ظاهرة عمالة الأطفال: التعريف والأسباب والمخاطر والحلول

في انتهاك صارخ لحقوق الأطفال وفي كثير من دول العالم، تجد عدداً من الأطفال المنتشرين في الشوارع يبيعون الورود أو حتى يمسحون الأحذية ويقومون بالأعمال الصعبة، محرومين من كل حقوقهم وحتى من أدنى متطلبات الحياة الطبيعية التي عليها أن تتناسب مع حساسية مرحلة الطفولة وأهميتها لنمو الطفل بشكل سليم.



تعدُّ ظاهرة عمالة الأطفال من أكثر الظواهر تهديداً لاستقرار المجتمع؛ نظراً لما ينجم عنها من استغلال وانتهاك للأطفال، وهذا ما تنعكس آثاره على المجتمع ككل، وتجتاحنا العديد من الأسئلة عن الأسباب التي تدفعهم إلى العمل، كما تراودنا كثير من مشاعر التعاطف تجاههم، فهؤلاء الأطفال قبل كل شيء يبيعون طفولتهم وحياتهم، ولكنَّنا في نهاية المطاف لا نملك إلا التعاطف وقليلاً من المساعدة الآنية التي لن تخفف شيئاً من وطأة وحجم الظلم الذي تخلفه ظاهرة عمالة الأطفال.

هنا نجد أنَّ السؤال الأهم الذي يطرح نفسه "هل حماية هؤلاء الأطفال مسؤولية فردية أم أنَّها مسؤولية المجتمع ككل ومسؤولية الحكومات والمنظمات؟"، إذا أردت معرفة الإجابة عن السؤال السابق وغيره من الأسئلة، فتابع القراءة.

أولاً: ما هي ظاهرة عمالة الأطفال؟

تعرف ظاهرة عمالة الأطفال (Child Labour) بأنَّها أي شكل من أشكال استغلال الأطفال في العمل، وحرمانهم من ممارسة طفولتهم وحياتهم الطبيعية وممارسة حقوقهم، وهذا ينتج عنه كثير من الآثار النفسية والاجتماعية والانفعالية السيئة.

تعرِّف منظمة العمل الدولية عمالة الأطفال بأنَّها "كل جهد جسدي يقوم به الطفل يؤثر في صحته الجسدية أو النفسية أو العقلية، ويتعارض مع تعليمه الأساسي"، وقد أشار تقرير مشترك لمنظمة العمل الدولية واليونيسيف صدر عام 2021م إلى أنَّ نحو 160 مليون طفل حول العالم عاملون، بزيادة قدرها 8.5 مليون طفل خلال السنوات الأربع السابقة لكتابة التقرير، كما أشار التقرير إلى أنَّ الجهود الحقيقية لإنهاء عمالة الأطفال توقفت منذ 20 عاماً، والتقديرات الجديدة التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في ظاهرة عمالة الأطفال ليست إلا جرس إنذار للعالم.

من الجدير بالذكر أنَّه يتم في اليوم 12 من شهر حزيران/ مايو من كل عام في أنحاء العالم إحياء اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، في حين أشار بعض الباحثين إلى انقسام مفهوم العمالة إلى قسمين:

1. القسم الأول:

هو "عمالة الأطفال السلبية"؛ أي الاستغلال الواضح والصريح للأطفال، من خلال تكليفهم بأعمال مؤذية وغير مناسبة لأعمارهم، وتحمِّلهم أعباء جسدية ونفسية تفوق قدرتهم على الاحتمال دون إعطائهم حقهم أو تبخيس أجورهم.

2. القسم الثاني:

هو "عمالة الأطفال الإيجابية" التي تشمل الأعمال التي يقوم بها الأطفال بملء إرادتهم؛ أي الأعمال التطوعية، كما تتضمن الأعمال المأجورة التي يقوم بها الأطفال في فترات العطل المدرسية، والتي تكون متناسبة مع أعمارهم وقدراتهم، ولا يتم استغلالهم مادياً فيها، وتتم بإشراف الأهل، وغالباً ما يكون الهدف منها هو تعويد الأطفال على تحمل المسؤولية وتطوير مهاراتهم وقدراتهم الجسدية والعقلية وتقوية شخصيتهم.

بذلك يمكن القول إنَّ عمالة الأطفال بوصفها ظاهرة مؤذية ومتعارضة مع حقوق الطفل، وذلك فيما يأتي:

  1. حرمان الأطفال من ممارستهم حقوقهم الطبيعية باللعب والتعليم.
  2. الهدف من عمالة الأطفال تحسين وضع الأسرة الاقتصادي واستغلال الطفل وتشغيله.
  3. الأعمال التي يمارسها الأطفال غير متناسبة مع قدراتهم الجسدية، وتعرِّضهم للضغوطات النفسية والمخاطر والتعنيف والاستغلال المادي والجنسي.
  4. إعاقة النمو الطبيعي للأطفال، والقيام بممارسة العمل وهم دون السن القانوني.

