سايكولوجيا زواج الأقارب: كيف يمكن أن يسبب تخلف المجتمع؟

كلنا سمعنا عن مصطلح زواج الأقارب أو ما يُسمى باللغة الإنجليزية endogamy، والذي ينتشر في الكثير من المجتمعات المغلقة وخاصة المجتمعات العربية ودول العالم الثالث، ويُعَدُّ مفضلاً على غيره على الرغم من مساوئه الكثيرة.



قد ترى بعض المعلومات الواردة في هذا المقال مبالغ فيها، ولكنَّها الطريقة الأفضل لكشف ما يبدو في الظاهر بسيطاً أو صغيراً ولكنَّه في الواقع له بالغ الأهمية والأثر في حياتنا، وربما تكون الأمور التي نتجاهلها اعتقاداً منا بعدم أهميتها هي السبب الأساسي في شقائنا وتعاستنا وتخلفنا عن ركب الحضارة.

ما هي الأسباب التي قد تدفع بعض المجتمعات إلى تفضيل زواج الأقارب على غيره؟

توجد الكثير من الأسباب التي تجعل بعض الناس يميلون إلى زواج الأقارب، وهي مع الأسف الشديد أسباب لا تفيد المجتمع؛ بل تضره وتعبِّر عن وجود نخر كبير موجود في داخله، ولعلَّ أبرز هذه الأسباب:

1. الناحية المالية:

يُعَدُّ زواج الأقارب غير مكلف من الناحية المادية؛ إذ يتفق الأهل فيما بينهم على مهر يناسب الحالة المادية السائدة، وقد لا يحتاج زواج الأقارب إلى منزل جديد؛ إذ تكون الزوجة معتادة على أهل زوجها فترضى بالعيش معهم في المنزل نفسه.

2. الاستقرار العائلي:

عندما تكون الزوجة قريبة زوجها فإنَّها تعرف أهله وطباعهم وطريقة تفكيرهم؛ مما يساهم في استقرار العلاقات الأسرية والتقليل من المشكلات والخلافات والمشاحنات، وفي أغلب الحالات تكون طريقة تفكير الزوجة قريبة جداً من طريقة تفكير أقاربها الجدد؛ مما يعزز حالة الاستقرار العائلي.

3. عقدة الرجل الشرقي:

تشكل التجارب العاطفية السابقة في حياة الفتاة مشكلة في نظر الرجل الشرقي، وهو غالباً ما يفضِّل الفتاة التي يعرف عنها كل شيء من بداية مراهقتها وحتى لحظة الزواج؛ لذا فإنَّ زواج الأقارب يحقق هذا الأمر بالنسبة إلى الرجل الشرقي؛ إذ يعرف كل شاردة وواردة عن قريبته، ويعرف أصدقاءها وبيئتها الاجتماعية والمهنية؛ أي تكون مضمونة في نظره أكثر من الزوجة الغريبة التي قد لا يعرف عن ماضيها أي شيء؛ مما يثير في نفسه الريبة والقلق.

4. الطمع في الإرث:

قد يكون السبب المباشر أو غير المباشر في بعض حالات زواج الأقارب هو موضوع الإرث من ناحية الزوجة، وخصوصاً في حال كانت الزوجة وحيدة لأهلها؛ إذ إنَّ أهل الرجل وأهل الفتاة سيحاولون إقناعهما بالزواج كي لا تذهب أملاك العائلة إلى رجل غريب قد لا يعرفون عنه شيئاً، ومن خلال زواج الأقارب يضمنون بقاء أرزاقهم ضمن نطاق العائلة؛ إذ تشكل الأرض والأرزاق قيمة عليا في الثقافة الريفية التي قد تولي أهمية أكبر للأرض مقارنة بالأفراد.

شاهد بالفديو: 8 علامات تنبّهك بأنّ زواجك على وشك الانهيار

ما هي الأسباب المنطقية وراء قول إنَّ زواج الأقارب يمكن أن يؤدي إلى تخلُّف المجتمع؟

تؤكِّد الكثير من الأبحاث والدراسات أنَّ زواج الأقارب هو زواج سيِّئ، وقد عدَّ بعض الباحثين زواج الأقارب سبباً هاماً من أسباب تخلُّف المجتمع ورجوعه إلى الخلف، ويحاججون بحجج منطقية وعلمية لعلَّ أهمها:

1. السبب الجيني:

كلنا كنا ذات يوم طلاباً على مقاعد الدراسة في المدرسة الثانوية، وكانت لدينا مادة العلوم الطبيعية التي تحتوي على درس الوراثة، ونتذكر جميعاً كيف شرحت لنا معلمة المادة كيف أنَّ إجراء تزاوج بين سلالتين من الأرانب تجمع بينهما صلة قرابة قد أدى إلى إنتاج أفراد لديهم وزن أقل ومناعة أضعف وقوة عضلية ضعيفة، بالمقارنة مع أفراد الأرانب التي ينحدر منها الذكر والأنثى من سلالات متباعدة.

