طرق إتقان فن التواصل

يُسمى التواصل "فناً"؛ لأنَّه كذلك في الحقيقة؛ فعندما تحاول إيصال رسالتك إلى الآخرين يبدو الأمر كأنَّ أمامك لوحةً فارغةً عملاقةً وتبدأ برسمِ أيِّ صورةٍ ترغب فيها.



يفترض معظم الناس أنَّ باستطاعتهم استخدام عددٍ محدودٍ من الفُرَش الأساسية عند الرسم؛ لكنَّ الفنان المحترف يُدرك أنَّ ثمة أدوات عديدة متاحة لرسم تحفته الفنية، ويستخدم كلاً منها بما يُلبِّي غايته، وينطبق الأمر نفسه على التواصل؛ فتوجد أدوات عديدة متاحة لك لإتقانه وعليك أن تعرفها لتستخدمها على نحوٍ هادف، وكلَّما تمكَّنت منها تواصلتَ مع الآخرين أفضل.

تندرجُ هذه الأدوات ضمن فئتين رئيستين: "التواصل اللفظي، والتواصل غير اللفظي"، ستتعرفُ إليها من خلال هذا المقال، ويمكنك استخدامها؛ لتطوير قدرتك على التواصل:

التواصل اللفظي:

1. الكلمات:

يُقال إنَّ الناس يحكمون عليك من خلال كلامك، وهذا صحيح؛ لذلك اختر كلماتك بحكمة؛ فللكلماتِ قوةٌ ولها القدرة على النهوض بالأمم، وعلى تدميرها كذلك؛ لذلك اختر كلماتك بعناية عندما تتحدث.

إليك بعض الأمور التي يجب مراعاتها فيما يتعلق بانتقاء كلماتك:

  1. تجنُّب استخدام الكلمات التي تُعطي الشخص الآخر فكرةً سيئة عنك، كالألفاظ السوقية والإهانات من أيِّ نوعٍ كانت؛ لذا انتقِ الكلمات التي تحمل قيماً إيجابيةً، واستخدم تلك التي تبعث على التفاؤل وتبثُّ القوة، وتأكَّد من أنَّها مفهومة.
  2. استخدام الكلمات النابضة بالحيوية والغنية بالمعنى، شريطةَ أن يفهمها المصغي.
إقرأ أيضاً: أخلاقيات الحوار مع الآخرين

2. المفردات:

سيُميزك امتلاك مفردات غنية عن غيرك، وسيعزِّز عملية التواصل ويجذب الآخرين إليك؛ فتكشف مفرداتك عن مستواك التعليمي، وقد يُصدر الآخرون أحكاماً عنك من الممكن أن تؤثر في فُرصك معهم.

يستخدم أكثر الأشخاص تميزاً في التواصل حصيلةً واسعةً من المفردات مع الفئات ذات المستوى التعليمي الأعلى، ومفردات أكثر بساطة مع أخرى ذات مستوىً تعليمي أدنى.

لا تقلُّ أهمية ما تقوله عن كيفية قوله، فما هي نبرة الصوت التي تستخدمها؟ وهل تتحدث بصوتٍ رتيب؟ هل تتفاوت نبرة صوتك وتقوم بتغييرها من حينٍ إلى آخر؟ إنَّ هذا سيساعد الأشخاص على متابعة ما تقوله بطبيعة الحال؛ حيث يُعدُّ تغيير نبرة صوتك طريقةً فعالةً للغاية لجذب انتباه الناس إلى ما تقوله؛ مثلاً تخيَّل لو استخدم الرسام لوناً واحداً فقط في لوحاته، يُفضل الجميع مزيجاً من الألوان وتنوعاً في الدرجات.

إلى جانب الكلمات التي تستخدمها ونبرة صوتك ضع في حسبانك وتيرة كلامك؛ فقد تحتاج إلى التحدث ببطء في بعض الأحيان، وبسرعة أحياناً أخرى؛ فالوتيرة التي تتحدث بها لها دلالاتٌ معينة؛ فالوتيرةُ السريعة تُشير إلى أنَّك متحمس لأمرٍ ما، وعادةً ما تدل الوتيرة البطيئة على عمق التفكير، أو على رغبتك الشديدة في إصغاء الآخرين إلى وجهةِ نظرك.

إنَّ اختيار وتيرة كلامك يشبه التحكم بمستوى الصوت بطريقة فعالة؛ فيجذب خبراء التواصل جمهورهم من خلال تغيير أصواتهم بين صوت مرتفعٍ للغاية إلى ما يشبه الهمس، ولا يُدرك الجمهور حتَّى أنَّ المتحدث يأخذهم في رحلة تواصل حافلة بالتقلبات، وحتى في المحادثات الفردية يمكنك التلاعب بمستوى الصوت وتغييره ممَّا يجعل التواصل أكثر فاعلية.

3. العواطف:

تُعَدُّ العواطف التي تُعبِّر عنها في أثناء الحديث أمراً جوهرياً؛ لكنَّ الأمر الأساسي هنا هو إظهار المشاعر دون أن تكون انفعالياً.

يمكن للعواطف أن تكون وسيلة تواصل فعالةً للغاية؛ فإظهارُ الغضب على سبيل المثال قد يشير إلى أنَّك جادٌّ للغاية بشأن أمر ما إذا كنت لا تغضب عادةً، كما أنَّ البكاء قد يُظهر جانباً من شخصيتك للآخرين، ويكشف أنَّك إنسان شغوف ولديك جانب رقيق على الرَّغم من كونك شخصاً صعب المراس يرغب في النجاح، أما الضحك فيُظهِر أنَّ لديك جانباً مرحاً، ولا تأخذ الأمور بجدية أكثر ممَّا ينبغي؛ فالعاطفة وسيلة تواصل قوية إذا ما تحكَّمت بها جيِّداً.

