خمسة مفاهيم خاطئة عن عاداتنا اليوميَّة

كُلَّ عامٍ يتعهَّد ما يقارب الخمسين بالمئة من الأميركيين بتغيير سلوكهم بدءاً من الأول من يناير كنوعٍ من العهود التي يقطعونها على أنفسهم في بدايةِ السَّنة الجديدة، يقرّرون مثلاً إنقاص وزنهم (في الحقيقة ثلثهم يُقِّرر إنقاص وزنه في بداية كُلِّ عام)، أو تنظيم حياتهم بطريقةٍ أفضل، أو الوقوع في الحب. واحتمالات نجاحهم؛ شبه معدومة، إذ فقط 8 بالمئة منهم ينجحون فعلاً بتنفيذ القرارات التي اتَّخذوها في بداية السَّنة، بينما يستسلم 25% منهم بعد أول أسبوع، ويفشل البقيَّة منهم بكلّ بساطة.

إنَّ تلك الإحصاءات قاتمة ولكنَّها ليست مفاجئة، وما ينطبق على الشَّعب الأمريكي في هذا الصَّدد؛ ينطبق -تقريباً- علينا أيضاً. فكثيرةٌ هي العهود التي نقطعها على أنفسنا في بدايةِ كلّ عام، والتي تتضمَّن محاولة خلق عاداتٍ جديدة، أو التَّغلبَ على عاداتنا السَّيئة. وهناك الكثير من المعلومات المغلوطة التي تتعلَّق بكيفية تشكّلِ العادات وكيفيَّة تغييرها. وهنا بعضٌ من أكثرِها شيوعاً:

 



أولاً: الافتقار لِقوَّة الإرادة هو المسؤول عن عاداتنا السَّيئة

عندما يفشل النَّاس في تغيير عاداتهم، تجدهم غالباً ما يلومون إرادتهم الضعيفة. فمثلاً، يقول ثلث الأمريكيين إنَّهم يفتقرون إلى ضبط النَّفس الذي يحتاجونه لتحقيق أهدافهم. وما يقارب الرُّبع منهم، يَعزُونَ مشكلة الالتزام بنظام غذائي -على سبيل المثال- إلى عيوب في شخصيّتهم؛ كالكسل مثلاً. في الحقيقة، إنَّ العديد من سلوكياتنا لا تسترشد بالتَّحكم الذاتي. فنصف المهام التي نقوم بها يوميَّاً هي أمور نقوم بها دون تفكير. إذ تُظهر الدِّراسات أنَّ الأشخاص الذين يتَّسمون بمستويات عالية من ضبط النفس، لا يقاومون الإغراء على الدَّوام؛ إذ إنَّهم يعتمدون ببساطة على العادات الجيدة في ممارسة الرِّياضة أو إطعام أطفالهم أو دفع فواتيرهم في الوقت المحدد، من دون أن يفكِّروا في الأمر كثيراً. وبهذا الشَّكل؛ يُعدُّ ضبط النفس المرتفع بمثابة وهم، يتكوّن في الواقع من قاعدة صُلبة من الأنماط المعتادة. وهذا ما يُعدُّ أمراً منطقيَّاً: إذ سيكون من المرهق محاولة السَّيطرة مراراً وتكراراً على تصرفاتنا من أجل فعل الشيء الصَّحيح.

إقرأ أيضاً: 3 طرائق بسيطة وفعالة لتعزيز قوة الإرادة

ثانياً: يمكن أن تُساعدنا تطبيقات الهواتف الذكيَّة على تغيير سلوكنا

تَعِدُ تطبيقات مثل Fitbit وَ MyFitnessPal وَ BookLover بمساعدتنا على تغيير عاداتنا من خلال تتبع سلوكنا الجيّد (أو السَّيء). وتدَّعي بعض المواقع الالكترونيَّة أنَّها تنجحُ في ذلك، حيث نشروا مقالاتٍ مثل "17 عادة سيِّئة بإمكانك التَّخلص منها باستخدام الهاتف الذَّكي فقط" أو "تطبيقات الهاتف المحمول التي يمكن أن تساعدك على التَّخلُّص من عاداتك السَّيئة".