تمنع العديد من الدول عمالة الأطفال؛ إذ تنص في قوانينها بشكل واضح وصريح على معاقبة الأهل الذين يستغلون أطفالهم، ومعاقبة أرباب العمل الذين يقبلون بتشغيل الأطفال دون السن القانوني.

شاهد بالفيديو: علاج ظاهرة أطفال الشوارع

أنواع الأطفال العاملين:

قامت منظمة الصحة العالمية بتقسيم أنواع الأطفال العاملين إلى ثلاث فئات وهي:

1. الأطفال المستخدمون:

تضم هذه الفئة الأطفال العاملين في مجال النشاطات الاجتماعية المدفوعة وبعض النشاطات غير الإنتاجية، وأيضاً تضم الأطفال العاملين في خدمة المنازل، وتعد هذه الفئة الأكثر انتشاراً في العالم.

2. العمال الأطفال:

تضم هذه الفئة الأطفال أكبر من 11 إلى 14 عاماً، ويقوم هؤلاء الأطفال بممارسة أعمال لا تؤثر في سير حياتهم الطبيعية؛ إذ يمكنهم الذهاب إلى المدرسة والقيام بالنشاطات التي يحبونها.

3. الأطفال في الأعمال الخطرة:

تضم هذه الفئة الأطفال الذين يمارسون أعمالاً تفوق طاقتهم وقدرتهم، وتؤثر في صحتهم النفسية والجسدية.

ثانياً: أسباب عمالة الأطفال

ترجع أسباب عمالة الأطفال إلى كثير من العوامل والظروف، فهنا وقبل البدء بتعداد هذه الأسباب، لا بد من الإشارة إلى أنَّ الأسباب أحياناً تكون خارجة عن إرادة الأسرة ورغبتها، وهذا ما يحدث في أثناء الحروب والكوارث الطبيعية، فكثير من الأطفال يجدون أنفسهم دون معيل أو يضطرون إلى العمل بأنفسهم لإعالة أسرهم، وخارج هذا وضمن الظروف الطبيعية يمكن أن نقسم أسباب عمالة الأطفال إلى ما يأتي:

1. الأسباب الاقتصادية:

الظروف المادية والاقتصادية الصعبة، إضافةً إلى الفقر وتردي الأوضاع المعيشية، يدفع كثيراً من الأسر إلى البحث عن مصدر جديد للدخل، فيجد هؤلاء في أطفالهم طريقة لكسب المال وتحسين الوضع الاقتصادي من خلال تشغيلهم، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة التي ترجع إلى العديد من الأسباب منها ما يتعلق بالوضع الاقتصادي للبلد عموماً.

2. الأسباب الاجتماعية:

ينعكس الوضع الاجتماعي للأسرة مباشرة على أوضاعها الاقتصادية، فعندما يتدنى المستوى الثقافي للأسرة يزداد عدد أفراده دون وعي، وهذا ما يؤدي إلى تراجع وضعها المعيشي، ومن ثم البحث عن طرائق لتحسينه من خلال عمالة الأطفال، فضلاً عن موقف الأسرة نفسه من التعليم؛ إذ تجد بعض الأسر أنَّه لا فائدة منه وأنَّ خروج الأطفال إلى العمل أكثر جدوى وفائدة، وترجع هذه الطريقة بالتفكير إلى قلة وعي الأهل وعدم إدراكهم للآثار السيئة لعمل الأطفال.

إضافة إلى التفكك الأسري أو الطلاق الذي يباعد بين أفراد الأسرة الواحدة، ويشغل الأهل عن أطفالهم، أو يجبر المرأة - وخاصة في المجتمعات المحافظة - على دفع أطفالها إلى العمل بسبب غياب الأب.

3. الأسباب التربوية:

لا يفلح بعض الأطفال في الدراسة، وبسبب رسوبهم المتكرر قد يتم طردهم من المدرسة، وهذا ما يدفعهم إلى البحث عن عمل، وفي بعض الأحيان لا يكون خروج الطفل من المدرسة مرتبطاً بقصور ذهني أو فشل دراسي؛ إنَّما بسبب كره الطالب للمدرسة نتيجة الأساليب المتبعة التي تكرِّهه بالدراسة في بعض الأحيان.

إقرأ أيضاً: هروب الطلاب من المدرسة: الأسباب والحلول

4. الأسباب القانونية:

تغيب في كثير من البلدان القوانين والتشريعات التي تمنع عمل الأطفال، وهذا ما يزيد من ظاهرة عمالة الأطفال بسبب غياب الرادع.

