رهاب اللمس هافيوفوبيا: أعراضه وتشخيصه وعلاجه

المصافحة والعناق والتربيت على الكتف كلها تعبيرات إنسانية عن الحب، والتقُّبل، والاحتواء، والتعاطف، تُشعِر الآخر بأنَّه محبوب ومقبول، تهدِّئ من روعه، وتبث فيه مشاعر الأمان والاطمئنان، لكن هل يخطر في البال أنَّ مثل هذه التعبيرات اللطيفة، قد تكون مصدر قلق وألم وهلع للآخر؟



في الحقيقة، نعم، يعاني بعض الأشخاص مما يسمى رهاب اللمس الهافيوفوبيا، وهو خوف غير عقلاني من كل لمسة عابرة أو مقصودة، يجعل صاحبه يصاب بنوبات هلع وبكاء شديدة فيما لو لمسه أحد، وإن عن طريق الخطأ، فنراه يتجنب الانخراط في أيِّ طقس اجتماعي أو عاطفي أو أيِّ مكان مزدحم حتى الميكرو، فهل لكم أن تتخيلوا شكل الحياة دون أي تلامس؟

من أجل مزيد من المعلومات عن رهاب اللمس الهافيوفوبيا، وعن أعراضه، وتشخيصه، وطرائق علاجه نفرد هذا المقال، والذي نأمل أن نضيء فيه على جوانب هذه الحالة بوضوح كافٍ لتقدير مثل هذه الحالات واحترام خصوصيتها.

ما هو رهاب اللمس الهافيوفوبيا؟

يمكن تعريف رهاب اللمس الهافيوفوبيا على أنَّه رهاب محدد من عنصر معين هو اللمس، إنَّه الخوف من أيِّ لمسة من أيِّ شخص، ولا يعني هذا أنَّ المصابين برهاب اللمس الهافيوفوبيا منعزلون اجتماعياً أو أنَّ هذا الرهاب مرتبط برهاب آخر مثل الرهاب الاجتماعي؛ بل إنَّ المصابين برهاب اللمس قادرون على إقامة علاقات اجتماعية ومهنية، شريطة أن تكون خالية من أيِّ ملامسة جسدية لهم مهما بدت عفوية أو بسيطة، الأمر الذي يقلقهم حقاً حيال نجاح هذه العلاقات، وإنَّ فوبيا اللمس ليست فوبيا شائعة، ولم تُعد في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية DSM-5 على أنَّها حالة نفسية فريدة.

لأنَّ الودَّ الجسدي جزء من التعبير الإنساني عن الود، فيخشى الأفراد الذين يعانون رهاب اللمس على علاقاتهم الاجتماعية من كونها غير مستقرة، الأمر الذي يثير قلقهم دائماً، خصوصاً بأنَّ فوبيا اللمس غير شائعة، وقد لا تكون معروفة أو مقبولة من قبل الغرباء، وحتى المقربين الذين يقومون باللمس عفوياً ومن غير قصد، ويفاجَؤُون برد الفعل اللاإرادي المنتفض والعنيف من قبل الشخص الذي يعاني الهافيوفوبيا، مما يشعرهم بأنَّهم مرفوضون.

تتفاوت درجات رهاب اللمس بين مصاب وآخر؛ فمنهم من يعاني الخوف غير العقلاني من لمسات الغرباء فقط، ومنهم من يخشى اللمس من الجنس الآخر، وفي حالة متطورة ينتفض المصاب تجاه أيَّة لمسة، وإن كانت من قبل شخص من أفراد أسرته.

نشير إلى أنَّ مصاب الهافيوفوبيا يحتاج إلى تقبُّل كثير ودعم واحتواء؛ لكنَّ المحيط لا يملك دائماً الوعي الكافي للتعامل مع حالات كهذه؛ فمنهم من يسخر من الأشخاص المصابين، ويحاول استفزازهم ولمسهم عمداً، مما يدفع المصاب إلى الانعزال والابتعاد عن المحيط المؤذي.

