صداقة المصلحة وكيفية التعامل معها

ساعة واحدة فقط مرت على وصولي إلى مكتبي في مطلع هذا الأسبوع، وإذا بهاتفي المحمول يرن، إنَّه صديق قديم برقمٍ هاتفيٍّ جديدٍ يتصل ويسلم عليَّ بحرارة لم أعهدها منه من قبل، ثم فجأة دخل في صلب الموضوع: "وصلت إلى العمل أليس كذلك؟ حسناً أريد كذا وكذا"، تبددت كل علامات التعجب التي ظهرت فوق رأسي من نبرة حديثه المهتمة عندما بدأ يسرد طلباته، وأدركت مرة أخرى أنَّه ليس صديقاً حقيقياً؛ بل هي صداقة مصلحة، فأنا لم أسمع صوته منذ مدة، وتحديداً منذ احتاج إليَّ آخر مرة.



مما لا شك فيه أن تكون مثلي شخصاً بمعارف كثيرة وعدد أصدقاء قليل، أو أن تعرف شخصاً يدعي أنَّه صديقك ثم لا تلحظ وجوده إلا عند حاجته إليك، إنَّ هذا النوع من العلاقات يدعى صداقة المصلحة، وهي شكل مشوه عن الصداقة الحقيقية، والتي تتسم بالعطاء المتبادل على اختلاف أنواعه، ولمزيد من مؤشرات صداقة المصلحة وكيفية التعامل معها نفرد هذا المقال، راجين أن يكون ضوء إنذار لكم ينبهكم من استغلال تتعرضون له تحت مسمى الصداقة.

ما هي صداقة المصلحة؟

قبل الخوض في تفاصيل تعريف صداقة المصلحة، دعونا نتفق أنَّ حديثنا سيكون صريحاً وبعيداً عن المثاليات، وهنا نقول لكم إنَّ العلاقات الإنسانية عامة تقوم على المصلحة، وهذا ليس سوداوياً على الإطلاق، ونحن هنا لا نقصد أنَّ المصلحة من الضروري أن تكون مادية دائماً؛ بل يمكن أن تكون معنوية أو عاطفية. ولنشرح ذلك:

تعد علاقة الأم بطفلها من أقدس العلاقات الإنسانية، وأكثر ما يقال عنها إنَّها بعيدة عن المصالح، لكن لنتوقف لحظة، أليس في تقديم الأم لابنها على نفسها إرضاء لغريزتها الأمومية؟ وتحريراً لها من جلد ذاتي وشعور بالذنب فيما لو لم تفعل ذلك؟

مثال آخر: عندما تعطي متسولاً المال، أو تساعد شخصاً لا تعرفه، أليس هذاً تحقيقاً لمصلحتك في كسب الشعور بالرضى عن النفس والفائدة المجتمعية؟ ألا يخدم هذا التصرف مصلحتك في ترك أثر طيب واكتساب أجر في الآخرة؟

فلنتفق إذاً بأنَّ المصلحة بحد ذاتها ليست عيباً، ولا شتيمة؛ إنَّما العيب يكمن في إبداء مصالحك دائماً على الآخرين، واستغلال الآخر من أجل تحقيق مصالحك الشخصية، وإن كان ذلك على حسابه، كما يحدث في صداقة المصلحة، والتي نعرفها كما يأتي:

صداقة المصلحة هي استغلال لعلاقة الصداقة السامية _ والتي هي أساساً مبنية على تبادل العطاء والمنفعة _ فيحدث فيها أن يستغل طرف صديقه تحت مسمى الصداقة، ويستثمر وجوده وطاقته وإمكاناته دون أن يقدم شيئاً بالمقابل.

إنَّ صداقة المصلحة استحصال طرف لحقوقه كاملة من علاقة الصداقة وتجنبه لأداء واجباته تجاه العلاقة وتجاه صديقه، وبطبيعة الحال فإنَّ احتياجات علاقات الصداقة بين الأفراد متباينة؛ فالأشخاص يرجون من علاقة الصداقة الدعم المعنوي أو المادي، أو تقديم النصح والإرشاد، أو الحصول على التحفيز أو الاحتواء في المواقف الحياتية، أو قضاء أوقات ممتعة أو الاستئناس والنجاة من دهاليز الوحدة، والأهم من ذلك إرضاء الحاجة الفطرية للإنسان بكونه اجتماعياً ومحبوباً.

قد لا تتشابه أهداف كل طرف في الصداقة من هذه العلاقة، لكنَّ القاسم المشترك هو وجود مصلحة يتطلَّب الحصول عليها أداء الواجبات تجاه الصديق، وهذا ما لا يفعله صديق المصلحة، فهو يظهر كطرف في علاقة الصداقة عندما يحتاج إلى دعم مادي، ويغيب عندما تُفرج أحواله، ويظهر مرة أخرى عندما يقع في مشكلة أو أزمة عاطفية أو عائلية، ويختفي فور تقديمك المساعدة والاحتواء وحل المشكلة، وهكذا دواليك، دون أن يفتح لك المجال لطلب ما تمنحه له، كأيِّ علاقة متكافئة قائمة على الأخذ والعطاء.

