توقف عن معاقبة شريكك حالاً

واجهنا جميعاً نتائج أفعالنا في مرحلة ما من حياتنا سواء أكان ذلك فترات مُنِعنا خلالها من اللعب حين كنا أطفالاً، أم أقساط التأمين التي ارتفعت بعد حادث سيارة، أم منح الترقية لموظف آخر على الرغم من استحقاقنا لها؛ لكنَّ هذا الأمر لا ينطبق على العلاقات أبداً؛ فالعقاب لا يُجدي نفعاً.



تحديد السلوك العقابي في العلاقة أهم اليوم من أي وقت مضى في عالمنا الذي تسوده العزلة الاجتماعية، فنقضي المزيد والمزيد من الوقت في المنزل مع شركائنا، ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى بعض الإحباط وحتى مشكلات في التواصل ريثما نعتاد هذا الوضع الجديد.

إنَّ التعرض للعقاب في علاقة يختلف عن الخلافات المعتادة التي يواجهها كل زوجين، تلك مشكلة جدية في العلاقة وتجب معالجتها على الفور.

ما هو العقاب في العلاقات؟

العقوبة في العلاقات هي عندما يحاول أحد الشريكين عن قصد جعل الآخر يشعر بالسوء بسبب تصرف أو سلوك لا يوافق عليه، فعندما تعاقب شريكك فإنَّك تريد أن تعلمه درساً عن شيء فعله كي لا يفعله مرة أخرى في المستقبل.

توجد أنواع عديدة من السلوك العقابي في العلاقة، بالطبع الأذى الجسدي غير مقبول بتاتاً، لكن غالباً ما تكون العقوبة بأشكال أقل وضوحاً، يعرف معظم الناس المعاملة الصامتة؛ وهي في الواقع شكل من أشكال العقاب، ويمكن استخدام رفض التعامل بمودة كعقاب، والنوم في أماكن منفصلة أو تجنب شريكك، وكذلك إيذاء شريكك عمداً؛ على سبيل المثال من خلال نسيان القيام بشيء ما طلبه.

عندما ننزعج في العلاقة فإنَّ السبب الحقيقي هو الخوف، الخوف من أنَّ شخصاً ما أو شيئاً ما لا يسير وفقاً للخطة؛ أي إنَّ حاجتنا البشرية الأساسية لليقين لم تُلبَّ؛ لذلك يكون رد فعلنا هو محاولة استعادة السيطرة على الموقف، وإحدى أشيع الطرائق والأسوأ هي معاقبة أحد أطراف العلاقة.

ماذا يحدث عندما تمارس السلوك العقابي في العلاقة؟

العقوبة هي نقيض التواصل؛ لهذا فهي ضارة جداً بالعلاقات، فبدلاً من اكتشاف جذر المشكلة والعمل على حلها يؤدي الافتقار إلى التواصل إلى تفاقم الجفاء بينكما وابتعادكما عن بعضكما أكثر فأكثر؛ ونتيجة لذلك تشعر بأنَّك فقدت السيطرة، وعندما تبدأ في معاقبة شريكك فإنَّك تخاطر بالتسبب بإصابة عميقة، حيث تؤدي العقوبة إلى الأذى والألم والإهمال الذي يؤدي إلى:

الشعور بالوحدة:

إنَّ التعرض للعقاب في علاقة ما يُشعِر كلا الشريكين بمزيد من الوحدة ويزيد سوء الفهم، ومن ذلك الشخص الذي يطبق العقوبة.

عدم المساواة:

غالباً ما يشير السلوك العقابي في العلاقة إلى عدم توازن، فيمتلك أحد الشريكين السلطة على الآخر، لكن لا يمكنكما حقاً العمل كفريق عندما يكون هناك خلل في توازن القوى.

انعدام الثقة:

عندما تطبق العقوبة في العلاقات مراراً وتكراراً يمكن أن يكون ثمة انهيار خطير في الثقة، بحيث أنَّه حتى لو بقي كل منكما في العلاقة فسيكون بينكما شرخ عاطفي ونفسي هائل.

إقرأ أيضاً: 15 طريقة لتعزيز الثقة بالنفس

الانتقام:

يؤدي اللجوء إلى الانتقام رداً على العقاب إلى دخول طرفي العلاقة في سلسلة لا تنتهي من السلوكات الانتقامية، فيشعر أحد الشريكين أنَّه تعرَّض لعقوبة ظالمة فيعاقب شريكه في المقابل؛ فلا تقيد نفسك بهذه السلوكات الانتقامية.

الشريك الذي يطبق العقوبة في علاقة يحاول إنشاء حاجز لحماية نفسه من المزيد من الألم، ولكن يوجد بديل يمكنك أن تعبر عن خيبة أملك وتضمن أنَّ شريكك يتعلم من التجربة، ويتعلق هذا البديل بمكون رئيس واحد هو التعزيز.

نقيض العقوبة: التعزيز

إذا كنت تريد حقاً إصلاح السلوك العقابي في علاقة ما، فيجب أن تفهم قوة التعزيز؛ وهو مفهوم نابع من دراسة عن طريقة تدريب الدلافين، فالدلافين مخلوقات حساسة بطبيعتها واجتماعية للغاية، ولكن إذا حدث شيء يخل بحالتهم تلك فقد يصابون بالإحباط.

