سايكولوجيا الابتزاز العاطفي، وأهم الأساليب لمواجهته

من غير الممكن محاربة أي سلوك من دون بناء فهم واضح لأسبابه وآليته، ومعرفة جذوره النفسية، التي تكون عميقة جداً في أغلب الأحيان؛ فقد تمتد إلى مراحل الطفولة، وربما أبعد من ذلك، وقد تكون المشكلة في الجينات أو المورثات؛ لذا، إنَّ معرفة السبب هي المرحلة الأولى من العلاج.



وسنتحدَّث في هذا المقال عن مشكلة هامة موجودة في معظم المجتمعات، وسنحاول معاً فهم أسبابها وآليتها؛ وذلك للتوصل إلى الأساليب التي قد تفيدنا في مواجهتها؛ إذ إنَّ أي معالجة لا تستند إلى الفهم العميق لأسباب المشكلة، هي معالجة ناقصة وغير فعالة، وستكون نتائجها مضللة ومؤقتة.

ما هو الابتزاز العاطفي؟

يُعَدُّ الابتزاز العاطفي أحد الأساليب الفعالة والمستخدمة بكثرة في عمليات التلاعب؛ إذ يلجأ إليه الأفراد المقربون منا؛ وذلك للوصول إلى ما يريدونه هم، مقابل أن نتجنب عقابهم؛ على سبيل المثال، إذا لم تتكلم أمام المحكمة كما أريد، فإنَّك ستعاني جداً.

وقد يكون للابتزاز شكل أخف، ولكنَّه خطير جداً لأنَّه يلبس ثياباً مألوفة للإنسان العادي؛ مثل أن يعرف الشخص الذي يمارس فعل الابتزاز بأنَّنا نحتاج إليه، ونحتاج إلى الحب والقبول أو المساعدة، فيهددنا بمنع ذلك أو أخذه منا أو إبعادنا عنه، ويتركنا متعلقين به.

ما هي أشكال الابتزاز العاطفي؟

قسَّم خبراء علم النفس الابتزاز العاطفي إلى أربعة أشكال رئيسة، سنتناولها في هذا المقال:

1. إن كنتَ تحبني بصدق، فعليك أن تحقق لي هذا الطلب:

إنَّ هذا النمط من الابتزاز، هو الأكثر وضوحاً؛ إذ إنَّ المبتز هنا يوضح ما يريده بالتحديد، دون مواربة أو إخفاء أي شيء، ويصنف خبراء علم النفس هذا النمط بأنَّه نمط عنيف أو عدواني؛ وذلك لأنَّه واضح جداً، ربما إلى حد الوقاحة.

2. في حال هجرتني، فسوف تسمع خبر انتحاري من الطابق الأخير:

هذا النمط من الابتزاز يستخدمه في أغلب الحالات، الأشخاص الذين لا يملكون في أيديهم ما يهددون به؛ لذلك فهم يحولون استخدام هذا التهديد نحو أنفسهم، ويهددون الآخر بالانتحار في حال لم يمتثل إلى ما يأمرون به.

شاهد: 6 عادات اكتسبها لتشعر بالأمان العاطفي

3. أنتَ هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يدمرني أو يرفعني إلى أعلى:

هذا النمط من الابتزاز، يلجأ إليه الشخص الذي يحب أن يؤدي دور الضحية، ويستخدم سلاحاً قوياً لا يمكن الاستغناء عنه في لعبة للابتزاز العاطفي، ألا وهو جعل الآخر يشعر بالذنب في حال لم يوافق على ما يريد.

4. أنا قادر على جعلك تشعر بالسعادة والفرح في حال حققت ما أريده منك:

إنَّ الذي يلجأ إلى هذا الأسلوب في الابتزاز، يغري الآخر بشيء جميل أو هدية باهظة الثمن أو ترفيع في العمل أو غيرها، ولكن بعد أن يُخضِع الآخر إلى عدد من الاختبارات، كي يتأكد من حبه له.