أعراض رهاب اللمس هافيوفوبيا:

فيما يأتي مجموعة مظاهر تدل على إصابة الشخص بهافيوفوبيا، وهي أعراض رهاب اللمس التي تظهر عندما يقوم أحد بلمس المصاب، أو عندما يشعر المصاب بأنَّ ذلك على وشك الحدوث:

  1. تسرُّع في دقات القلب.
  2. التعرُّق بإفراط.
  3. ضيق التنفس.
  4. الصراخ المستمر.
  5. القشعريرة.
  6. الشعور بعدم الارتياح، وخاصة في الأماكن المزدحمة التي تكون احتمالات التلامس فيها عالية، كالسوق أو الميكرو أو المناسبات الاجتماعية.
  7. الإصابة بنوبات الهلع.
  8. الانطواء والانعزال بعيداً عن الآخرين.
  9. التجمُّد في المكان، وخاصة إذا ما كان المصاب في سن الطفولة.
  10. الشعور بالذعر والخوف.
  11. الابتعاد عن أماكن الازدحام.
  12. البكاء الشديد الذي لا يمكن السيطرة عليه أو إيقافه.
  13. الغضب الشديد والاهتياج بسبب اللمس.
  14. الشعور بالرجفان.
  15. اللجوء إلى الأماكن النائية؛ إذ يتلمس المصاب فيها الأمان.

أسباب رهاب اللمس الهافيوفوبيا:

فيما يأتي مجموعة من أسباب رهاب اللمس الهافيوفوبيا، إنَّها مجموعة من العوامل التي يشتبه بها في التسبب بهذا الرهاب، وهي في معظمها عوامل نفسية حولت الإنسان من فطرته الطبيعية الميَّالة نحو الاختلاط والاجتماع إلى شخص يخاف من اللمس ومخالطة الآخرين التي من المحتمل أن تؤدي إلى تلامس:

1. عادات موروثة:

إنَّ العادات الموروثة تُعدُّ من أسباب رهاب اللمس الهافيوفوبيا، ولا نقصد هنا العامل الوراثي المحمول على الصبغيات؛ بل العادات المكتسبة التي يتوارثها الأبناء عن الآباء أو الإخوة الأكبر سناً بحكم الوجود معهم والتطبع بأطباعهم وتبني أفكارهم.

على سبيل المثال، عندما يكون أحد الوالدين يعاني رهاب اللمس ويخشى أن يلمسه أحد غريب أو من أفراد العائلة، سيتبنَّى الأبناء فكرة أنَّ لمس الآخرين لهم أمر مؤذٍ، مما يدفعهم إلى تفاديهم وتجنبهم كما يفعل آباؤهم، وإنَّ الأمر مشابه تقريباً لحالة امتناع طفل عن تناول طعام ما؛ لأنَّ والديه يشمئزان منه ويذمانه دائماً، فإذا ما عبَّر الوالدان عن هذا الشعور تبنَّاه الأبناء وكرهوا بدورهم هذا الطعام.

2. التعرض لاعتداء جنسي:

إنَّ تعرض الطفل لاعتداء جنسي من شأنه أن يكون سبباً من أسباب رهاب اللمس الهافيوفوبيا، وهذا السبب يكون من أهم الأسباب التي تؤثِّر سلباً في الفرد وعلاقاته الاجتماعية وتثير لديه خوفاً من أيِّ تلامس أو اقتراب، وإن كان عادياً؛ وذلك بسبب التجربة القاسية المريرة التي مر بها الإنسان عند الاعتداء الذي تعرَّض له، والتي تترك آثارها وصدماتها على شخصيته وصحته النفسية؛ ومن ثَمَّ فإنَّه يفقد ثقته باللمسات البشرية مطلقاً، كما أنَّه يفقد مشاعر الأمان والثقة تجاه الآخرين كونه لم يلق مساعدة في أثناء حاجته إليها.

3. الوسواس القهري:

إنَّ الوسواس القهري يُعدُّ من أسباب رهاب اللمس الهافيوفوبيا، كون الشخص الذي يعانيه يفكر عند أي لمسة من شخص غريب أو قريب بكم الجراثيم والميكروبات التي سوف تنتقل منهم إليه في حال الملامسة أو المصافحة، فيخاف ويبدأ بالتعقيم والتطهير خوفاً من إصابته بأي عدوى أو انتقال أي مرض إليه.

يظهر رهاب اللمس عند هذا الشخص بصورة أكثر شدة عندما يتعرض الفرد للمس في ظرف لا يحمل في جعبته مطهراته ومعقماته، الأمر الذي يجعله يغضب أو يبكي بطريقة هستيرية ريثما يجد متطلبات التطهير التي يحتاج إليها.

إقرأ أيضاً: الوسواس القهري: تعريفه، وأعراضه، وأسبابه، وطرق علاجه

4. التعرض لصدمات نفسية:

إنَّ الصدمات النفسية من شأنها أن تكون سبباً من أسباب رهاب اللمس الهافيوفوبيا، وغالباً ما يتأثر الفرد في الصدمات النفسية التي يتلقاها في مرحلة الطفولة أو المراهقة تأثراً عميقاً، فإذا ما شاهد الطفل أو المراهق شخصاً يعتدي بالضرب على أمه أو أحد من إخوته أو حتى عليه، فإنَّ هذا سيشكل هاجساً بالنسبة إليه يتسبب في خوفه من أيِّ تلامس مع شخص سواء كان غريباً أم قريباً، كون هذه الذكريات تترسخ في ذهنه، وتتعقد الأحداث والأفكار في رأسه حتى ينجم عنها إصابته بالرهاب من لمس الآخرين أو الهافيوفوبيا، إلى أن تُفرَّغ هذه المخاوف وتُحرَّر أو يُتعامل معها ويُتخلَّص منها بإشراف طبيب متخصص بعملية العلاج من الصدمات.

