غرور الطفل: الأسباب وكيفية العلاج

تربية الطفل هي أسمى الأعمال التي يقوم بها الإنسان في حياته وأكثرها متعة وتشويقاً، وعلى الرغم من صعوبة حمل الطفل تسعة أشهر ثم إنجابه بالنسبة إلى الأم، إلا أنَّ الصعوبة الحقيقية تكمن في تربيته، فالطفل يحتاج إلى الرعاية والتوجيه المستمر والدعم الذي يشعره بالأمان والطمأنينة وخاصةً في سنواته الأولى، ولكنَّ ذلك لا يعني أنَّ المراحل العمرية القادمة ستكون أسهل؛ إذ إنَّ التوجيه والإشراف في مرحلة المراهقة لا يقلان أهمية عن مرحلة الطفولة؛ وذلك لأنَّهما يحميان المراهق من التوجه إلى العادات السيئة مثل تناول الكحوليات أو التدخين.



تعتمد تربية الطفل على التأثيرات الثقافية المحيطة به وكيفية نشأة الوالدين وتربيتهم، إضافة إلى تأثير المعتقدات الدينية فيهم، لذلك لا يوجد أسلوب معين يمكن عَدُّه الأسلوب الأصح في تربية الطفل، ولكنَّ الهدف الوحيد من جميع أساليب التربية هو بناء شخصية متوازنة نفسياً وعقلياً وعلى مستوى عالٍ من الثقة بالنفس.

هنا يجب أن نفرق بين الثقة بالنفس والغرور، فالأطفال الواثقون راضون عن أنفسهم وهو ما يجب أن يتمتع به الإنسان، أما الغرور فهو صفة سلبية يجب مواجهتها وعلاجها منذ الطفولة، وهذا ما سنوضحه في مقالنا الحالي.

مفهوم الغرور:

حالة نفسية أو سلوك سلبي شائع بين الكثير من الأطفال والمراهقين والبشر عموماً، ويعرَّف الغرور بأنَّه انخداع المرء بنفسه وإعجابه المبالغ بها، فيخيَّل له أنَّه يمتلك قدرات لا يتمتع بها أصلاً؛ أي إنَّ الغرور هو ثقة زائدة بالنفس مبنية على فراغ، وهذا ما يدفعه للتصرف بطريقة متعجرفة مع الآخرين لاعتقاده أنَّهم أقل منه شأناً حتى إن كان الواقع مخالفاً لذلك.

صفات الطفل المغرور:

يتصاحب الغرور عند الأطفال بسلوكات ليست طبيعية ربما تبدو في البداية مضحكة أو "حركات مهضومة" كما يقال، لكن عندما تتكرر فهي تشير إلى الغرور، ونذكر من هذه الصفات ما يأتي:

1. الوقوف أمام المرآة لوقت طويل:

تقول إحدى السيدات إنَّ طفلها يقف لساعة أمام المرآة صباحاً ويقبِّل نفسه أيضاً ويكرر ذلك يومياً، ففي البداية قد نشعر بأنَّه لطيف جداً، لكن يشير تصرفه إلى إعجاب بالنفس زائد عن حدِّه.

2. تقليد الكبار:

يميل الطفل المغرور إلى تقليد الكبار في طريقة كلامهم وحركاتهم وحتى ملابسهم، كما يفضِّل الاختلاط بالكبار دائماً وعدم اللعب مع أقرانه.

3. التحكم بالآخرين:

يسعى الطفل المغرور إلى التحكم بغيره من خلال تحديد نوع اللعبة التي سيلعبها مع أصدقائه مثلاً، وخلال اللعب يصر على أنَّه هو الفائز، وفي حال لم يكن الأول يلوم الآخرين على أخطائه بدلاً من الاعتراف بها، كما أنَّه يرفض الحدود المرسومة لدوره اجتماعياً.

4. كاذب غالباً:

فهو يعيش ضمن خيالات يظهر فيها أنَّه مميز ويمتلك قدرات خارقة، لذلك يقول الكثير من الأكاذيب كي يُظهر للآخرين مدى تفرده عنهم.

5. غير متعاطف مع الآخرين:

وذلك نتيجة النظرة الدونية لهم التي تمنعه من التفاعل معهم وإظهار أحاسيسه ومشاعره.

