رهاب الأماكن المغلقة: تعريفه، وأسبابه، وأهم طرائق علاجه

لقد قيدنا أنفسنا بعدد لا حصر له من المخاوف، حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا وشخصيتنا، طابعةً بصماتها على كلِّ تفصيلٍ من تفاصيل يومنا؛ وفقدنا نتيجةً لذلك المتعة في كلِّ شيء تقريباً، واستبدلنا شعور الامتنان والفرح بالعمل بشعور الخوف والريبة من الفشل فيه، وأصبنا بالذعر من الطلاق بدلاً من الوعي بقداسة الزواج والمشاركة بين طرفين، وجعلنا من الدراسة هاجساً مرعباً عوضاً عن تقدير العلم والبحث والاستنتاج.



نعم، أصبح الخوف من يحركنا وليس الحب، وأصبحنا ضعفاء وغير متوازنين ولا نستطيع اتخاذ القرارات السليمة، وتشوشت حياتنا واضطربت، وقلَّت متعتنا وانصهرت، وبتنا نتساءل: إلى متى سيبقى الخوف مسيطراً على حياتنا؟ أما آن الآوان لمحاولةٍ جَدِّيّةٍ لتطهير طاقة الخوف السلبية من حياتنا؟ ألا تستحقُّ الحياة منَّا مبادرةً حقيقيةً لكسر القيود المعيقة لتقدمنا، والانطلاق بكامل الحيوية والحرية؟ ألا نستحق أن نكون أحراراً من الداخل؟ لماذا إذاً نظلم أنفسنا ونحبسها ضمن دائرة مغلقة من الخوف؟

تتعدد أشكال الخوف وأنواعه، وتتفاوت شدته ما بين الخفيف (الخوف الطبيعي الاعتيادي)، والشديد (الخوف المرضي أو الرهاب) الذي يعيقنا عن الاستمرار في حياتنا، ويسبب لنا المتاعب الكثيرة؛ فما هو الرهاب؟ وما أكثر أنواعه شيوعاً؟

هذا ما سنقدمه لكم في هذا المقال؛ فتابعوا معنا.

ما هو الرهاب؟

نحن مفطورون على الخوف، وهو شعورٌ طبيعيٌّ يعدُّ بمثابة جهاز إنذار داخلي يحمينا من كلِّ تهديد حقيقي يحيط بنا؛ لكن في الكثير من الأحيان، يتحول الخوف من حالة طبيعية سليمة إلى حالة مرضية تعيقنا عن ممارسة نشاطاتنا بحرية وسلاسة؛ حيث يشعر الإنسان حينها بمشاعر قلق شديدة تجاه شخصٍ أو موقفٍ أو مكان معين، ويمنعه هذا الشعور من عيش حياته بصورة طبيعية.

يتحول الخوف الطبيعي إلى رهاب، إذا أثر في خمسة أركان أساسية في حياة الإنسان؛ وهي:

1. الركن الاجتماعي:

يخاف الإنسان بشدة من الانخراط مع الآخرين، ويفضل البقاء وحيداً؛ ممَّا يؤثر في كلِّ مناحي حياته الاجتماعية.

2. الركن الدراسي:

يخاف بعض الطلاب من الدراسة بطريقة مرضية، ويكون لديهم هاجس العلامات وليس المعلومات؛ الأمر الذي يؤثر سلباً في تحصيلهم العلمي، ويجعلهم أقل تركيزاً وإنتاجية.

3. الركن المهني:

يتأثر أداء الإنسان سلباً عندما يخاف من الفشل في عمله بطريقة مبالغ فيها.

4. الركن العائلي:

عندما يخاف الإنسان من الإقدام على الزواج؛ وذلك بسبب خوفه الكبير من الطلاق مثلاً، أو بسبب خوضه تجارب عاطفية فاشلة.

5. الركن الذاتي:

يكون لدى الإنسان هنا أفكار معينة تعيق حياته، دون وجود مصدر حقيقي للتهديد؛ كأن تراوده أفكار عن الموت، دون أن يكون لديه أيُّ عارضٍ صحي يوحي بذلك.

إقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الفوبيا أو الرهاب (Phobia)

أنواع الرهاب وأشكاله:

تتعدد أنواع الرهاب وتتنوع، ولعلَّ أكثرها شيوعاً:

  • رهاب الأماكن المغلقة.
  • رهاب الأماكن المرتفعة (المرتفعات).
  • رهاب السرعة.
  • رهاب الحيوانات الأليفة، وأشيعه: رهاب القطط.
  • رهاب طبيب الأسنان.

وغيرها الكثير من الأنواع؛ وسنتحدث في هذا المقال عن "رهاب الأماكن المغلقة".

رهاب الأماكن المغلقة:

شكل من أشكال اضطرابات الخوف المرضي؛ ذلك لأنَّه خوفٌ من مثيرٍ لا يثير الخوف بطبيعته، وينتج عنه حالة غير منطقية وأعراضاً جسدية قاسية، دون قدرة الشخص على تبرير هذا الخوف؛ ولكي نشخص الخوف على أنَّه مرضي، يجب أن يحمل طابع التكرارية بين ثناياه.

يخاف المصاب برهاب الأماكن المغلقة من أيِّ مكان مغلق، ويختار أن يجلس بالقرب من الباب أو النافذة؛ ذلك لأنَّه دائم التوقع بأنَّ أمراً سلبياً سيحصل في الأماكن المغلقة، وأنَّ الفتحات وسيلته الوحيدة للهرب.

إن اضطر هذا الشخص إلى التواجد في مكان مغلق؛ سيعاني من أعراض مثل تسرع ضربات القلب، وجفاف الحلق، والتعرق، وصعوبة التنفس، والدوخة، وعدم التوازن، والتلبك المعوي، والرجفان، وقد يصل الأمر به إلى الإغماء.

أسباب رهاب الأماكن المغلقة:

1. التعرض إلى المواقف المثيرة للقلق:

كأن يتعرض شخص ما إلى موقف مثير للقلق في أثناء تواجده في مكان ما، وينشئ ارتباطاً شَرْطِيَّاً بين حالته الشعورية هذه والمكان الذي كان فيه، ويُسقِط هذا الشعور على كلِّ المواقف المشابهة؛ فهو قد شكَّل فكرة في عقله مفادها أنَّ هذا الأمر يمثل تهديداً له، وعمَّم شعور الخوف على كلِّ المواقف المشابهة.

2. الاستعداد الوراثي:

لا يُورَّث الاضطراب النفسي، وإنَّما يورث الاستعداد له؛ فإن كان أحد الأبوين مصاباً برهاب الأماكن المغلقة، فقد يورّث طفله الاستعداد للإصابة به.

3. التربية الخاطئة:

يساهم أسلوب التربية القائم على الدلال الزائد والاهتمام والخوف المبالغ فيه في زيادة احتمالية إصابة الطفل برهاب الأماكن المغلقة، حيث تورث الأم دائمة الخوف مشاعر الخوف لابنها مثلاً.

4. الدافعية للقلق والتوتر:

قد تعود الإصابة برهاب الأماكن المغلقة إلى السمات الشخصية للفرد، حيث تزداد احتمالية الإصابة لدى الأفراد الذين لديهم قابلية كبيرة للقلق والتوتر، في حين تنخفض لدى الأفراد الذين يملكون قوة ومرونة وقدرة على التعامل مع الضغوطات.

إقرأ أيضاً: الرهاب الاجتماعي: أعراضه، مضاعفاته، طرق التخلص منه

علاج رهاب الأماكن المغلقة:

يوجد نوعان من العلاج لرهاب الأماكن المغلقة:

أولاً، علاج بالأدوية النفسية:

يُعطَى المريض مضادات للقلق على مدار فترة معينة، وقد أثبت هذا العلاج نجاحه لدى الكثير من الحالات، علماً أنَّ هذه الأدوية لا تسبب الإدمان، ويقتصر مبدأ عملها على رفع مستويات مادة السيروتونين في الجسم، بحيث يُعاد ضبط جهاز الإنذار الداخلي ليتوقف عن إعطاء إشارات خاطئة تجعل الشخص قلقاً وخائفاً دون وجود سبب حقيقي.