4. النطق:

هل تتحدث بوضوح ليفهمك الناس؟ إنَّ النطق عاملٌ أساسيٌّ لتحقيق التواصل الفعال، لكن غالباً ما يتجاهله الناس؛ إذ يتحتَّم علينا نطق كلماتنا بوضوح حتَّى يفهمنا الناس.

يعطي النطق الواضح قوةً للتواصل؛ لذلك اعمل على نطق كلماتك بوضوح، والمفتاح هو قولها بالطريقة الصحيحة؛ أي نطقها بحيث لا تتداخل الكلمات معاً، لكن بعيداً عن المبالغة؛ كي يبدو الصوت طبيعياً.

تكمن الفكرة في هذه المبادئ جميعها بالتنوع؛ فعندما تتواصل باستخدام أسلوب واحد تصبح شخصاً مُتَوَقَّعاً ويتوقف الناس عن الإصغاء إليك، فكر في نفسك: "هل تُفضِّل الإصغاء إلى الأشخاص الذين يتحدثون بذات السرعة، وبنبرة صوتٍ واحدة، ومفردات مملة، وأسلوب خالٍ من العاطفة؟" بالطبع لا؛ لذا علينا أن نبذل قصارى جهدنا لنتواصل بأسلوب فعال ونابض بالحيوية، ويمكننا فعل ذلك إذا بذلنا جهداً وتدرَّبنا باستمرار.

شاهد بالفديو: 12 طريقة مُجرَّبة لتحسين مهارات التواصل

التواصل غير اللفظي:

إنَّ ما تقوله يؤثِّر في طريقة تواصلك بالتأكيد، لكن ما لا تُعَبِّر عنه بالكلام لا يقل أهميةً عن ذلك؛ فالتواصلُ غير اللفظي له تأثير كبير في جودة التواصل بالعموم، وإليك بعض الطرائق لاستخدامه لدعم كلامك:

5. اليدين:

سيجعلك وضع يديك على جانبي جسدك تبدو جامداً وغير مرتاح؛ لذا استخدمهما للتواصل عوضاً عن ذلك، لكن لا تُبالغ بفعل ذلك لدرجة أن يترقب الناس حركة يديك، ولمعرفة طريقة استخدامك للغة جسدك تستطيع تصوير نفسك في أثناء الحديث ومراقبة حركة يديك.

6. العينين:

تُعَدُّ العيون أداةً فعالةً للغاية في التواصل لا بدَّ أنَّك تعرف القول المأثور: "العيون نافذة الروح"، وهذه حقيقة؛ ففكِّر بما تُخبره الأم لطفلها حديث الولادة عندما تنظر في عينيه، أو ما يقوله الشريكان حين ينظران بصمتٍ في عيون بعضهما بعضاً؛ فنظرة العيون أبلغ من الكلمات.

إذا سبق أن تحدثت إلى شخص يتلفت حوله باستمرار فهذا يشير إلى عدم اهتمامه بما تقول؛ لذا عندما تتحدث إلى شخصٍ ما انظُر إليه وأعِرهُ انتباهك بالنظر إلى عينيه، وأصغِ إليه بهما، وهكذا تُظهِر له كم هو هامٌّ.

7. الذراعين:

لا يُدرك بعض الناس أنَّهم عندما يكونون "منغلقين" تجاه شخص آخر يشبكون أذرعهم في أثناء الإصغاء لحديثه، يخبرنا المتخصصون في هذا أنَّ عقد الذراعين طريقة مؤكدة لانغلاقك تجاه الشخص الآخر، فهو سلوكٌ يُعَبِّر عن الانغلاق والخوف والاعتراض.

إقرأ أيضاً: 7 حركات لا إرادية لها معاني نفسية

8. الوضعية في أثناء الحديث:

عندما تتواصل مع الآخرين وخصوصاً عندما تقدم عرضاً، فإنَّ وضعيتك في أثناء التحدث سواء أكنت واقفاً أم جالساً أم ما إلى ذلك، يمكن أن تُعبِّر عن أمور كثيرة.

فالمؤلفُ والمحاضر في مجال التنمية البشرية الأمريكي زيغ زيغلر "Zig Ziglar" على سبيل المثال، ينتقل كثيراً إلى مقدمة المسرح وينحني، لديه رسالةٌ يحاول إيصالها بأسلوبٍ غير لفظي؛ فهو يقول: "أنصت جيداً لما أقوله؛ فإنَّه هامٌّ حقاً"، إنَّه يخطف انتباه الجمهور في لحظة عاطفية، حتى في غرفة تحوي 1000 شخص يمكن أن تجعل طريقة التواصل هذه كل فرد يشعر كأنَّ زيغلر يتحدث إليه مباشرةً.

يُعبِّر الجلوس عن العفوية ويقدم العديد من المحاضرين جزءاً كبيراً من عرضهم بهذه الطريقة.، فيُلقي جون سي ماكسويل "John C. Maxwell" الخبير العالمي في القيادة بعضاً من خطاباته وهو جالس، وإنَّ أسلوبه زاخر بالمعلومات وعفوي ومؤثر في الوقت نفسه.

المصدر




مقالات مرتبطة