6. يحب أن يشاهد نفسه:

وذلك من خلال مشاهدة صوره والمقاطع المصورة له؛ إذ يقوم معظم الأهل بالتقاط الصور المميزة والعفوية لأبنائهم، ولكنَّ الطفل الطبيعي لا يهتم كثيراً لرؤية تلك الصور أو مقاطع الفيديو، أما الطفل المغرور فيعاود مشاهدتها مراراً وتكراراً ويبتسم كثيراً عند مشاهدته لحركاته ويعبِّر عن إعجابه بجماله وتصرفاته.

شاهد: 6 طرق لمعالجة الغيرة عند الأطفال

أسباب غرور الطفل:

لأنَّ الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي ينشأ الطفل فيها ليلتحق لاحقاً بالمؤسسة التربوية الثانية وهي المدرسة، فالأسرة هي المسؤول الأول عن غروره، فالطفل حتى عمر الخمس سنوات يكون قد اكتسب معظم صفاته وأصبحت شخصيته واضحة، وإنَّ أبرز الأسباب الشائعة التي تكمن خلف غرور الطفل هي ما يأتي:

1. الاهتمام الزائد:

عندما يُعطى الطفل اهتماماً مبالغاً فيه يتولد بداخله شعور بالغرور، وأبرز حالات الغرور نلاحظها عند الحفيد الأول الذي يتلقى الدلال من عائلة الأب وعائلة الأم، فعندما يمرض يجد ما لا يقل عن 10 أشخاص إلى جانبه، وبإمكانه طلب ما يشاء فطلباته مجابة بالتأكيد، أو في حال كان الطفل الأول لوالديه فيصبح رضاه همهم الوحيد.

كما يظهر الغرور كثيراً عند الطفل الوحيد أو الطفل الذكر الوحيد بين إناث عدة الذي ينشأ ضمن عائلة تُشعره أنَّه أفضل من أخواته ويمكنه التحكم بهن أيضاً وأنَّ أخطاءه مغفورة، إضافة إلى الحماية الزائدة التي تقدَّم له من قِبل الأهل.

2. القمع والدونية من قِبل الأهل:

بخلاف ما ذكرنا في البند السابق فقد يكون السبب وراء الغرور هو عدم المبالاة لوجود الطفل أو إنجازاته، إضافة إلى الإهمال والقمع لمواهبه أو الإهانة أمام الآخرين، فكل ما سبق يولِّد لديه الكره للآخرين فيقوم بترجمة حقده وكرهه الدفين بالغرور والتكبر على الآخرين.

3. تميُّزه بموهبة ما:

فبعض الأطفال يمتلكون مواهب تبدأ بالظهور منذ الصغر فإن اكتشفها الأهل وقاموا بتنميتها فسيصبح الطفل مميزاً في نظر من حوله، ويعطيه ذلك شعبية كبيرة فقد يصاب بالغرور نتيجة ذلك، كما أنَّه سيصبح مصدر فخر والديه ضمن المنزل بين إخوته وأخواته أو خارجه.

4. الحالة المادية الممتازة:

فالطفل المغرور يتباهى بما يمتلك أهله من أموال أو مناصب هامة تجعلهم قادرين على الذهاب إلى أفضل أماكن التسلية والمرح والسفر إلى دول مختلفة، لذلك يقوم بقص أخبار رحلاتهم ومقتنياتهم على أقرانه ليشعرهم بتميزه عنهم.

5. تنمية الثقة بالنفس:

يهتم الكثير من الآباء في تنمية ثقة طفلهم بنفسه من خلال إقناعه بأنَّه يمتلك قدرات هامة وأنَّه قادر على النجاح دائماً وأنَّ ذكاءه مرتفع بالنسبة إلى أقرانه، ولكنَّ المبالغة في ذلك ستبلغ حد الغرور والتعالي على الآخرين.

كيفية علاج غرور الطفل:

على الرغم من أنَّ الأمر يبدو صعباً؛ وذلك لأنَّ التعامل مع الطفل أصعب من التعامل مع شخص ناضج فدائماً يوجد خوف من ترك آثار نفسية إن لم تحسن معاملته، لكن يمكن معالجة غرور الطفل من خلال اتباع النقاط الآتية:

1. تحديد المشكلة:

من الضروري مصارحة الطفل بسوء تصرفاته وسلوكه وتقديم النصائح له لمحاولة حل مشكلة الغرور بالحوار وتوضيح الأثر السلبي للغرور في علاقته مع الناس، كما يفضَّل استخدام القصص التي توضح الفرق بين التواضع والغرور، فمن الضروري أن يشعر الطفل أنَّه مشارك في حل المشكلة وليس الطرف المُلام بسببها.

