مما يجعلنا نندم لبقيَّة حياتنا.

مثلاً قد تقع الفتاة في حب شخص غير مناسب، ونتيجة لمشاعر الحب القوية وعاطفة الشباب الجارفة قد تتخذ قراراً متسرعاً بالزواج دون الأخذ في الحسبان الظروف الأخرى، وهنا من الهام جداً أن تأخذ رأي أهلها والذي سيكون أكثر منطقية وأكثر حكمة، كما يمكنها اللجوء إلى إحدى صديقاتها المقربات، وفي حال لم تقتنع؛ قد تتريث قليلاً، وهذا التريُّث قد يكون عاملاً هاماً فيما بعد لتعيد النظر بشأن قرار اتَّخذته بسطوة العاطفة.

شاهد بالفديو: نصائح للتخلّص من التردد في اتخاذ القرارات

3. القضاء على الحيرة:

فقد تكون مخيَّراً بين عدة قرارات وعليك اتِّخاذ القرار الصحيح وأنت غير قادر على ذلك، وعندها ستلجأ إلى غيرك لتأخذ رأيه لمساعدتك على قرارك وخاصةً إذا كنتَ قليل الخبرة؛ مثلاً قد يُعرَض عليك عملان في نفس الوقت وتقع في حيرة بينهما لقلة خبرتك بالنواحي العملية، وهنا ستلجأ إلى أصحاب الخبرة لاستشارتهم وللحصول على المساعدة التي تريدها وتحتاج إليها.

4. موازنة الأمور في عقل الشخص وتقليبها وتفنيدها من خلال ما يصله من آراء من غيره:

وبناءً على ذلك سيتَّخذ قراراً أكثر توازناً وأكثر منطقية؛ مما يخفف من احتمالات ندمه على هذا القرار مستقبلاً.

5. فتح باب جديد للإنسان:

إذ تزداد معارفه نتيجة احتكاكه الدائم بغيره، كما تزيد معلوماته بسبب استفادته من آراء غيره ونصائحهم؛ وهذا ما يزيد من خبرته ويوسع معلوماته ويجعله أكثر قدرة على اتِّخاذ القرارات وأكثر قدرة على التصرُّف بحكمة وعقل بعيداً عن العواطف والمشاعر.

مثلاً وفي أثناء طلبك لنصيحة غيرك بشأن موضوع ما، قد يخبرك قصته وينصحك بناءً على تجربته الشخصية؛ مما يفسح مجالاً لك للحكم على الأمر من خلال النتائج التي تراها بأُمِّ عينك لا من خلال التوقعات فقط، فكم مرة غيَّرنا من أسلوب تعاملنا مع أطفالنا نتيجة لما رأيناه من أخطاء في تجارب غيرنا.

بعض الأمور في الحياة لا يصح معها التجريب وخاصة إذا ما تعلقت بموضوع هام كتربية الأطفال؛ لذلك علينا دائماً اللجوء إلى الاستشارة وإلى أصحاب الخبرة لأخذ النصيحة، علماً أنَّ الموضوع لم يَعُد بهذه الصعوبة في عصر التكنولوجيا؛ فأصبحنا بنقرة زر واحدة قادرين على متابعة العديد من المستشارين الأكاديميين والمعروفين والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم.

إقرأ أيضاً: كيف تقدم نصائح جيدة يطبقها الآخرون؟

6. تنمية واحدة من أهم المهارات في عالمنا اليوم:

وهي مهارة التعاون التي بتنا بحاجة إليها في كل مكان، إضافةً إلى مهارة الحوار والنقاش وحل المشكلات.

أهمية الشورى في الإسلام:

قبل البدء بالحديث عن أهمية الشورى في الإسلام، دعونا نبحث في معنى الشورى وتعريفها.

الشورى لغةً تعني طلب الرأي بقصد الاستفادة، والشورى اصطلاحاً تبقى في المعنى ذاته، فالمستشار هو الشخص العالِم الذي يؤخذ رأيه في شأن ما.

