حركات لاشعورية نقوم بها لها معانٍ نفسية

تتجلى لغة الحركات اللاشعورية مثل نافذة للوصول إلى عوالمنا النفسية الداخلية؛ فالإنسان كائن معقد يرتبط جسده وعقله ارتباطاً وثيقاً، ويُظهِرُ الجسم آثاراً غير محددة من أفكاره ومشاعره المختلفة، وهذه الحركات اللاشعورية تكون كاللغة السرية التي تُتيح لنا نظرة غير مباشرة إلى العواطف والتفكير الذي يدور في عقولنا.



لنفهم ذلك بصورة أوسع ثمَّة تفاعل دائم بين العقل والجسم، وعندما نشعر بالفرح أو الحزن أو التوتر ينعكس هذا التفاعل في حركاتنا الطبيعية، حتى وإن كنا لا ندرك ذلك بوضوح؛ فمثلاً تصبح اليدين رمزاً للتعبير عن الثقة والتفاؤل عندما ترتفع لأعلى، في حين يرتفع الكتفان عندما ينتابنا التوتر أو القلق.

سوف نحلل في هذا المقال بعض الحركات اللاشعورية الشائعة التي قد تمر مرور الكرام على غرار الأمور البسيطة والعفوية، ومع ذلك وراء كل حركة تكمن أشكال متنوعة من الإشارات النفسية؛ فمثلاً عندما يلمس الشخص طرف الشعر باستمرار في حين تحدثه قد يرجح ذلك أنَّه يشعر بالقلق أو الارتباك، وهذه الحركة اللاشعورية تُعبِّر عن تلك الحالة النفسية التي يعيشها دون حاجة إلى كلمات، ويقودنا هذا المقال إلى اكتشاف مثل هذه العلامات البصرية الدقيقة التي قد نجهلها عند التفاعل مع الآخرين.

بوصفها مرآة لعمق الروح تكمن أهمية دراسة الحركات اللاشعورية في القدرة على التواصل الأفضل وفهم العواطف والتفكير الذي يعيشه الآخرون، حتى وإن كانوا يخفون مشاعرهم وأفكارهم عند التحدث؛ فباستخدام هذه اللغة الصامتة والعميقة نستطيع توسيع أفق التواصل وتعميق الفهم بين البشر، وبذلك نُثري العلاقات الإنسانية.

الجسم ولغة الحركات:

الجسم هو أحد أبرز وسائل التعبير التي يستخدمها الإنسان للتواصل، وتُعَد لغة الحركات اللاشعورية جزءاً هاماً من هذا النوع من التواصل، فيمتلك الجسم القدرة على إظهار مشاعرنا وأفكارنا بصورة غير مباشرة وغير مركزة على اللغة الكلامية؛ ما يجعله وسيلة تعبير قوية تستطيع التحدث بأوجاع وأفراح تختلف في درجاتها.

الحركات اللاشعورية تتيح لنا الفرصة للتعبير عن مشاعرنا وحالاتنا النفسية الداخلية التي قد يصعب التعبير عنها باستخدام الكلمات؛ فعندما نشعر بالتوتر أو القلق يمكن للحركات اللاشعورية أن تصبح مرآة لهذه المشاعر؛ فمثلاً حركات اليدين المتوترة قد تعبر بصورة لاشعورية عن حالة القلق التي نعيشها، وبالمثل يمكن للتذبذب السريع للقدم أن يكون إشارة للتوتر الداخلي أو حتى عدم الارتياح.

إضافة إلى ذلك يُعد الجسم مصدراً للإشارات العصبية والكيميائية التي تنقل مشاعرنا وحالاتنا النفسية إلى دماغنا؛ فمثلاً عندما نشعر بالخوف يفرز الجسم هرمونات الإجهاد ويزيد من معدل ضربات القلب؛ ما قد يؤدي إلى تسارع النبض والتوتر في الحركات الجسدية.

أنواع الحركات اللاشعورية التي نقوم بها وقد تملك معاني نفسية:

توجد عدة أنواع من الحركات اللاشعورية التي تحمل معاني نفسية، وبعض هذه الحركات تشمل:

1. حركات اليدين والأصابع:

مثل تحريك الأصابع بصورة عصبية، أو تلويح اليدين باستمرار قد ترتبط بالقلق أو التوتر.

2. الحركات التكرارية:

مثل تكرار التحريك بقدمك أو اللمس المتكرر لجسمك التي تعكس حالات القلق أو الاضطراب النفسي.

3. تغييرات في ملامح الوجه:

مثل حركات الحواجب أو تلويح العينين تظهر على هيئة ردود فعل غير مُتحكَّمة تعبر عن مشاعر مثل الكذب أو الدهشة أو القلق.

شاهد بالفديو: 4 أخطاء في لغة الجسد ابتعد عنها

4. اللمس المستمر للشعر أو الجسم:

مثل التلويح بشعرك باستمرار أو تحسس جزء من جسمك تعكس قدرة الشخص على التهدئة نفسياً أو توتر داخلي.

5. تحركات القدمين:

مثل النقر بقدميك بصورة عشوائية أو تذبذبهما قد تكون تفاعلاً مع مشاعر القلق أو العصبية.

6. التنفس السريع أو العميق:

يكون تسارع التنفس أو التنفس العميق مؤشراً على التوتر أو الإجهاد أو الخوف.

إقرأ أيضاً: تحليل شخصية الإنسان من خلال لغة الجسد

7. الحركات العينية السريعة:

مثل التحول السريع في اتجاه العيون أو الانتقال المتكرر بين الأشياء المحيطة تكشف عن حالة عصبية أو انشغال داخلي.

وغيرها كثير من الحركات التي تتفاوت وتختلف من شخص إلى آخر.

الحركات اللاشعورية والعواطف:

تعمل لغة الحركات اللاشعورية جسر تواصل بين العقل والعواطف، فتنقل بصورة غير مباشرة وعميقة ما يدور في عالم الأفكار والمشاعر، كما أنَّ هذه الحركات تمثل تعبيراً تلقائياً ينشأ من داخلنا ويترجم المشاعر إلى لغة مرئية، كما يمكن للحركات المفاجئة أن تكشف الستار عن العواطف المنبثقة على وجه السرعة؛ فعندما يتعرض الشخص لصدمة أو مفاجأة تظهر حركات الجسم المفاجئة مثل القفز أو التجمد فوراً، هذا التفاعل يعكس الفزع أو الدهشة التي تؤثر في الجسم بصورة لاشعورية وغير مُتَحَكَّم بها.

يؤدي الفهم الجيد لهذه الإشارات اللاشعورية دوراً هاماً في تحسين جودة التواصل؛ فعندما نتمكن من تفسير هذه الإشارات وفهم ما تنقله من مشاعر داخلية يمكننا التواصل بصورة أفضل مع الآخرين، وهذا الفهم العميق يسهم في تقوية الروابط الإنسانية وبناء علاقات متينة مبنية على التفهم والتقدير المتبادل.

الحركات والكذب:

للحركات اللاشعورية دور هام في كشف محاولات إخفاء الحقيقة أو الكذب؛ إذ إنَّها عبارات صادقة لا تستطيع الكلمات وحدها التعبير عنها، وعندما يكون هناك عدم تناغم بين ما نقوله بالكلمات وما نعبِّر عنه بواسطة حركات جسمنا يمكن للآخرين التحرُّك نحو فهم مزيد من القصة.

مثلاً عندما يلمس شخص ما أنفه باستمرار خلال الحديث، أو يحرك عينيه على نحو مفرط قد يُفسَّر ذلك على أنَّه محاولة لكبت الحقيقة أو تضليل الآخرين، كما تُترجِم هذه الحركات اللاشعورية التوتر الداخلي والرغبة في إخفاء الحقيقة؛ ما يجعلها مؤشرات قوية على وجود خفايا؛ من ثمَّ إذا كنت تحاول التعرف إلى مدى صدق شخص ما أو الكشف عن الحقيقة وراء ما يقوله تنظر إلى الحركات اللاشعورية التي يقوم بها، ومع ذلك يجب مراعاة السياق على نحو جيد، فقد توجَد أسباب أخرى لهذه الحركات مثل التوتر العام أو القلق.

إنَّ فهم اللغة السرية للحركات اللاشعورية يسهم في زيادة التواصل الفعَّال والتفهم الأعمق بين الأفراد، كما تتيح لنا هذه الحركات إمكانية الكشف عن مشاعر أخرى وعواطف مختلفة لدى الآخرين؛ ومن ثمَّ تسهم في بناء علاقات أكثر صدقاً وثقة.

Subconscious movements

تحليل الحركات والتفسير:

تعبر الحركات اللاشعورية عن معانٍ نفسية، لكن يتعين علينا أن نعاملها بحذر وتوازن، فيُعَد تحليل هذه الحركات تحدياً يتطلب فهماً عميقاً لعلم النفس وقدرة على التفريق بين العوامل المختلفة التي تؤثر في هذه الحركات.

يستند التفسير الصحيح إلى حساسية متناهية وقدرة على فهم السياق، فإذا كنت تحلِّل حركات شخص آخر يجب أن تأخذ في حسبانك أنَّ ثمَّة عوامل كثيرة تؤثر في تلك الحركات؛ مثلاً قد تكون العوامل البيئية مثل موقف معين أو تجربة مؤثرة وراء بعض الحركات، إضافةً إلى ذلك يجب أن نفهم أنَّ كل شخص فريد ومميز؛ لذا فإنَّ الحركات قد تختلف في معانيها وتفسيراتها من شخص إلى آخر، وتأثير الثقافة والتربية والخلفية الشخصية قد يكون له دور كبير في تحديد ما إذا كانت الحركات تُعبِّر بالفعل عن معانٍ نفسية؛ لهذا السبب يُحذَّر من اتخاذ استنتاجات سطحية أو مبالغة في تحليل الحركات اللاإرادية.

يجب أن نكون متوازنين في التفسير وأن نتجنب الانغماس في توقعات سلبية أو افتراضات غير مؤكدة، وتقديم تقدير دقيق للحركات يحتاج إلى فهم شامل وصبر، وقد يكون من المفيد استشارة متخصص في علم النفس لفهم أعمق للحركات وتفسيراتها.

إقرأ أيضاً: مهارات التواصل وطرق تطويرها وتنميتها

في الختام:

تمثل الحركات اللاشعورية مفتاحاً لفهم لغة الجسم والعواطف التي يحملها الإنسان داخله؛ فهي تعكس تلك اللحظات الدقيقة التي يبدأ فيها الجسم في التعبير عمَّا يجول في ذهننا وقلبنا بصورة لا يستطيع الكلام البشري وحده أن يعبِّر عنها.

من الأمور الهامة في الاستفادة من هذه اللغة السرية هو أن نكون حذرين وواعين عند التفاعل مع الآخرين، فتشكل الحركات اللاشعورية إشارات صامتة تكشف عن العواطف والمشاعر التي يكون الشخص غير قادرٍ على التعبير عنها بالكلمات؛ فعندما نكون حساسين لهذه الإشارات نمكِّن أنفسنا من فهم الأوجه المختلفة للإنسانية ومساعدة الآخرين على التعبير عن أنفسهم؛ لذا يكون هذا الفهم لغة لطيفة تقوم على التراص والتفاعل بعمق مع الآخرين، فإذا عرفنا ماذا تعني الحركات اللاشعورية نقرأ ما بين السطور ونفهم المشاعر غير المنكرة، وذلك يساعدنا على إقامة علاقات أكثر تفهماً وترابطاً مع الآخرين.

تُظهِر لنا الحركات اللاشعورية أنَّنا نشكل مجموعة متشابكة من العواطف والتفكير، وأنَّ للجسم لغة متكاملة تترجم هذا العالم الداخلي إلى لغة مرئية، وباستمرارنا في تطوير فهمنا لهذه اللغة نمنح أنفسنا أداة قوية لتعزيز التواصل والتفاهم العميق مع الآخرين في مجتمعنا.




مقالات مرتبطة