رهاب الخلاء: أعراضه، وأسبابه، وطرق علاجه

"كيف لي أن أذهب في تلك الرحلة الجبلية؟ لا توجد هناك أي نقطة طبية في حال تعرُّضنا لأي طارئ"، "لا أستطيع ركوب المواصلات العامة، فهذا المكان يخيفني، ويشعرني وكأنَّني في سجن"، "أول ما أبحث عنه في أي مكان أذهب إليه، وجود منفذ للهروب في حال حدوث أي طارئ لي".



"أُصاب بالذعر والتوتر عند وجودي في مكان مغلق، لا يحتوي على أيٍّ من وسائل المساعدة أو الهروب"، "أعتقد أنَّ مكوثي في المنزل هو الأسلم لحالتي"، "لن أعرِّض نفسي لمزيد من المشاعر السلبية، سأبقى في المنزل وأبتعد عن المواقف المخيفة".

تلك هي أقوال الشخص المصاب برهاب الخلاء؛ حيث إنَّه يميل إلى اتخاذ قرار عدم مغادرة المنزل، بدلاً من البحث عن جذور المشكلة ومعالجتها، فما رهاب الخلاء؟ ما أعراضه، وما سبل علاجه؟ مدار حديثنا خلال هذا المقال.

ما هو رهاب الخلاء؟

وهو نوع من اضطرابات القلق؛ إذ يشعر المصاب بالهلع والتوتر والخوف الشديد لمجرد وجوده في أماكن مزدحمة مثل وسائل النقل العامة، أو في أماكن عامة مفتوحة مثل: مراكز التسوق الكبرى، ودور العرض، أو في أماكن مغلقة مثل: المصعد، أو في أماكن بعيدة مثل: القرى النائية، والجبال؛ حيث يخشى عدم قدرته على الوصول إلى المساعدة في أماكن كهذه، كما يخاف عدم تمكُّنه من الهروب بسرعة من هذه الأماكن، في حال حدوث طارئ ما.

ما هي أعراض رهاب الخلاء؟

الأعراض النفسية:

  1. الخوف والقلق من:
    • مغادرة المنزل وحيداً.
    • الأماكن المغلقة، كالمصاعد والمحلات الصغيرة.
    • الأماكن المفتوحة، مثل المراكز التجارية، والجسور، ومواقف السيارات.
    • الأماكن المزدحمة، مثل وسائل النقل العامة، والقطارات.
      يخاف المريض عدم توفر وسيلة للمساعدة، أو آلية للهروب، في حال حدوث أي طارئ معه في أثناء وجوده ضمن هذه الأماكن، ولكي يُشخَّص المرض على أنَّه رهاب الخلاء، يجب أن يكون شعور القلق مرافقاً الشخص دوماً، عند وجوده في تلك الأماكن، وأن يستمر على هذا الحال مدة ستة أشهر على الأقل، ومن الجدير بالذكر، أنَّه في بعض الحالات قد يتفاقم الأمر بحيث لا يغادر المريض منزله مطلقاً، أو لا يستطيع الخروج من منزله إلا برفقة أحد ما.
  2. الاعتماد المفرط على المقربين منه في شراء احتياجات حياته الأساسية.
  3. الإصابة بنوبات الهلع والقلق الشديد الحاد: غالباً ما يترافق رهاب الخلاء مع وجود نوبات من الهلع، ويميل الشخص بعدها إلى تطوير خوف شديد من التعرض لنوبة هلع أخرى، وتُسمَّى هذه الحالة بالقلق الاستباقي، أو الخوف من الخوف؛ الأمر الذي يُبقي الإنسان بحالة من القلق الدائمة حتى من دون حدوث نوبة هلع.
  4. الانعزالية والنفور من الناس.
  5. التجنب الفعلي لكل المواقف التي تثير القلق والخوف.
  6. انخفاض الإنتاجية والقدرة على العمل.

الأعراض الجسدية:

  1. زيادة معدل ضربات القلب.
  2. صعوبة في التنفس.
  3. ألم أو ضيق في الصدر.
  4. الشعور برعشة أو خدر أو وخز.
  5. فرط التعرق.
  6. احمرار مفاجئ في الوجه.
  7. تلبُّك في المعدة.
  8. الشعور بفقدان السيطرة.

على الأهل الانتباه للأعراض الظاهرة على المريض؛ وذلك لأنَّ تجاهل الأعراض يؤدي إلى تفاقمها، كأن يصاب بالاكتئاب والانعزال والانطوائية الشديدة، بسبب عدم قدرته على السيطرة على نواحي حياته، مع انعدام ثقته بنفسه، ولجوئه إلى أساليب خاطئة للترويح عن ذاته، مثل إدمان المخدرات والكحول.

شاهد بالفديو: كيف تتغلَّب على الخوف من الوحدة؟

ما هي أسباب رهاب الخلاء؟

1. التربية:

كأن يجد الطفل والده أو والدته، في موقف صعب خلال وجودهما في مكان عام، من دون تلقِّيهما المساعدة اللازمة، أو أن يتلقَّى إشارات من الخوف والقلق، وتحذيرات شديدة من أهله، بخصوص وجوده في الأماكن العامة المزدحمة.

2. التعرض لأحداث الحياة المجهدة:

يكون الشخص المعرَّض لصدمات نفسية قوية خلال حياته، من وفاة أحد الوالدين، أو اعتداءات جسدية وجنسية، أو سوء معاملة من قبل الأهل؛ أكثر عرضة للإصابة برهاب الخلاء.