إنَّ صديق المصلحة هو طرف آخذ دائماً، لا يتردد في طلب المساعدة عندما يحتاج إليها، ولا يقدم أيَّ شيء بالمقابل مهما كان بسيطاً، ولا حتى مجرد اتصال صغير يطمئن فيه عن أحوالك عندما لا يحتاج منك شيئاً.

شاهد بالفديو: 7 أنواع من الأصدقاء ابتعد عنهم تماماً

صفات علاقة صداقة المصلحة:

فيما يأتي بعض الصفات والدلالات التي تنبئك فيما إذا كانت علاقتك بصديقك علاقة صداقة حقيقية أو علاقة صداقة مصلحة:

1. التواصل عند الحاجة:

من صفات علاقة صداقة المصلحة أنَّ عملية التواصل بين الطرفين تحدث فقط عندما يحتاج الطرف المستغِل للصداقة إلى الطرف الآخر، فيتواصل معه بمودة زائفة عبر الهاتف أو وسائل الدردشة أو قد يزوره شخصياً من أجل تحقيق غايته، وعندما تُلبَّى حاجته تنقطع أواصر التواصل مع صديقه.

2. الأساليب الملتوية في طلب الحاجة:

من صفات صداقة المصلحة أنَّ الطرف المستغِل يعمد إلى استحصال حاجته دون أن يخسر ماء وجهه في أثناء طلبها، فقد يتباكى أمامك على والدته المريضة عندما يحتاج دواء لها لا يملك ثمنه من صيدليتك، أو قد يأتي إليك يشكو مشاريعه التي تتهاوى أمام عينيه ما لم يحصل على دفعة مالية أو خدمة منك لإنقاذها، وغيرها من الأساليب الخبيثة التي تعرف كيف تستثير عنفوانك وتغرر بك، لتقوم بتنفيذ مطالبه بشهامة الصديق التي لا يقيم لها أيَّ وزن أو حسبان.

3. يظهر فجأة عندما يسطع نجمك:

في الحياة تصادف كثيراً من الأشخاص الانتهازيين، والوصولية والتسلق هي من صفات من يدعو نفسه صديقاً في علاقة صداقة المصلحة، وقد تعمل في شركة ما سنوات طويلة، لكن ما إن ترتقي وتستلم منصباً حساساً حتى يظهر الأصدقاء حولك للاستفادة من مزايا وضعك الجديد، إنَّ هذه الحالات في معظمها هي صداقة مصلحة؛ فالجميع يرغب في مصادقة الأشخاص الهامين أو المشاهير أو الأغنياء حتى.

للأسف إنَّ هؤلاء الأشخاص سيختفون مجدداً ما إن عدت إلى وضعك السابق، كما هو الحال عند الاستقالة أو خسارة الثروة.

4. لا يهتم لأمرك:

من صفات علاقة صداقة المصلحة أنَّ الطرف المستغِل يهتم لأمره فقط، قد تسأله كيف حالك فيجيب باستفاضة كبيرة؛ لكنَّه لن يسألك عن أحوالك، وإن فعل فستراه غير مكترث بالإجابة حقاً؛ إنَّما سؤاله من باب الواجب أو العادة لا أكثر، وقد يتصل بك صديق المصلحة ليسألك عن مسألة رياضية استعصى عليه فهمها، ويطلب منك شرحاً مفصلاً لها؛ لكنَّه بالتأكيد لن يشرح لك مسألة استعصت عليك، وسيجد ألف ذريعة لذلك، ولن يتصل بك في اليوم التالي ليطمئن إذا ما كنت قد اجتزت امتحانك أو أبليت فيه حسناً.

5. شعور بالاستغلال من قبل أحد الأطراف:

من صفات علاقة صداقة المصلحة أنَّ الطرف المُستغل يشعر بعدم التكافؤ وعدم الرضى عن العلاقة، فهو طرف مانح دائماً، ولا يحصل على أيِّ حق من حقوقه ضمن هذه العلاقة، مما يثير في نفسه مشاعر السخط والغضب وأحياناً انخفاض الاستحقاق بسبب تصرفات صديقه.

