حرر عقلك من الرغبة في التحكم بتصرفات الآخرين

إنَّ إحدى أكثر الصعوبات التي يجب التغلب عليها هي الرغبة في أن يتصرف الآخرون بطريقةٍ معينة؛ وهذا أمرٌ لا يد لنا فيه، فكيف للعالم أن يسير على هوانا؟ للأسف لن يتصرف الناس بشكل مثالي؛ لكنَّ المشكلة ليست في الآخرين؛ وإنَّما في مثالياتنا وتوقعاتنا.



صحيح أنَّ العالم المثالي يعني أن يتوقف الناس عن إبادة الحيوانات والعودة إلى الرفق بها، ولكنَّ الواقع غير ذلك، ولن يأتي ذلك العالم المثالي قبل حين من الدهر، هذا إن أتى أساساً.

وفي عالم مثالي سيتصرف الأطفال كما يريد الكبار لهم أن يكونوا، ولكنَّ واقع الأطفال أو أي إنسان يختلف، وفي عالم مثالي سنكون على وفاق دائم مع أزواجنا، إلَّا أنَّ ذلك لن يحصل دائماً؛ لذا يمكننا أن نلخص ما سبق ذكره بما يأتي:

  • لدينا أفكار مثالية حول تصرفات الناس، أو كيف نريد لهم أن يكونوا.
  • لن يتصرف الناس وفقاً لتلك المثاليات.
  • يزعجنا الواقع عادة، ويصيبنا بالإحباط والغضب والحزن والخيبة والتوتر.
  • يسلبنا ذلك سعادتنا ويفسد علاقاتنا بالآخرين.

هذا ليس جيداً بطبيعة الحال، ولكنَّنا نملك خيارات عدَّة عن كيفية التعامل مع ذلك:

  1. يمكننا التمسك بصرامة بما نريد أن يكون الناس عليه، ونستاء عندما يتصرفون عكس ما تمليه تلك المثاليات.
  2. يمكننا التمسك بصرامة بما نريد أن يكون الناس عليه، ونسعى جاهدين إلى جعلهم يتصرفون كما نريد، ولن تنجح هذه الطريقة في الغالب.
  3. يمكننا التخلي عن تلك المثاليات، ونكون أكثر سعادة وأقل إحباطاً.

عندما نفكر بهذه الطريقة، من الواضح أنَّ الخيار الثالث هو الخيار الأمثل، وسنتكلم عن هذا الخيار، ولكن لنتكلم عن بعض الاعتراضات أولاً:

الاعتراضات على التخلي عن المثالية:

عندما يواجه الناس فكرة التخلي عن مثالياتهم عن الآخرين، تكون لديهم عادة الاعتراضات التالية:

1. عندها سيتصرف الناس بطريقةٍ سيئة وسيفلتون من العقاب:

يوجد فارق بين أن ترغب في أن يتصرف الشخص بطريقة معينة - وتستاء من ذلك - وبين أن تتقبل أنَّ ذلك الشخص يتصرف بتلك الطريقة، ومن ثم تستجيب بطريقة ودية لذلك.

في الحالة الأولى، ستغضب من ذلك الشخص بسبب تصرفه، وسوف يجعل ردك النابع عن ذلك الغضب الأمور تزداد سوءاً، وفي الحالة الثانية، لن يثير الأمر اهتمامك كثيراً، ولكنَّك ستدرك أنَّ تصرف ذلك الشخص مؤذٍ، وسوف ترغب في مساعدته على عدم الأذى.

لا يمكنك التحكم بالآخرين ولكن يمكنك مساعدتهم، وإن حاولت مساعدتهم ولم يقبلوا مساعدتك، فسيتحول الأمر إلى سلسلة من الخيبات. اعرض المساعدة ولكن تخلَّ عن توقُّع النتائج التي تريدها.

