روائع سورة الكهف

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته"، فقد جعل الله عز وجل قراءة وحفظ القرآن عملاً صالحاً من أفضل الأعمال؛ لذلك للمسلم عهد مع القرآن يجب أن يكون وثيقاً، ويجب أن يغترف من خير وعطاء وطاقة هذا الكتاب العظيم يومياً.



ومن السور التي ورد كثير عن أهمية قراءتها باستمرار سورة الكهف، وبخاصة يوم الجمعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين".

أيضاً ورد عن أبي سعيد الخدري قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له النور فيما بينه وبين البيت العتيق"، فتمتلك سورة الكهف فضلاً عظيماً على المسلمين، فهي نور يحمي المؤمن من المعاصي والفتن، وقد جاءت أساساً لتصديق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل المشركون رجالاً من اليهود ليسألوا محمداً عن فتية من الأمم السابقة، وعن ماهية الروح وعن رجل طاف الأرض فوصل إلى مشرقها ومغربها، وإذا لم يُجب، فهو يدَّعي النبوة أما إذا أجاب، فإنَّ نبوته صادقة، فأنزل الله تعالى الوحي عليه بعد عدة أيام وأجاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على الأسئلة، فأثبتت سورة الكهف صدق نبوته، ولا بد أنَّك الآن تشوقت أكثر للتعرف إلى روائع سورة الكهف وإلى الدروس المستفادة من سورة الكهف، فتابع القراءة لتتعرف إلى ذلك.

ما هي معجزة سورة الكهف؟

روائع سورة الكهف كثيرة ويمكن استنتاج عدة معجزات إلهية منها، وهي كالآتي:

1. المعجزة الربَّانية الأساسية هي معجزة أهل الكهف:

هي من أبرز روائع سورة الكهف، وعلى أساسها سميت السورة بسورة الكهف، وهي قصة مجموعة من الفتية ممن آمنوا بالله عز وجل، وخافوا على دينهم من أهلهم وقومهم بشكل عام نتيجة ما رأوا منهم من عبادةٍ للأصنام والأوثان في أعيادهم ومناسباتهم؛ لذلك، وبعد أن فتح الله بصيرتهم وعرفوا الباطل الذي يمشي به أهل قومهم قرروا أن يهربوا، ولجأوا إلى الكهفِ داعين الله أن يحميهم، وقد ورد ذلك في قوله تعالى: {ربَّنا آتنا من لَدُنكَ رحمةً وهَيِّئ لنا من أمرنا رَشَداً}، واستجاب الله تعالى لدعائهم، فقد حفظهم في الغارة لمدة ثلاثمئة وتسع سنوات، فقد كان يقلبهم شمالاً ويميناً ليصل الهواء إلى كل مكان من الجسد حفاظاً على أجسادهم فلا تأكلها الأرض، وبعد أن أفاقوا من نومهم لم يعلموا حقيقة أمرهم، فقد ظنوا أنَّهم لبثوا يوماً أو بعض يوم، وكل ما فعلوه أنَّهم بعثوا أحدهم حاملاً نقودهم ليشتري طعاماً وشراباً من المدينة، وطلبوا منه الحرص كي لا يعرف أحد مكانهم فيفتنهم في دينهم، ولكن إرادة الله أن يعلم الناس أمرهم ليدركوا أنَّ أمر الله حق، وانتهت القصة بقوله تعالى: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً * قُل اللهُ أعلمُ بمَا لبثُوا}.

2. المعجزة العددية:

بعد بحث طويل قام به العلماء اكتشفوا وجود رابط بين الرقم (309)وبين سورة الكهف، ولا يتوقف على عدد السنين التي ناموا فيها في الكهف إنَّما هو عدد كلمات النص القرآني، فعندما تبدأ بالعد من كلمة "لبثوا" في الآية (13) تجد أنَّ القصة تنتهي عند كلمة "لبثوا" في الآية (16) وينتهي العد عندها لتجد عدد كلمات النص (309) مساوياً لعدد السنوات التي لبثها أهل الكهف، وحرف العطف الواو تحسب كلمة مستقلة، وهذا الأمر ليس مصادفة بالطبع إنَّما التطابق البياني والمعنى اللغوي هو دليل قاطع على صدق المعجزة الربانية التي حدثت مع أهل الكهف، وتم حساب عدد الكلمات بطرائق أخرى كأن تبدأ بالحساب من قوله تعالى: {أم حَسبت أنَّ أصحابَ الكهف والرَّقيم كانُوا من آياتنا عجباً} إلى قوله عز وجل: {فلا تُمار فيهم إلَّا مراءً ظاهراً ولا تَستَفت فيهم منهم أحداً} أي من كلمة "أم" إلى كلمة "أحداً" تجد عدد الكلمات أيضاً (309) بالضبط، ونستنتج من هذه المعجزة الآتي:

  • التطابق بين عدد السنوات التي لبثها أصحاب الكهف وبين عدد كلمات النص القرآني الذي يتحدث عن القصة تؤكد سلامته من التحريف، فإن حدث خلل يوماً ما يمكن اكتشافه، ومن ثم القرآن الكريم بعيد كل البعد عن التحريف كما يدعي الملحدون.
  • التطابق يدل على أنَّ كلام الله عز وجل لا يمكن أن يتشابه مع كلام البشر مهما بلغ علمهم وثقافتهم، ففي ذلك العصر لم يكن علم الأرقام والإحصار متطوراً؛ بل كان علماً بسيطاً وعلى الرغم من ذلك حدثت تلك المعجزة العددية المذهلة والتي لم يتمكن أحد من تقليدها.
  • يعدُّ ذلك التطابق العظيم رداً على من شكك في مصداقية وصحة قصة أصحاب الكهف، ومن عدها مجرد قصة بسيطة أو أسطورة.
  • التطابق العددي مع محتوى القصة يجعل المسلم أكثر إيماناً وخشوعاً عندما يقرأ كتاب الله عز وجل، وهذا ما ورد في قوله تعالى: {وما زادهُم إلَّا إيماناً وتسليماً} [الأحزاب: 22].

شاهد بالفديو: عبارات وأقوال رائعة عن الإيمان

الدروس المستفادة من سورة الكهف:

ذُكِرَت في سورة الكهف مجموعة من القصص وكل منها تتضمن العديد من الدروس المستفادة والتي يمكن تلخيصها بالشكل الآتي:

1. الدروس المستفادة من سورة الكهف في قصة أصحاب الكهف:

نلاحظ في هذه القصة والتي تحدثنا عنها سابقاً أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والثبات على الدين والإيمان بالله عز وجل في مختلف الظروف حتى لو اضطر المؤمن لترك مجتمعه وأهله والصبر حتى إثبات الحق، وكذلك تبين أنَّ الشباب هم عماد المجتمع وبناء شباب مؤمن وصالح كفيل بالنهوض بالأمة إلى أفضل مكان.

2. قصة صاحب الجنتين:

هي القصة التي تدور حول رجُلين أحدهما كافر ويمتلك من الرزق الكثير ولكنَّه متكبر على الناس ومعتز بنفسه بما امتلكه، فظنَّ أنَّ ما يمتلكه أبدي، والآخر مؤمن بقضاء الله وقدره وراض بالرزق والمال القليل، وقد دعا صاحبه الكافر للإيمان بالله، فرفض وعاقبه الله نتيجة سلوكه بإحراق مزرعتيه فندم على ما فعله؛ لذلك علينا شكر الله باستمرار على نعمه والإيمان بقضاء الله وقدره وتجنب الغرور والتكبر.