أظهرت الأبحاث أنَّه عندما يريد المدرب أن يخرج الدلفين من هذا الإحباط وأن يحسن أداءه، ويختار فعل ذلك بأسلوب غاضب، فإنَّ الدلفين يشعر بهذه الطاقة ويسوء حاله أكثر، لكن عندما ينفذ المدرب مفهوم التعزيز؛ أي على سبيل المثال يقدم دلواً كاملاً من الأسماك للدلفين يفرح الدلفين جداً ويخرج من حالته الاكتئابية.

عندما يبدأ الدلفين في تقديم الأداء الذي يريده المدرب يعزز المدرب ذلك السلوك على الفور؛ أي إنَّه لا يعاقب أبداً؛ بل يعزز فقط، وعندما لا يكون هناك شيء لتعزيزه يسعى المدرب إلى تقديم محفز بسيط يوجه الدلفين في النهاية في الاتجاه الصحيح.

لا يعني ذلك أنَّ البشر بسيطون لهذه الدرجة أو أنَّه عليك التنازل، لكن من المفترض أن تفتح عينيك لترى أنَّ لديك دائماً خيار معاقبة شخص ما في علاقة أو تعزيز سلوكه.

خذ تدريب الأطفال على استخدام الحمام مثالاً آخر، لن تعاقب طفلك عندما لا يستخدم دورة المياه على نحو صحيح؛ بل ستكافئ وتعزز السلوك الحسن، أي كتاب حديث عن تربية الأطفال سيوصي بهذا، وفي بعض الأحيان يجب أن تكافئ المحاولات والنيات الحسنة؛ لأنَّك إذا انتظرت السلوك المثالي لمنح مكافأة فستنتظر وقتاً طويلاً جداً؛ لذا فإنَّك تكافئ جهودهم حتى لو لم تؤدِّ إلى نجاح كامل.

شاهد بالفديو: مواصفات جوهرية في شريك الحياة

إتاحة الفرصة لإقامة علاقة جديدة:

يدور التعزيز حول الصراحة في العلاقة، فعندما تكون صريحاً حتى في الأوقات الصعبة، وعندما تكون خائفاً ومجروحاً وغاضباً وتختار أن تتذكر أنَّك تحب شريكك وتقرر ألا تتسبب في المزيد من الألم، حينها ستعمل حقاً لمصلحة العلاقة.

بينما تركز على اللطف والتعزيز الإيجابي بدلاً من معاقبة شريكك فإنَّك تمهد الطريق لإقامة علاقة وطيدة، ومن خلال التعامل مع شريكك بلطف ورحمة فإنَّك تشجعه على معاملتك بالمثل؛ ممَّا يتيح لك التواصل على نحو أفضل معه، والوقوف بجانبه خلال مواجهته الصعوبات بدلاً من مراقبته عن بعد، وبذلك تقترب منه أكثر.

اللطف ليس سمة ثابتة في العلاقة؛ بل أشبه بعضلة يجب تدريبها كل يوم حتى تكبر وتنمو، "عندما نعامل الآخرين بلطف ورحمة فإنَّنا ندربهم على كيفية معاملتنا" المؤلف "توني روبينز" (Tony Robbins).

أهمية التجاذب بين الزوجين:

لا يعني اختيار مسار التعزيز قمع المشاعر أو العواطف عندما يفعل شريكك شيئاً يزعجك، ففي العلاقة يجب أن يكون كلا الشريكين قادرين على مشاركة أي شيء في أي وقت، المفتاح هو أن تعامل المشكلة عندما تكون في وضع مريح، وليس عندما تشعر أنَّ الطرف الآخر يعاقبك.

حتى تكون في وضع مريح يجب أن تتبنى عقلية الوفرة وتناقش شريكك بحب؛ لذا عبِّر عن شعورك دون التذكير بأحداث ماضية أو توجيه اتهامات، وليكن هدفك الوحيد هو مساعدة شريكك على الشعور بأنَّك تفهمه وتهتم به؛ ممَّا يسهل التواصل ويساعد على الحفاظ على الجاذبية بين الزوجين.

النساء كائنات حساسة للغاية تغمرهن المشاعر طوال الوقت، عندما تختار المرأة تطبيق سلوك عقابي في علاقة ما تصبح طاقتها رجولية، وإذا استسلم الرجل تصبح طاقته أكثر أنوثة وستختفي الجاذبية، وبالمثل إذا عاقب الرجل زوجته ستنطوي على نفسها وتصبح أكثر ذكورية، ومرة أخرى تختفي الجاذبية.

إقرأ أيضاً: 3 طرق لتعزيز الذكاء العاطفي في زواجك

في الختام:

من الهام أن نفهم أنَّ النساء غالباً ما يربطن كل شيء بالمشاعر، وأنَّ ذكرياتهن تكون مفصلة جداً؛ لأنَّ المعلومات المقترنة بالعاطفة تدوم أطول، من ناحية أخرى لا يقرن الرجال العاطفة بكل شيء، ليس لأنَّهم لا يهتمون؛ بل يعود الأمر إلى الطاقة الذكورية التي تدور حول حل المشكلة ثم نسيانها، أما الطاقة الأنثوية لا تعني النسيان؛ بل الاحتفاظ بالأحداث في الذاكرة، وأحياناً يكون النقاش وسيلة لتحرير تلك الطاقة.

عندما تجد نفسك بدأت في معاقبة الآخر اتخذ قراراً باختيار التعزيز؛ لأنَّ بيدك الاختيار دائماً إما الاستسلام للرغبة في تطبيق العقاب في العلاقة وإثارة المزيد من المقاومة والانفصال والتنافر، أو تطبيق مبدأ التعزيز وتعلم كيفية بناء علاقة أقوى.




مقالات مرتبطة