تُعَدُّ هذه التجربة من أبسط التجارب للدلالة على هذه الحقيقة العلمية، والتي دُعِّمَت بآلاف التجارب والدراسات والأبحاث التي أكدت أنَّ زواج الأقارب هو فرصة لظهور المورثات المتنحية التي تحمل صفات غير مرغوبة، بالإضافة إلى كونه يزيد احتمالية ظهور الشذوذات الوراثية.

2. انعدام الاستقرار الأسري:

يُعَدُّ السبب الثاني بشكل أو بآخر نتيجة للسبب الأول؛ إذ إنَّ زواج الأقارب سينتج بشكل شبه أكيد أفراداً أكثر ميلاً إلى الإصابة بالأمراض المزمنة، والتي قد لا يمكن الشفاء منها؛ مما يجعل الأهل في زيارات متكررة إلى عيادة الطبيب، بالإضافة إلى زيادة معدل الاستشفاء، وقد يقضي الأهل مع طفلهم في المشفى أكثر مما يقضونه في المنزل، وهذه الصعوبات والمشكلات تُثقل كاهل الأهل من الناحية المادية والنفسية والجسدية؛ مما يجعلهم أفراداً غير منتجين في المجتمع؛ إذ يكتفون بواجبهم الإنساني والعائلي تجاه طفلهم المريض.

3. تعذر المساواة بين الأطفال في الرعاية والاهتمام:

بالإضافة إلى نقطة في غاية الأهمية وهي أنَّ حصة بقية الأطفال من الاهتمام والرعاية ستنخفض جداً؛ إذ سيقل اهتمام الأهل ببقية الأطفال من الناحية المادية والطبية والغذائية والنفسية والعاطفية؛ مما يؤهِّب هؤلاء الأطفال المهملين إلى الإصابة بسوء التغذية أو الأمراض المختلفة الناجمة عن نقص العناية.

بالإضافة إلى أنَّ نقص الاهتمام النفسي والعاطفي والتربوي تجاه بقية الأطفال سيؤثر حكماً في الصحة النفسية والعقلية؛ مما يزيد من فرصة إصابتهم باضطرابات نفسية قد تبقى معهم مدى الحياة بكل ما تحمله من آثار جانبية خطيرة في المجتمع بشكل عام.

إقرأ أيضاً: أهم 10 نصائح في تربية الأطفال تربية سليمة

4. الرؤية النفقية:

يؤكد خبراء علم النفس أنَّ زواج الأقارب هو أحد الأسباب الهامة لظاهرة نفسية اجتماعية تسمى في علم النفس بالرؤية النفقية tunnel vision، وهي تعني الرؤية المحدودة باتجاه واحد وزاوية واحدة، وعدم القدرة على تقليب المسألة من كافة الجوانب؛ إذ يرى الأمور وفق ما يراها الأشخاص المحيطون به.

هذا الكلام منطقي؛ وذلك لأنَّ أطفال زواج الأقارب يعيشون غالباً ضمن بيئة يكون فيها الأب والأم أقرباء؛ مما يعني أنَّ لديهما الثقافة نفسها، بالإضافة إلى أنَّ الأقرباء من أخوال وأعمام سيكونون قريبين جداً من الأطفال وعلى علم شبه كامل بطريقة حياتهم؛ مما يدفعهم إلى فرض الثقافة الواحدة بشكل أقوى على الأطفال الذين لديهم بشكل أو بآخر نوع من الاستعداد لهذه الأفكار بحكم الجينات التي تكون متشابهة نوعاً ما بسبب صلة القرابة.

5. زيادة ما يسمى بالإنفاق السلبي:

لا يمكن أن نغفل عن أمر هام وهو أنَّ أكثر إنفاق الدول - وخصوصاً تلك التي تعاني أصلاً من أزمات وحروب - هو الإنفاق على القطاع الصحي؛ إذ يكثر زواج الأقارب وتكثر الأمراض المزمنة والأمراض الوراثية التي تكلف - سواء الدولة أم المجتمع الأهلي أم الجمعيات الخيرية - تكاليف مالية باهظة تثقل كاهل الدولة والمجتمع؛ مما يتسبب بشكل أو بآخر في الإنفاق السلبي.

