حول الجروح إلى حكمة والصعوبات إلى فرص

نظرتُ لفترة طويلةٍ جداً إلى ماضيي بخجل وبشعور بالذنب والاستياء والندم، معتقدة أنَّ العديد من الأشياء التي حدثت لي في الماضي لم يكن ينبغي لها أن تحدث، وأنَّ الحياة قد عاملتني بطريقةٍ غير لائقة وأنَّني لم أكن سوى ضحية لماضيي وضحية للحياة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المؤلفة "لومينيتا دي. سافيوك" (Luminita D. Saviuc)، والتي تُحدِّثُنا فيه عن تجربتها في الاستفادة من الجروح والصعوبات التي نواجهها في الحياة.

لقد بذلت قصارى جهدي لإخفاء آلامي وأحزاني، حتى تظاهرت كما لو لم تكن لدي أيَّة جروح تحتاج إلى التعافي وتصرفت كما لو أنَّ الأشياء الفظيعة التي حدثت لي في الماضي لم تؤثر فيَّ أبداً؛ لقد اعتقدت بصدق أنَّني إذا تجاهلت الحزن الذي كان موجوداً في داخلي، فسوف يختفي الظلام في النهاية وسيشرق الضوء من خلالي وعليَّ من جديد، ولكنَّ ذلك لم يحدث.

لقد نشأت مع أبٍ مسيء ومدمن على الكحول، ولم أكن أعرف كيف هو شعورُ محبة والديك لك، أو أن تكون آمناً بين أحضانهما، وفي سن مبكر جداً تعلمت أن أتظاهر بالسعادة، وأنَّ كل شيء على ما يرام في عالمي، وأنَّني بخير.

لم أتحدث أبداً إلى أي شخص عما كان يحدث في منزلنا، وأعتقد أنَّني لم أشأ أن يسألني الناس مختلف أنواع الأسئلة الغريبة وأن ينظروا إليَّ بشفقة على الرغم من أنَّهم ظلوا يفعلون ذلك، لقد كان من الصعب بالنسبة إلي التعامل مع كل ما كان يحدث، وأعتقد أنَّه لم تكن لدي أيَّة طاقة متبقية للحديث عن كل تلك التجارب المروِّعة.

لم أرغب في الدخول في صدمة من جديد، وأردت أن أنسى كل شيء وتمنيت ألَّا يحدث ذلك مرة أخرى، ولكنَّه قد حدث من جديد، لقد كنت مجرد طفلة صغيرة، وكانت تلك طريقتي في التأقلم مع ما كان يحدث في منزلنا، وفي مساعدة نفسي على النجاة وسط كل ذلك وعلى التعامل مع جنون والدي ووحشيته، وعلى البقاء بكامل قواي العقلية وسط بيئة مليئة بالجنون.

كيف أحول جراحي إلى حكمة؟

لقد ساعدني هذا النوع من السلوك والنهج في الحياة كثيراً عندما كنت طفلة صغيرة، لكن بعد وفاة والدي - ولأنَّني لم أعُد في خطر - كان من الأفضل بالنسبة إلي أن أتخلى عن حذري، وأخرج من وضع الحماية وأنتقل إلى وضع الأمان والتعافي من خلال التحدُّث عما حدث والسماح ببدء عملية الشفاء، ولكنَّني لم أفعل ذلك.

لم أكن أعرف كيف أقوم بهذا؛ ونتيجة لذلك واصلت التصرف كما لو أنَّني ما زلت أسيرة للماضي؛ إذ ظللت أشعر بالخجل من ماضيي، وأخجل من أنَّني تعرضت إلى الإيذاء الجسدي من قِبل والدي وأنَّني حُرِمت من الحب والتغذية الجيدة والطفولة السعيدة، ومن أنَّ حياتي كانت "مختلفة".

وواصلت تكوين حياتي بقِطع الماضي المكسورة؛ مما ألحق بي الكثير من الألم "غير الضروري" وبمن حولي، وهذا ما جعل من حياتي جحيماً.

ساءت الأمور مع مرور السنين، وفي خريف عام 2009 بدأت حياتي كلها بالانهيار، وبدأتُ أنا بالانهيار قطعة قطعة، واعتقدت بصدقٍ أنَّني لن أكون قادرةً على التماسك مرة أخرى، وما بدا في ذلك الوقت أسوأ عام في حياتي؛ تبيَّن أنَّه أفضل عام في حياتي حتى الآن.

إقرأ أيضاً: طرق اكتساب الحكمة وأهميتها في حياتنا

كيف حولتُ جروحي إلى حكمة وصعوباتي إلى فرص؟

في ذلك الخريف، وبسبب كل ما كان يحدث، ولأنَّني شعرت بأنَّني لا أستطيع تحمُّل الأمر أكثر من ذلك؛ فقد التزمت بالعمل على حب التقبُّل وحب كل عيوبي ونقائصي، وقضاء بقية حياتي في تحويل جروحي إلى حكمة، والسماح لماضيي أن يجعلني أفضل لا أسوأ، لقد قطعت وعداً لنفسي بأن أحقِّق أقصى استفادة من كل تجربة سأخوضها في الحياة - سواء كانت جيدة أم سيئة - وأن أجعل ما تبقى من حياتي أفضل ما فيها.

يقول الكاتب "رالف والدو إيمرسون" (Ralph Waldo Emerson): "بمجرد اتِّخاذ قرار ما، يتعاضد الكون بأكمله لتحقيق ذلك"، وبهذه الطريقة بدأت العمل على التخلي عن ماضيي ومخاوفي وأعذاري والحاجة إلى الشكوى والانتقاد واللوم، وبدأت بالتخلي عن كل أفكاري السامة والحديث الذاتي الذي يطيح بالذات، ومقاومتي للتغيير، والحاجة إلى أن أعيش حياتي وفقاً لتوقعات الآخرين والعديد من الأشياء والسلوكات والأشخاص السامين الذين كانوا يعوقون حياتي، وكان كل شيء يحدث بسرعة كبيرة.

شعرت في ذلك الخريف كما لو أنَّ شيئاً ما بداخلي قد استيقظ، وكما لو أنَّ قوةً أكبر وأقوى مني قد استولت على حياتي، وتحرص على أمني وحمايتي في جميع الأوقات، وكلَّما بدأت بالتخلي عن الأفكار والأشخاص والسلوكات السامة، بدت حياتي أفضل وغدوتُ أسعد.

يقول المؤلف "ستيف مارابولي" (Steve Maraboli): "جدِّد حياتك وتحرَّر من الماضي وسامح نفسك، الأمس قد ذهب، ولا يوجد شيء يمكنك القيام به لتعيده، ولا يمكنك القول: "لقد وجب عليَّ" القيام بشيء ما، ويمكنك فقط القيام بشيء الآن؛ جدِّد نفسك وتحرَّر من تعلُّقك بالماضي، فاليوم هو يوم جديد".

لقد نظرتُ إلى ماضيي لفترة طويلة بخجل وشعور بالذنب والاستياء والذل، ولكنَّ حياتي قد بدأت بأكملها بالتحول في اللحظة التي قررت فيها أن أقبل وأتقبَّل كل ما حدث لي وأتوقف عن إخفاء مشاعري؛ أي تلك اللحظة التي قررت فيها أن أسامح وأتحرر من الماضي وأنسى كل ما حدث؛ فما بدا في يوم من الأيام مظلماً ومخيفاً ومؤلماً، أصبح الآن شيئاً مليئاً بالنور والأمل والحب والرحمة؛ فلقد كان نعمة مقنَّعة.

لقد ألفت كتاب "15 شيئاً يجب أن تتخلى عنه لتكون سعيداً" (15 Things You Should Give Up to Be Happy) بناءً على كل ما حدث، وبناءً على تجربتي الحياتية واستناداً إلى كل الأشياء التي كان عليَّ التخلي عنها من أجل المضي قدماً في حياتي؛ ولأصبح الشخص الذي أنا عليه اليوم.

مع أكثر من 1.3 مليون مشاركة على موقع "فيسبوك" (Facebook)، انتهى الأمر بهذا المقال ليصبح أكثر مقال نمو شخصي واسع الانتشار في تاريخ الإنترنت، وفتح الكثير من الأبواب والفرص بالنسبة إلي؛ مما أتاح لي الفرصة للتحدُّث ومشاركة قصتي في العديد من الفعاليات والمناسبات.

لماذا يجب أن أشتكي؟

لماذا يجب أن أكون غاضبة من شيء قد حدث لي في الماضي؛ بينما يمكنني بناء أساس بكل الأحجار التي أُلقيَت في وجهي وإنشاء شيء من شأنه أن يلهم الناس من جميع أنحاء العالم ويمكِّنهم من فعل الشيء نفسه؟

لماذا يجب أن أبكي على ما حدث، وأحكم وألقي باللوم وأنتقد وأشتكي مما حدث بينما يمكنني أن أركز كل طاقتي في تحويل جراحي إلى حكمة وصعوباتي إلى فرص؟

إنَّ أيَّة تجربة تمنحها الحياة لك مفيدة للغاية وتُطوِّر وعيك، لكن كيف تعلم أنَّ هذه التجربة هي التي تحتاج إليها؟ لأنَّ هذه هي التجربة التي تمر بها في الوقت الحالي، وبصرف النظر عن المكان الذي كنت فيه، وعن مدى سوء معاملة الحياة لك حتى هذه اللحظة، يوجد دائماً طريق للخروج، وطريق الخروج موجود دائماً؛ وهكذا تحول جراحك إلى حكمة.

شاهد بالفديو: تعلم كيف تغتنم الفرص بـ 10 خطوات

في الختام:

يقول اختصاصي علم النفس "كارل يونغ" (Carl Jung): "من ينظر إلى الخارج يحلم، ومن ينظر إلى الداخل يستيقظ".

يبدأ الأمر كله عندك، ويبدأ الأمر بالالتزام تجاه نفسك، والوعد باحترام نفسك وحياتك وجعلها عملاً فنياً، فتخلَّ عن كل الدراما التي لا طائل من ورائها وكل العلاقات والأفكار والسلوكات السامة الموجودة في حياتك، وحوِّل تركيزك من السيِّئ إلى الجيد، وانظر كيف ستتغير حياتك كلها.

المصدر




مقالات مرتبطة