علم وضع الأهداف الفعالة

أنا أكتب هذا المقال في الشهر الأول من العام الجديد، وسوف أتنبأ بنتيجة قراراتك لهذا العام. للأسف معظمكم يفشل، فقد وجد بحث أجرته جامعة سكرانتون (Scranton) نُشر في مجلة جورنال أوف كلينيكال سايكولوجي (Journal of Clinical Psychology) أنَّ 8٪ فقط من الناس ينجحون في تحقيق قرارات العام الجديد.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "جيفري ي. أويرباك" (JEFFREY E. AUERBACH) والذي يُحدثنا فيه عن كيفية وضع أهداف فعَّالة وقابلة للتحقيق.

 إذاً، ما الذي يمكنك فعله أنت وعملاؤك للنجاح في تحقيق الأهداف؟

علم نظرية وضع الأهداف:

إنَّ تحديد الأهداف كوسيلة لإحداث التغيير وتحسين الأداء ليس فكرة جديدة؛ إذ كتب الفيلسوف اليوناني أرسطو (Aristotle) منذ ما يزيد عن 2300 عام عن أربعة أسباب للتغيير، وكان أحد الأسباب التي حدَّدها هو ما أطلق عليه السبب النهائي، أي سبب حدوث الأشياء.

عرَّف أرسطو السبب النهائي بأنَّه السبب الذي يؤدي إلى التغيير نتيجة غاية محددة أو هدف نهائي، فقد كانت فكرته الرئيسة عن الأهداف هي أنَّ الغرض أو النتيجة النهائية يُمثِّلان أقوى عاملين محفزين للتغيير.

لم تُجرى الدراسات التجريبية الأولى لتحديد الأهداف حتى عام 1935 من قِبل الفيلسوف البريطاني سيسيل أليك مايس (Cecil Alec Mace) الذي تحدى الفكرة التي كانت سائدة على نطاق واسع بأنَّ ما يُحفِّز العمال هو المال بصورة أساسية، ووجد أنَّ الناس يتحفزون أيضاً من خلال تحقيق الأهداف.

إقرأ أيضاً: نظرية لوك في تحديد الأهداف

المبادئ العلمية الخمسة لتحديد هدف فعَّال:

قال السير إدموند هيلاري (Edmund Hilary)، وهو أول شخص تسلَّق قمة إيفرست: "ليس ضرورياً أن تكون بطلاً خارقاً للقيام بأشياء معينة، فيمكنك أن تكون مجرد شاب عادي لديه الدافع الكافي لتحقيق أهداف صعبة المنال".

توسَّع مخترع نظرية تحديد الأهداف الحديثة الدكتور إدوين لوك (Edwin Locke) في عمل سيسيل أليك مايس (Cecil Alec Mace) ووصف النتائج التي توصَّل إليها حول تحديد الأهداف في ورقة بحث طرحها عام 1968 "نحو نظرية تحفيز المهام والحوافز"، حيث وضعت هذه الورقة البحثية الأساس لنظرية تحديد الأهداف الحديثة.

شارك كل من الدكتور إدوين لوك والدكتور جاري لاثام (Gary Latham) في بحث نظرية تحديد الأهداف؛ حيث حدَّد بحثهما المشترك المبادئ الخمسة التالية لتحديد الأهداف تحديداً فعَّالاً:

  1. الوضوح.
  2. التحدي.
  3. الالتزام.
  4. التغذية الراجعة.
  5. تعقيدات المهام.

أظهر بحثهما أنَّ تحقيق أهدافنا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بهذه المبادئ، ولكن سوف نركز في هذا المقال على أول مبدأين؛ الوضوح والتحدي.

1. وضع أهداف واضحة ومُحدَّدة:

تُعدُّ الأهداف غير الواضحة واحدة من أكبر العقبات التي تعترض تحديد الأهداف والأداء الفعَّال؛ فالأهداف الفعَّالة تكون واضحة ومحدَّدة.

