صدمة الولادة: تعريفها وكيفية علاجها تأثيراتها الدائمة

يُعَد القلق واليقظة المفرطة والهلع في الأيام والأسابيع والأشهر التي تلي الولادة بعضاً من أعراض الصدمة الولادية.



بعد أن يختبر الشخص حدثاً صادماً أو أليماً، أو يشهد على حدوثه لشخص آخر، قد يجد صعوبةً في التعافي منه والعودة إلى حياته الطبيعية، وعند التفكير في أمثلة لحدثٍ يسبِّب آلاماً عاطفية ونفسية دائمة، تتبادر إلى أذهاننا عادةً الحرب أو الاعتداءات أو غيرها؛ غير أنَّ عملية الولادة قد تكون لها تأثيرات مماثلة أيضاً، وهي ما يُعرف بصدمة الولادة التي يمكن أن تحدث حين تمرُّ الأم الماخض - المخاض هو الفترة التي تسبق ولادة الجنين بيوم أو يومين وتتميز بحدوث آلام بطنية شديدة ومتكررة - بتجربةٍ من انعدام الأمان الجسدي أو العاطفي أو النفسي خلال المخاض أو الولادة أو بفترة قليلة قبله أو بعده، وقد يعاني شريكها أيضاً من صدمة الولادة.

تصرِّح العاملة الاجتماعية المعتمدة "رايتشل بينجامين" (Rachael Benjamin) لموقع "هيلث" (Health)، وهي مديرة مصح "ترايبيكا ماتيرنيتي" (Tribeca Maternity) الذي يركِّز بشكل خاص على المشكلات المتعلقة بالولادة: "قد تنجم صدمة الولادة عن تعرُّض الطفل للخطر عند الولادة، أو فقدان السيطرة المفاجئ على المخاض بعد إدارته بنجاح ودخول الأم أو الطفل في حالة خطرة، أو مشاهدة الشريك لعملية الولادة وإحساسه بأنَّه وحده من يشعر بالراحة والأمان".

شاهد بالفيديو: 6 معتقدات خاطئة عن الحمل

أنواع صدمة الولادة:

تتمثل صدمة الولادة بعدة أنماط مختلفة من التجارب حسب رأي "بنجامين"؛ إذ يتجلى أحدها بإصابة الأم الماخض بحالة جسدية طبية طارئة خلال الولادة أو بفترة وجيزة قبلها أو بعدها، ومن هذه الحالات الطارئة تحريض المخاض، أو اللجوء إلى عملية قيصرية إسعافية، أو النزف التالي للولادة، أو الإرجاج الحملي - بدء نوبات تشنُّجية عند المرأة مصحوبة بارتفاع في ضغط الدم؛ إذ تستمر النوبة مدة دقيقة تقريباً، وتمرُّ المرأة بعدها بحالة ارتباك أو قد تدخل في غيبوبة - أو انفكاك المشيمة - انفصال المشيمة المسؤولة عن تغذية الجنين عن جدار الرحم بعد الأسبوع 20 من الحمل وقبل الولادة؛ إذ إنَّها تستدعي تدخُّلاً طبياً فورياً لما تحمله من خطر على الأم والجنين -  أو الحاجة المستعجلة إلى فريق طبي كبير على نحو لم تكن الأم تتوقعه قبل دخولها في المخاض والولادة.

وقد تتجسد صدمة الولادة أيضاً على شكل عدم كفاية أدوية التسكين، ومن ثم إحساس الأم بكل ما يجري حولها خلال العملية القيصرية، أو الإحساس بانعدام الأمان العاطفي في البيئة التوليدية التي تُوجد فيها، أو إحساسها بأنَّها غير مسموعة أو غير مرئية خلال عملية الولادة.

من الأنماط الأخرى لصدمة الولادة، تعرُّض الطفل لخطر من الناحية الطبية، أو في حالة الإملاص - ولادة جنين متوف - أو حين يُتوفى الطفل بعد فترة قصيرة من الولادة، وقد تنجم صدمة الولادة المتعلقة بصحة الطفل عن المخاض الباكر - إصابة الأم بتقلصات رحمية فعَّالة باكرة بين الأسبوع 24 والأسبوع 37 من الحمل، ناجمة عن عدة أسباب، وهي حالة تستدعي القبول في المستشفى لإيقاف المخاض وتجنُّب حدوث الولادة الباكرة - أو تنجم عن اكتشاف مشكلة في الطفل بعد ولادته تتطلب تدخلاً طبياً مكثفاً، أو تشخيص إصابته بمرض غير مُتوقع، أو بقائه فترة طويلة في وحدة العناية المشدَّدة لحديثي الولادة، أو عند إصابة الطفل بأذية خلال المخاض وعملية الولادة.

تقول "بينجامين" في ذلك: "يمكن لنقل الطفل بعيداً عن والديه لاتخاذ إجراء طبي إسعافي وغير متوقَّع أن يكون صادماً ومؤلماً نفسياً لكليهما".

