سرُّ تحديد الأهداف: كيف تحقق أي هدف تضعه لنفسك؟

يتناول هذا المقال كيف يمكن للتحول المدروس في وجهات نظرنا حول تحديد الأهداف، أن يُسفر عن نتائج تراكمية جذرية على المدى الطويل. فسواءً أكان ذلك أهدافاً مهنية أم أهدافاً شخصية، فقد مررنا جميعاً بذلك، حيث وضعنا أهدافاً طموحة؛ بل مفرطة في الطموح أحياناً، وسَعينا لتحقيقها، وواجَهتنا عثراتٌ جَعَلَتنا في نهاية المطافِ فاقدينَ للدافع بسبب عدم رؤيتنا لأهدافِنا وهي تأتي أُكُلها.



لا أحد يحب أن يكون عالقاً في مستوى إنجازٍ ثابتٍ لا يستطيع تجاوزه. فقد تقضي شهوراً في العمل الجاد نحو تحقيق هدفٍ ما، من دون أن تلاحظَ أي تقدم ملموس. فأَنْ تشعرَ بأنَّ دوافعك تذهب سدىً، هو أمرٌ محبطٌ إلى حدٍّ يفوق الوصف. وطريقة رد فعلكَ على تلك المرحلة من حياتك، ستحدد ما إذا كنت ستنجح في النهاية أم لا. وبينما يأتي ردُّ فعلِ الكثير من الناس إمَّا بأن يُنِهكوا أنفسهم بالعمل أو يتخلون عنه، يواظب بعض الناس على التَّواجد كلَّ يوم. ومن خلال صبرهم، سوف يتجاوز هؤلاء ذلك المستوى في نهاية المطاف.

لمَ تفشل مخططات الثراء السريع؟

لننظر من جهة نظر مُدوِّن، سيبدأ كاتب جديد مدونة ما، وغالباً ما تكون ذات محتوى رائع، لكن بعد 8 أشهر يتوقف عن التدوين. عبَّر البعض عن أفكارٍ مفادها أنَّ المدونة ستصبح نشاطهم التجاري في المستقبل، لذا لا يمكنهم الادعاء بأنَّهم لم يكونوا ملتزمين بذلك. وبينما يتوقف هؤلاء عن الكتابة، يستمر المدونون الذين سيصبحون ناجحين في المستقبل، في الكتابة كل يوم.

لننظر من وجهة نظر شخصٌ يذهب لصالة التمارين الرياضية: في بداية كل عام، تجد الصالة الرياضية مزدحمة. لكن بعد بضعة أسابيع، تجدها خاليةً مرة أخرى. إذ يشترك البعض بعضوية لمدة عام، ليستخدموها لمدة 3 أسابيع. بإمكانهم أن يزعموا بكل تأكيد، أنَّهم كانوا مشغولين جداً، أو أنَّهم لم يكونوا في حاجة ماسَّة إلى ممارسة التَّمارين الرياضية، لكن هذا ما ندعوه بالتَّسويغ. وبينما يتخلون عن الأمر، يستمر الأشخاص الأصحاء حقاً في التَّواجد كل يوم.

لننظر من وجهة نظر طالب: إذ يوجد طلاب يدرسون في مرحلة ما قبل دراسة الطِّب، أكثر من طلاب الطب أنفسهم. إذ في بداية البرنامج الأكاديمي، يتواجد عددُ طلابٍ أكثر من عدد الطلاب في نهاية البرنامج. وفي حين أن بعض الأشخاص يدرسون على عجلٍ وفي اللحظة الأخيرة من أجل الامتحانات، فإنَّ الآخرين يطورون عادات دراسةٍ تلازمهم طوال مدة دراستهم.

لا يفشل الثراء السريع فقط لأنَّ أساليبه عبارة عن مجرد كذبة، بل يفشل لأنَّ الأشخاص لا يهتمون أبداً بما يتطلبه الأمر لتحقيق النجاح. فقد أرادوا حلاً فورياً لمشكلةٍ تتطلب حياةً من التفاني.

سر تحديد الأهداف: البطء المتعمد

بدلاً من أن نتحدث عن أسرع طريق للنجاح، سوف نقوم بعكس ذلك: أبطأ طريق للنجاح. وبدلاً من أن نعدك بأن تتمكن من الوصول للثراء بسرعة، سنشير إلى أنَّه يمكنك تحقيق الثراء على مدى عدة سنوات أو عقود. وبدلاً من أن نعدك بخسارة 7 كيلوغرامات في الأسبوع، سنقترح أن تكون بصحة جيدة مدى الحياة.