رهاب اللمس

تشخيص رهاب اللمس الهافيوفوبيا:

إنَّ رهاب اللمس يتشابه مع أنواع أخرى من الرهاب؛ لكنَّه نوع نادر من الرهاب تُشخِصه مثل الاضطراب اعتماداً على المعايير المعتمدة نفسها التي أصدرها الدليل التشخيصي والإحصائي الجديد للاضطرابات العقلية.

من أجل تشخيص رهاب اللمس الهافيوفوبيا يجب استيفاء هذه المعايير:

  • خوف هستيري مفرط وغير عقلاني من أي موقف يحدث فيه لمس أو يؤدي إلى اللمس.
  • حدوث استجابة فورية من قلق أو نوبة هلع في مثل هذه المواقف.
  • إدراك الشخص الذي يعاني رهاب اللمس أنَّ رد فعله مبالغ فيه، وأنَّ خوفه من اللمس غير عقلاني ومفرط.
  • محاولة الشخص الذي يعاني هافيوفوبيا تجنُّب المواقف التي تؤدي إلى اللمس بالانشغال بشيء آخر إذا أمكنه ذلك.
  • تأثير مخاوف الشخص الذي يعاني رهاب اللمس، وقلقه على مجريات حياته اليومية وأدائه لنشاطاته.

علاج رهاب اللمس:

إنَّ علاج رهاب اللمس هافيوفوبيا ممكن في معظم الحالات ونسبة نجاح العلاج تتراوح بين 80-90% بين الأفراد الذين شُخِّصت إصابتهم به من قبل المتخصصين، وغالباً ما يتبع المتخصصون في علاج رهاب اللمس الهافيوفوبيا أحد الطرائق الآتية:

1. العلاج بالتعرض:

يُعدُّ علاج التعرض أحد طرائق علاج رهاب اللمس، وفيه يتعرَّض المصاب إلى الأسباب التي تسبب له هذا الرهاب تدريجياً بدءاً من درجات خفيفة تزداد شدتها بتقدُّم العلاج، ويكون هذا العلاج مترافقاً مع تعليم المصاب طرائق الاسترخاء والتنفس الصحيحة التي تساعده على السيطرة على انفعالاته الناتجة عن التعرض للمس والتحكم بها.

2. العلاج المعرفي السلوكي:

إنَّ العلاج المعرفي السلوكي يندرج أيضاً ضمن طرائق علاج رهاب اللمس، وفيه تركِّز على الأفكار السلبية التي تتحرض في الذهن بمجرد التفكير في اللمس، ثم تُحلحل هذه الأفكار وتعالجها واحدة تلو الأخرى؛ ومن ثَمَّ يُتخلَّص من مسببات هذه الفوبيا.

إقرأ أيضاً: تقنيات في العلاج المعرفي السلوكي يمكن أن تغير حياتك

3. العلاج الدوائي:

إنَّ العلاج الدوائي يصنف ضمن طرائق علاج رهاب اللمس؛ لكن لا توجد أدوية خاصة لمعالجة هذا النوع من الرهاب؛ إنَّما يُستعان بمضادات القلق والاكتئاب من أجل السيطرة على أعراض الفوبيا، وغالباً ما يكون العلاج الدوائي مترافقاً مع علاج نفسي لرهاب اللمس.

في الختام:

إنَّ رهاب اللمس هافيوفوبيا هو نوع نادر من الرهاب يتسبب في جعل الشخص الذي يعانيه يشعر بذعر شديد مترافق مع قلق أو عصبية كبيرة أو بكاء شديد لمجرد لمسه شخص غريب أو قريب، أو وجوده في مكان مزدحم تزداد فيه احتمالات تعرضه للمس، وهذا الاضطراب غالباً ما يكون مكتسباً من أحد أفراد العائلة أو ناتجاً عن تعرُّض الفرد لاعتداء جنسي أو صدمة نفسية؛ لكنَّه قابل للعلاج والتشافي بنسبة كبيرة إذا ما شُخِّص بدقة بالاستعانة بالطبيب المتخصص.




مقالات مرتبطة