فهم الذكاء الإبداعي ومشكلاته

"جميع الناس عباقرة، ولكن إذا حكمتَ على سمكة من خلال قدرتها على تسلق شجرة، فستقضي حياتها كلها معتقدةً بأنَّها غبية"، العالم "ألبرت أينشتاين" (Albert Einstein).



هل سبق أن قال لك أحدهم إنَّك شخص يسعى إلى المثالية؟ أو حساس جداً؟ أو أنَّك تحلم أو تفكر كثيراً؟

إنَّ اكتساب درجة عالية من الذكاء الإبداعي هو نعمة، ولكن نظراً لأنَّ مجتمعنا ومدارسنا وأماكن عملنا تفضل الذكاء التقليدي، فلن يكون نعمة، فإذا كنت أنت أو أقرباؤك أو أحباؤك لا تفهمون ما يعنيه أن تكون ذكياً بصورة إبداعية، فمن الممكن أن ينتج عن ذلك كثيراً من المعاناة.

تقول الاختصاصية في علم الاجتماع "ماري تايلور" (Mary Taylor)، من مركز الذكاء الإبداعي (Creative Intelligence Centre): "في مجتمع لا يُقدِّر الإبداع، غالباً ما تُصنَّف القدرات الإبداعية على أنَّها عبء، وغالباً ما يواجه الأشخاص المبدعون جداً معاناةً وألماً نفسياً طوال حياتهم؛ لأنَّهم لا يرون أنفسهم أو يلاحظون قدراتهم بوضوح، وغالباً ما تختفي قدرات الأشخاص المبدعين جداً بسبب المصاعب العاطفية والمهنية والعلاقات".

في حين أنَّ الشخص المبدع يُدرِك مشكلاته تماماً، إلا أنَّه غالباً ما يكون غير مدرك لقدراته، وكونه يعيش في مجتمع يُفضِّل التفكير والسلوك التحليلي والعقلاني، فإنَّه يحاول التكيُّف مع المواقف التي لا تناسبه، ثم يلوم نفسه عندما لا ينجح ذلك.

تقول "تايلور": "إنَّ طريقة التفكير الخاطئة هذه يمكن أن تُسبِّب ضرراً كبيراً لنظرة المرء إلى نفسه، كما أنَّ المحاولات المبذولة لتصحيح مشكلة من وجهة النظر هذه غالباً ما تكون غير ناجحة؛ لأنَّ التفسير الأولي كان خاطئاً في الأساس، وغالباً ما تنبع أعمق اضطرابات الأشخاص المبدعين من حقيقة أنَّهم على الرغم من شعورهم بأنَّهم يمتلكون القدرات، إلا أنَّهم غير قادرين على إظهار مواهبهم للعالم بصورة ملموسة، وغالباً ما يشعرون بالارتباك في محاولاتهم لحل هذا اللغز".

يقود اللوم الذاتي وقلة الفهم معظم الأشخاص المبدعين إلى عيش حياة مهمشة مع مرور الوقت، فيضطرون إلى العمل في وظائف لا تناسب قدراتهم ومؤهلاتهم ولا ترضيهم، وغالباً يعانون من آلام نفسية كثيرة.

مشكلات المرحلة الأولى (المشكلات التي تنبع مباشرةً من القدرة نفسها):

  • الاكتئاب الناجم عن نقصٍ في الإشباع الإبداعي والفكري في البيئات التي تفتقر إلى التحفيز الإبداعي أو الفكري.
  • الشعور بالإرهاق؛ بسبب صعوبات إدارة الأفكار الإبداعية وأنماط التفكير المتنوعة، أي إنَّهم يعانون بسبب التدفق الكبير للأفكار وقدرتهم على معالجة الأفكار على مستويات متعددة في وقت واحد.
  • ينتج عن الحمل الزائد الحسي، الشعور بالقلق والاضطراب والإرهاق الناجم عن مزيج من المهارات الحسية القوية والتحفيز البيئي.