ما هي أهم الأساليب في التعامل مع مَن يقوم بابتزازك عاطفياً؟

توصل خبراء علم النفس إلى كثيرٍ من الأساليب في التعامل مع المبتز، ولكن يمكننا أن نكتفي بأهم أربعة أساليب وفق ما توصل إليه علم النفس الحديث، وهي:

1. أسلوب التواصل غير الدفاعي:

وهو استعمال الكلمات أو التعابير البعيدة عن أسلوب الهجوم، وتأخذ الطابع الدفاعي فقط، كأن نقول: "أنا آسف لأنَّك الآن في حالة انزعاج، أنا متفهم لطريقتك في التعبير عن غضبك وانزعاجك، ولكن للأسف طريقتك هذه لن تنفع".

2. استراتيجية تحويل مَن يقوم بفعل الابتزاز إلى حليف:

وذلك من خلال وضع هدف مشترك، يكون للطرفين فائدة بالوصول إليه؛ وذلك عوضاً عن عدِّه عدواً، وهذا يساهم في تأجيج مشاعره؛ وذلك من خلال استخدام تعابير الإشراك مثل: "أريد مساعدتك من أجل أن نعرف تماماً ما تحتاج إليه أنت، ما رأيك في اقتراح حلول للوضع الحالي، أرجو منك أن تساعدني لفهم ما يزعجك".

3. اتباع استراتيجية المقايضة:

على سبيل المثال، يمتنع الزوج عن الكلام الجميل مع زوجته؛ وذلك لأنَّه يريد أن يكون جسدها نحيلاً وممشوقاً كما كان من قبل، ويكون الحل بأن تلتزم هي بنظام غذائي محدد يومياً وبإشراف طبيب متخصص في التغذية، ومن ثمَّ يزيد الزوج الأوقات التي يتكلم فيها مع زوجته، وهذا بدوره يحسِّن تعاملهما مع بعضهما يوماً بعد يوم.

4. اتباع أسلوب الفكاهة أو الدعابة:

على سبيل المثال، لدينا صديقتنا "هانا"، وهي سيدة متزوجة، تعاني من معاملة زوجها لها؛ إذ إنَّه يعمد إلى ابتزازها لكي تنصاع إلى ما يقوله من طلبات وأوامر؛ وذلك من خلال تمثيل دور الضحية، ليجعلها تشعر بالذنب؛ إذ يُعَدُّ الشعور بالذنب من أقوى الأسلحة التي تستطيع من خلالها جعل الآخر ينصاع لك.

ولكن ما فعلته صديقتنا "هانا" للتحكُّم بهذا الموقف أنَّها قدمت له في أحد الأيام هدية، وعندما سألها عن مناسبة الهدية، أجابته، بأنَّ هذه الهدية لأنَّه أعظم ممثل في الكون كله، فضحك زوجها، ومع مرور الزمن لم يعد يستطيع ابتزازها من خلال هذا الأسلوب.

ما هي علاقة الابتزاز العاطفي باضطراب الشخصية الحدية؟

بحسب آخر ما ذكرته الدراسات الحديثة في علم النفس، فإنَّ المرضى الذين يعانون من اضطراب الشخصية الحدية، لديهم فرصة أكبر، أو احتمالية أكبر لاستخدام الابتزاز العاطفي، كما أنَّ المريض النرجسي يعتقد أنَّه يملك الحق الطبيعي في استغلال الناس وابتزازهم عن طريق تعزيز شعورهم بالذنب تجاهه، إلَّا أنَّ مرضى اضطراب الشخصية الحدية يلجؤون إلى الابتزاز العاطفي بدافع الاكتئاب أو الخوف أو اليأس أو الوحدة، مع العلم أنَّ مصطلح الابتزاز العاطفي يتضمن كثيراً من الأفكار الملتوية والنوايا الدنية في أغلب الحالات.

شاهد أيضاً: 6 خطوات لتحقيق الاستقلال العاطفي

الأطفال والابتزاز العاطفي:

إنَّ الطفولة قد لا تخلو من حالات الابتزاز العاطفي، وخصوصاً عندما تقدِّم الأمهات الحب المشروط بإظهار السلوكات التي تُرضي الأبوين وتحقق رغباتهما، ومن ثمَّ يعيش الأطفال في حالة من انعدام الشعور بالأمان، قد يكون السبب على سبيل المثال، الدخول في حالة من التنافس مع الجيران أو الأقارب، سببه نوع من التدريب في مراحل الطفولة؛ إذ تعرضوا لنوع من الابتزاز من قِبل أهلهم.