2. تحديد أسباب الغرور:

فمثلاً إن كان السبب هو الاهتمام الزائد عندها يجب التقليل من الاهتمام من خلال توكيله بأعمال تناسب عمره ومحاولة تركه يدافع عن نفسه قدر الإمكان ووضع خطوط حمراء يمنع تجاوزها، وإن كان السبب هو الإهمال فمن الضروري تقديره بمدح ميزاته والاستماع لرأيه وتلبية بعض طلباته وعدم انتقاده بصورة لاذعة وخاصةً أمام الغرباء وتنمية مهاراته إن كانت لديه موهبة معينة.

3. الاهتمام ببناء شخصيته وليس بإنجازاته:

حتى إن كان ذا موهبة مميزة فيجب الانتباه والاهتمام بتعليمه كيفية الصبر والمثابرة لتحقيق كافة الأهداف وليس التركيز على وصوله إلى المركز الأول، وكيفية تعامله مع أقرانه ومع إخوته وشرح عواقب السلوك السلبي مع الآخرين.

4. مدح مميزات الآخرين:

وذلك بهدف لفت انتباهه إلى أنَّ كل إنسان لديه جانب إيجابي أو موهبة تميزه عن غيره ولتشجيعه على الاعتراف بميزات أصدقائه أو صفاتهم الإيجابية فيعتاد على تقدير الآخرين.

شاهد أيضاً: قواعد هامة في تربية الطفل الوحيد

5. إظهار الذكاء أمامه:

فكثيراً ما يحاول الأهل التظاهر بالغباء أمام الطفل ليبدو أنَّه أذكى منهم، لكن يجب إظهار الذكاء بين حين وآخر كي يدرك أنَّ قدراته محدودة أمام قدرات والديه ولا داعي للغرور أبداً.

6. القدوة الحسنة:

فالطفل يتأثر تأثراً كبيراً بوالديه ويرغب بتقليدهم دائماً، لذلك يمكن تعديل سلوكه السلبي عندما يرى سلوك والديه المغاير لسلوكه مع الآخرين، فيفضل التعامل بطريقة تتميز بالطيبة والتواضع والتسامح وعدم انتقاص أي شخص بالكلمة أو بالتصرف لنقل هذه الصفات إليه مع مرور الزمن.

إقرأ أيضاً: ما هي أهداف تربية الأطفال؟

7. مدح التغيير الإيجابي في شخصيته:

بعد تطبيق النقاط السابقة إن لاحظ الأهل حدوث تغييرات إيجابية في شخصية الطفل من خلال طريقة كلامه أو تعامله مع الآخرين، يفضَّل أن يتلقى بعض المديح كي يتحفز لإظهار المزيد من التصرفات الإيجابية ويستمر بأسلوبه الجديد.

إقرأ أيضاً: 7 تصرفات تفسد تربية الطفل حاول أن تتجنبها

في الختام:

الغرور من الصفات السلبية التي يتمتع بها بعض الناس، لكن هي صفة يتم اكتسابها منذ الطفولة في الكثير من الأحيان دون أن يشعر الأهل بذلك قبل وصول الطفل إلى عمر المدرسة، على الرغم من أنَّ الطفل المغرور يتميز ببعض الصفات مثل حبه لمشاهدة نفسه سواء بالمرآة أم مشاهدة صوره وتقليده للكبار بالكلام والسلوك ورغبته بالتحكم في أقرانه عند اللعب معهم.

كما أنَّه يجد صعوبة في التعاطف مع الآخرين، فهو يعتقد أنَّه أفضل من الجميع، ويعود غرور الطفل إلى الاهتمام الزائد المقدَّم له والحماية المبالغة بها، أو بخلاف ذلك تماماً فقد يكون الغرور هو رد فعله نحو الإهمال الذي يعاني منه، كما أنَّ الطفل الذي يمتلك موهبة تميزه عن غيره يكون معرضاً للغرور أو الذي يمتلك أهله المال الوفير.

لعلاج غرور الطفل يجب مناقشته أولاً بالمشكلة وتقديم التوجيهات ومعرفة الأسباب الكامنة وراء الغرور وتغييرها، إضافة إلى الاهتمام ببناء شخصيته ومواهبه، لكن مع إظهار قدراتك أمامه ومدح ميزات الآخرين ومدحه هو في حال تغير نحو الأفضل.




مقالات مرتبطة