3. قصة موسى والخضر:

والذي طلب من الخضر أن يصطحبه ليعمله بما هو أعلم به منه، ولم يصبر على ما رآه من تصرفات قام بها الخضر تبدو أنَّها غير متوافقة مع شريعة الله تعالى، وعندما وضَّح له الخضر ما حصل تبين لنا أنَّ الله عز وجل أكثر علماً من الجميع، وأنَّ العلم على قدر الصبر، فلو صبر موسى لعلم أموراً أكثر مما علمه، كما توضح أهمية صبر المعلم على طالبه وتوضح أثر استقامة وصلاح الأب في حفظ ذريته مستقبلاً، فقد أقام الخضر الجدار حفظاً لحق الولدين، وإضافة إلى ذلك فإنَّ قصة موسى والخضر توضح أثر الصحبة الصالحة في حياة المؤمن.

إقرأ أيضاً: الصداقة بين الوظيفة النفسية والاجتماعية

4. قصة ذي القرنين:

والذي طلب منه قوم أن يبني لهم سداً لحمايتهم من ظلم يأجوج ومأجوج، فأقام السد دون أجر مقابل لعمله، وتبين هذه القصة أنَّ الفضل في إنجاز كل عمل هو لله تعالى فقط، ويجب حمده وشكره وإغاثة الملهوف إن استطعنا، وتقديم الخير لمن يحتاجه.

5. قصة آدم وإبليس:

قال تعالى في سورة الكهف: {وإذ قُلنا للملائكَة اسجُدوا لآدَمَ فَسجَدوا إلا إبليسَ كانَ منَ الجنِّ فَفَسَقَ عَن أمر ربِّه أفَتَتَّخذونَهُ وَذُرِّيَّته أولياءَ من دوني وهُم لَكُم عدُوٌّ بئسَ للظَّالمين بَدَلاً * ما أشهَدتهم خلقَ السَّماوات والأرض ولا خلقَ أنفُسهم وَما كُنتُ مُتَّخذَ المُضلِّينَ عَضُداً}، وتبين لنا هذه القصة سلوك إبليس المتكبر والرافض لأوامر الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام تكريماًله وفي الوقت ذاته تبين امتثال الملائكة فوراً لأوامر الله عز وجل لنستنتج تحذير الله تعالى للمسلمين من تتبع سلوك الشيطان بالعصيان والتكبر، ودعوتهم لطاعة الله تعالى والتحلِّي بالأخلاق الحميدة.

ما هي أعظم آية في سورة الكهف؟

روائع سورة الكهف موجودة في كل قصة من قصصها، وجميع آياتها عظيمة لكونها سورة عظيمة، ولكن ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصِم من الدَّجَّال"، وهذا ما جعل الآيات العشر الأولى عظيمة جداً ومن أدرك المسيح الدجال سوف تحميه من فتنته بإذن الله.

إقرأ أيضاً: الإيمان بالله منبع السعادة والنجاح

في الختام:

سورة الكهف من السور العظيمة التي تضمن مجموعة من القصص توضح روائع سورة الكهف، وأبرزها قصة أصحاب الكهف التي تُعدُّ معجزة إلهية توضح قدرة الله تعالى في حفظ مجموعة فتية في كهف سنين طويلة كانوا قد لجأوا إلى الكهف ليحافظوا على دينهم من الفتنة التي انتشرت بين أبناء قومهم، وإنَّ الدروس المستفادة من سورة الكهف كثيرةٌ أبرزها الرضى بقضاء الله وقدره والثبات على دينه والإيمان بقدرته والصبر والتذكر أنَّ الفضل لله تعالى في مختلف جوانب حياتنا، وعلى المؤمن حمده باستمرار لتدوم نعمه، كما توضح السورة أثر الصحبة الصالحة في الحياة، وأثر صلاح الوالد في حفظ أولاده، وتؤكد أنَّ الله عز وجل أكثر علماً من جميع خلقه مهما بلغ الإنسان مراتب عالية في العلم.




مقالات مرتبطة