يُستبعد الأزواج عند الحديث عن صدمة الولادة، لكنَّهم يشعرون بالصدمة أيضاً عند رؤية الطفل أو الأم يتعرَّضان للخطر، وتقول "بينجامين": "حين يُفصل الطفل عن والدته بعد الولادة للقيام بإجراءات طبية، فإنَّ اضطرار الأب إلى الاختيار بينهما كي يقف بجانب أحدهما من دون الآخر، يمكن أن يكون تجربةً صادمة وأليمة".

بالإضافة إلى ذلك، يُوجد نوعٌ آخر لصدمة الولادة يحدث عندما تحرِّض تجربة المخاض والولادة على تذكُّر الأم الماخض للأحداث المأساوية السابقة التي مرت في حياتها؛ كأن تتذكر تعرضها للاعتداء الجنسي، أو العنف المنزلي، أو أيِّ ضائقة جسدية أو عاطفية؛ إذ تشرح "بينجامين" ذلك قائلةً: "قد تكون تجربة المخاض والولادة ظرفاً مناسباً يجعل الأم تشعر بالصدمة أو الألم النفسي لما تعانيه خلال ولادتها، إضافةً إلى تذكُّر تجاربها المأساوية من الماضي".

انعكاسات وآثار صدمة الولادة:

تختلف نظرة البشر إلى الصدمة كثيراً، وكل شخصٍ يراها من زاويته الخاصة، وهذا ما تشير إليه العاملة الاجتماعية "بيج بيلينبوم" (Paige Bellenbaum) الحائزة على رخصة احترافية والمديرة المؤسِّسة لمركز "ماذرهود سينتر" (The Motherhood Center) في "نيويورك" (New York)، والذي يقدِّم خدمات داعمة للصحة النفسية للأمهات الجدد واللواتي اقتربن من موعد الولادة؛ إذ إنَّها صرَّحت لموقع "هيلث": "ما يعده أحدنا صادماً ومأساوياً، قد لا يراه الآخرون بنفس الطريقة، فالهام هي التجارب التي مرَّ بها الشخص نفسه، وخبرته من ذلك".

حسب دراسةٍ نشرتها مجلة "سايكايتري" (Psychiatry) نجد 3-6% من النساء يعانين من اضطراب الصدمة الناجم عن الولادة؛ إلا أنَّ هذه النسبة تمثل الحالات المسجَّلة فحسب ولا تكشف العدد الحقيقي لمن يتعرَّضن لذلك، وتكشف "بيلينبوم": "من خبرتنا بالعمل في مجال دعم الصحة النفسية للأمهات، نعلم أنَّ هذه النسبة أكبر بكثير في الحقيقة"، فهي تعتقد أنَّ أغلبية حالات اضطراب المزاج والقلق في الفترة المحيطة بالولادة لا تُشخَّص، ومن ثم لا تُعالج بسبب الخوف ووصمة العار التي تلحق بها.

يمكن لصدمة الولادة أن تستهلك وتشغل التفكير بالكامل، وتؤثر كثيراً في الانتقال نحو مرحلة العناية بالطفل، وتصعِّب الشعور بالارتباط والتواصل مع النفس والطفل والشريك واللحظة التي تعيشها؛ إذ وفقاً لـ"بينجامين": "قد يمر الشخص الذي تعرَّض لصدمة الولادة بشكل دائم باليقظة المفرطة، أو نوبات الهلع، أو القلق، أو تدفق سيل الأفكار في رأسه، والذي يجعله يعيش تلك التجربة من جديد في اليقظة أو الأحلام".

في الحالات التي يُولد فيها الطفل بصحة وعافية وتمر مرحلة المخاض والولادة بسلاسة كبيرة، لكن يعيد الحدث نفسه أو العلاج ذكرياتٍ لأحداث ماضية كالتعرض للعنف الجسدي أو الجنسي، فإنَّ هذه الذكريات تعود لصاحبها باستمرار على شكل ومضات في المرحلة التي تعقب الولادة، كما يمكن للشخص أن يشعر بالعجز عن تجاوز مرحلة الولادة عاطفياً.

وفقاً لـ"بينجامين": "حين يمر الشخص بصدمة الولادة، أو يستذكر مراحل عصيبة وأليمة في ماضيه بسبب تجربة الولادة الحالية، يصبح من الصعب عليه التركيز في حياته اليومية ومنحها الاهتمام اللازم، كما أنَّ إنكار حدوث صدمة الولادة أو التقليل من أثرها في الشخص، قد يؤخر من مواجهتها وعلاجها؛ ممَّا يعظِّم آثارها المؤلمة فترةً أطول".

في حال عدم معالجة صدمة الولادة أو معالجتها على نحو غير مناسب، يصبح من الأصعب بكثير أن يتواصل الشخص الذي تعرض لها مع الطفل أو مع العائلة والأصدقاء كما اعتاد أن يفعل، وتضيف "بينجامين": "في بعض الحالات، قد يشعر الأشخاص الذين مرُّوا بصدمة الولادة برابط قوي مع أطفالهم، ويتواصلون معهم بطريقة جيدة، في حين ينتابهم بنفس الوقت شعور بالقلق الكبير، أو الإجهاد والتوتر، أو عدم القدرة على التخلص من الخوف بأنَّ شيئاً سيِّئاً قد يصيبهم أو يصيب الطفل".