تتضمن الأسئلة الهامة في إجراء تقييم لمثل هذه المشكلات ما يأتي:

  • هل حقاً لديَّ وسواس قهري أم أنَّ قدراتي البصرية القوية تفرض عليَّ إنشاء بيئة من الجمال البصري والنظام؟
  • هل أعاني فعلاً من الاكتئاب، أم أنَّني شخص حالم يعيش بين أشخاص لا يهتمون إلا بالمنطق؟
  • هل أعاني من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أم أحاول بدنياً مواكبة أفكاري واهتماماتي العديدة من خلال مشاريع ونشاطات متعددة؟
  • مشكلات الهوية: يقبل معظم الأشخاص المبدعين جداً المفاهيم الخاطئة عن أنفسهم، ومن ذلك المعتقدات بأنَّهم حساسون وعاطفيون جداً، ويسعون إلى الكمال، ويفكرون كثيراً، لذا يمكن أن تؤدي هذه المواصفات السلبية إلى الإضرار بالصورة الذاتية للفرد والفشل في تحديد المواهب التي قد تكون مخفية وراء المشكلة المتصورة.
  • مشكلات التكيُّف، يعاني معظم الأشخاص المبدعين جداً من فكرة التكيُّف؛ وذلك لأنَّهم لا يرون أنفسهم أو قدراتهم بوضوح؛ إذ يمكن أن يؤدي هذا إلى تجربة الانتقال من وظيفة إلى وظيفة أو من علاقة إلى علاقة بحثاً عن هدف ولكن دون جدوى.
  • المشكلات الأكاديمية، غالباً يملك الأفراد المبدعون جداً قدرات تقع خارج نطاق الاختبارات النموذجية، والتي تفضل عادةً التفكير التحليلي والقدرات المنطقية والرياضية واللغوية، ويمكن أن تنجم المشكلات الأكاديمية أيضاً عن عدم التوافق بين أسلوب التعلُّم وأسلوب التدريس، وعلى سبيل المثال عندما يتوقع مدرس يعتمد منهج التفكير التحليلي أن يحلَّ طالب يعتمد على منهج التفكير المتنوع الإبداعي مشكلة باستخدام نهج تدريجي مع استبعاد طرائق حل المشكلات الاستدلالية والبديهية.
  • المشكلات الصحية: تقول "تايلور"، "في ممارستي للعلاج النفسي، لاحظت ارتباطاً كبيراً بين الأفراد ذوي القدرات الإبداعية المتعددة ووجود أنواع معينة من المشكلات الصحية، وغالباً في الحساسية ونقص المناعة ومشكلات الغدة الدرقية واضطرابات التمثيل الغذائي".

شاهد بالفديو: كيف تصبح حاد الذكاء؟

مشكلات المرحلة الثانية (عندما نتجاهل مشكلات المرحلة الأولى أو نفسرها بصورة خاطئة):

مشكلات المرحلتين الأولى والثانية ليست بسبب أمر خاطئ جوهري في الشخص على الرغم من أنَّها توحي بذلك؛ وإنَّما هي نتيجة التوتر الذي يصاحب العيش مع قدرات إبداعية غير محددة في مجتمع لا يفهم أو يُعزِّز الذكاء الإبداعي.

تقول "تايلور": "نظراً لأنَّ القدرات الإبداعية قائمة على أساس فيزيولوجي ولا يمكن إيقافها، فمن المحتمل أن تزداد مشكلات المرحلتين الأولى والثانية مع مرور الوقت إذا لم تُستخدَم تدخلات فعَّالة".

إقرأ أيضاً: 6 فوائد صحيّة تمنحها الرياضة للعقل

ما هو الذكاء الإبداعي؟

لا يعمل الأشخاص الأذكياء بالضرورة كُتَّاباً أو فنانين أو في أي مجال يسمى إبداعي؛ إذ يعمل معظمهم في وظائف عادية، وقد لا يعدون أنفسهم مبدعين على الإطلاق.

