سيكولوجيا إدمان العلاقات العاطفية وأسبابها

توجد العديد من الأسباب لانتشار ظاهرة إدمان العلاقات العاطفية أو ما يسمى بتعدد العلاقات، إلا أنَّ التطور التقني والتكنولوجي الذي اجتاح جميع بقاع العالم، كان له دور هتم ومحوري في انتشار هذه الظاهرة، ولا سيَّما مع انتشار الهواتف المحمولة؛ إذ استُعمِلَت الأغاني والرنات والرسائل القصيرة، لتذيب جليد الحواجز بين الأشخاص، وتقطع مئات الكيلومترات في ثوانٍ قليلة، وتؤدي دوراً في تسهيل اللقاء من جميع النواحي.



ما هي الأسباب السيكولوجية الكامنة وراء الرغبة في تعدد العلاقات؟

1. وجود كره كامن تجاه أحد الأبوين:

يقول مؤسس مدرسة التحليل النفسي، "سيغموند فرويد"، إنَّ هؤلاء الدونجوانيين أو التعدديين أو البغائيين، يعمدون إلى الانخراط بكثرة في العلاقات العاطفية، وعدم الاكتفاء بعلاقة واحدة؛ والسبب في ذلك هو رغبة قديمة وكامنة في انتقام الابن أو البنت من جنس النساء أو جنس الرجال؛ ذلك لأنَّ والدته ضربته أو عنفته أو أهملته أو حتى رفضته عندما كان طفلاً، أو لأنَّ والدها في طفولتها قام بالاعتداء عليها أو رفضَها أو أهملها؛ أي إنَّ كلاً منهما يقوم بالتشفي من الجنس الآخر، عبر تعدد العلاقات التي تتحول إلى إدمان بكل ما تعنيه كلمة إدمان من معنى.

2. علاقة فاشلة بأحد الأبوين:

اعتقد مؤسس نظرية علم النفس التحليلي، الفيلسوف "يونغ"، أنَّ الإنسان الذي وصل إلى مرحلة إدمان للعلاقات العاطفية، قد كان طفلاً يعيش في ظلِّ علاقة سيئة مع والدته، ومن ثمَّ بقيت لديه الكثير من الحاجات أو الرغبات النفسية والعاطفية والأساسية والطبيعية التي لم يتم إشباعها، فبقيت ملازمةً له في مراحل متعددة من حياته؛ لذلك هو يبحث عن هذا الإشباع بشكل غير واعٍ، فيلجأ إلى تكرار العلاقات الجنسية المتعددة من أجل البحث عن هذا الإشباع، وكلها محاولات لإرواء الرغبات القديمة، التي لن ترتوي بطبيعة الحال؛ وهذا يقوده إلى التكرار والتكرار، بلا أيِّ فائدة تذكر.

3. النرجسية والبحث عن إشباع لا ينتهي:

يتسم الإنسان النرجسي بسمة أساسية؛ ألا وهي أنَّ جميع مشاعر الحب والاهتمام الموجودة لديه، هي مشاعر ذات اتجاه واحد فقط، هو الذات؛ إذ تكون ذاته هي بوصلة أفعاله، فيُقيِّم كل ما يقوم به من وجهة نظر المنفعة الشخصية، لا أكثر ولا أقل؛ لذا، وانطلاقاً من هذه المبادئ التي يتبناها النرجسي، تكون علاقته مع الأنثى علاقة أخذ وليست علاقة عطاء، فهو ليس بحاجة إلى المرأة لذاتها؛ وإنَّما بحاجة إلى إشباع حاجاته الجنسية أو العاطفية من خلالها.

لذلك يقوم النرجسي بالتنقل بين النساء باحثاً عن الإشباع، وكأنَّه يستعمل أكثر من أنثى من أجل الوصول إلى أعلى مستوى من الارتواء النرجسي، وكلما ازداد عدد النساء اللواتي مرَّ بهن، ازداد شعوره بالجاذبية والقيمة؛ الأمر الذي يؤدي إلى تضخم الذات لديه تضخماً كبيراً؛ وهذا يفاقم من الأنانية والشراهة العاطفية أو الجنسية، فيدور في هذه الحلقة المفرغة التي تدور حول إشباعٍ لا يمكن الوصول إليه.