كيفية التعامل مع صدمة الولادة:

تتجلَّى بعض الأعراض التي تعقب صدمة الولادة بالقلق، واليقظة المفرطة، والشعور بانقطاع الروابط وانعدام التواصل مع العالم المحيط، والأفكار السلبية، ونوبات الهلع لمدة أشهر بعد تجربة الولادة وفقاً "لبينجامين"، وتجدر الإشارة إلى أنَّه في حال معاناتك الطويلة من أيٍّ من هذه الآثار العاطفية أو النفسية المزمنة الناجمة عن صدمة الولادة، فإنَّك لست وحيداً في معاناتك هذه، وتوجد عدة أشياء يمكنك فعلها لتشعر بالتحسن.

يمكن للعلاج أن يكون فعَّالاً جداً في تخفيف الأعراض وفقاً "لبيلينبوم"، ومن أنواع العلاجات المستخدمة في صدمة الولادة، العلاج بالتعرُّض؛ أي تشجيع المرضى على مواجهة وتحدِّي مخاوفهم، والعلاج السلوكي المعرفي؛ وهو علاج عبر المحادثة والكلام، يساعد على تدبير المشكلات من خلال تغيير طريقة التفكير والتصرُّفات، والعلاج بنزع الحساسية من خلال الحركات العينية؛ وهو علاج يجمع بين طريقة العلاج بالتعرُّض والإحساس الموجَّه بالحركات العينية".

تستمر أعراض صدمة الولادة لدى الشخص إلى حين الاعتناء بها ومعالجتها، ومن ثم لتخطي الصدمة وتجاوزها؛ عليك الإحساس بها، وعلاجها، ومعايشة حزنها وفقاً "لبينجامين"؛ إذ إنَّها تشير إلى أهمية وجود فريق داعم لك بقوة، والذي قد يكون الطبيب النفسي، أو القابلة التي تعتني بالأم بعد الولادة، أو الأصدقاء وأفراد العائلة المقرَّبين، أو شريك الحياة، أو مجموعات من الآباء والأمهات الذين تعرضوا لصدمة الولادة.

تضيف "بينجامين": "ليس عليك الخوف من طلب كل المساعدة التي تحتاج إليها، وخصوصاً فيما يتعلق بالجوانب العملية للعناية بطفلك، ممَّا يسهل عليك الاعتناء بنفسك ويمنحك المجال لعلاج صدمة الولادة التي عشتها، وعندما نواجه الصدمة ونشعر بها ونعيش أحزانها، نستطيع اكتشاف ما نرغب فيه فعلاً في حياتنا، بعد أن عشنا خلال هذه الصدمة وشعرنا بكل آلامها".

إقرأ أيضاً: 8 أعراض لاكتِئاب ما بعد الولادة عليكِ أن تعرفيها

تشجيع التحدُّث عن صدمة الولادة:

يعود انتشار الحديث عن صدمة الولادة بشكل شائع بدرجة كبيرة إلى زيادة المنصات الإلكترونية والأشخاص المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يتحدثون عنها علناً بهدف تثقيف الناس حولها وتشجيعهم، على عدِّها تجربة طبيعية قد تصيب أيَّ شخص وتعليمهم كيفية التعامل معها؛ إذ تقول "بينجامين": "ينبغي الشعور بهذه الصدمة، والإقرار والاعتراف بها في المجتمع، ومعايشة آلامها كاملةً".

بينما تفسِّر "بيلينبوم" شهرة صدمة الولادة وشيوعها بين الناس بطريقة أخرى، فتقول: "تملك الولايات المتحدة (US) أعلى معدل وفيات للأمهات بين الدول المتطورة، ولذلك تبدأ مزيد من الولايات والمناطق المحلية فيها بسبب هذه الإحصائية المرعبة، بإعارة مزيد من الانتباه لمرحلة الولادة التي تمر بها الأمهات، ممَّا يسلط الضوء بدوره على صدمة الولادة".

تعتقد "بيلينبوم" أيضاً أنَّ المجتمع بدأ يعطي مساحةً أكثر أماناً بقليل كي يتحدث الناس عن الأجزاء الأصعب المتعلِّقة بالحمل والولادة وفترة ما بعد الولادة، وليس فقط ما نعرفه عن صورها الرومنسية المبسَّطة؛ وتعبِّر عن ذلك بقولها: "كلَّما أتيحت الفرصة أكثر للنساء للتحدث عن الأجزاء الفوضوية المتعلقة بالأمومة، ومنها الدموع ونوبات القلق وتحديات الإرضاع والشعور بالتعب والإرهاق، شعرت النساء بالراحة أكثر لقول الحقيقة".

المصدر




مقالات مرتبطة