الذكاء الإبداعي ليس له علاقة كبيرة بنشاطات معينة؛ بل له علاقة أكبر بطريقة مواجهة وفهم الحياة، ويمكن تعريف الذكاء الإبداعي بأنَّه عقد العزم والانتباه بطريقة تتجاوز المألوف.

إنَّ تطبيق الذكاء الإبداعي يعني الاهتمام والانتباه لما يحدث الآن، فسوف نكون جميعاً أكثر إبداعاً إذا أولينا اهتماماً أقل للأمور السطحية ولأعمالنا وإنجازاتنا وطموحاتنا ورغباتنا، ومزيداً من الاهتمام للقوى والقدرات الخفية التي تكمن في أنفسنا وفي الآخرين، ففي كل الأمور والتجارب التي نخوضها نحن نصر على زيادة مخاوفنا، والاهتمام برغباتنا واحتياجاتنا حتى نتجاهل ما هو ظاهر أمام أعيننا، ونحن نؤكد على آرائنا، ونفشل في الإصغاء إلى الآراء الأخرى.

هل أنت شخص مبدع للغاية؟

استخدم الاستبيان أدناه لتختبر كيف جرَّبتَ هذه القدرة في حياتك، وتحديداً عندما تُصنَّف على أنَّها عبء.

ماذا كان يحدث في تلك الأوقات؟ أو هل ألقيت اللوم على نفسك؟ وإذا نظرت إلى الوراء ورأيت نفسك شخصاً مبدعاً جداً لديه موهبة غير مُعتَرف بها، فكيف يغير ذلك تصورك للحدث؟

للحصول على أفضل النتائج، اكتب إجاباتك عن هذه الأسئلة:

  • هل تشعر أنَّك مختلف عن الأشخاص من حولك أو أنَّك على مسار مختلف عن معظم الناس؟
  • هل أخبرك أحدهم بأنَّك تفكر كثيراً أو تسعى إلى الكمال؟
  • هل وبَّخك معلموك بسبب أحلام اليقظة أو التحديق من النافذة؟
  • هل أخبرك أحدهم بأنَّك طائش أو مزعج جداً في المدرسة؟
  • هل تواجه مستوى من النشاط التخيلي يبدو أنَّ القليل من الأشخاص حولك يفهمونه؟
  • هل تعتقد أنَّ لديك اهتمامات كثيرة جداً؟
  • هل قيل لك إنَّك عاطفي بصورة مفرطة؟
  • هل تنتقل من مشروع إلى آخر؟
  • هل تحمل كثيراً من المشاريع غير المكتملة في ذهنك؟
  • هل تشعر أحياناً بالإرهاق من الأفكار والمشاريع العديدة التي تُنشِئها؟
  • هل تتأثر أكثر من غيرك في المحفزات البيئية مثل الطقس والأضواء الساطعة والموسيقى الصاخبة والحالات المزاجية للآخرين؟
  • هل قيل لك إنَّك شخص حساس جداً؟
  • هل تشعر بعدم الرضى عن كثير من علاقاتك؟
  • هل يطلب منك الناس النصائح بينما تشعر أنَّه لا يوجد من يفهمك؟
  • هل تعتقد أنَّك لا تحقق كل ما يمكنك تحقيقه في عملك على الرغم من امتلاكك درجة عالية من الكفاءة والقدرة والخبرة وربما الإنجاز أيضاً؟

إذا أجبت بـ "نعم" عن أكثر من 3 من هذه الأسئلة، فأنت حقاً شخص مبدع جداً.

إقرأ أيضاً: 6 طرق بسيطة تساعد على اكتساب الذكاء

في الختام:

الذكاء الإبداعي، جوهرة تميز الأفراد عن غيرهم، وتتيح لهم الخروج عن المألوف، وابتكار أفكار وحلول جديدة لمشكلات قديمة. يمكن تعريفه ببساطة على أنه القدرة على توليد أفكار جديدة ومبتكرة، أو ربط أفكار موجودة بطرق جديدة وغير متوقعة.




مقالات مرتبطة