رسالة إلى ذاتك المستقبلية

في المدرسة الثانوية، طلبت مدرِّسة اللغة الإنجليزية منَّا جميعاً إحضار ظرف معنون بأسمائنا، وأعطتنا بعض الأوراق وطلبت منا أن نكتب خطاباً لأنفسنا في المستقبل، فلم أكن أقدِّر أهمية ما نقوم به في ذلك الوقت، ولكنَّني أدرك الآن أنَّها قدمت لنا جميعاً معروفاً كبيراً، فكانت تقدِّم هدية ثمينة لنا في المستقبل، وبعد أن كتبنا الرسائل، أخذتها وقالت إنَّها سترسلها بالبريد في غضون خمس سنوات، وفي هذا الوقت سيتخرج معظمنا من الكلية.



لن أنسى أبداً قراءة تلك الرسالة عندما وصلت إليَّ بعد خمس سنوات بالضبط كما وعدت؛ إذ كانت فرصة نادرة للتفكير بصدق في مرور الوقت وفي نمو ذاتي وشخصيتي خلال تلك الفترة المحورية في حياتي، وهذا تمرين رائع يجب القيام به مهما كان عمرك؛ إذ تمنحك كتابة خطاب لنفسك نظرة ثاقبة، وتُعلِّمك دروساً قيمة في الحياة ستظل معك لفترة طويلة، وقد يشبه الآمر كبسولة زمنية أو آلة للانتقال عبر الزمن.

ما هي فوائد كتابة خطاب لنفسك في المستقبل؟

1. غرس الامتنان في القلوب:

من أفضل الأشياء لصحتك العاطفية والنفسية هو ممارسة الامتنان بشكل دائم؛ إذ يقلل من التوتر ويساعدك على إدراك ما لديك من قدرات أو مواهب أو أهل أو أصدقاء أو غيرها، وإذا كنت ستكتب رسالة إلى نفسك، فإنَّ التعبير عن الامتنان هو من أكثر الأشياء حكمة التي يمكنك أن تضمنها في هذا الخطاب.

الخطاب الموجه نحو الذات هو عبارة عن رسالة في زجاجة، وعندما تفتحها بعد سنوات تكون قد نسيت ما كتبته؛ لذا امنح نفسك هدية وفرصة لتعيش من جديد الأفكار نفسها التي كنت تفكر بها فيما مضى، ثم أغلق عينيك ودع الشريط يمر وكأنَّك تشاهد مسيرتك الذاتية عبر تغيُّر الأفكار بين الحاضر والمستقبل.

شاهد بالفيديو: كيف تخطط لمستقبلك بنجاح؟

2. زيادة الوعي الذاتي:

هل سبق لك أن عدت وتصفحت منشوراتك القديمة على (Facebook)؟ كان هذا مؤلماً بعض الشيء أو محرجاً في بعض الحالات أليس كذلك؟ مثل الاستماع لتسجيل صوتك والخجل منه، فإنَّه أمر غير مريح ومزعج؛ وذلك لأنَّك تواجه أوجه قصورك ومواطن الضعف لديك، وأنت محرَج من سذاجتك وقلة الوعي الذاتي لديك، وهذا في الواقع شيء جيد؛ وذلك لأنَّه يوضح لك مدى نموك وتطورك.

فعندما فتحت رسالتي الخاصة بعد خمس سنوات، شعرت بالذهول بسبب شيئين؛ أولاً، كم تغيرت! وثانياً، أوه نعم لقد تغيرت أو ربما أصبحتُ إنساناً آخر، وإنَّه لأمر لا يُصدَّق كيف يمكننا أن ننمو ونشكل من ذواتنا شخصيات جديدة، لكنَّنا في الحقيقة ما زلنا أنفسنا بشكل أساسي وغير قابل للتغيير، وستظهر كل مراوغاتك وأنماط تفكيرك واضحة مثل ضوء النهار، وتقترب خطوة بعد خطوة من فهم ما هو بالضبط الذي يجعلك تتغير بهذه الطريقة.

3. المساعدة على صنع مستقبلك:

أين ستكون بعد خمس سنوات؟ ومن تريد أن تصبح؟ ربما تكون عالقاً في وظيفة ما أو تخرجت للتو وأنت غير متأكد من طريقك بعد؛ إذ تساعدك كتابة الخطاب على إخراج أفكارك من الحاضر، وتجعلك تركز على ما لم يأتِ بعد، فاجلس ووجه خطاباً إلى نفسك في غضون 3 أو 5 أو 10 سنوات وأخبرني أنَّك لا تشعر بالأمل والحماسة لمستقبلك.

فدع عقلك يسبح في الفضاء الذي يريده، وفكر بعمق وامنح نفسك الإذن بأن تكون طموحاً للغاية، فما هي المبادئ التي ستوجه حياتك؟ وما الذي تتمنى إنجازه؟ وكيف ستعمل على القيام بذلك؟ إذا تخيلت بوضوح ملامح مستقبلك، فإنَّه قد يصبح نبوءة محققة فيما بعد.

4. جعلك تقدِّر مرور الوقت:

في يوم من الأيام ستنتهي حياتك، لكن من البديهي تجنُّب التفكير في هذا الأمر، فيمكن أن نكون مستغرقين في وظائفنا الصعبة وحياتنا السريعة لدرجة أنَّنا لا نرى الصورة الأكبر أو السياق العام الذي نسير فيه.

لذا بدلاً من التفكير في كل يوم وحده، يمكننا أن نكسب الكثير إذا تحدينا أنفسنا لنحاول فهم سنوات وحتى عقود ووضع تصورات لما نريد تحقيقه، فالنظر إلى الحياة بهذه الطريقة يجلب الصبر والثقة إلى كل عمل، وكتابة رسالة إلى نفسك تجبرك على القيام بذلك؛ أي عندما تكون فكرة الموت والتقدم في السن موجودة في ذهنك، يصبح من السهل إدراك قصر الحياة، ويجب عليك أن تسرع لتحقيق أقصى استفادة منها.

5. منح نفسك بعض الذكريات:

هل أنت على وشك الذهاب الى الكلية أو الزواج؟ وهل تغادر إلى مدينة جديدة؟ إذا كنت تبدأ في رحلة جديدة تماماً فلا توجد طريقة أفضل للاحتفاء بها من كتابة خطاب إلى نفسك، مثل لقطة من حياتك في وقت ما، سيكون من الحنين أن تنظر إلى الوراء وترى ما كنت تفكر فيه في هذه اللحظة المحورية من حياتك، فهل كنت قلقاً بشأن شيء مرهق تبيَّن فيما بعد أنَّه ليس مشكلة كبيرة؟ يمكنك حتى أن تجعل كتابة الخطاب تقليداً سنوياً؛ أي اكتب خطاباً لنفسك كل عام، لكن لا تفتحه لمدة خمس سنوات أخرى.

ماذا أكتب في رسالتي إلى نفسي؟

  • ما هي أهدافك المهنية والرومانسية والأمور المالية والروحية والشخصية؟ فكلما كنت أكثر تحديداً، زادت احتمالية رؤيتك للتحسينات.
  • ما الذي يسبب لك أكبر قدر من القلق بشأن مستقبلك؟ وما الذي يجعلك مستيقظاً في الليل؟
  • ما هو الخطأ الذي فعلته؟ وما هو أكثر تصرُّف تندم عليه؟
  • ما هو كتابك المفضل هذا العام؟ وكيف أثر فيك؟
  • من هم أهم 5 أشخاص في حياتك؟ ولماذا؟

هذه مجرد نقاط انطلاق، فالهام هو أن تكون صادقاً فيما تكتب، فاكتب رسالتك وأرسلها، ثم انسَ كل شيء عنها حتى تفاجئك في وقتٍ لاحق.

رسالة إلى المستقبل والحياة المهنية:

عزيزي المستقبل، اليوم هو عيد ميلادك الأربعين وعندما تنظر إلى الوراء تدرك أنَّ لديك العديد من التجارب السعيدة ويبدو أنَّ الوقت قد مرَّ، لكن أنا أتطلع إلى الأمام، فأنت مليء بالأمل والأحلام والإثارة.

أنت تدرك الآن أنَّك في العشرينيات من العمر كنت تعتقد أنَّ حياتك المهنية هي التي تقيدك، ولكنَّها الآن تصنع حياتك وترسمها بالألوان، وعلى الرغم من أنَّك عملت في شركات رائعة، فأنت تعلم أنَّ راحتك تكمن في كونك رئيس نفسك وتأمل في الاستمرار في هذا الطريق لبقية حياتك، وتشعر بالتأكيد أنَّ العمل في مجال المطاعم هو شغفك، لكن لديك العديد من الاهتمامات الأخرى مثل الكتابة وتحلم بأن تصبح كاتباً.