نحن لا نتكلم هنا لقطع الإعانة عن هؤلاء فهذه حالة إنسانية لا جدال فيها، ولكنَّنا نتكلم من باب التوعية ونشر الثقافة العلمية والطبية والصحية أملاً بواقع أفضل ومستقبل مشرق.

شاهد بالفديو: 7 أشياء أتمنى لو أنَّني عرفتُها قبل الزواج

سايكولوجيا زواج الأقارب والصدمة الثقافية:

التدخلات المتكررة في حياة الطفل أو المراهق تجعله يعتقد بأنَّ كل ما يؤمن به أو كل ما تربى عليه هو وحده الصحيح المطلق؛ وذلك بسبب التوكيدات المعرفية التي تأتيه من قِبل الوسط الاجتماعي المحيط به والمكون من الأقارب الذين يحملون نفس الفكر، ويصبح هذا الفرد مثل الشخص الذي يعيش في الصحراء أو البادية طوال حياته، ويعتقد أنَّ كل سكان الأرض يعيشون في البادية ويركبون الجمال ويسكنون في الخيام.

عندما يخرج هذا المراهق خارج بيته أو قريته الريفية التي تعج بأفكاره وأفكار أقاربه سواء إلى الجامعة أم إلى المدينة أم حتى إلى إحدى الدول المتحضرة والمتطورة؛ أي من بيئة منغلقة على تفكير واحد ورأي واحد ونمط حياة واحد إلى بيئة منفتحة تعج بالأفكار المتعددة والآراء وأنماط الحياة التي لا حصر لها؛ فإنَّه يصاب بما يسميه علم النفس بالصدمة المعرفية أو الصدمة الثقافية Culture shock؛ إذ يرى كل ما يحدث أمامه من أشياء تختلف عما تربى عليه تهديداً كبيراً لوجوده وكيانه.

إقرأ أيضاً: الخلافات الزوجية وتأثيرها على الأسرة والمجتمع

كيف يكون تعامل الإنسان مع الصدمة الثقافية؟

يؤكد خبراء علم النفس أنَّ طريقة تعامُل الإنسان مع هذه الصدمة تكون بأشكال متعددة، سنسرد أهمها مع التأكيد على عدم وجود خطوط فصل واضحة بينها؛ إذ قد يمر الشخص بأكثر من رد فعل على مدى الزمن، وقد لا نلاحظ ردود الفعل هذه أبداً في الحياة اليومية أو الملاحظة البسيطة إمَّا لأنَّها قد تكون بحدة بسيطة أو لأنَّ صاحبها اختار كبتها أو عدم التصريح عنها:

  1. بعض الشخصيات الشابة قد تدخل في حالة من الاكتئاب؛ وذلك بسبب فرط التفكير والمقارنة بين ما يحدث أمام عينيه وبين ما يتربى عليه، وهنا قد يختار الانتقال إلى أفكار جديدة والتخلي عن معتقداته القديمة، وهي عملية طويلة وصعبة وشاقة؛ لذلك فهي قليلة أو حتى نادرة.
  2. تحاول النسبة الأكبر من الأشخاص إيجاد بيئة منغلقة صغيرة تحقق لهم الاستقرار المعرفي والعقائدي، ويحاولون تشكيل مجتمع صغير وعلاقات اجتماعية يتبادلون فيها العادات والأفكار التي تربوا عليها، ويفرِّغون سخطهم وغضبهم في البيئة المعادية لهم.
  3. أما طريقة التعامل الأخطر فهي رد الفعل الراديكالي أو المتطرف؛ وذلك من خلال اللجوء إلى العنف أو الأعمال التخريبية، ولا شكَّ بأنَّها نسبة قليلة، ولكنَّها مع الأسف ذات تأثير سلبي هائل.

في الختام:

لا بدَّ من التذكير بأنَّ كل ما ذكِرَ في المقال نسبي، فليس كل أطفال زواج الأقارب يعانون من أمراض جسدية أو نفسية؛ أي هذا لا يعني عدم وجود حالات ناجحة، ولكنَّ ما أُثبِتَ بالعلم هو أنَّ زواج الأقارب فرصة لا تعوَّض لظهور الأمراض الجسدية والنفسية، والتي يمكن أن تحوِّل حياة العائلة إلى معاناة شديدة وقاسية.




مقالات مرتبطة