يتعلق الوضوح بالمعرفة الدقيقة لما تحاول تحقيقه ومتى تريد تحقيقه؛ فالهدف المحَّدد يعني أنَّنا قادرون على قياس نتائجه، ولكن عندما يكون الهدف غامضاً، مثل فقدان بعض الوزن، فإنَّه لن يكون محفزاً أو سهل التحقيق مثل هذا الهدف الواضح والأكثر تحديداً: "فقدان 10 كغ في الأشهر الستة المقبلة" في هذا المثال، الهدف مُحدَّد وواضح وقابل للقياس ومقيد زمنياً؛ إذ تساعدك الأهداف القابلة للقياس على تركيز جهودك.

قال زيغ زيغلار (Zig Ziglar) الذي ألَّف كتاب "الوصول إلى القمة" (See You at the Top): "يضعك تحديد الهدف تحديداً صحيحاً في منتصف الطريق".

تساعدك الأهداف الواضحة على التركيز؛ فعندما تكون الأهداف واضحة، يَسْهُل تحديد المهام والنشاطات، إضافةً إلى ذلك تؤدي الأهداف الواضحة والمُحدَّدة إلى تحقيق أداء أعلى؛ ذلك لأنَّ الأهداف القابلة للقياس أكثر فاعلية في توجيه العمل والسلوك.

يُعدُّ وضع أهداف واضحة ومُحدَّدة الخطوة الأولى الهامة لتحديد الأهداف تحديداً فعَّالاً، ويَرمُز الحرف الأول من في كلمة سمارت (SMART) -التي تصف معايير الهدف الذكي- إلى كلمة مُحدَّد (Specific).

لقد عُرِّف اختصار هدف "سمارت" -الذي وصفه في الأصل جورج دوران (George Doran) في عام 1981- تعريفاً مختلفاً قليلاً من قِبل العديد من المؤلفين، لكنَّني أُفضِّل الوصف التالي: مُحدَّد (Specific)، وقابل للقياس (Measurable)، ويمكن تحقيقه (Attainable)، وذو صلة (Relevant) ومُقيَّد زمنياً (Time-Bound).

إقرأ أيضاً: الأهداف الذكية (SMART): كل ما تحتاج إلى معرفته عنها

2. وضع أهداف صعبة:

قال الرَّسام الإيطالي مايكيل أنجيلو (Michelangelo): "لا يتمثَّل الخطر الأكبر بالنسبة لمعظمنا في ضخامة الهدف والفشل في تحقيقه، وإنَّما في بساطته والنجاح في تحقيقه".

الأهداف الواضحة هامة، ولكن من الهام أيضاً وضع أهداف صعبة، فقد وجد البحث الذي أجراه "إدوين لوك" و"جاري لاثام" أنَّ ما يُحفِّز الناس هو الأهداف الصعبة؛ فعندما تكون الأهداف صعبة ومُحدَّدة، سيعمل الناس بجد أكبر لتحقيقها لا سيَّما أنَّهم لا يبذلون قصارى جهدهم عندما تكون الأهداف سهلة.

تُظهر الأبحاث أنَّ الأهداف الصعبة والتي تُثير التحدي في نفوس الناس تدفعهم للأداء بشكل أفضل؛ حيث يرتبط الجهد الذي يبذلونه ارتباطاً وثيقاً بصعوبة الهدف، ويعتقد الناس أنَّ تحقيق الأهداف الصعبة هو أكثر فائدة وأكثر إرضاءً؛ فكلما كان الهدف أصعب، زاد الجهد الذي سيبذلونه في سبيل تحقيقه، وهذا يدفعهم بطبيعة الحال إلى الأداء بشكل أفضل.

يتطلب تحديد الهدف تحديداً مثالياً توازناً دقيقاً لضمان اختيار درجة التحدي المناسبة؛ فالأهداف السهلة جداً أو الصعبة جداً تؤثر سلباً في الدافع والأداء؛ حيث يصل الناس إلى أعلى مستوى من التحفيز عندما تُثير الأهداف التحدي في نفوسهم شريطة ألا تكون صعبة للغاية بحيث يتعذر تحقيقها.

عندما تضع أهدافاً لنفسك في المرة القادمة أو عندما تساعد عملاءك على وضع أهدافهم، عليك أن تضمن أنَّها صعبة وتثير في نفوسهم ما يكفي من التحدي لكن مع كونها واقعيَّةً وقابلةً للتحقيق.

 

المصدر




مقالات مرتبطة