ثالثاً: مخاطر ظاهرة عمالة الأطفال

ظاهرة عمالة الأطفال من أكثر الظواهر خطراً على المجتمعات، فقد تؤدي إلى العديد من المخاطر ولها كثير من الآثار السلبية، وفيما يأتي نعدد بعضاً من مخاطر عمالة الأطفال:

  1. حرمان الأطفال من حياتهم الطبيعية ومن أهم حقوقهم كالتعليم واللعب، فالعمل يحرم الطفل من ممارسة النشاطات الاعتيادية التي يقوم بها الأطفال، وهذا ما يؤثر في طريقة اكتسابهم للمهارات الاجتماعية التي يحتاجونها لممارسة حياتهم بشكل طبيعي، فلا يمكن المقارنة بين سلوكات طفل يعيش في كنف أهله مع طفل يقضي وقته خارج المنزل وتحت ضغوطات العمل التي تنهك الكبار والبالغين.
  2. تعريض الطفل لمخاطر وصعوبات تفوق طاقته، مثل تعرضه لخطر الاستغلال الجنسي أو التعنيف، إضافة إلى ما يتعرض له من ظلم يمس كرامته ويقلل من قيمته، وهذا ما قد يهدد أخلاقه أو يضعف شخصيته، فمن المعروف أنَّ كل شخص يستجيب للمؤثرات استجابة مختلفة.
  3. يصبح الأطفال العاملون أكثر عرضة للمشكلات الصحية في المستقبل وأيضاً للمشكلات النفسية.
  4. الاستغلال المادي الذي يتعرض له الطفل بسبب تبخيس أجره وتكليفه بأعباء إضافية دون أجر.
إقرأ أيضاً: الصحة النفسية للطفل: أهميتها، وطرق الاهتمام بها

رابعاً: الحلول المقترحة لظاهرة عمالة الأطفال

كما بات واضحاً أنَّ ظاهرة عمالة الأطفال من الظواهر الخطيرة التي تهدد المجتمع؛ لذلك كان لا بد من العمل الحثيث لإيجاد حلول لهذه المشكلة التي يبدو أنَّها تتفاقم في العالم خلال السنوات الماضية كما أشارت العديد من التقارير، وفيما يأتي سنذكر بعضاً من الحلول المقترحة لظاهرة عمالة الأطفال:

  1. العمل الجاد من قِبل المؤسسات على تحسين المستوى المعيشي للأسر، وتقديم الدعم للأسر من ذوي الدخل المحدود.
  2. اتخاذ خطوات جدية في قطاع التربية والتعليم في سبيل محاربة التسرب المدرسي وحرمان الأطفال من التعليم، مثل إلزامية التعليم حتى إتمام المرحلة الإعدادية، مع الملاحقة القانونية للأسر المخالفة.
  3. العمل على إدخال مادة التوجيه المهني إلى المناهج الدراسية لمساعدة الطفل وتوجيهه للمهن الملائمة له للعمل في المستقبل.
  4. من واجب الحكومات أيضاً القيام بحملات التوعية اللازمة التي تستهدف بالأخص الأسر ذات المستوى الثقافي المتدني، عن طريق استخدام وسائل الإعلام المختلفة.
  5. تفعيل دور المنظمات والجمعيات والمؤسسات الدينية والثقافية في العمل على محاربة هذه الظاهرة.
  6. القيام بإحصاءات دقيقة لمعرفة الأعداد الحقيقية والنسب الدقيقة لانتشار هذه الظاهرة؛ لأنَّ ذلك هام جداً لمعرفة مدى الزيادة والانخفاض في انتشارها بين عام وآخر، وهذا ما يساهم في الحد من انتشارها.
  7. التأكيد على الدور الذي يجب أن تقوم به شبكات الرعاية الاجتماعية من حماية للأطفال ومساعدة للأسر المحتاجة.

في الختام:

ظاهرة عمالة الأطفال في حقيقة الأمر ليست إلا النتيجة الطبيعية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتردية التي تعيشها الكثير من الأسر في كل بقاع العالم، وهذا إن دل على شيء فإنَّه يدل على أنَّها ظاهرة عالمية تحتاج إلى تضافر الجهود الدولية للحد منها والتقليل من آثارها ومخاطرها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنَّ هناك العديد من المنظمات على مستوى العالم مهمتها العمل على محاربة ظاهرة عمالة الأطفال، ومن هذه المنظمات "منظمة العمل الدولية، منظمة اليونيسيف، مؤسسة إنقاذ الطفل، الشبكة العالمية لحقوق الطفل".




مقالات مرتبطة