إقرأ أيضاً: مراحل النمو النفسي الجنسي عند فرويد

4. المشاعية الجنسية؛ إذ تموت العاطفة أمام الغريزة:

تعني المشاعية الجنسية بالتعريف الشائع، قيام الشخص سواء كان ذكراً أم أنثى بإقامة علاقات متعددة، وهي علاقات ذات طابع جنسي غالباً، وتكون هذه العلاقات من دون أيِّ حدود؛ إذ يرفض الرجل، على سبيل المثال، فكرة الارتباط بالأنثى من الناحية العاطفية والإنسانية؛ بل ويتجنب أن يكون في علاقة مع أنثى واحدة فقط، ويتحاشى هذا الأمر؛ وذلك لأنَّ امرأة واحدة لا تكفيه لإشباع رغباته.

وما يميز هذا الشخص، هي نوازعه الجنسية التي تكون في حالة تضخم، مقارنة بنوازعه الإنسانية وميوله العاطفية التي تكون في حالة من الضعف أو الضمور، وبناءً على هذه الصفات، فهو ينظر إلى أيِّ أنثى على أنَّها جسد لا أكثر ولا أقل، وهو يعاملها معاملة الطعام، فكما يريد على الطاولة أكثر من وجبة أو أكثر من صنف من أصناف الطعام، فهو يريد أكبر عدد من النساء.

يُعَدُّ الإنسان الذي يعاني من المشاعية الجنسية، إنساناً غير كامل النضج من الناحية النفسية؛ إذ إنَّه يعاني من تضخم في الأماكن البدائية أو الغريزية المتمركزة في النفس؛ حيث يُشحَن مستوى اللهو بالرغبات والحاجات والشهوات، في حين أنَّ مستوى الأنا (المستوى الذي يُعدَّل فيه السلوك والكلام والتصرفات والحاجات بما يتناسب مع الواقع وظروفه) يكون في حالة ضمور.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى مستوى الأنا العليا، وهو المستوى الذي يتم فيه ضبط السلوك والتصرفات والأفكار وفقاً للقوانين والمبادئ الأخلاقية.

وعلى عكس الإنسان الطبيعي الذي يرتبط لديه الحب بالجنس، أو بمعنى آخر توجد علاقة واضحة بين الناحية العاطفية والجنسية، توجد عند الشخص المشاعي مبالغة زائدة عن الحد في الناحية الجنسية، مقابل موت شبه كامل للناحية العاطفية.

5. الرتابة والملل:

لا شك في أنَّ الروتين والرتابة، أمران غير محبوبين لدى أيِّ إنسان؛ إذ إنَّ أيَّ شخص يسعى بطريقته إلى كسر الروتين والملل في حياته، ولكن قد يكون بطريقة إيجابية وقد يكون باتباع أساليب مدمرة؛ لذا عندما تسود الرتابة في علاقة الزوجين ببعضهما، ويخيم الملل على فراشهما، قد يندفع أحدهما أو كلاهما إلى كسر الروتين، خصوصاً إذا كان هذا الشخص من محبي المغامرات المحفوفة بالمخاطر، فيجد في هذه المغامرة ما يشجعه على الاستمرار.

يجد بعض الأشخاص متعة في تجاوز الخطوط الحمراء وكسر الحدود، وهنا قد يتم كسر الرتابة والفتور العاطفي بطريقة سلبية وسيئة جداً، من خلال الانخراط في علاقات عاطفية أو جنسية.

6. الفطرة التعددية عند الرجل:

طُرِحَت العديد من النظريات حول مسألة الطبيعة التعددية للرجل، غير أنَّها كانت تحتوي على الكثير من الالتباسات والشكوك والإشكالات التي تفرض علينا أن نتوقف عندها، ونضعها في ميزان العقل، ونتأملها بدقة، ونفكر في تفاصيلها بشكل منطقي وعقلاني من دون أيِّ تحيز أو شعارات معلبة تحرفنا عن معرفة الحقيقة، وتزيد الواقع تعقيداً وغموضاً.

لذا يجب علينا أن نعتمد على العلم والدراسات ذات القوة الإحصائية الهامة والمدعمة سواء بالتجارب أم الاستنتاجات الواقعية أو التجريبية، يضاف إليها المعرفة الدقيقة بالتركيبة النفسية لكلا الجنسين، على عكس ما يقدمه الاستنتاج المبني على مستوى واحد فقط.

تقول الدراسات الحديثة التي قام بها خبراء علم النفس في جامعة أمريكية، إنَّ نحو 10% فقط من النساء، يخضن تجربة الزواج أكثر من مرة، غير أنَّ هذه النسبة تكون أعلى بكثير عند الرجال؛ إذ تصل إلى 40%. يتداخل هذا الاختلاف الإحصائي، الذي يمكن وصفه بالهام والقوي، مع ملاحظة نشهدها جميعاً على اختلاف العصور والأزمنة والثقافات والمجتمعات، وهي أنَّ لدى الرجل طبيعة تعددية واضحة للعيان.

بالطبع لا يمكن أن نعمم أيَّ فكرة، وقد تكون هناك شذوذات، ولكنَّها شذوذات تؤكد القاعدة ولا تنفيها.

على المقلب الآخر، قد يميل بعض خبراء علم النفس إلى نقد هذه النظرية؛ إذ يقولون إنَّ هذه التعددية موجودة أيضاً عند الإناث في مجتمعات الإنسان والحيوان، ولكنَّ الطابع الذكوري الذي يصبغ المجتمع البشري، هو من يسمح أو حتى يشجع على الطبيعة التعددية عند الرجل، ويتيح إمكانية التباهي بها وعدِّها دليلاً على القوة أو الرجولة أو حتى الذكاء، فيما تُعامَل التعددية عند الأنثى في مختلف المجتمعات على أنَّها أمر غير مرغوب أو مكروه.

كما ينتقد بعض الباحثين الدراسة الإحصائية السابقة بأنَّها تحتوي على مواطن نقص؛ فإنَّ أغلب النساء اللواتي يقمن بعلاقات متعددة، يقمن بها في جو سري، ويتجنبن نشرها أو التباهي بها، على عكس أغلبية الرجال، وخصوصاً من تغلب عليهم البلاهة وتضخم الأنا الذكورية؛ إذ يتباهون بها كدليل يثبت رجولتهم وفحولتهم وذكاءهم وجاذبيتهم وقدرتهم على الإغراء والحصول على ما يريدون مهما كان صعباً.

في حين أنَّ الأنثى التي تميل إلى تعدد العلاقات، تكون لديها في أغلب الحالات صفات هيستيرية أو حدية أو نرجسية أو اضطراب في الشخصية، ومن ثمَّ لا يمكن تعميم حالتها على جميع النساء.

شاهد بالفديو: 12 سبباً وجيهاً لإنهاء العلاقة العاطفية

7. الميول السادية:

تُعرَّف السادية على أنَّها الحصول على المتعة من خلال إذلال الآخرين أو تعذيبهم أو إيذائهم. وقد يلجأ الرجل، على سبيل المثال، إلى تعدد العلاقات كطريقة من أجل إشباع حاجاته في السيطرة والإذلال والتحكم؛ إذ إنَّ مشاعر الغيرة والسخط بين النساء، ومشاعر الألم التي يشعرن بها، تحقق له المتعة واللذة. 

8. الجوع الجنسي والحرمان العاطفي:

لا شك في أنَّ الطفل الذي حُرِم حنان الأم أو عطف الأب، سيكبر ليصبح إنساناً لا همَّ له سوى أن يبحث عن فتات الحب والاهتمام في حياته، والأهم من ذلك أنَّه لن يصل أبداً إلى مرحلة الإشباع أو الارتواء؛ بل قد يصل به الأمر إلى حد التسول العاطفي؛ إذ يجسد شخصية الإنسان الضعيف الذي يستجلب عطف الآخرين من أجل كسب الاهتمام والتعاطف، وربما الجنس.

وقد يقوم الشخص الجائع عاطفياً، برشوة من حوله من أجل ضمان الحصول على تعاطفهم وحبهم؛ وذلك من خلال الإكثار المبالغ فيه من ناحية الهدايا أو الخدمات.

شاهد بالفيديو: سيكولوجيا إدمان العلاقات العاطفية وأسبابها

في الختام:

لا بُدَّ لنا أن ننوه في نهاية هذا المقال إلى أنَّنا لا نبرر لأيِّ طرف تعدد العلاقات أو الخيانة، وإنَّما نحاول أن نبحث في الجذور النفسية لهذه الظاهرة، في محاولة لفهمها من الناحية السيكولوجية.




مقالات مرتبطة