لكن ما تقوم به معظم هذه التطبيقات هو مراقبةُ ما تقوم به أنت فقط، وهذا لا يؤدي بالضَّرورة إلى تغيير سلوكك. كما أشارت مجموعة من العلماء، إلى أنَّ "الفجوة بين تسجيل المعلومات وتغيير السُّلوكِ كبيرة" إذ قالوا وبالحرف الواحد: "هناك القليل من الأدلة على أنَّ هذه التطبيقات تَسدُّ تلك الفجوة". لقد خَلُصَت إحدى الدِّراسات، إلى أنَّ بعضَ أنواع التَّخطيط والمراقبة تعوقُ فعليَّاً خلقَ عادات جديدة، ربما لأنَّها تجعلنا نُركِّز على أشياء لا صلة لها بتغيير السُّلوك. وفي حين أنَّ البعض منَّا قد يُحِبُّ تلك التَّطبيقات، ولكن إلى أن تتوفَّر دلائلُ إضافيَّة على مدى فعاليَّتها، أوصي بأن لا يتكَبَّد معظم الناس عناء استخدامها.

إقرأ أيضاً: 10 تطبيقات هاتفية لزيادة إنتاجيتك

ثالثاً: يتطلَّب الأمرُ منَّا 21 يوماً لخلقِ عادةٍ جديدة

تنبعُ هذه الفكرة من كتاب شهير في حُقبةِ الستينيّات كتبه ماكسويل مالتز (رائد من روَّاد التَّنمية البشريَّة)، وغالباً ما تتكرَّرُ اليوم. تَعِدُك كتب المساعدة الذاتية بأنَّه بإمكانك إصلاح زواجك، أو إعطائك الزَّخمَ الكافي لكي تبدأ روتيناً للتمارين الرياضية، أو أن تقدر على تخطِّي مشاكلك الماليَّة في ثلاثة أسابيع فقط!!

في الحقيقة، لا يوجد رقم سحري عندما يتعلّق الأمر بخلق عاداتٍ جديدة، إذ تختلف الأرقام باختلاف العادات. وذلك لأنَّ العادات يتم إنشاؤها ببطء كلما كرَّرَ النَّاس سلوكياتهم على نحوٍ ثابتٍ ومستمر. إذ تشيرُ بعضُ الدِّراسات الحديثة إلى أنَّ بعض السلوكيات الصِّحية البسيطة، مثل شرب كوبٍ من الماء قبل كل وجبة، يجب أن تتكرر لمدة 18 يوماً فقط، قبل أن يفعلها النَّاس بدون أيِّ تفكير منهم. وعاداتٌ أخرى، مثل التَّمارين الرِّياضيَّة؛ تستدعي ما يقارب عاماً من التِّكرار. كما وجدَ الباحثون أنَّ الأمرَ يستغرقُ في المتوسط ​​66 يوماً لتكوين عادةٍ جديدة.

شاهد بالفيديو: 10 طرق لتمارس العادات الجيّدة يوميّاً

بالنِّسبة لمعظم الناس، إنَّ الأمرَ الأهم من تكرار فعلةٍ ما لعددٍ معيَّنٍ من الأيام؛ هو وضع روتينٍ محدَّد. إنَّ القيامَ بشيء ما في نفس المكان أو الوقت من اليوم (مثل وضع واقٍ من الشمس قبل مغادرة المنزل كلَّ صباح) يمكن أن يساعد في السَّيطرة على طريقة التَّصرُّف. في دراسة أجريت على أشخاصٍ يتمرّنون بانتظام، كان ما يقرب من 90 في المئة منهم لديه موقعٌ أو وقتٌ محدَّد، أثارَ رغبتهم في ممارسة التَّمارين الرياضيَّة. فبالنِّسبة لهم، كانت التَّمارين أكثر تلقائية وتستلزمُ قدراً أقلَّ من التَّفكير والإرادة.

رابعاً: أفضل طريقة لتغيير هذه العادة هي وضع أهداف واقعية

أُجريت مؤخّراً دراسة في أحد المُختبرات على أشخاص أرادوا تغيير بعضٍ من سلوكهم. وعندما سُئِلوا عمَّا إذا كانوا يفضلون كتاب مساعدة ذاتية يتعلَّق بتحديد الأهداف، أم كتاباً عن التَّغيير البيئي (تغيير بيئة عملٍ أو ما شابهها؛ وليس المفهوم العام للتَّغيير البيئي)؛ اختاروا وبأغلبيَّةٍ ساحقة كتابَ تحديد الأهداف.

إنَّ هذا لأمرٌ خاطئ. إذ يتيح تعديل بيئتنا لنا، إعادة تشكيل سلوكنا من دونِ الاعتماد المفرط على قوة الإرادة. إذ يمكن أن تَتعطَّلَ العادات الغير مرغوب بها عن طريق تغيير الإشارات التي تحفِّزها. فمثلاً؛ يتناول النَّاسُ كميَّاتٍ أقلَّ من الطَّعام غير الصِّحي إذا وضعوا أغطيةً -غير شفَّافة- على أطباق الحلوى في المكتب، أو إذا وَضعت المتاجر الوجبات الخفيفة غير الصحية، في الجزء الخلفي من طاولات العرض.

كما ويمكن لِتغيير محيطك خلق إشارات لتحفيز السُّلوكيات المرغوبة أيضاً. فالنَّاسُ الأنحف يضعون الفاكهة على طاولات مطابخهم. والأطفال دون أجهزة تلفازٍ في غرف نومهم، لديهم مؤشر كتلة جسمٍ أقلَّ من الأطفال الذين لديهم تلفاز. بالطَّبع، تلك الأنواع من الرَّوابط لا تثبت أنَّ وضع الفاكهة على طاولة أو إزالة أجهزة التلفاز ستجعلك أكثر نحافة. لكنَّهم يوضحون كيف أنَّ محيطنا يساعد على خلق سلوكيَّاٍت صحيَّة - أو العكس.

إقرأ أيضاً: اكتشف نفسك – آليات اكتساب السلوك الإيجابي

كما تُظهر دراسةٌ حول عودة قدامى محاربي حرب فيتنام مدى أهميَّة البيئة في تغيير السُّلوك. إذ كان 20 في المئة منهم مدمنين وبشدَّة على الهيروين أثناء خدمتهم في الخارج. لكن 5 بالمئة منهم فقط عاوَدتهم تلك العادة بعد عودتهم إلى ديارهم. وخَلُصَ الباحثون إلى أنَّ هذه المعدَّلات المنخفضة والتي تُثير الدَّهشة، كانت نتيجةً للتَّغير الهائل في البيئة التي عاش بها هؤلاء الجُّنود. إذ بعودتهم إلى الولايات المتحدة، اختفت جميع الإشارات التي تُحفِّزهم على تبنِّي تلك العادة السيئة.

خامساً: تساعدنا معرفة فوائد العادات الجديدة على تغيير عاداتنا

يُشكِّل هذا المفهوم الخاطئ والشَّائع، حجر الأساس لعددٍ كبير من الجهود التي تُبذل في مجالِ الصِّحة العامة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، حاولت حملةٌ أطلقتها الحكومة الفيدرالية الأمريكيَّة تحت عنوان "الفواكه والخضروات، وأكثر من ذلك"، تثقيف النَّاس حول فوائد تناول الخضروات. فماذا كانت النَّتيجة؟ لقد فشلت تلك الحملة. إذ منذ إنشائها في عام 2007، انخفضَ استهلاك الفواكه والخضروات.

إنَّ هذا الأمر لا يشكل مفاجأة في الحقيقة. فقد أظهرت الأبحاث مراراً وتكراراً أنَّ تعريف النَّاس بِفوائد السُّلوك، لا يُترجم بالضَّرورة على أرض الواقع إلى تغييرٍ في العادات. إذ تتشكل العادات من خلال القيام بها. والذَّاكرة طويلة المدى المتورطة في تكوين العادات لا تتغير بقراراتٍ جديدة.

في تلك الدِّراسة التي أُجريت مؤخَّراً، وجد الباحثون أنَّ الأمور التي ترتبط بالعادات القديمة، تتحمّل وتعيق التَّغيرات السلوكية حتى بعد تبنّي النَّاس لنوايا جديدة. فمثلاً، بمجرد أن ترى ميلاً فوريَّاً لتصفح الانترنت، يكون من الصَّعب إخراج ذلك من رأسك والتركيز بدلاً من ذلك على قرارك للبقاء مُنظَّماً عبر دفع الفواتير. إذ فيما يتعلَّق بالعادات، نحن لا نتعلم عن طريق التَّعلم، ولكن عن طريق العمل.

المصدر




مقالات مرتبطة