شرود الذهن: أسبابه وعلاجه

قد تضطر إلى حضور اجتماع عمل ما، وما إن يبدأ حتى تطرأ على ذهنك أفكار لا علاقة لها بموضوع الاجتماع فتأخذك معها بعيداً عن الاجتماع وموضوعه، فاذهب بذاكرتك بعيداً واسأل نفسك كم مرة خلال دراستك سواء في المدرسة أم الجامعة ابتعدت بخيالك بعيداً عن قاعة الصف الدراسي وعدت بعد فترة وجيزة لتسأل زملاءك ما الذي تحدث به المعلم؟



وإذا كنت ممن فعلوا ذلك، فأنت على الأرجح عانيت من مشكلة "شرود الذهن" وتشتته.

ما هو "شرود الذهن"؟

يتميز الإنسان عن غيره من الكائنات بالعقل والقدرة على التفكير والربط الجيد والمنطقي للأحداث، لكن يأتي ما يُعرَف بمشكلة تشتت الذهن لتعوق عمل العقل عن أداء مهامه كما يجب، وتشتت الانتباه هو عكس التركيز الذي يعني في مضمونه قدرة الفرد على حصر تفكيره وانتباهه وتوجيهه نحو فكرة بذاتها والقيام بتحليلها حتى التوصل إلى فهمها بالشكل المراد لها، أما تشتت الذهن فهو فقدان هذه القدرة؛ أي القدرة على التركيز والفشل في تحقيق الانتباه اللازم نحو الفكرة التي تكون محور الموقف أو الحدث؛ أي العجز عن التركيز مدة كافية لتنفيذ النشاط المطلوب القيام به.

ما هي الآثار التي يخلفها شرود الذهن وتشتت الانتباه؟

يشير علماء النفس إلى أنَّ شرود الذهن ينعكس على أداء الفرد وإنجازاته في كافة المجالات العلمية والعملية والاجتماعية؛ إذ تتصف الأعمال التي يقوم بها بالأمور الآتية:

  • الفوضوية: هي قيام الفرد بأعماله بطريقة غير منظمة دون مبالاة في الكثير من الأحيان.
  • الاندفاعية: هي القيام بالتصرفات دون تفكير والتي تؤدي إلى الوقوع في الخطأ.
  • انخفاض في التحصيل الأكاديمي.
  • انخفاض في إنتاجية العمل ومردوده والإهمال الواضح في تأدية مهامه كما يجب.
  • انخفاض في احترام الذات وفقدان الثقة بالنفس وما يتبع ذلك من مشكلات نفسية يمكن أن تنشأ.
  • القلق والتوتر المستمر خوفاً من أن يتلقى سؤالاً مفاجئاً يكشف عن شرود ذهنه وعدم تمكنه من فهم ما هو مطلوب وما قد يتسبب له بالإحراج الشديد.
  • التقلبات المزاجية المفاجئة والحادة بسبب طبيعة الأفكار التي يفكر فيها في أثناء شرود ذهنه عن الموضوع الأساسي وما تحركه تلك الأفكار فيه من مشاعر مختلفة.
  • عدم إكمال المهام المطلوبة حتى النهاية، فسرعان ما يمل منها؛ مثلاً يقوم التلميذ الذي يعاني من شرود الذهن بالقيام بواجب مدرسي لكن سرعان ما يمل منه ويتركه دون إنهائه بشكل كامل وينتقل إلى اللعب بلعبة ما ومن ثم يتركها هي الأخرى لينتقل إلى شيء آخر.
  • تأجيل الأعمال بشكل دائم في محاولة للهروب منها.
  • عدم الرغبة أو ممانعة القيام بأي نوع من النشاطات الاجتماعية التي تتطلب العمل مع الآخرين.
  • أحلام اليقظة: وهو إشغال الذهن في تحقيق ما يرغب فيه الفرد ويريده ويتمنى حصوله بشدة ويحقق له إشباعاً في الخيال لا يستطيع نيله في الواقع، فغالباً يتجه الفرد عند شرود ذهنه إلى التفكير في تلك الأشياء البعيدة عن متناول يده ويريد أن يمتلكها.

شاهد بالفديو: 7 نصائح لتحسين مدى انتباهك وتركيزك

ما هي أسباب شرود الذهن وتشتت الانتباه؟

تتفاقم مشكلة شرود الذهن كلما تقدم الإنسان في السن وكثرت مشكلات حياته ومهامه وواجباته أيضاً، ومن أهم الأسباب التي تؤدي إلى شرود الذهن نذكر:

1. أسباب صحية مثل:

  • المشكلات التي يمكن أن تحدث في أثناء الولادة والتي تسبب أضراراً في الدماغ مثل نقص الأوكسجين، وتناول الأدوية من قِبل الأم في أثناء الحمل أو تعرضها لحوادث تؤثر في الجنين.
  • اختلال النشاط الكيميائي للدماغ الذي يؤدي إلى التقلبات المزاجية.
  • نقص بعض الفيتامينات الهامة لقوة الذاكرة وعملها مثل فيتامين "ب" المركب الذي يتضمن "B6، وB12، وحمض الفوليك" والذي أوضحت الدراسات الطبية دوره في منع تقلص الدماغ، ومن الفيتامينات الهامة أيضاً للذاكرة "أوميغا 3" التي تعزز عمل الدماغ والعمليات التفكيرية فيه، ومضادات الأكسدة، وحمض الكافيين، والكاتشين، ومركبات الفلافونويد الهامة لصحة الدماغ.
  • وجود السموم في الجسم وتراكمها مثل الرصاص أو الزئبق التي من شأنها التأثير في قدرة الفرد على المحافظة على تركيزه.
  • النظام الغذائي غير المتوازن وعدم تناول المواد الغذائية التي تحوي الفيتامينات اللازمة لعمل أجهزة الجسم، بالإضافة إلى عدم حصول الجسم على الراحة المطلوبة من خلال النوم لساعات كافية.
  • الاختلال الهرموني: الهرمونات هي عبارة عن ناقلات كيميائية تسير في مجرى الدم لتصل إلى الأعضاء وتخبر كل عضو بمهمته، ويكون الاختلال بنوعيه أي فرط الإنتاج أو نقص الإنتاج، فكلاهما يسبب مشكلة ويكون تأثيره كبيراً في الجسم عامة وفي الدماغ خاصةً؛ إذ تؤثر طبيعة إفرازات الغدة الدرقية وجارات الدرقية على وجه الخصوص في عمل الدماغ.

2. الأسباب النفسية:

  • مثل الأمراض النفسية التي يمكن أن يكون الفرد مصاباً بها، مثل القلق المرضي، والاكتئاب، وأحلام اليقظة التي ترافق بعض الأفراد بشكل دائم.

3. العوامل البيئية الموجودة في المكان وتأثر الفرد بها:

  • مثل حضور محاضرة عن فيروس كورونا وكيفية التصدي له في ظل جو يسوده البرد القارس، أو محيط عمل غير ملائم للفرد من حيث الترتيب أو ضيق المكان أو الضوضاء.

4. مشكلات الفرد الشخصية:

  • وجود مشكلة عائلية، ومالية، واجتماعية، وصحية، خارج إطار العمل الذي يقوم به وتحتاج إلى حل سريع.
  • سهولة المهمة التي يقوم بها الفرد: فقد يميل بعض الأفراد إلى ترك مهمة ما أو الابتعاد بذهنهم عنها بسبب طبيعتها السهلة والمعروفة بشكل جيد بالنسبة إليهم، فتكرارها مجدداً يصيبهم بالملل؛ لذا يذهبون بتفكيرهم بعيداً عن المحتوى المقدَّم لهم.
إقرأ أيضاً: كيف تدرب ذهنك على التركيز؟

كيف يمكن علاج مشكلة شرود الذهن (تشتت الانتباه)؟

إنَّ حل مشكلة شرود الذهن وبناء التركيز يشبه بناء عضلات الجسم الذي يحتاج إلى برنامج رياضي وغذائي صارم، لكن بالمقابل تحصل على جسم قوي ومتناسق، ونفس الأمر مع وظائف الجسم الأخرى، فبناء القدرة على التركيز يحتاج هو الآخر إلى برنامج صارم والتزام كامل.

من الخطوات التي تساعد على بناء هذه القدرة:

1. تعلُّم كيف تعيش:

يجب أن تعتاد على عيش حياتك بجميع تفاصيلها، وعيش اللحظة أيضاً، وحصر تفكيرك في هذه اللحظة، وإبعاد كل ما ليس له علاقة بها.

2. تنظيم الوقت:

يُعَدُّ الوقت من أهم الأشياء التي يجب الانتباه إلى كيفية قضائه، فالوقت هو الشيء الوحيد الذي إذا ذهب لا يعود ولا يمكن تغييره أو تدارك ما فات منه؛ لذا يجب على كل فرد ترتيب حياته وتنظيم وقته لاستثماره بالشكل الأفضل وإنهاء الأعمال في وقتها تماماً، بالإضافة إلى أنَّ فعل هذا سوف يقلل من احتمال شرود الذهن؛ فيجب أن تحدد بشكل يومي المهام المطلوبة وتخصيص وقت لكل منها، فهذا الأسلوب البسيط نوعاً ما سوف يساعدك على زيادة التركيز ورفع أدائك وإنتاجيتك.

3. الراحة الكافية:

الحصول على الراحة الكافية قبل البدء بممارسة عمل ما وعلى فواصل من الراحة في أثناء قيامك بالعمل مثل الاسترخاء لبضع دقائق حتى تستعيد نشاطك.

4. التخلص من الضغط:

إذا شعرت بالضغط بسبب وجودك في مكان ما وأنت تمارس عملاً، فغيِّر المكان إن أمكن ذلك؛ فمثلاً إن كنت تدرس في غرفة مغلقة ولاحظت تدني إنجازك بسبب كثرة شرود الذهن، فغيِّر المكان واخرج إلى الشرفة، أو يمكنك التجول قليلاً واستنشاق الهواء النظيف لاستعادة التركيز.

إقرأ أيضاً: 8 تقنيات للتخلص من الضغط اليومي بسرعة

5. التمرينات الرياضية:

 تحافظ التمرينات الرياضية على صحة الجسم وعمل أعضائه، فهي تنشط الدورة الدموية وتكافح شيخوخة الدماغ، فتحميه من الأمراض العصبية التنكسية؛ مثل الخرف وألزهايمر، كما أنَّها تعمل على تقوية الذاكرة من خلال تنشيط منطقتي الحصين وقشرة المخ المسؤولتين عنها، وتعمل هذه التمرينات أيضاً على تحسين المزاج من خلال تخليص الجسم من الطاقة السلبية، وتقليل مستويات القلق والتوتر والغضب، وتحسين أساليب الفرد في التعامل مع الآخرين، بالإضافة إلى تحسين عادات النوم وتنظيمه.

6. ممارسة اليوغا وتمرينات التأمل:

إذ تساعد هذه التمرينات على تحسين ليس فقط صحة الدماغ؛ بل الصحة النفسية أيضاً.

7. النوم الكافي:

النوم الكافي

الحصول على عدد ساعات كافٍ من النوم تتراوح بين 7 إلى 8 ساعات يومياً هو أفضل ما يمكنك القيام به للحفاظ على صحة الجسم والعقل؛ إذ إنَّ النوم يعزز من قوة الذاكرة ويزيد من تركيز الانتباه وإبعاد مشتتات الذهن، ومن أجل الحصول على نوم صحي، يجب الابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية مثل التلفاز والهاتف المحمول، وتستطيع الاستحمام بالماء الدافئ فذلك كفيل بجعلك تنام لفترة متواصلة.

8. علاج الصحة:

إذا كنت تعاني من أي مرض عضوي أو نفسي، يجب عليك أن تقصد الطبيب بالسرعة القصوى للوقوف على المشكلة وحلها.

9. تمرينات زيادة التركيز:

أفضل الأشياء التي يمكنك القيام بها للتخلص من مشكلة شرود الذهن هي ممارسة تمرينات التركيز، مثل حل الكلمات المتقاطعة، ولعبة الشطرنج، وحل الألغاز، والخرائط الذهنية وخرائط المفاهيم.

الخلاصة:

عندما يتأثر تفكير الفرد بشرود الذهن وتشتت الانتباه، فإنَّ كل أعماله وأدائه وإنتاجه يتأثرون بذلك، فإذا كنت ممن يعانون من هذه المشكلة، فلا داعي للخجل فهي مشكلة طبيعية وموجودة لدى الكثيرين؛ لذا يمكنك اتباع الاستراتيجيات السابقة للتخلص منها والتمتع بحياة علمية وعملية صحية.

المصادر:

  • 1، 2، 3
  • بدر بن سالم بن جميل السناني، الصورة الذهنية وعلاج التشتت الذهني (المسرح التعليمي نموذجاً)، جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، سلطنة عمان، 2020.



مقالات مرتبطة