ثانياً، العلاج السلوكي المعرفي:

ويُعتمَد فيه على تقنيات سلوكية ومعرفية، مثل:

1. تقنية الغمر:

يُغمَر مريض رهاب الأماكن المغلقة بالموقف السلبي الذي يصيبه بالخوف الشديد غمراً كاملاً، كأن يُوضَع في مكانٍ مغلق لمدة معينة، بحيث تنتابه كلُّ الأعراض الجسدية للخوف وجميع المشاعر المزعجة، حتى يصل إلى ذروة الخوف والقلق، وبعد ذلك ستبدأ عتبة الخوف والألم بالانخفاض تلقائياً لديه، حتى يصبح قادراً على فك الارتباط الشرطي المتعلق بالأماكن المغلقة، ويدرك أنَّه قد اختبر التجربة كاملةً ولم يُصَب بأذى، واستطاع مواجهتها والانتصار عليها.

قد لا تكون هذه التقنية فعالة في جميع الحالات، فبينما تعطي نتائج مفيدة لدى الأشخاص الذين لديهم استجابة عالية للعلاج؛ قد تؤدي إلى نتائج سلبية تماماً لدى بعضهم الآخر، حيث تزداد احتمالية تعرض الشخص إلى مخاوف أكبر وحالة أعنف؛ وذلك في حال خروجه من تجربة الغمر قبل بلوغه ذروة القلق.

يجب إذاً التأكد من وصول الفرد إلى ذروة القلق، ومن ثمَّ الانخفاض بالمشاعر السلبية وفك الارتباط الشرطي؛ وإلَّا فإنَّ الحالة ستزداد سوءاً.

2. تقنية التعرض التدريجي:

يختبر المريض الموقف بالتدريج، كأن يُقدَّم إليه بدايةً صور عن الأماكن المغلقة، أو تُعرَض عليه أفلام سينمائية تعامل أشخاصها بهدوء مع الأماكن المغلقة؛ ثمَّ يختبر بعد ذلك وجود المريض في مكانٍ مغلق، على أن يكون برفقة شخصٍ بدايةً ومن ثمَّ لوحده؛ كأن يستقل مصعداً مع شخص ما بهدف الوصول إلى الطابق الأول، ومن ثمَّ يهدف إلى الوصول إلى طابق أعلى لوحده.

3. تقنية التعرض التخيلي:

تنتج بعض أنواع الرهاب عن تشوهات معرفية، ولا ينفع معها تطبيق التقنيات السابقة، كأن يكون لدى شخص ما رهاب من الموت، بحيث لا نستطيع تعريضه إلى الموت بشكلٍ ملموس.

لذا يلجأ المعالج النفسي هنا إلى تقنية التعرض التخيلي، بحيث يجعل المريض يختبر حالة الخوف الشديدة ذاتها التي يعاني منها، على أن يكون ذلك في مكانٍ ووقتٍ مناسبين، وباستخدام نبرة صوتٍ معينة؛ ثمَّ يُنقَل المريض بعد ذلك من مستوى المعرفة إلى مستوى الإدراك، ومن ثمَّ الاستبصار؛ حيث يعرف المريض بدايةً أنَّه يعيش أعراض الموت تماماً، ويدرك بعد ذلك أنَّه لم يمت بعد، ومن ثمَّ يستبصر في المرحلة الأخيرة من العلاج أنَّه حيٌّ، وأنَّ ما مَرَّ به من معاناة كان نتيجةً لأفكاره، فتتحرك لديه الرغبة العارمة من أجل تعديل أفكاره وتصويبها.

الخلاصة:

صحتك لا تقدر بثمن، فلا تسترخصها بالقلق والخوف والغضب، واعلم أنك المسيطر ولا تقل لا أستطيع، فإن قلتها تحقق ما كُنت تخشاه. لذلك من الأفضل مجابهة الخطر مرة واحدة بدلاً من البقاء دائماً في خوفٍ وهلع. نرجوا من الله أن تكون أيامكم مليئةً حباً وشغفاً وقوة.

 

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة