شقاوة الأطفال: أسبابها وكيفية التعامل مع الطفل الشقي

كم مرة وقعنا بسبب أطفالنا بمواقف محرجة؟ وكم مرة سمعنا عبارة من نوع "طفلك شقي" مع الكثير من علامات الامتعاض وإشارات الاستهجان؟ هل هذا يعني أنَّنا أمام مشكلة صعبة لا حلول لها، أو أنَّنا قد فقدنا السيطرة وبات صعباً تدارك الأمر؟ علينا بدايةً وقبل كل شيء أن نعترف أنَّ لدينا مشكلة، وحقيقة لكل مشكلة أسباب.



من هنا طبعاً يبدأ الحل، الطفل لا يُولَد شقياً كثير الحركة ومشاغباً؛ بل بالتأكيد توجد عدة أسباب أوصلته إلى هذه المرحلة، وتوجد أيضاً عدة أساليب مناسبة للتعامل معه وتجاوز المشكلة، فإن كنت مهتماً بمعرفة المزيد، فتابع القراءة.

ما هي أسباب شقاوة الأطفال؟

الطفل الشقي هو طفلٌ فوضوي، وكثير الحركة، ودائم النشاط، ولا يقيم وزناً لتنبيهات والديه، ولا يحترم من حوله، ويرغب في اللعب والركض والقفز طوال الوقت، ولأنَّ الوالدين غالباً ما يبحثان عن نموذج محدد في أذهانهم وعن طفلٍ مثالي، سيجدان صعوبةً كبيرةً في التعامل مع هذا الطفل المختلف عن الصورة المرسومة لديهم.

إذ يعتقد الكثيرون أنَّ وجود طفل شقي من أكثر المشكلات صعوبة التي تواجهها العائلة، فإضافةً إلى الضجيج والفوضى الدائمة التي يغرق بها المنزل، يصبح الحديث عن أيَّة زيارة لأحد الأقارب أو الذهاب إلى السوق لشراء الأغراض أو دعوة أحد الضيوف للمنزل بمنزلة كارثة حقيقية، وهذا بالطبع ما يجعل جو الأسرة العام متوتراً ومسبباً للضيق ودافعاً للغضب.

لا يتوقف هؤلاء الأطفال عن الكلام والصراخ والقفز على المقاعد وحتى الطاولات، كما أنَّهم لا يحسبون حساباً لمدى خطورة ممارساتهم، فقد يقفزون من مكان مرتفع أو يلعبون بأدوات حادة، إضافةً إلى كونهم عنيفين مع أصدقائهم، وهنا سنسأل أنفسنا بالتأكيد لماذا يتصرف هؤلاء الأطفال بهذه الطريقة؟

كما في أيَّة مشكلة نواجهها سواء في مجال التربية أم في أي مجال من مجالات الحياة، علينا معرفة الأسباب التي تقف وراءها قبل التفكير في علاجها.

سنقدم فيما يأتي مجموعة من الأسباب التي تجعل طفلك شقياً:

  1. مشاهدة التلفاز لفترات طويلة قد تكون من الأسباب التي تجعل الطفل شقياً، ويرجع ذلك إلى الساعات الطويلة التي يقضيها جالساً أمام التلفاز، والطاقة الكبيرة التي يختزنها في أثناء ذلك، فما أن تحين فرصة مناسبة له حتى يفرِّغها تفريغاً مكثفاً ومزعجاً لمن حوله.
    والكثير من أفلام الكرتون هي أفلام مليئة بالحركة والمشاهد العنيفة التي يتعلم منها الطفل هذه الممارسات ويحاول تقليدها، فإذا لم يتلقَّ الطفل التوجيه اللازم، تحولت هذه التصرفات إلى سلوكات من الصعب تداركها مستقبلاً، ومن هنا تكمن أهمية مراقبة الطفل ومتابعة تحركاته للتعامل معها بسرعة وقبل أن تصبح سلوكات راسخة، ومن الجدير بالذكر أنَّ الطفل لا يقلد أفلام الكرتون فقط؛ بل قد يقلد أحد أفراد عائلته أو قد يسمع قصة تتحدث عن طفل شقي فيقلده أيضاً.
  2. قد يعتقد بعض الناس أنَّ الإرهاق والتعب يجعلان الطفل متعباً وكسولاً، والحقيقة أنَّ بعض الدراسات قد وجدت علاقة بين الإرهاق ونشاط الطفل؛ فنجد الطفل المتعب أكثر عدوانية وأكثر رغبة في العنف.
  3. يحب الطفل أن يكون مركز اهتمام أهله ويشعر بالسعادة عندما يتحدثون ويقضون وقتاً معه؛ إذ تبدأ المشكلة عندما يشعر الطفل أنَّ هذا الاهتمام قد تناقص أو توجَّه إلى شخص آخر قد يكون طفلاً جديداً في العائلة أو عملاً مفاجئاً يستحوذ على وقت العائلة، فيلجأ إلى مثل هذه التصرفات لجذب انتباه والديه له ويقول لهم أنا هنا بطريقته الخاصة التي قد تبدو مزعجة ولكنَّها في الحقيقة إشارة إلى وجود خطب ما يجب التعامل معه قبل تفاقمه.
  4. يرتبط هذا السبب بالسبب السابق مباشرة، فبعض الأهالي يفرقون بالتعامل بين الأبناء بشكل قد يكون مقصوداً أو غير مقصود، فيجد الطفل أنَّ الحل الأمثل حتى يلفت انتباه والديه لوجوده هو كثير من التصرفات والأعمال التي لا يحبونها، فهو بهذه الطريقة يضمن انشغالهم به طوال الوقت حتى لو من خلال توبيخهم له، فهو لا يهتم إلا بوجودهم إلى جانبه.
  5. الامتثال للأوامر قد يكون صعباً على الكبار فكيف سيكون إذاً بالنسبة إلى الصغار الذين يمتلكون طاقة هائلة يريدون تفريغها ويجدون في هذه الأوامر سجناً يحاولون بشتى الطرائق الهروب منه وهدم جدرانه.
  6. المشكلات الأسرية مثل خلافات الوالدين المستمرة تشكل عامل ضغط كبير على الطفل، ولأنَّ الأطفال الصغار لا يعرفون كيف يتعاملون مع هذا الضغط، تراهم يميلون للحركة والنشاط كمحاولة لتفريغه.
  7. طريقة التعامل وأسلوب التربية الخاطئ الذي يتبعه الوالدان مع أطفالهم تسبب رد فعل من قِبلهم يظهر بالنشاط الزائد والحركة اللذين قد يكونان رداً على نظام الأم الصارم في المنزل أو قسوتها أو قسوة الأب.
  8. يعطي السكر الطفل طاقة كبيرة لذلك، فإنَّ تناول السكريات والحلويات بشكل كبير يسبب زيادة طاقة الطفل، ومن الجدير بالذكر أنَّ تناول السكريات ليس سبباً رئيساً؛ بل هو عامل مساعد.

لقد حذر الأطباء من تناول الأطعمة التي تحتوي على ملونات بسبب وجود علاقة بين نشاط الطفل الزائد وبينها.

شاهد بالفديو: 8 ممارسات لتزرع الثقة في نفس طفلك

كيف نتعامل مع الطفل الشقي؟

بعد اطلاعك على قائمة الأسباب التي تجعل طفلك شقياً، أصبح واضحاً أنَّ جميعها يتعلق بأسلوب التربية، وأنَّ شقاوة الطفل في الحقيقة ليست إلا نتيجة ما زرعته فيه؛ لذلك من الهام حتى تحصل على نتائج مُرضية من خلال تعاملك معه أن تعرف جيداً أنَّ المشكلة بدأت من عندك، وأنَّ علاجها يتطلب منك الصبر والحكمة؛ وذلك لأنَّ الأساليب الخاطئة ستجعل المشكلة تتعقد أكثر وقد تخرج الأمور عن السيطرة.

يقول بعض الناس وما هي علاقة الأهل بالمحتوى المقدَّم في أفلام الكرتون؟ وأنَّ هذا موضوع لا علاقة لهم به وخارج عن صلاحياتهم، والحقيقة هي أنَّ علاقة الأهل هنا هي غياب الرقابة، فمن واجبهم أن يعرفوا جيداً كيف يبقون على مسافة مناسبة من الطفل بحيث لا يشعر الطفل أنَّه مراقب وبنفس الوقت يستطيعون التدخل إن لزم الأمر، إضافةً إلى غياب المشاركة والجلوس مع أطفالهم في أثناء المشاهدة فهم بذلك سيكونون قادرين على إبداء الملاحظات وفتح باب للنقاش مع أطفالهم وسماع آرائهم بشأن مشاهد العنف والحركة التي تظهر.