إقرأ أيضاً: 5 تصرفات خاطئة تبعد الناس عنك

2. ولكن ماذا عن السلوكات المسيئة؟

يوجد فارق بين الشعور بالضيق بسبب الإساءة وبين تقبل بأنَّ ذلك الشخص يتصرف بشكل مسيء واتخاذ إجراء مناسب.

التخلي عن مثالياتك بخصوص الكيفية التي يجب أن يتصرف بها الشخص المسيء لا يعني السماح له بالإساءة إليك؛ وإنَّما يعني فقط تقبُّل أنَّ ذلك الشخص يتصرف بإساءة، بينما تتخذ الإجراء المناسب للابتعاد عنه أو تطلب المساعدة من أجله، إن كان ذلك مناسباً.

لا يجب أن تضع نفسك موضع الخطر، وفي الوقت ذاته لستَ مضطراً إلى أن تتأثر داخلياً في أفعال شخص آخر.

3. ولكن حينها لن نجعل من العالم مكاناً أفضل:

إن لم يتصرف الناس بطريقة مثالية، فيمكنك أن تشعر بالضيق بسبب ذلك في أثناء محاولتك تغييرهم، أو يمكنك تقبُّل فكرة أنَّ العالم ليس مثالياً، ومن ثم تعمل على مساعدتهم بهدوء وتعاطف؛ وفي الحالتين، أنت تحاول أن تعمل خيراً، ولكن في الحالة الثانية لن تتألم من طريقة سير الأمور؛ إذاً، فهذه الاعتراضات تتمحور حول الرغبة في تغيير تصرفات الناس السيئة.

هذا المقال يتحدَّث عن القبول الداخلي للسلوك "غير المثالي"، ولكن بمجرد أن تحظى بهذا القبول، يمكنك أن تتخذ الإجراء المناسب؛ إذ يمكن أن يساعد ذلك الشخص على الشعور بالتعاطف والوصول إلى بر الأمان والتكلم بهدوء ومحبة والإبلاغ عن التصرفات المسيئة، كما أنَّه يساعد على الحصول على المشورة واتخاذ الإجراءات المناسبة النابعة عن المحبة والتعاطف والفهم، بدلاً من الإحباط والغضب.

ستكون يقظاً في لحظة المراقبة تلك، بدلاً من تخيل ما يجب أن يكون عليه تصرف ذلك الشخص.

شاهد أيضاً: 12 صفة تجعلك صاحب شخصية مثالية.

التخلي عن المثاليات:

إذاً كيف تتخلى عن الرغبة في جعل الناس يتصرفون كما تريد؟

1. الإيمان بأنَّ هذه المثاليات تضرُّ بك وبالآخرين:

تسبب الرغبة في جعل الأمور تسير على هواك كما تسبب الإحباط والتعاسة والغضب، فهي تضر بعلاقاتك الاجتماعية، ومن المرجَّح أن تتسبب في مضايقة الناس من حولك على حد سواء؛ وسبب هذا كله التعلُّق بالمثاليات والتوقعات المثالية.

2. التفكير في رغبتك في إسعاد نفسك ومَن حولك:

إن كانت المثاليات والتوقعات تضر بك وبالآخرين، ألن يكون من الأفضل إيقاف ذلك الضرر؟ أليس من الأفضل أن تكون سعيداً بدلاً من أن تكون محبطاً؟

فكر في رغبتك في تحسين علاقاتك بالناس وفي أن يكونوا سعداء في علاقاتهم معك، هذا ما تريده، وهو نابع عن المحبة.

3. الانتباه إلى تلك المثاليات وللإحباط الذي يعقب ظهورها:

راقب ما تشعر به من إحباط تجاه الآخر، وفكر في الأفكار المثالية التي صنعتَها له في مخيلتك، وكيف كنت تريد له أن يتصرف؟ لا تتمسك بأفكارك حول الكيفية التي يجب عليه أن يتصرف بناءً عليها، ولكن انتبه إلى مثالياتك لكي تدرك أنَّها تضر بك، واعلم أنَّها غير مفيدة.

4. مراقبة غضبك:

عندما يخيب أملك بالآخر، فكِّر فيما يجعلك تفكر أو تشعر به؛ إذ يمكنك أن تقرر بعدها أن تكظم غيظك، قبل أن يؤثر في تصرفاتك، وهو أمر يمكنك إدراكه واكتشافه قبل فوات الأوان وتغييره.

مراقبة غضبك

5. مراقبة الضيق الذي تشعر به:

انتبه إلى التأثير الذي يحدثه ذلك في جسدك، وهو الضيق الذي يأتي من التمسك بتلك المثل، وانتبه إلى الشعور الذي يخلفه ذلك وإلى نوعية الطاقة في جسمك، أين تتموضع؟ وكيف تغيرَت؟

في لحظة الانتباه تلك، ستكون متيقظاً بدلاً من أن تستغرق في تفكيرك فيما يجب أن يتصرف ذلك الشخص. في تلك اللحظة جرب منهجاً آخر.

إقرأ أيضاً: أيّ نوع من الغاضبين أنت؟

البديل:             

  • بدلاً من التمسك بالطريقة التي يجب أن يكون الشخص أو الظروف عليها، تقبَّل وجود طرائق أخرى كثيرة يمكن أن يكون عليها ذلك الشخص أو تلك الحالة.
  • حاول فهم ذلك الشخص، بدلاً من الحكم عليه بناء على معطيات ناقصة، وحاول أن تفهم سبب تصرفه بتلك الطريقة؛ ربما بداعي الخوف، وربما هو يعاني بطريقة أو بأخرى، أو ربما تلك مجرد آلية دفاعية.
  • حاول أن تجد الطيبة التي تكمن وراء تصرفات ذلك الشخص، ربما ستجد أنَّه رقيق القلب وخائف، وأنَّ الخوف هو ما دفعه إلى القيام بما قام به، أو ربما كان يريد أن يصبح سعيداً وكانت تلك طريقته في تحقيق ذلك، أو ربما كان ينوي خيراً ولكنَّه أخطأ في ذلك.

لكلٍّ منا قلبٌ طيب في أعماقه، ولكن ربما تصعب رؤيته، ومن الممكن أن ينبع الغضب من الغيرة، والتي تنبع من انعدام الأمان والخوف النابع عن قلب رقيق يعتقد بأنَّنا لا نبلي حسناً. لا يمكن تبرير الفعل الناجم عن الغضب، ولكن لا بد من وجود طيبة تكمن وراءه.

  • انظر إلى معاناته التي تسبَّبَت في تصرفه، واعلم أنَّك قد عانيت بالطريقة نفسها، تذكَّر كيف جعلَتك تلك المعاناة تشعر، وستتمكن من فهم ما يمر به، وتمنَّ له انتهاء تلك المعاناة.
  • تذكَّر أنَّه لا يمكن أن تملي على الناس أفعالهم؛ لأنَّه يصعب على المرء ذاته أحياناً معرفة كيف يجب أن يتصرف.
  • عُدَّ الشخص الآخر معلماً؛ فهو يساعدك على ممارسة اليقظة والتخلي عن أنماط تفكيرك القديمة، ويعلمك عن الواقع مقابل المثاليات حول كيفية تصرف البشر.
  • انظر إلى الضيق الذي تحمله حقاً، واسترخِ فقط، وابتسم وكن سعيداً في هذه اللحظة الحالية.
  • عوِّد نفسك على رؤية الخير في الآخرين وفي نفسك وفي الظروف الحالية، فهناك دائماً خير كامن في الوقت الحاضر إن اخترت أن تراه، وثِق بهذا الخير وسيقل خوفك وتزيد سعادتك.

هذه بعض النصائح، جرِّبها وتدرب عليها مراراً وتكراراً؛ إذ ستسعد بذلك وتتحسن كل علاقاتك.

المصدر.




مقالات مرتبطة