وقد يحوي الجو الأسري الذي تنمو فيه الطفولة بعض الاضطرابات الناجمة عن جهل الأهل بأسس التربية السليمة؛ إذ إنَّ كل فرد يتوقع أن يتحكم بالبقية أو أن يُتحكَّم به؛ وذلك من خلال ما يسمى بالتأثير المتبادل؛ وهذا بدوره ينمي في داخلهم أساليب الابتزاز العاطفي، حتى تصبح سلوكات راسخة في شخصيتهم، تتعزز مع الوقت.

إقرأ أيضاً: 8 نقاط هامة للتغلب على التلاعب العاطفي

ما هي الأساليب التي تساعد الإنسان على مقاومة الابتزاز العاطفي؟

يؤكد خبراء علم النفس على وجود أساليب عدة يستطيع من خلالها الإنسان مقاومة الابتزاز العاطفي، وهي:

  1. وضع خطوط شخصية صارمة، وهي حدود فاصلة، من غير المسموح لأي شخص أن يتجاوزها أو يقترب منها، وتشكِّل مسافة أمان، وجرس إنذار في وجه كل مَن يريد انتهاك خصوصيتنا، أو معرفة معلومات خاصة بنا؛ وذلك لتوظيفها لحمايتنا من عملية الابتزاز.
  2. مقاومة الاحتياجات؛ إذ إنَّ المبتز يلجأ إلى استغلال حاجتنا إلى أمر ما، من أجل الوصول إلى أهدافه، ويمكننا من خلال مقاومة هذه المتطلبات أو إيجاد بديل عنها، التخلص من الأداة التي يستخدمها المبتز ضدنا.
  3. يمكنك أن تقاوم عملية الابتزاز من خلال وضع رسالة واضحة، تكون عنوان حياتك، واحرص على ترديدها في داخلك؛ إذ إنَّ ذلك له دور هام في تخفيف الأثر النفسي الذي يستخدمه المبتز لإخضاعنا إلى رغباته.
  4. في حال أحسستَ بأنَّ حديث الشخص الذي أمامك، قد بدأ يقترب من سياق الابتزاز، هنا يجب عليك أن تنتبه ليس فقط من المبتز؛ وإنَّما يجب عليك الانتباه من عقلك، الذي قد يخدعك دون أن تدري؛ وذلك من خلال رفض التبريرات التي تأتي من داخلك، مثل أن تبرر انصياعك لطلباته؛ وذلك بِعَدِّ احتياجاته ضرورية أكثر من احتياجاتك، وما تريده أنت ليس هامَّاً بقدر ما يريده هو، أو أنَّك ستنصاع لرغباته مقابل أن يهدأ هو، أو تبرير استسلامك له بحجة عدم رغبتك في إيذاء مشاعره.
  5. في بداية أي ابتزاز، يجب علينا أن نأخذ خطوة إلى الخلف، ونكتفي فقط بالمشاهدة دون القيام بأي تدخُّل، ونحاول أن نُبعد أنفسنا عن المشكلة.
  6. يجب علينا أن نطور مهارة عزل أنفسنا عن الموقف، من أجل إلغاء التأثيرات السلبية التي تشوش التفكير المنطقي لدينا، فعندما يعزل الإنسان تفكيره عن حدث ما، فإنَّه يصبح قادراً على التفكير المنطقي اللازم لمثل هذه المواقف.
إقرأ أيضاً: العاطفة بين الإهمال والإغراق

في الختام:

يؤكد خبراء علم النفس السلوكي أنَّ حماية مصداقية وخصوصية الفرد واحترامها، هو أمر صعب جداً؛ إذ يلجأ من يمارس الابتزاز إلى إسكات الضمير الداخلي، ويتواصل مع أجزاء عاطفية منه؛ وذلك لإجباره على الشعور بالذنب؛ لذا، ننصحك في نهاية هذا المقال بأن يبقى ضميرك الأخلاقي والعاطفي صاحياً، ولكن يجب عليك أن تحذر ممن يحاول أن يستغله، من أجل الوصول إلى مآربه الخاصة.




مقالات مرتبطة