3. التاريخ المَرَضي للعائلة:

قد يكون للعائلة تاريخ مرضي بالإصابة برهاب الخلاء؛ الأمر الذي يزيد من احتمالية إصابة الابن به.

4. الخوف الشديد:

قد يتعرض المريض إلى نوبة هلع مفاجئة؛ الأمر الذي يجعله دائم القلق والخوف من تكرار الحادثة معه، وبحيث يبني افتراضات وأفكاراً سلبية تجعله في حالة قلق دائم وخوف شديد، فيصبح من أشد المراقبين لجسده، بحيث يُضخِّم أي عارض طبيعي يشعر به، ويفسره على أنَّه نوبة هلع محتملة.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة للتخلص من نوبات الهلع

ما هو علاج رهاب الخلاء؟

1. العلاج المعرفي السلوكي:

وهو العلاج الذي يتعمق في فهم الأفكار والمشاعر الكامنة وراء سلوك المريض، مع التنبُّه إلى التاريخ المرضي للمريض وظروفه الحياتية، ومن ثمَّ صنع حلول وسلوكات جديدة يقوم المريض بتجريبها، ومن ثمَّ يُقاس مدى التقدُّم في حالة المريض، ومن الأساليب المقترحة في العلاج المعرفي السلوكي:

  • التعريض التدريجي: وهنا يقوم المعالج النفسي بتعريض المريض للمواقف نفسها التي يتجنب الوجود فيها، ولكن على أن يكون التعرض بالتدريج، كأن يذهب معه إلى الأماكن التي يخافها، ومن ثم يبدأ الحديث معه عن مشاعره تجاه المكان، ويساعده على التعبير، ويحتوي كل أفكاره، ليعمل بعدها جاهداً على تغييرها واستبدالها بأفكار أخرى، كأن يقول له: "كم عدد المرات التي تعرَّضت فيها لنوبة هلع في هذا المكان؟"، فيجيب المريض: "مرة واحدة"، فيقول المعالج: "هل تجد أنَّ من المنطقي بناءَ موقفٍ رافضٍ لهذا المكان، ولأماكن عديدة أخرى، لمجرَّد تعرُّضك لحالة عرضية واحدة؟". ومن ثمَّ يساعده على بناء علاقات اجتماعية، وكسر حاجز الخوف من الناس، كأن يحثه على التواصل معهم، والإحساس بتعاونهم ولطفهم، ومن ثمَّ بعد تكرار الحالة عدداً من المرات، سيشعر المريض بالراحة والتعود على الأمكنة، ويبدأ زيارة المكان وحده فيما بعد.
  • التدريب على إدارة التوتر: وهنا يساعد المعالج النفسي المريض على تقنيات التنفس الاسترخائي، بحيث يلجأ إليها في حال تعرُّضه لأيٍّ من الأعراض المذكورة آنفاً، وتقوم تمرينات التنفس على أخذ شهيق عميق من الأنف، ثمَّ إخراجه على شكل دفعات صغيرة وبهدوء وبطء من فمه، ويقوم الشخص بتكرار العملية مرات عدة، إلى أن يهدأ ويعود له التفكير العقلاني.
  • التوكيدات: وهنا على المعالج النفسي زرع أفكار جديدة في عقل المريض، مثل فكرة: "الأماكن العامة تحمل الأمان، وهناك كثيرٌ من الناس قادرون على مساعدته في حال وجود أي حدث طارئ"، "الأماكن العامة تحمل طابع المشاركة بين الناس". على المريض أن يعيد هذه التوكيدات على الدوام، حتى يصل إلى بناء نظرة مختلفة وسلوكات مغايرة تجاه الموضوع.

2. العلاج النفسي التحليلي:

وهنا يقوم المعالج بالغوص في الصراعات اللاشعورية والمواقف التي حدثت في الماضي مع المريض، والتي أدت إلى اختبار حالة القلق الشديد تلك، ويساعد المعالج المريض على تذكُّر الأحداث الماضية، ومواجهتها، والعمل على إعادة تفسيرها، كأن يسترجع تجربة وفاة أبيه، ومشاعر القلق التي أصابته من بعدها، ويعيد تفسيرها على أنَّها تحدٍّ قاسٍ من أجل إظهار أفضل ما لديه من قدرات كامنة.

3. تفهُّم الأقارب والأصدقاء:

على الأهل والأصدقاء تفهُّم وضع المريض، ومساعدته على الذهاب إلى الأماكن العامة، والأماكن التي يواجه فيها حالة الهلع والقلق، ومن ثمَّ مساعدته على الذهاب وحده، وكسر حالة الخوف المتربصة بقلبه.

إقرأ أيضاً: طرق بسيطة تمكنك من التعرف على أشخاص جدد وتكوين صداقات جديدة

4. العلاج الدوائي:

وهنا تُستخدم الأدوية المضادة للقلق والاكتئاب، والتي تعوِّض نقص إفراز الهرمونات مثل السيروتونين والدوبامين في المخ، والمسؤولة عن الحالة النفسية والشعورية للإنسان.

الخلاصة:

لا تجعل أمانك مرتبطاً بمنزلك فحسب؛ اكسر ذلك الأمان الوهمي، وانطلق إلى الحياة والأماكن العامة، واستمتع برفقة البشر، تحدَّث إليهم وشاركهم في اهتماماتك.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة