دليلك إلى التفكير النقدي والإبداعي

التفكير النقدي مهارة عالية القيمة ومطلوبة؛ إذ تُعَدُّ القدرة على تحليل النقاشات وتقييم الأدلة والتمييز بين الحقيقة والرأي مهارةً عالية القيمة، ونتيجةً لذلك، التفكير النقدي هو قدرة مطلوبة جداً يمكن أن تفيدك في حياتك الشخصية والمهنية.



التفكير النقدي:

تختلف تعاريف التفكير النقدي باختلاف المراجع التي تبحث فيه، وسنعتمد في البداية على التعريف البسيط الذي يقول إنَّ التفكير النقدي هو تحليل الأدلة الواقعية للوصول إلى حكم، ولكن عند التدقيق في المصطلح ومعناه سنلاحظ أنَّ هناك جوانب عدَّة للتفكير النقدي.

وعلاوة على ذلك، سلطَت الدراسات الضوء على مجموعة واسعة من التعاريف، ويمكن العثور على تعريف شامل للتفكير النقدي في الموسوعة الإلكترونية "موسوعة ستانفورد للفلسفة" (Stanford Encyclopedia of Philosophy) يلخِّص المفاهيم الأساسية للتفكير النقدي على أنَّها عملية "التفكير المتأني الهادف".

تعريف آخر هو: "يشمل التفكير النقدي الصحيح الاعتراف بالحجج المقنعة حتى لو كنا نختلف مع الرأي الذي تدعمه، والاعتراف بضعف الحجج حتى لو كانت تدعم وجهة نظرنا"، وتتضمن عمليات التفكير النقدي مجموعة من المهارات هي:

  • تحليل الحجج ودراستها.
  • تقييم الأدلة المُقدَّمة.
  • التمييز بين الحقيقة والرأي.
  • مراجعة طرائق البحث المستخدَمة، وأسلوب جمع البيانات.
  • أخذ إمكانية التحيز في الحسبان.
  • تحليل التفسيرات ووجهات النظر المختلفة.
  • التفكير والوصول إلى الاستنتاجات بنفسك.

هناك خصائص عدة للتفكير النقدي، وهي مهارة تشمل العديد من القدرات الأخرى.

التفكير النقدي والإبداعي:

في حين أنَّ التفكير الإبداعي والتفكير النقدي متناقضان في العديد من الجوانب إلا أنَّهما يتفقان في بعضها؛ إذ يتطلب التفكير الإبداعي غالباً استكشاف إمكانات جديدة والعثور على وجهات نظر مميزة واستخدام حلول غير تقليدية، بينما يركز التفكير النقدي أكثر على عملية منطقية وعقلانية لتقييم الموجودات، ويمكن استخدام كليهما لحل المشكلات واتخاذ القرارات، والمزج بينهما مفيد في أغلب الأحيان.

أهمية التفكير النقدي:

يدور التفكير النقدي في جوهره حول التفكير بطرائق معيَّنة لإطلاق أحكام مدروسة، وسبب أهمية هذه المهارة أنَّها قد تساعدنا على اتخاذ الخيارات الصحيحة وفهم العالم من حولنا، بينما نتلقى هذا الزخم المتواصل من المعلومات ونقف أمام قرارات يجب علينا اتخاذها في كل دقيقة، وتتطلب المبررات التي تُقدَّم لنا لنصدق شيئاً ما أو نفعله التفكير بشكل نقدي ومنطقي؛ إذ يحاول مَن حولنا دائماً إقناعنا بأمور، مثل شراء منتج أو دعم قضية أو قبول وظيفة أو الحكم ما إذا كان شخص بريئاً أم مذنباً، وغيرها من الأشياء، وفي هذه الظروف يساعدنا التفكير النقدي على اختيار ما إذا كنا سنقتنع أم لا.

التفكير النقدي مهارة ناعمة مرغوبة في مجال العمل والتعليم؛ حيث يساعدك على:

  • التشكيك في المزاعم.
  • اتخذ قرارات أفضل.
  • التصرف بفضول.
  • التفكير في حجج مقنعة.
  • التفكُّر في نفسك وحياتك.

علاوة على ذلك، يترافق التفكير النقدي مع القدرة على حل المشكلات، ويبحث أرباب العمل دائماً عن موظفين يتمتعون بهاتين المهارتين.

شاهد بالفديو: 10 أساليب للتدرب على التفكير الإبداعي

أمثلة على التفكير النقدي:

هناك أمثلة على التفكير النقدي أينما التفتتَ؛ إذ نعالج يومياً المعلومات لتحديد مقدار صحتها وما إذا كنا نصدق ما يقال لنا أم لا، وهناك مجموعة معيَّنة من الخطوات يجب اتباعها لتقييم ما إذا كانت الحجة صحيحةً وسليمة أم لا، وتشمل تلك الخطوات:

  • استخلاص الاستنتاجات من الأدلة.
  • تقييم ما إذا كان يمكن التوصُّل إلى استنتاج أكيد من الحجة، أم إذا كان الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه منها معقولاً ولكن غير أكيد.
  • الوصول إلى قرار ما إذا كانت الحجة صحيحةً عبر تحديد ما إذا كانت الفرضيات الصحيحة القائمة عليها كافيةً لقبول الاستنتاج على أنَّه صحيح.
  • استكشاف ما إذا كانت الحجة سليمةً عبر تحديد ما إذا كانت الفرضيات صحيحةً.

قد تبدو هذه العملية معقدةً للغاية، لكنَّنا نمارسها دون أن نفكر فيها حتى، وهناك أمثلة تطبيقية أخرى عن التفكير النقدي يمكننا تسليط الضوء عليها، على سبيل المثال:

  • الوصول إلى قرار ما إذا كانت المعلومات التي وجدتَها في أثناء البحث الذي أجريتَه دقيقةً وصحيحة وموثوقة المصدر وتدعم حجتك.
  • تحديد المهارات والخبرات التي يجب ذكرها في طلب الوظيفة أو المقابلة.
  • وضع خطة عمل لتحقيق هدف يعتمد على مجموعة من العوامل والمتغيرات.

العوائق التي تعوق التفكير النقدي:

التفكير النقدي هو مهارة عالية القيمة يمارسها الكثير منا يومياً؛ لكنَّ هذا لا يعني أنَّنا نمارسها طوال الوقت؛ إذ إنَّ هناك عقبات نفسية شائعة ومغالطات منطقية يصعب على أذكى الناس أحياناً تخطيها، وبعض أكثر تلك العقبات التي تعوق التفكير النقدي شيوعاً هي:

  • ظاهرة "الانحياز التأكيدي" (Confirmation bias): وهي ما يحصل حين نميل إلى التفكير فقط في التجارب التي عشناها من قبل وتأكيد ما نعرفه بالفعل.
  • "الحدس المهني" (Heuristics): وهي عبارة عن طرائق تفكير نلجأ إليها لتبسيط عملية اتخاذ القرار، ومن الأمثلة مبدأ "قاعدة الإبهام" (rule of thumb) أو "التخمين المدروس" (educated guess).
  • "تأثير التأطير" (Framing): يسبب تأثير التأطير في استجابتنا بشكل مختلف لظروف متشابهة عبر تغيير نظرتنا لتلك الظروف، على سبيل المثال: قد نركز على جوانب مختلفة من الموقف فنتصرف بطرائق مختلفة.
  • "المغالطات الشائعة" (Common fallacies): هناك طرائق شائعة لاستخدام الناس التفكير المنطقي بشكل غير منطقي أو غير نقدي، على سبيل المثال: قد يغيِّر شخص ما في حجج أو وجهات نظر الخصم ثمَّ يهاجم الحجة الضعيفة التي اختلقها هو عوضاً عن الحجة الحقيقية التي استخدمها خصمه، ويدعى ذلك "مغالطة رجل القش" (strawman fallacy).
إقرأ أيضاً: مستويات التفكير ومعوقات التفكير

كيف تمارس التفكير النقدي؟

إذا كنتَ تريد تجنب بعض العقبات الشائعة التي تعوق التفكير النقدي، فهناك طرائق عدَّة لتطوير مهاراتك على التفكير النقدي، وحددنا لك فيما يلي 6 خطوات يمكنك اتخاذها لتحليل الحجج وتقييم الأدلة والتمييز بين الحقيقة والرأي، فعلى الرغم من أنَّ عملية التفكير النقدي تختلف من فرد إلى آخر، إلا أنَّ هذه الخطوات مفيدة عموماً:

  1. تحديد المشكلة: عند مواجهة موقف أو مشكلة حدِّد سببها.
  2. تحليل الحجج: هناك عادةً جوانب عدَّة للحجة، لذلك من الهام أن تفهم من الذي يتحدث وماذا يقول وما مقدار صحته.
  3. اكتشاف الحقائق: من الضروري فصل الحقائق عن الآراء وتقييم مقدار دقة الأدلة المقدَّمة.
  4. التغلب على التحيزات: اسأل نفسك ما إذا كنتَ تستخدم الافتراضات أم لا، وعن سبب تصديقك لنقطة معيَّنة، وما إذا كان الانحياز التأكيدي أو الحدس المهني أو التأطير أو المغالطات الشائعة تؤثر في تفكيرك.
  5. تحديد الأهمية: من المحتمل أن يكون هناك أدلة تدعم كل جانب من النقاش، وفي هذه الحالة من المفيد تحديد المعلومات الأكثر أهميةً والأصح والتي يمكن استخلاص استنتاجات قطعية منها والقائمة على افتراضات سليمة لتحديد أهمية كل منها.
  6. التوصُّل إلى استنتاجات: ستقودك الخطوات السابقة إلى تحديد الخيار أو الحجة الأصح، ويمكنك أيضاً تقييم نقاط القوة والضعف لجميع الخيارات.
إقرأ أيضاً: التفكير الإبداعي والتفكير الناقد: سمات كل منهما، والفرق بينهما

كيف تحسِّن مهارات التفكير النقدي؟

قد تبدو الخطوات المذكورة آنفاً بسيطةً، ولكن بين العقبات والمشاعر التي ينطوي عليها اتخاذ القرارات، يكون من الصعب أحياناً أن تُحكِّم عقلك والتفكير المنطقي عوضاً عن السماح لمشاعرك بالتحكم بك، إليك 5 طرائق لتحسين مهاراتك في التفكير النقدي:

1. التدقيق والتشكيك:

لا يتطلب قبول صحة الأشياء كما تبدو وتصديق ما يقال لك بذلَ الجهد، لكنَّ فعل ذلك غير مفيد للتفكير النقدي، وعوضاً عن ذلك يجب أن تُشكك فيما تراه أو تسمعه، وأن تبحث عن الدوافع، وتُقيِّم مقدار صحة المعلومات.

2. استبعاد المعلومات غير المفيدة وغير الموثوقة:

قد يكون من الصعب اتخاذ قرارات فعالة أو استخلاص استنتاجات مدروسة حين تكون محاطاً بمعلومات غير صحيحة، لكن يمكنك استخدام تفكيرك النقدي والتشكيك كي تبدأ باستبعاد الحجج المشبوهة والادعاءات المتحيزة.

3. استخدام مصادر موثوقة:

حين تبحث عن موضوع لاتخاذ قرار مدروس، انتبه دائماً للمصدر، وابحث عن المعلومات القائمة على الأدلة من مصادر موثوقة وكن حذراً عند قراءة الإحصاءات وانتبِه إلى طريقة تقديمها، وحاول فهم ما تخفيه الادعاءات السطحية للدراسات للوصول إلى الاستنتاجات الصحيحة منها، ولمعرفة ما إذا كان حجم العينة كافٍ لِعَدِّ الاستنتاج جازماً.

4. الإنصات الإيجابي:

"الإنصات الإيجابي" (Active listening) هو أسلوب يضمن تركيز المستمع على ما يقال له وفهمه له والتجاوب معه وتذكُّره، كما يشمل مراقبة السلوك ولغة الجسد، ويمكن أن يساعدك هذا النوع من الإصغاء على فهم ما يقال وسبب قوله، وتحديد إيجابيات وسلبيات الحجة.

5. ممارسة التعاطف:

تسمح لك القدرة على تخيُّل نفسك تعيش ظروف الشخص الآخر على فهم وجهة نظره ودوافعه وتطلعاته، وعند القيام بذلك ستكون قادراً على فهم سبب اعتقاده أو تفكيره بطريقة معيَّنة بشكل أفضل.

في الختام:

التفكير النقدي هو مهارة عالية القيمة يمكن أن تساعدك على اتخاذ قرارات وإطلاق أحكام أفضل، لكن يجب علينا جميعاً التغلب على بعض عقبات في التفكير كي نتمكن من التفكير بأسلوب نقدي وإبداعي، ولحسن الحظ، هناك العديد من الطرائق لفعل ذلك.

المصدر




مقالات مرتبطة