شاهد بالفيديو: 10 أمور يجب القيام بها إذا كنت يائساً من مستقبلك

كيف يمكن أن تنظر إلى حياتك بعد قراءة الرسالة في المستقبل؟

في وقت سابق كان تركيزك الأساسي على "أن تصبح مليونيراً" والآن تريد فقط أن تعيش بسلام، فأنت تدرك أنَّه لم يعد لشراء الكثير من الملابس تلك الأهمية، فالأصدقاء الحقيقيون لا يهتمون بنوع السيارة التي تقودها، وخواتم الألماس لا تساوي الحب الحقيقي، وما تزال لديك الرغبة في الحصول على المال، ولكنَّك ترغب في إنفاقه من أجل الحصول على الخبرات بدلاً من تجميع العناصر المادية.

لقد كنت متزوجاً منذ 12 عاماً وتغيرت ديناميكية العلاقة تغيراً كبيراً منذ العام الأول، ولقد كنت في يوم من الأيام مهووساً بمعرفة ما قد يحدث في المستقبل، ولكنَّك تعلم الآن أنَّ الأشياء تحدث وبصرف النظر عنها، ستكون أنت على ما يرام.

فأنت تعلم أنَّ رضى شريكك هام جداً وقد نجحت في ذلك، ولكنَّك تدرك الآن أنَّ الزواج ليس دائماً وروداً وفراشات، ومع ذلك تعتقد أنَّ العلاقات يجب أن تكون مليئة بالورود والفراشات، وإلا فإنَّها لا تستحق الخوض بها، وأنتِ تحبين زوجك، ولكنَّك ما زلت تكافحين من أجل الوصول إلى مرحلة الحب "غير المشروط" وتحتاجين إلى السعي المستمر للتأكد من أنَّ شريكك يشعر به.

إقرأ أيضاً: استشراف المستقبل: ضرورة أم رفاهية؟

ما هي أهم الأمور التي يمكنني أن أكتبها في رسالتي إلى نفسي؟

1. العائلة:

إذا ارتكب أحد أفراد عائلتك خطأً لا تريد تكراره، فأخبر نفسك في المستقبل بذلك، فهل أردت أن يعمل والدك أقل ويقضي وقتاً أطول معك؟ وبعد ذلك أخبر نفسك في المستقبل أنَّك ستعطي الأولوية لقضاء الوقت مع العائلة.

2. الأصدقاء:

تحدَّث إلى أصدقائك وأخبرهم لماذا أنت قريب منهم، واكتب عن بعض المواقف المضحكة أو عن بعض اللحظات المفصلية التي ساعدك فيها هذا الشخص.

3. الصحة:

أخبر نفسك في المستقبل عن كيفية الحفاظ على صحتك، وامنح نفسك بعض النصائح عن طريقة الحياة وعادات الأكل التي يجب أن تلتزم بها.

4. العلاقات:

ما هو الهام في علاقتك؟ وما هو نوع الشريك الذي تنجذب إليه؟ وما هي سمات الشخصية التي تريد أن تراها في شريك حياتك المستقبلي؟

5. المسار المهني:

شارك أهدافك وخططك المهنية، وأخبر نفسك بما تفعله حالياً في العمل وما هي طموحاتك، وبعد ذلك قد ترغب في تحليل ما كتبته الآن وإنشاء خطة مبدئية لكيفية الوصول إلى هذه الأهداف.

6. الروحانيات:

ما هي مبادئك الروحية؟ وبماذا تؤمن؟ وكيف تعزز علاقتك الروحية مع الخالق في الأوقات الصعبة؟ إنَّ تواصلنا مع الله هو الذي يساعدنا على الصمود والمتابعة؛ لذا ذكِّر نفسك بقيمك ومبادئك.

إقرأ أيضاً: طرق إدارة أهدافك من أجل ذاتك المستقبلية

في الختام:

خزِّن رسالتك بطريقة لا تلجأ إلى قراءتها قبل وقتها، لكن أيضاً بطريقة لن تُنسى، ولعلَّ أفضل طريقة هي وضع الرسالة في ظرف مغلق مع وضع تاريخ الفتح عليه بخط كبير وواضح، وبعد ذلك يمكنك تعيين تذكير في التقويم الخاص بهاتفك بالتاريخ المحدد الذي تريد فتحها فيه والموقع الذي أخفيتها فيه، فكم من الوقت يجب أن تنتظر لفتح رسالتك؟ هذا يعتمد عليك، ونحن نوصيك بسنة واحدة على الأقل، لكن خمس سنوات ستكون أفضل؛ إذ يمكنك أيضاً وضع خطة لكتابة خطاب جديد كل خمس سنوات.




مقالات مرتبطة