إنَّ البطء المتعمد في وضع الأهداف ليس بالتعويذة الشائعة هذه الأيام. ففي عالم سريع الخطى، يبحث الجميع عن طُرُقٍ مُختصرة. إذ إنَّهم يريدون أن يعرفوا كيف تمكّن أحد المشاهير في أن يصبح ناجحاً للغاية في غضون بضعة أشهر. ولا يريدون أن يسمعوا عن الشَّخص الذي خطط لنجاحه بدقة وعناية لمدة عقد من الزَّمن. ومع ذلك، وعلى الرَّغم من افتقاره لعامل الاغراء، فإنَّ البطء المتعمد في وضع الأهداف هو تعويذة أكثر فعالية. فهو يفرض عليك التوقف عن الرغبة في تحقيق هدفك على الفور، وعلى أن تركز على العملية وأن تَنكَبَّ على ما تقوم به. فهذا من شأنه أن يزيد من احتمالية أنَّك ستُبقِي على أهدافك بمجرد تحقيقها. والأهم من ذلك، أنَّ التركيز على العملية يتيح لك فعلياً أن تستمتع بالطريق للنجاح، وذلك بدلاً من أن ترى كل شيء على أنَّه عقبة أمامك.

إقرأ أيضاً: كيف تحدد أهدافك في الحياة؟

ما الذي سوف تتقنه في غضونِ 10 سنوات؟

فكِّر في خططك على صعيد العقد القادم، لا الأشهر القليلة المقبلة. إذ عندما تفكر على صعيد عقدٍ من الزمن، فإنَّ استراتيجيتك تتغير. وبدلاً من أن تحاول وبشكل محموم، تركيزَ جهودك على اللحظة الحالية، سَتركز على السلوكيات المستمرة التي تحتاجها لكي تنجح. وبدلاً من أن تحاول تحقيق هدف في الوقت الحالي، عليك أن تركِّزَ على كيفية المحافظة عليه مدى الحياة.

يعرضُ مالكولم غلادويل في كتابه الرائع "الاستثنائيون"، أنَّ الأمر يتطلب 10،000 ساعة لإتقان أي مهارة. إذ يتطلب الأمر من كلٍّ من الفنانين المبدعين وقراصنة الكمبيوتر على حدٍّ سواء، العمل لما مقداره 10000 ساعة قبل أن يصلوا إلى درجةِ إتقانٍ حقيقي لصنعتهم. فإن كنت مثلاً تقضي 3 ساعات يومياً في العمل على مهارةٍ ما، فستحتاج إلى عقدٍ من الزمن لإتقانها. وبدلاً من البحث عن أسرع طريق، ابحث عن أكثر الطُّرقِ استدامةً. ولا تلقِ بالاً لما سيصل بك إلى هناك على الفور، بل انظر إلى ما سيبقيك هناك خلال خمس إلى عشر سنوات.

كمدوِّن، فهذا يعني إنتاجُ محتوىً باستمرار، ووفقاً لجدولٍ منتظم. يشتمل موقع النَّجاح نت مثلاً، على مئاتِ المقالات في أرشيفه، ولا يزال معظمها يكتسب زيارات وتعليقات حتَّى يومنا هذا. وباعتبارك من رواد الصالة الرياضية، فهذا يعني أن تحافظ على عادة التمرين، بدلاً من أن تتبنَّى إستراتيجياتِ تدريبٍ جذرية. حيث عليك مثلاً أن تذهب إلى صالة الألعاب الرياضية من 3-5 أيام في الأسبوع، ولأكثر من سنة. وبدلاً من اتباع كل تلك الصرعات الغذائية، حاول الحفاظ على نظام غذائي بسيط وصحِّي ومستدام.

الغاية هي وضع الأهداف على المدى الطويل. وليس أن تؤمن بالنصيحة التحفيزية التي تقول بأنَّه يجب عليك بناءُ ثقة غير محدودة في نفسك حتى تتمكن من تحقيق أي هدف. فكّر بالجانب السَّلبي لهذا النهج والذي يتمثل في أنَّه كلما كانت ثقتك الزائفة لا تفي بمتطلبات الواقع (وهو الأمر الذي يحدث غالباً)، فإنَّك تتعثر في مسعاك وتجد صعوبة أكبر في بذل جهدك للوصول إليه. لذا من الأفضل تحديد أهداف واقعية للغاية، والالتزام باستثمار الطاقة فيها يوماً بعد يوم، وسنةً بعد سنة.

إقرأ أيضاً: الأهداف الذكية "SMART": اجعل أهدافك قابلة للتحقيق

وضع الأسس:

يوجد أسفلَ أي ناطحة سحاب، قواعدُ ضخمة. إذ من أجل البناء للأعلى، عليكَ أولاً أن تبني في الأسفل، وإلا فإنَّك كمن يبني بنيانه على شفا جُرف. وذات الأمر ينطبق على الحياة. فقبل أن تتمكن بشكلٍ جذري من أن تحاول تغيير استراتيجيتك للتدوين، أو أن تُجرِّب روتيناً خاصاً بك في صالة التمارين الرياضيَّة، عليكَ أن تضعَ أُسُساً لنفسك.

تلك الأسس هي عاداتك؛ الأمور التي تقوم بها كل يوم وكل أسبوع، بغض النظر عن نتائجها الإيجابية. فالبعض يكتب مقالات لمدونته مرتين في الأسبوع، بغضِّ النظر عمَّا إذا كانت حركة المرور الخاصة به قد ارتفعت أم انخفضت. وبغض النظر عمَّا إذا كان قد جنى ألف دولار أو عشرة سنتات. فهم يكتبون لأنَّ الكتابة هي أساس عملي، وأولويتها تفوق أولويَّة أي شيء آخر.

إن كنت قادراً على أن تبنيَ الأسس المناسبة، فيمكنك أن تبنيَ عليها أيَّ شيءٍ تقريباً. وبسبب الأسس التي بنيتها، فأنت ستواصل بذلَ جهدك. وحتى لو كنتَ عالقاً ضمن مستوى إنجازٍ لا تقدر على تجاوزه، أو مشغولاً جداً أو منهكاً، فهذا هو الجزء الأكثر أهمية في استراتيجية وضع الأهداف. إذ بوجود تلك الأسس، يمكنك أن تجرب جميع التجارب والمهارات التي تريد استخدامها لتسريع نجاحك.

حدد ما تريد القيام به كل يوم أو كل أسبوع من أجل أن تحافظ على هدفك. وحدد الحد الأدنى لمستوى النتائج الذي عليك تحقيقه. وبمجرد ما إن تحدد هذا المستوى، اجعل من ذلك عادة، والتزم به لمدة ثلاثين يوماً على الأقل دون توقف. ثم التزم بمواصلة الأمر لمدة تسعين يوماً أخرى. وبمجرد ما إن تضع أسسك الخاصة، فأنت أقلُّ عرضة لأن تتخلى عن الأمر بدافع الملل أو الإحباط. إذ بإمكانك أن تتعرض عملياً لأيِّ انتكاسة، وتستمرَّ برغم ذلك فيما تقوم به كل يوم.

دوافع وضع الأهداف؛ هل هي أسلوب حياة؟ أم وسيلةٌ لتحقيق غاية؟

أحد الاختلافات الرئيسية بين الأشخاص الذين يستسلمون وأولئك الذين يستمرون، هو الطريقة التي ينظرون فيها لأهدافهم. فالأشخاص الذين يستمرون، يرون الطريق إلى هدفهم كجزءٍ من نمط حياة. أما الأشخاص الذين يستسلمون يرون الطريق إلى هدفهم على أنَّه مجرد وسيلة للوصول إليه.

فإن أنت ذهبت إلى صالة الألعاب الرياضية، فهل ذلك لأنَّ الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية هو جزء من نمط حياتك، أم فقط لأنَّك تحاول أن تخسر ثلاثين رطلاً من وزنك؟ وهل تقوم بالتدوين لأنَّ الكتابة كل يوم هي جزء من حياتك، أم لأنَّها مجرد نقطة انطلاقٍ لكي تصبح ثرياً؟

ادمج أهدافك ضمن نمط حياتك. على الرغم من أن جزءاً من هذا هو تكوين عادات، إلا أنَّه سلوكٌ أيضاً. اسأل نفسك عمَّا إذا كنت ستواصل العمل بجد بمجرد ما إن تصل إلى هدفك؟ إذا كانت الإجابة "لا"، فعلى الأرجح أنَّك لن تقدر على أن تستمر على المدى الطويل. لأنَّه إن واجهتك مشكلة أو كان هدفك يستغرق وقتاً أطول مما كنت تعتقد، فقد لا تتمكن من أن تصل إليه أبداً.

شاهد بالفيديو: 8 أمور عليك معرفتها عن الأهداف


ضع أهدافاً جريئة، ومواعيد نهائية واقعية:

حدد أهدافاً كبيرة تُغَيِّر العالم. لكن فقط اصبر على الموعد النهائي. البعض يفضل وضع أهدافاً تُغيِّر العالم وتستغرق عقوداً من الزمن، أكثر من أن تضع أهدافاً صغيرة تتوقّع تحقيقها قبل موعدها المحدد. إذ إنَّ الموعد النهائي الذي تضعه لنفسك هو أكثر من مجرد أداة تحفيزية، فهو يحدد لك أيضاً كيف تنظر لهدفك. فتحديدُ مواعيدَ زمنية أطول يفرِضُ عليكَ اختيار استراتيجيات مستدامة وبطيئة في سبيل الوصول للنجاح. أما تحديد مواعيدَ نهائية قصيرة بشكل غير واقعي يفرض عليك اختصار الوقت، وتنفيذ حلولٍ سريعة في طريقك للقمة.

استدامة وضع الأهداف:

إنَّ الاستدامة هي كلمة شائعة في مجال البيئة. وتعني اختيار الحلول التي ستستمر في العمل بعد 50 عاماً، بنفس الشكل الذي تعمل عليه اليوم. لكن الاستدامة تنطبق أيضاً على حياتك وعلى وضع الأهداف. فإن كنت تسلك مساراتٍ غير مستدامة، فإنَّك تنتهك مبدأ البطء المتعمد. لذا اسأل نفسك كم من الوقت يمكنك أن تتابع في هذا المسار الحالي؟ ومتى تستسلم بعد عدم رؤيتك لأية نتائج؟ فإذا كانت الإجابة أقل من "للأبد"، فإنَّ استراتيجيتك ليست بالمستدامة. وإذا كان هناك وقت محدد للإقلاع عن الأمر، فأنت لا تتبع استراتيجية مستدامة. أنا لا أقول أنَّه عليك أن تواصل نفس الاستراتيجية إلى الأبد. ولكن، إن كنت قادراً على القيام بذلك، فأنت تزيدُ وبشكل كبير من الاحتمالات بأنَّك لن تتخلى عن تلك الاستراتيجية لأسباب خاطئة.

لا تسعَ خلف مشاريعَ لن تلتزم بها كلياً:

الدرس الآخر المستفاد من البطء المتعمد هو أنَّه يجب عليك ألا تسعَ خلفَ مشاريعَ لا تلتزم بها بشكلٍ كامل. فإن كنت تريد أمراً ما، فيجب أن تلتزم بتحقيق ذلك فيما لو استغرق الأمر شهراً أم عقداً من الزَّمن. فإن لم تكن على استعدادٍ للانتظار لمدة عشر سنوات لإكمال هدفك، فمن المحتمل ألَّا يكون لديك الإصرار الذي يتطلبه إكمال الأمر حتى النهاية.

إقرأ أيضاً: 7 خطوات تساعدك على الالتزام بتنفيذ أعمالك ومهامك

عندما يكون البطء المتعمد سريعاً بشكل مدهش:

يقول أحد المدونين: خلال سِنيِّ حياتي، أخذت الأهداف من منظور بطيءٍ عن عمد. عندما بدأت عملي، حددت أول هدفِ دخلٍ مهم في فترة ثلاث سنوات وليس ستة أشهر. وعندما بدأت ممارسة التمارين الرياضة كانت أهداف اللياقة البدنية تقاس بالشهور، وليس بالأسابيع. وعندما شرعت في تغيير عاداتي فعلت ذلك عادةً بعد عادة في كل مرة، ولمدة شهر واحد على الأقل لكلٍّ منها. إذا ما نظرنا من منظور شخص يفكر على المدى القصير، فإنَّ ذلك سيبدو بطيئاً بشكلٍ مؤلمٍ بالنسبة له. وسوف يشير كيف أنَّني قد أكون قادراً على مضاعفة أرباحي في غضون بضعة أشهر، أو زيادة قوتي في غضون أسبوع. ولكن إذا نظرتَ بالفعل إلى سجل مسارك، فستجد أنَّ البطء المتعمد هو النَّهج الأسرع. وإن ركزت فقط على تغيير عادة واحدة كل شهر، يمكنك إعادة كتابة سلوكيات حياتك من الألف إلى الياء في أقل من عام. قد تبدو ثلاث سنوات لبناء مشروعٍ تجاري فترةً طويلة في المستقبل، ولكن بعد القيام بذلك، سوف يُطري الناس على مدى نجاحك.

قم بفعل ذلك وحسب (كلَّ يوم):

إنَّ الشعار التحفيزي الرائج في أيامنا هذه هو "ابدأ به"، بينما تعبر عنه شركة نايك بشعارها الشهير: "افعلها وحسب - Just do it"، ويركز كتاب غاي كاواساكي على فنِّ البداية. لكن قد يكون "احضر، كُلَّ يوم"، هو شعارٌ أفضل من "إبدأ به". إذ بدلاً من أن تحاول البدء، يمكنك أن تحاول الحضور كل يوم حتى تتاح لك فرصة إنهاءُ ما قد بدأتَ به.

المصدر




مقالات مرتبطة