إقرأ أيضاً: استغلال الآخرين لنا: ما هو؟ وما أسبابه؟ وما هي طرائق علاجه؟

كيفية التعامل مع صديق المصلحة:

فيما يأتي بعض الإرشادات من أجل توضيح كيفية التعامل مع صديق المصلحة، وكيفية التصرف في علاقة صداقة المصلحة:

1. عرِّف علاقاتك:

عند الدخول في أيِّ علاقة مهما كان نوعها ضع بينك وبين نفسك تعريفاً وخطوطاً عريضة لهذه العلاقة؛ لأنَّ ذلك من شأنه توضيح الصورة بالنسبة إليك؛ ففي العمل مثلاً إذا ما عرفت علاقتك بزميلك بأنَّها علاقة زمالة مهنية فقط، فإنَّك سوف تدرك حدود هذه العلاقة، فلا تتحدث معه في أمور أسرتك وشؤونك الشخصية، ولا تفتح أمامه باب استعارة أشيائك مثلاً؛ بل تكون علاقتكما رسمية مهنية فقط.

2. لا ترفع سقف توقعاتك:

نقصد هنا عند الدخول في أيِّ علاقة عامة والصداقة على وجه التحديد، يبدأ الإنسان برسم صورة ذهنية مثالية عن صديقه، الأمر الذي يجعله يرفع سقف توقعاته تجاه أخلاقه وتصرفاته، ليصطدم فيما بعد بكونه إنساناً بعيداً عن هذه الصورة، وهذا ليس ذنب الصديق بالتأكيد؛ لذا فإنَّ نصيحتنا الأولى التي يمكن أن تناسب جميع أنواع العلاقات وليست محصورة بكيفية التعامل مع صديق المصلحة، وهي ألا ترفع سقف توقعاتك؛ لأنَّك ستُصدم، فنحن جميعاً بشر ولسنا ملائكة، وكلنا معرضون للخطأ.

3. تعلَّم أن تقول "لا":

في صدد الحديث عن كيفية التعامل مع صديق المصلحة لا بدَّ لنا جميعاً من أن نتقن مهارة قول "لا"، هذه المهارة التي تبدو بسيطة وسخيفة، إلا أنَّ معظم الناس لا يملكون الجرأة والاستقلالية الكافية لقولها؛ لذا قل: "لا" لكل فعل لا ترغب في فعله، أنت لست مضطراً لمجاراة أحد على حساب نفسك، فكيف إذا ما كان صديق مصلحة؟

4. ارسم حدودك:

إنَّ رسم الحدود الصحية يسهل التعامل مع الآخرين، ويترك بين الأطراف مسافة أمان تُجنِّب كل منهما الاصطدامات، وعليه؛ فإنَّ التعامل مع صديق المصلحة عبر هذه الحدود سيكون أفضل لك، فلا تسمح له بتجاوز حدود وقتك أو ممتلكاتك أو مشاعرك.

إقرأ أيضاً: دافع عن حدودك الشخصية كي تستعيد السيطرة على حياتك

5. لا تأتمنه على أسرارك:

إنَّ صديق المصلحة هو شخص أناني يهتم بنفسه ومصالحه فقط؛ لذا وفي حديثنا عن كيفية التعامل مع صديق المصلحة لا بدَّ لنا من أن نذكرك بإبقائه بعيداً عن نقاط ضعفك وأسرارك التي يسبب إفشاؤها وقوعك في المتاعب؛ لأنَّ صديق المصلحة لن يتوانى لحظة واحدة عن استخدامها في ابتزازك في حال رفضت أن تحقق له ما أراد منك.

6. انسحب بطريقة دبلوماسية:

إنَّ علاقة صداقة المصلحة يمكن تصنيفها ضمن العلاقات السامة التي تسبب للإنسان أضراراً نفسية ومادية وعاطفية كبيرة؛ لذا من الضروري وضع حدٍّ لهذه العلاقة، وتأثيرها السلبي في حياتك، ولأنَّ صديق المصلحة غالباً ما يكون شخصاً مؤذياً ننصح بعدم التصادم معه؛ بل بوضع الحجج للتهرب منه ومن تنفيذ طلباته، والانسحاب انسحاباً لبقاً ودبلوماسياً من هذه العلاقة في حال كنت غير قادر على الدخول في مواجهات معه.

شاهد بالفديو: صفات الصديق الحقيقي

في الختام:

إنَّ علاقة صداقة المصلحة هي علاقة سامة تختبئ تحت غطاء الصداقة، تقوم على استغلال أحد الأطراف لصديقه واللجوء إليه فقط في حالات الحاجة المادية والمعنوية، أمَّا عن واجباته تجاه علاقة الصداقة وصديقه فيقوم بتجاهلها تماماً، ليكون طرفاً سلبياً وآخذاً دائماً، وإنَّ الخروج من العلاقات السلبية هذه ضروري للحفاظ على صحتنا النفسية وحماية أنفسنا من الاستغلال؛ لذا يجب أن نتحلى بما يكفي من الجرأة والقوة للتخلص من هذه العلاقات التي تستنزفنا وتستهلكنا بلا رحمة.




مقالات مرتبطة