الشورى في الإسلام:

في الحقيقة الشورى في الإسلام هي من قواعد الشريعة وهي أصل بالدِّين، يقول ابن العربي المالكي: "المشاورة أصل في الدين"، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تشير إلى ضرورة طلب الاستشارة ومدح فاعلها؛ فهي من الأمور المُستَحب فعلها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (سورة الشورى، الآية 38)، وبعض الفقهاء قالوا إنَّها من فروض الكفاية؛ إذا قام بها بعض الناس، سقطت عن الباقين.

تجب الشورى إذاً على كل مسلم وبالأخص على الحاكم؛ وبذلك فإنَّ الشورى ليست منَّةً من قِبَل الحاكم أو استحساناً؛ بل هي واجب فرضه عليه دينه الإسلامي، كما أنَّ الشورى حق من حقوق الأمة، وقد دعا الإسلام المسلمين إلى إبداء آرائهم بصدق بما يُعرَض عليهم وإلَّا عُدَّ الشخص مقصراً وغير ملتزم بتعاليم دينه قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: (المستشار مؤتمن).

من الطبيعي جداً أن يتَّخذ المسلمون من نبيهم الكريم قدوة لهم، وقد عُرِفَ عن النبي كثرة استشارته لغيره قبل اتِّخاذ أي قرار، عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: "ما رأيتُ أحداً قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم"، رواه الشافعي.

إقرأ أيضاً: من أعمال القلوب في الإسلام

أهمية الشورى في الإسلام:

قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: (ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد)، ومن خلال القول السابق تبدو أهمية الشورى في الإسلام واضحة وجلية، فالإنسان الذي يستشير غيره لن يندم، وقد قال عليه السلام أيضاً: (المشورة حصن من الندامة، وأمان من الملامة).

إضافة إلى ذلك كله فإنَّ الإسلام يدرك تماماً الدور الهام للشورى في تنشيط الذاكرة والعقل، ومن هنا تنبع أهميتها في تنبيه الإنسان إلى ما قد يغفل عنه، كما أنَّها ومن خلال التواصل والحوار والنقاش الذي تتيحه مع الآخرين تؤدي إلى الوصول إلى الرشاد والحق والصواب، وقول الرسول الكريم يؤكد ذلك: (ما تشاور قوم قط إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم).

يُظهِر هذا كله أهمية الشورى في الإسلام لما تنطوي عليه من إبداء للرأي ونقاش وحوار وتبادل وجهات النظر، فتظهر المساوِئ وتُقلَّب العواقب ويُقترَح الصواب لنصل في النهاية إلى الرأي الأصح.

لا بدَّ من الإشارة أيضاً إلى أنَّ مضمون الشورى يختلف باختلاف مستوياتها، فتوجد الشورى في المنزل وفي الأسرة والجيران والأصدقاء والوظيفة وحتى رئاسة الدولة، وتشمل الشورى في الإسلام كل جوانب الحياة، وبالنسبة إلى الشؤون العامة؛ الشورى هي واجب وضرورة وعليها تُبنى مشروعية القوانين والتشريعات؛ وبذلك يلزم إبداء الرأي في الحكَّام والمسؤولين والقادة بوصفه واجباً شرعياً.

في الختام:

لا بدَّ من التأكيد على أنَّ جميع الأمور وجميع مجالات الحياة من الممكن استشارة الآخرين بها وأخذ رأيهم، وحتى في حال الموضوعات الخاصة يمكنكم اختيار من تثقون برجاحة عقله أو حتى يمكنكم اللجوء إلى مستشار اجتماعي، فمن الهام سماع أكثر من رأي، لكنْ لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ بعض الموضوعات القطعية لا يجوز استشارة الآخرين بها، ويُقصَد بذلك الأمور التي لا يجوز أن يكون فيها رأيان أو وجهتا نظر كالصلاة والصيام وغيرها من الأحكام الشرعية.




مقالات مرتبطة