على أي حال ومهما كانت الأسباب، إليكم بعض الطرائق الناجحة في التعامل مع الطفل الشقي:

  1. "العنف لا يولد إلا العنف" على الأهل أن يتذكروا هذا جيداً ويضعوه في بالهم عندما يبحثون عن طريقة لحل مشكلة شقاوة أطفالهم، فلا تتوقع أن تخف شقاوة طفلك عندما تضربه؛ بل على العكس ستزداد وبنفس الوقت ستخسر إحساسه بالأمان تجاهك وتُصعِّب على نفسك مهمة الاقتراب منه مرة أخرى، وتذكَّر أنَّك أنت القدوة بالنسبة إليه، وفي حال كنت عنيفاً، سيعتقد الطفل أنَّ العنف مبرر وسيكبر على هذا النحو.
  2. إظهار الخطأ: لا توبخ الطفل وتعاقبه دون إظهار الخطأ الذي ارتكبه، فناقشه بهدوء وتعقُّل وبدلاً من صرف الوقت وهدره بالصراخ والتعنيف، اجعل عقوبته إصلاح الفوضى التي ارتكبها مهما تطلب منه الأمر وقتاً، وكن صارماً في عقوبتك هذه مع تقديم التعاطف وإظهار الحب وإشعاره أنَّك إلى جانبه لكن بنفس الوقت لا تساعده؛ بل أشرف على عمله فقط، وفي كل مرة اتبع نفس الأسلوب حتى يتعلم الطفل أن يحسب حساباً لأي فوضى سيحدثها.
  3. الحب: سنكرر دائماً وفي كل مقال يتحدث عن الطفل، الحب غير المشروط طريقتك الوحيدة لسدِّ الثقب الذي بدأ يكبر في سفينتك، فأيُّ حل ستقوم به قبل سد هذا الثقب لا فائدة مرجوة منه، فيجب أن ترجع التوازن لعلاقتك مع طفلك بتقديم الحب له والقضاء على أي شعور سيئ يشعر به بسببك.
    إنَّ الكثير من الحب سيكون نافعاً إن أحس بالغيرة من طفل جديد أشركه بتحمُّل المسؤولية، فلا تحاول حل الموضوع بأن تخبره أنَّك تحبه أكثر من أخيه، على العكس علِّمه أن يحبه كما تحبه، ولا يوجد فرق بالحب بينهما.
  4. الطفل الشقي يُحدِث الكثير من الفوضى والضجة ويتصرف بطريقة مستفزة، لكن احذر أن تجاريه بما يفعل، واحذر أن تغضب وتفقد السيطرة وتصرخ، فاجلس على ركبتيك أمامه بحيث تكون عينيك بعينيه وأنت تحدثه ليشعر بالجدية والصرامة من نظرتك وليس من صراخك، وتكلَّم بصوت معتدل لكن حازم، ولا تخفه، وإياك وتوجيه اللوم لشخصيته أو التقليل من شأنه بوصفه شخصاً؛ بل انقد التصرف والسلوك الخاطئ الذي يفعله، فلا تقل له مثلاً: "أنت طفل شقي أو غبي"؛ بل قل له: "انظر ماذا حدث لأنَّك لم تنتبه لتصرفك، وانظر ماذا نتج عن ركضك داخل المنزل".
  5. الرياضة من الطرائق التي تساعد الطفل على تفريغ الطاقة التي لديه، فشاركه ممارسة التمرينات الرياضية، والعب معه لتعيد بناء جسر التواصل بينكما.
  6. كما ذكرنا في الأسباب، فإنَّ الطفل يميل إلى تقليد غيره، فيمكنك إذاً أن تخصص وقتاً وتشاهد معه مقاطع فيديو يظهر فيها أطفال هادئون، وتتناقش معه بحب وهدوء تام عن هؤلاء الأطفال، وإياك والمقارنة والكذب أيضاً؛ كأن تقول له: "أنت طفل لطيف وهادئ" بعد أن تكون قضيت نصف نهارك في توبيخه، هذا سيعلم الطفل الكذب، ويجعلك تبدو غير مقنع عندما توبخه مرَّة أخرى.
إقرأ أيضاً: تربية الأطفال: المكافآت والعقوبات تجاه أخطاء الأطفال

في الختام:

يجب على الوالدين أن يدركا جيداً أنَّ تعديل سلوك أطفالهم ليس أمراً سهلاً، وأنَّ النتائج لا تظهر بين ليلة وضحاها؛ بل يحتاج الأمر إلى الكثير من الصبر والاجتهاد والإصرار والاطلاع والبحث، ومن الطبيعي أن تشعر في بعض الأوقات بالتعب والإحباط، لكن تذكَّر أنَّ هذا الطفل مسؤوليتك وبناء شخصية مستقرة نفسياً واجبك.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة